جاري التحميل

سعيد بن كثير بن عفير بن مسلم بن يزيد بن حبيب بن الأسود الأنصاري مولاهم

سَعِيدُ بنُ كَثِيْرِ بنِ عُفَيْرٍ بنِ مُسلِمِ بنِ يَزِيدَ بنِ حَبيبِ بنِ الأَسوَدِ الأَنْصَارِيُّ مَولاهُم

ترجم له الإمام ابن ناصر الدين في كتابه إتحاف السالك برواة الموطأ عن الإمام مالك والذي صدر عن دار المقتبس في طبعته الأولى سنة 1439هـ - 2018م بتحقيق الدكتور إبراهيم حمود إبراهيم،

فقال :

[اسمه: ] سَعِيدُ بنُ كَثِيْرِ ([1])بنِ عُفَيْرٍ بنِ مُسلِمِ بنِ يَزِيدَ بنِ حَبيبِ بنِ الأَسوَدِ الأَنْصَارِيُّ([2]) مَولاهُم، أَبُو عُثمانَ المِصريُّ. صَحِبَ مالكاً([3]) وسَمِعَ منهُ «الموطَّأَ»([4]) وغـيرَ شيءٍ، وغَلبَ عليـهِ الحديثُ والأخبـارُ، فكان علَّامةً بأَخبارِ النَّاسِ، ولهُ تاريخٌ([5]).

رُوِيَ عنهُ أنَّـه قـال: سمعتُ في المنامِ قائلاً يقول: إِنَّ اللهَ لا يَعْبَأُ بِصاحبِ رِوايةٍ وحكايةٍ، وإنَّما يَعبأُ بصاحبِ قلبٍ ودِرَايةٍ([6]).

روى أيضاً عن:اللّيثِ بنِ سعـدٍ، وعبدِ اللهِ بنِ لَهِيْعَةَ، ويعقوبَ بنِ إبراهيمَ ابنِ سعدٍ([7]) وآخرينَ([8]).

روى عنه: البخاريُّ، وروى مسلمٌ والنَّسائيُّ عن رجلٍ عنهُ([9])([10]).

[وفاته: ] تُوفِّي سعيدٌ يومَ السبتِ لِسبعٍ بَقينَ من رمضانَ سنةَ سِتٍّ وعشرينَ ومائتينِ([11]).

[مولده: ] وكان مولدهُ سبعٍ وأربعينَ ومائةٍ([12]).

وبقي العلمُ في بنيه([13]) زماناً بعدَهُ([14]).

187 ـ أخبرنا أبُو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النِّعَالِيُّ إجازةً إن لم يكن سماعاً، أخبرتنا فاطمةُ ابنةُ سليمانَ الأنصاريّةُ إِذناً، عن أبي منصورٍ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ البَنْدَنِيجِيِّ، أنَّ أبا منصورٍ محمدَ بنَ عبدِ الملكِ ابنِ خَيْرُوْنَ أنبأَهُ، عن أبي بكرٍ أحمدَ بنِ عليٍّ الحافظِ، أخبرنا أبُو الحسنِ عليُّ بنُ محمدِ بنِ محمدِ بنِ أحمدَ بنِ عثمانَ الطِّرَازِيُّ بِنيْسَابُورَ، حدثنا أبُو العبـاسِ محمدُ بنُ يعقوبَ الأصمُّ، أخبرنا عبيدُ اللهِ بنُ سعيدِ بنِ كَثِيرِ ابنِ عُفَيْرٍ: حدثنا أبي، حدثنـا مالـكُ بنُ أنسٍ، عن عمِّه أبي سهيلِ بنِ مالكٍ، عن عطاءٍ([15])، عن عبدِ الله رضي الله عنه([16]) قَالَ: قُلتُ: يَا رسولَ اللهِ! أَيُّ المُؤْمنينَ أَفْضلُ؟ قَالَ: «أَحْسَنُهمْ خُلقاً».

قُلـتُ: فَأَيُّ المُؤْمنينَ أَكْيسُ؟ قَال: «أَكْثَرُهمْ للموتِ ذِكْراً، وَأَحْسَنُهمْ لهُ اسْتِعْداداً، أُولَئكَ الأَكْيَاسُ».

ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «خَمْسُ خِصَالٍ أَعُوذُ باللهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الفَاحشَةُ في قَوْمٍ قَـطُّ حتَّى يُعْلِنُوا بها إِلَّا فَشَا فِيهمُ الطَّاعُونُ والأَوْجَاعُ الَّتي /[45ـ ب] لَمْ تكُنْ فَشَتْ في أَسْلَافِهمْ، وَلَمْ يَنْقُصُوا المِكْيالَ والمِيزانَ إِلَّا أُخِذُوا بِشـدَّةِ المؤونةِ، وجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِـمْ، ولَمْ يَمَنَعُـوا الزَّكَـاةَ إِلَّا مُنِعُوا المَطرَ، ولَوْلَا البَهائِمُ لَـمْ يُمْطَرُوا، ولَـمْ يَنْقُضُوا عَهْـدَ اللهِ وعَهْدَ رَسُولهِ إِلَّا سَلَّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا في أَيْدِيهِمْ، ومَا لَـمْ يَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بكتابِ اللهِ ويَتَّخِذُوا فيمَا أَنْزلَ اللهُ إِلَّا جَعلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ».

غريبٌ جـدًّا من حديـثِ مالكٍ، تفرّد بروايتِه سعيدُ بنُ عُفَيْرٍ، وعنهُ ابنُهُ عبيدُ اللهِ، قالَهُ الخطيبُ([17]).

189 ـ وقال الحاكمُ أبُو عبدِ اللِه محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحافظُ: أخبرنا أبُو أحمدَ بكرُ بنُ محمدٍ الصَّيْرَفِيُّ بمَرْوَ، حدثنا أبو الأحْوصِ القاضي([18]):

سمعتُ ابنَ عُفَيْرٍ يقول: قال رجلٌ لمالكِ بنِ أنسٍ: يا أبا عبدِ اللهِ، الرَّجلُ يَختصِـرُ الحديثَ؟ فقال: مَا كـانَ من حديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى بِهِ على جِهَتهِ، وأمَّا مَا كانَ من كَلامِ النَّاسِ فَلا بَأْسَ بهِ([19]).

190 ـ وقال الحاكـمُ أيضاً: حدثنا أبُو جعفرٍ البغداديُّ([20])، حدثنا يحيى بنُ عثمانَ بنِ صالحٍ:

حدثنـا سعيدُ بـنُ عُفَيْرٍ، سألتُ مالكَ بنَ أنسٍ عن الرَّجلِ يَسْمَعُ الحديثَ فيُؤدِّيهِ على المعنـى. قال: لا بَأْسَ بهِ، إلَّا حَدَيثَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فإِنِّي أَسْتَحِبُّ أنْ يُؤْتَى بهِ على أَلْفَاظهِ(2)(3).

*  *  *([21]) ([22])



([1])   قال ابن حجر في «تقريب التهذيب»: (ص 240): صدوق، عالم بالأنساب وغيرها. قال الحاكم: يقال إن مصر لم تخرج أجمع للعلوم منه، وقد رد ابن عدي على السعدي في تضعيفه، مـن العاشرة، مات سنة (226ﻫ)، روى له البخاري و مسلم وأبو داود في القدر والنسائي.

قال الدكتور نور الدين عتر في تحقيقه لكتاب «المغني في الضعفاء» (1/382): هو صدوق إذا حدث من حفظه، ثقة إذا حدث من كتابه.

ينظر ترجمته في: «التاريخ الكبير»: (3/509)، «الضعفاء»: (2/110)، «الجرح والتعديل»: (4/56 ـ 57)، «الثقات»: (8/266)، «الكامل»: (3/411)، «رجال صحيح البخاري»: (1/291)، «رجال صحيح مسلم»: (1/253)، «الإرشاد»: (1/418)، «التعديل والتجريح»: (3/1079)، «السابق واللاحق» (ص299)، «الإكمال»: (6/226)، «ترتيب المدارك»: (1/263 ـ 264)، «المعجم المشتمل» (ص 129)، «تهذيب الكمال»: (11/36 ـ 41)، «سير أعلام النبلاء»: (10/583 ـ 586)، «ميزان الاعتدال»: (3/224 ـ 225)، «الكاشف»: (1/443)، «المغني»: (1/382)، «تذكرة الحفاظ»: (2/427 ـ 428)، «العبر»: (1/396)، «تاريخ الإسلام»: (16/180 ـ 183)، «توضيح المشتبه»: (6/433)، «تهذيب التهذيب»: (4/66)، «تقريب التهذيب»: (ص240)، «طبقات الحفاظ»: (ص 187 ـ 188)، «شذرات الذهب»: (2/58)، «شجرة النور الزكية»: (ص59).

([2])   وقال أبو سعيـد بنُ يونُس كما في «تهذيب الكمال»: (11/40): دعوتهم في موالي بني سلمة من الأنصار، وكان سعيد يقول: إنَّه من صليبة بَني تَميم من بَني حَنْظَلة بن يَرْبوع، وإنَّه جرى عليه سبيٌ في الجاهلية، فأعتقهم بنو سلمة.

([3])   قـال ابن ناصر الدين الدمشقي في «توضيح المشتبه» (6/433): صاحب مالك، وله ولدان رويا عنه هما: عبيد الله، وأسد.

([4])   وذكره في رواة «الموطأ»: ابن الأكفاني في «تسمية من روى الموطأ عن مالك» (ص201ـ أ)، والقاضي عياض فـي «ترتيـب المدارك» (1/108)، والسـيوطي في «تنويـر الحوالك» (1/10).

([5])   قاله القاضي عياض في «ترتيب المدارك»: (1/263).

قال الحافظ أبو سعيـد بن يونس كما في «تهذيب الكمال»: (11/40): كان من أعلم الناس بالأنساب والأخبـار الماضية وأيام العرب والتواريخ، كان في ذلك شيئاً عجباً، وكان مع ذلك أديباً فصيحَ اللِّسان، حاضرَ الحجة، شاعراً مليحَ الشِّعر، لا تَملُّ مجالسته.

([6])   خرَّجه من قول سعيد بن كثير: القاضي عياض في «ترتيب المدارك»: (1/264)، وزاد: قال ابن عفير: سمعت في المنام قائلاً يقول: إن الله لا يعبأ... فذكره. وخرَّجه الخطيب في «تاريخ بغداد»: (4/431 ـ 432)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»: (48/253) كلاهما من طريق أحمد بن محمد بن الحسين أبي محمد الجريري به.

([7])   الصواب أنه: يعقوب بن عبد الرحمان بن عبد القاري المدني، سكن الإسكندرية، توفي سنة (181ﻫ) كما ترجم له المزي في «تهذيب الكمال»: (32/348 ـ 349): فهذا الذي روى عنه سعيد بن كثير كما قال البخاري في «التاريخ الكبير»: (3/509) وغيره.

وأما يعقوب بن إبراهيم بن سعـد القرشي الزهري ـ ولا يوجد غيره بهذا الاسم ـ أبو يوسف المدني، نزيل بغداد، توفي سنة (208ﻫ) كما ترجم له المزي في «تهذيب الكمال»: (32/308 ـ 309) الذي ذكره ابن ناصر الدين الدمشقي هنا نقلاً عن القاضي عياض في «ترتيب المدارك»: (1/263): فلم يروِ عنه سعيد بن كثير.

([8])   «تهذيب الكمال»: (11/37)، «تهذيب التهذيب»: (4/66).

([9])   هذا الرجل هو أحمد بن عاصم البلخي كما قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب»: (4/66).

([10])   «تهذيب الكمال»: (11/37 ـ 38)، «تهذيب التهذيب»: (4/66).

([11])   هذا قـول أبي سعيـد بن يونس كما في «الجمـع بين رجـال الصحيحين»: (1/168)، و«تهذيب الكمال»: (11/40 ـ 41).

وقول ابن ناصر الدين الدمشقي: (لسبع بقين من رمضان): زاده ابن عساكر في «المعجم المشتمل» (ص 129).

وقال الذهبي في «الكاشف»: (1/294): وله ثمانون سنة.

([12])   ذكر ذلك الكلاباذي في «الجمع بين رجال الصحيحين»: (1/168)، والقاضي عياض في «ترتيب المدارك»: (1/264)، وتبعه ابن ناصر الدين الدمشقي.

وما عليه أكثر العلماء: أنه ولد سنة (146ﻫ)، قاله المزي في «تهذيب الكمال»: (11/41) ونسبه لأبي يونس، والذهبي في «تاريخ الإسلام»: (16/182)، وابن حجر في «تهذيب التهذيب»: (4/66)، والسيوطي في «طبقات الحفاظ»: (ص188) و هذا هو الراجح، والله أعلم.

([13])   في «ترتيب المدارك»: (1/264): (بيته)، وقد مر في ترجمة سعيد بن كثير أنه كان له ابنان عالمان، فكلا اللفظين صحيح، والله أعلم: أن العلم بقي في بيته، وفي بنيه بعد موته. ينظر: «ترتيب المدارك»: (1/264)، «شجرة النور الزكية»: (ص59).

([14])   قاله القاضي عيـاض في «ترتيب المدارك»: (1/264)، وينظـر: «شجرة النور الزكية»: (ص59).

([15])   هو عطاء بن أبي رباح رحمه الله.

([16])   هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

([17])   خرَّجه ابـن حبـان في «المجروحين»: (2/67) برقم (615)، وابن عدي في «الكامل»: (3/411)، والبيهقي في «شعب الإيمان»: باب في الزهد وقصر الأمل (7/351) برقم (10550) كلهم من طريق عبيد الله بن سعيد بن كثير بن عُفير، عن أبيه، عن مالك ابن أنس، عن عمه أبي سهيل، عن عطاء، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما... الحديث.

قال ابن حبان في «المجروحين»: (2/67): عبيد الله بن سعيد بن كثير: يروي عن أبيه عن الثقات الأشياء المقلوبات لا يشبـه حديثه حديث الثقات، روى عن أبيه، عن مالك بن أنس، عن عمـه أبي سهيل بن مالك، عن ابن أبي رباح، عن ابن عمر... فذكر الحديث. قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد.

          قال ابن عدي في «الكامل»: (3/411): ولم أجد لسعيد بعد استقصائي على حديثه ما يُنْكرُ عليـه سوى هذين الحديثين، يرويهما عنه ابنه عُبَيد الله، ولعل البلاء من عبيد الله، فهو ضعيف، فينبغي أن يذكر في ترجمة عبيد الله ويتخلص سعيد.

وقد رأيت سعيد بن عفير عن كل من يروي عنهم إذا روى عنه ثقة مستقيماً صالحاً.

قلت: وخرَّجه البيهقي في «شعب الإيمان»: الباب السابع والخمسون من «شعب الإيمان»: وهو باب في حسن الخلق (6/235) برقم (7993) من طريق أخرى: عن جعفر بن أحمد ابن علي المعافري، عن سعيد بن كثير بن عفير، عن مالك بن أنس، عن عمه أبي سهيل ابن مالك، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما به.

وجعفر بن أحمد المعافري بن بيان بن زيد أبو الفضل الغافقي المصري، يعرف بابن أبي العلاء.

قال ابن عدي في «الكامل في الضعفاء»: (2/156): وعامة أحاديثه موضوعة.

والحديث مخرَّج من غـير طريق مالـك:

  من طريق حفص بن غيلان، عن عطاء، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم به.

خرَّجه البـزار في «مسنـده»: (12/315)، والطبراني في «المعجم الأوسط»: (5/61 ـ 62) برقم (4671). قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/318): رجاله ثقات. وخرَّجه الحاكم في «المستدرك»: في كتاب الفتـن والملاحم (4/583) برقم (8623) قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

وخرَّجه البيهقي في «شعب الإيمان»: الباب الثاني والعشرين من شعب الإيمان: التشديد على من منع زكاة ماله (3/196 ـ 197) برقم (3314).

2 ـ ومن طريق خالـد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم به.

خرَّجه ابن ماجـه في «سننه»: كتاب: الفتن، باب: في العقوبات (2/1332) برقم  (4019)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء»: (8/333).

قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (10/193): في إسناده خالد بن يزيد بن أبي مالك، وكان من فقهاء الشام، لكنه ضعيف عند أحمد وابن معين وغيرهما، ووثقه أحمد ابن صالح المصري وأبو زرعة الدمشقي، وقال ابن حبان: كان يخطىء كثيراً.

([18])   أبو الأحوص: محمد بن الهيثم بن حماد بن واقد الثقفي، مولاهم، أبو الأحوص، البغدادي، ثم العُكبري، قاضيها، ثقـة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة (299ﻫ)، روى له ابن ماجه. «تقريب التهذيب»: (ص511).

([19])   هذه المسألة هـي ما يسميه المحدثين باختصار الحديث، وهي أن يروي بعض الحديث ويحذف البعض الآخر:

قال طاهر بن صالح الجزائري في توجيـه النظر (2/705): اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من منعه مطلقاً بناء على منع الرواية بالمعنى، ومنعه بعضهم وإن جازت الرواية بالمعنى إذا لم يكن رواه هو أو غيره بتمامه قبل هذا، وجوزه جماعة مطلقاً.

 والصحيح الذي ذهب إليه الجمهور والمحققون من أصحاب الحديث والفقه والأصول التفصيل وجواز ذلك من العارف إذا كـان ما تركـه غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة بتركه.                                                                                 

       قال الدكتور نور الدين عتر في منهج النقد (ص231): وقد درج على ذلك واشتهر به الإمام البخاري، فإنه يروي الحديث الواحد في مواضع كثيرة بحسب ما يستنبط من الحديث من الفوائد والأحكام، ويروي في كـل مناسبـة الجملة التي تلائمها من متن الحديث، ويذكره بتمامه في بعض المواضع ليعلمه القارئ كله. وينظر هذه المسألة بتوسع في: «علوم الحديث» لابن الصلاح (ص215)، و«تدريب الراوي» (2/103/ 104).

([20])   أبو جعفر البغدادي: محمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة بن جميل أبو جعفر البغدادي، سكن سمرقند، وكـان ثبتاً صحيح السماع حسن الأصول، سافر الكثير وكتب بالشام ومصر والحجاز واليمن.

قال أبو سعيد عبـد الرحمن بن محمد الإدريسي: كتبنا عنه وكان ثقة في الحديث فاضلاً، انتخب عليه أبو علي الحافظ النيسابوري، وكتب عنه الحفاظ، مات سنة (345ﻫ). «تاريخ بغداد»: (3/217 ـ 218).

([21])    وهنـا لا بد من الإشارة إلى أقـوال العلماء في روايـة بالحديث بالمعنى، فمـن العلماء من ذهب إلى جواز رواية الحديث بالمعنى، ومنهـم من منع ذلك وقال بوجوب الإتيان به بلفظه من دون زيادة أو نقصان.

 قال ابن الصلاح في علوم الحديث (ص213ـ 215): فإنْ لم يكن عالماً عارفاً بالألفاظ ومقاصدها، خبيراً بما يحيل معانيها... فلا خلاف أنه لا يجوز له ذلك. فأما إذا كان عالماً عارفاً بذلك، فهذا مما اختلف فيه السلف وأصحاب الحديث وأرباب الفقه والأصول، فجوزه أكثرهم، ولم يجوزه بعض المحدثين وطائفة من الفقهاء والأصوليين من الشافعيين وغيرهم. ومنعه بعضهم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجازه في غيره.

          والأصح: جواز ذلـك في الجميع إذا كان عالماً بما وصفناه قاطعاً بأنه أدّى معنى اللفظ الذي بلغـه، لأن ذلـك هو الذي تشهد به أحوال الصحابـة والسلـف الأولين، وكثيراً ما كانوا ينقلون معنىً واحداً في أمرٍ واحدٍ بألفاظ مختلفةٍ، وما ذلك إِلا لأن مُعَوَّلهم كان على المعنى دون اللفـظ. وينبغي لمن يروي حديثاً بالمعنى، أن يُتْبِعَهُ بأن يقول: «أو كما قال، أو نحو هذا» أو ما أشبه ذلك من الألفاظ. رُوِيَ ذلك من الصحابة عن ابن مسعود وأبي الدرداء و أنس رضي الله عنهم.

          قال الدكتور نور الدين عتر في منهج النقد (ص228): إن هذا الخلاف في الرواية بالمعنى إنما كـان في عصور الروايـة قبل تدوين الحديث، أما بعد تدوين الحديث في المصنفات والكتب فقـد زال الخلاف ووجب اتبـاع اللفظ. فلا يسوغ لأحد الآن رواية الحديث بالمعنى، إلى على سبيل التذكير بمعانيه في المجالس للوعظ ونحوه، فأما إيراده على سبيل الاحتجاج أو الرواية في المؤلفات فلا يجوز إلا باللفظ.

(3)   لم أقف على تخريـج الأثـر من طريـق الحاكم، لكن خرَّجه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي»: ذكـر من كـان يذهـب إلى جـواز روايـة الحديث على المعنـى (2/34) برقم (1102)، والباجـي فـي «التعديـل والتجريـح»: (2/700)، والقاضـي عيـاض في «الإلماع»: باب تحـري الروايـة والمجيء باللفظ ومن رخص للعلماء في المعنى ومن منع (ص 179 ـ 180).

الأعلام