جاري التحميل

يوسف بشير التيجاني السوداني

الأعلام

يوسف بشير التيجاني السوداني([1])
(1912 ـ 1937م)

ولد هذا الشاعر سنة 1912م، وكان في طليعة شعراء العهد الجديد في السودان مبتكراً في ألفاظه ومعانيه، وفي خياله وموضوعاته، لقد كان مخلصاً لقوميته ومن الأدباء الذين شقوا طريقهم إلى الخلود، فودع الحياة ومضى إلى لقاء ربه وهو في عمر الزهور، ولو امتد به الأجل لكان من ألمع الشعراء في ميدان الأدب الجديد، وهذه قصيدة (من أغوار القلب)، تدل على أسلوبه وأثره الأدبي الباقي.

يا طرير الشباب، من صاغ هذا الـ

ـحسن في زهره وفي استكباره؟

من أذاب الضياء فيه، ومن نغْـ

ـغَم شجو الهوى على أوتاره؟

والفتور الذي بعينيك من موْ

وَه سحر الحياة في أقطاره؟

صاح هذا الجمال، من نم عنـ

ـه، لصرف الزمان أو أغياره؟

حرت! ما الحب؟ ما الهوى؟ ما التعابيـ

ر اللواتي ينبئن عن أسراره

نظرة كالصلاة، زلفى إلى الله

وقربى لعزه واقتداره

يا ربيع الحياة في غير شيء

من مجالي اخضراره واحمراره

يا ربيع الحياة في كل شيء

من معاني عبيره وازدهاره

غمروا بالحنان روحك واستنـ

ـزفت قلبي إليك من أغواره

إن الشباب هو دم الأمة يبعث فيها الحياة ويمدها بالقوة والثقة، ولكننا كثيراً ما نرى الشباب وهم في ذروة تألقهم قد غشت سماءهم الصافية سحب الهم والتشاؤم، ولعل هذا يرجع إلى التصادم بين تلك الصورة المثالية من الحياة التي رسمها خياله الخصيب، وبين الواقع الموحش الأليم.

وقد كان حساساً مرهف العاطفة أخذ يصفها ويتألم من وجودها.

رب في الإشراقة الأو

لى على طينة آدم

أمم تزخر في الغيـ

ـب وفي الطيفة عالم

ونفوس تزحم الما

ء وأرواح تحاوم

سبح الخلق وسبحـ

ـت وآمنت وآمن

وتسللت من الغيـ

ـب وآذنت وآذن

ومشى الدهر دراكا

وبذ الخطو إلى من؟

في تجلياتك الكبـ

ـرى وفي مظهر ذاتك

والجلال الزاخر الفياض

من بعض صفاتك

والحنان المشرق الوضْـ

ضَاح من فيض حياتك

والكمال الأعظم الأعـ

ـلى وأسمى سبحاتك

قد تعبدتك زلفى

ذائداً عن حرماتك

فنيت نفسي وأغرقـ

ـتبها في صلواتك

شعره الصوفي: ينبع الشعر الصوفي السوداني من معين المثالية المطلقة والتحرر من أغلال الواقع والمادة، ويتجلى في قصيدته الصوفية أنه كان من كبار شعراء الصوفية، حيث قال:

هذه الذرة كم تحمْـ

ـمَل في العالم سرا

قف لديها وامتزج في

ذاتها عمقاً وغوراً

وانطلق في جوها الممـ

لوء إيماناً وبرّا

وتنقل بين كبرى

في الذراري وصغرى

تركل الكون لا يفـ

ـتر تسبيحاً وذكرى

وانتش الزهرة، والزهـ

رة كم تحمل عطراً

نديت واستوثقت في الـ

أرض إعراقاً وجذرا

وتعرت عن طرير

خضل يفتر نضراً

سل هزار الحقل من أنـ

ـبته ورداً وزهرا

وسل الوردة من أو

دعها طيباً ونشرا

والسكون المحض ما أو

ثق بالروح عراه

كل ما في الكون يمشي

في حناياه الإله

هذه النملة في رقْـ

ـقَتها رجع صداه

هو يحيا في حواشيـ

ـها وتحيا في ثراه

لم تمت فيها حياة الله

إن كنت تراه

أنا وحدي كنت أستجـ

ـلي من العالم همسه

أسمع الخطرة في الذرْ

رِ وأستبطن حسه

واضطراب سالب أو

موجب أسمع جرسه

وأرى عيد فتى الور

د وأستقبل عرسه

وانفعال الكرم في صحـ

ـرائه أشهد غرسه

رب سبحانك إن الـ

ـكون لا يعرف نفسه

صغت من نارك ما يخـ

ـشى ومن نورك أنسه

وفاته: لقد عصفت المنية بروح هذا الشاعر في سنة 1937م وهو في الخامسة والعشرين ربيعاً من عمره.

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/491 ـ 492).

الأعلام