جاري التحميل

محمد بن عيسى الصقلي

الأعلام

محمَّد بن عيسى الصِّقلِّيُّ

أورد ترجمته الأستاذ الدكتور أسامة اختيار في كتابه الموسوعي (جمهرة أشعار الصقليين تحقيق ودارسة) والصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة (1437 هـ - 2016م)

فقال:

 

أ ـ ترجمته([1]):

أبو عبد الله محمَّد بن عيسى بن عبد المنعم الصِّقلِّيُّ.

ذكر القفطيُّ أنَّه: «محمَّد بن عيسى بن المنعم»([2]) والصَّواب ما ذكره العمادُ في ترجمة والد الشَّاعر الفقيه عيسى بن عبد المنعم([3]).

أدركَ والدُه (عيسـى) الوجـودَ النُّورمانيَّ في صقلِّيَّـة، وبذلك يُعْرَفُ عصرُ الشَّاعر صاحبِ هذه التَّرجمة.

أبو عبد الله أديبٌ شاعرٌ ناثرٌ فقيهٌ، قرَّظه القفطيُّ فقال: «من أهل صقلِّيَّة، من أصحاب العِلْم بِعِلْمَي الهندسة والنُّجوم، ماهرٌ فيهما، قائمٌ بهما، مذكورٌ بين الحكماء هناك بأحكامهما، وله شعرٌ رائقٌ»([4]).

ب ـ شعره:

 ـ 1 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 36 ـ 37):

 ـ من المجتثّ ـ

مَولايَ يا نُورَ قَلْبِي

ونُورَ كُلِّ القُلوبِ

أمَا تَرَى ما بجِسْمِي

مِنْ رِقَّةٍ وشُحوبِ؟([5])

وما بِداخِلِ قَلْبِي

مِنْ لَوعَةٍ وَوَجِيبِ([6])

فَلِمْ بَخِلْتَ بِوَصْلِي

وليسَ لِي مِنْ ذُنُوبِ؟

فإنْ يَكُنْ لِيَ ذَنْبٌ

فأنتَ فيهِ حَسِيبي

وَمِحْنَتِي فيكَ جَلَّتْ

عَنْ فَهْمِ كُلِّ لَبِيبِ

وما لِسُقْمِي شِفاءٌ

ولا لَهُ مِنْ طَبِيبِ

ولا لِدائي دواءٌ

إلا وِصالُ الْحَبِيبِ

مَولايَ إنْ ذُبْتُ عِشْقاً

فَلَيسَ ذا بِعَجِيبِ

بَرِّدْ غَلِيلَ فُؤادِي

بِزَورَةٍ عَنْ قَرِيبِ

ففي صَمِيمِ فُؤادِي

جَهَنَّمٌ في اللَّهيبِ([7])

ـ 2 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 41 ـ 42)([8]):

 ـ من الطَّويل ـ

تَضَوَّعَ مِنْهُ إذْ فَضَضْتُ خِتامَهُ

نَسِيمُ فَتِيتِ المِسْكِ والعُودِ والنَّدِّ([9])

ونَزَّهْتُ طَرْفي في حدائقَ أَزْهَرتْ

بها زَهْرَةُ السَّوسانِ والآسِ والوَرْدِ([10])


بصَفْحَةِ نُورٍ مِنْ نَهارٍ دَجَتْ بها

سُطُورُ ظَلامٍ حالِكِ اللَّونِ مُسْوَدِّ

وطالَعْتُ ألفاظاً يَواقِيتَ نُظِّمَتْ

مَعَ الجَوهَرِ المَكْنُونِ والدُّرِّ في عِقْدِ([11])


يزيلُ الضَّنَى عَنْ ذِي السَّقامِ مُرُورُها

بهِ بَلْ تُقِيمُ المَيْتَ مَنْ رَقْدَةِ اللَّحْدِ([12])


مُضَمَّنَةً مِنْ عِلْمِ أَحْوالِهِ الَّذي

يَسُـرُّ سُرُورَ الوَصْلِ في زَمَنِ الصَّدِّ([13])

 ـ 3 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 42):

 ـ من البسيط ـ

ياحالَ حالٍ بسُقْمِ النَّفْس والْجَسَدِ

قَدْ رُدَّ عَنْ وِرْدِ ماءِ الأَمْنِ والرَّشَدِ

قَدْ قَيَّدَتْهُ اللَّيالِي عَنْ تَصَـرُّفهِ

إلى النَّجاةِ بِقَيدِ الأَهْلِ والوَلَدِ

ولو أَمِنْتُ عَلِيِهمْ بَعْدَ مُنْصَـرَفي

صَرْفَ اللَّيالِي لَقَوَّتْ عَزْمَتِي جَلَدِي

مِنْ بَعْدِ نِعْمَةَ لَمْ تَنْعَمْ بِلَذَّتِها

نَفْسِي ولا بَرَدَتْ مِنْ لَوعَةٍ كَبِدِي

قَدْ أَسَّسَ البَينُ عِنْدِي مَنْزِلَي وَلَهٍ

فَمُهْجَتِي لِلْجَوَى والْعَينُ لِلسَّهَدِ

وأَرَّقَ الْبُعْدُ جَفْنِي ثُمَّ فَرَّقَنِي
 

فالجِسْمُ في بَلَدٍ والرُّوحُ في بَلَدِ

أخي ومَولايَ عَلَّ الدَّهْرَ يَجْمَعُنا

بِمَنْزِلٍ عَنْ جَمِيعِ الشَّـرِّ مُبْتَعِدِ

 ـ 4 ـ الأبيات في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 38)، ومنها البيتان الثَّاني والثَّالث في إخبار العلماء بأخبار الحكماء (189):

 ـ من الخفيف ـ

جادَ بالياسَمِينِ والوَرْدِ خَدٌّ

وحَبا الأُقْحُوانَ والخَمْرَ ثَغْرُ

أنا واللَّهِ عاشِقٌ لكِ حتَّى

ليسَ لي عَنْكِ يا مُنَى النَّفْسِ صَبْرُ

فَحَياتِي إنْ تَمَّ لي مِنْكِ وَصْلٌ

ومَماتِي إنْ دامَ لي مِنْكِ هَجْرُ

 ـ 5 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 40 ـ 41):

 ـ من الطَّويل ـ

شِهابُ المنايا مِنْ سماءِ الرَّدى انْقَضَّا

ورُكْنُ المَعالِي والجَلالِ قَدِ انْفَضَّا

بَكَتْهُ المَذاكِي المُقْرَباتُ وقَطَّعَتْ

شَكائمَها إذْ مِنْهُ أَعْدَمَتِ الرَّكْضا([14])

مَشَتْ وَهْيَ بينَ الخَيلِ أَبْرَرُها دَماً


وأَبْرَزُها جِسْماً وأَهْزَلُها نَحْضا([15])

وكادَتْ سُيوفُ الهِنْدِ تَنْدَقُّ حَسْـرَةً

وأَجْفانُها تَنْشَقُّ عَنْها لِكَـي تُنْضَى([16])


وخَطَّ على الخَطِيَّةِ الرُّزْءُ أَحْرُفاً

أرادَتْ لها حِفْظاً فَحَوَّلها خَفْضا([17])
 

وكادَتْ تفانَى حَولَهُ كُلُّ جُنَّةٍ

أسًى وتذوبُ البِيضُ واللامَةُ القَضَّا([18])

شَهِدْنا على قُرْبٍ بِمَشْهَدِ مَوتِهِ

مَشاهدَ لَمْ تُخْطِ القيامَةَ والعَرْضا

أعادَ سُرُورَ العِيدِ حُزْناً مَماتُهُ

ومُبْرَمُ أَمْرٍ فِيهِ حَوَّلَهُ نَقْضا


فما أَحَدٌ وافَى المُصَلَّى ضُحًى ولا

دُجًى أَبْصَرَتْ مِنْ هَمِّهِ عَينُهُ غَمْضا

ألا لَمْ يَمُتْ مَنْ كانَ خَلَّفَ بَعْدَهُ


أخاهُ عَلِيّاً إذْ إليهِ العُلا أَفْضَـى

أَحَبُّ مُحِبٍّ لِلْفَضائلِ كُلِّها

وأَفْضَلُ إنسانٍ على كَسْبِها حَضَّا

تَعَزَّوا فإنَّ الموتَ حَتْمٌ على الورى

تُوافي بـهِ الآجالُ في الوَقْتِ إذْ يُقْضَى([19])


وكَمْ أُسْوَةٍ في المُصْطَفَى وصحابِهِ

وقِدْماً قَفا آثارَهُمْ فَقَضَـى الْفَرْضَا

لَقدْ ماتَ فِيهِ عُدَّةٌ أيُّ عُدَّةٍ

لنا فَعَدِمْنا كُلَّ عَيشٍ بهِ يُرْضَى

وأَبْصارُنا كانَتْ تَسامَى لَهُ وَقَدْ

غَدا الكُلُّ مِنَّا طَرْفَهُ اليومَ قَدْ غَضَّا([20])

وَقَدْ كانَ طَرْفي ليسَ يُغْضِـي على القذى

فَأَضْحَى على أَقْذائِـهِ اليومَ قَدْ أَغْضَى([21])

فَظُفْرُ الْجَوَى الباقي بِقَلْبيَ ناشِبٌ

ونابُ الأَسَى المُلْقَى على مُهْجَتِي عَضَّا

 ـ 6 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 38 ـ 40):

 ـ من البسيط ـ

عَزَّ العَزاءُ وجَلَّ البَيْنُ والجَزَعُ

وحَلَّ بالنَّفْسِ مِنْهُ فوقَ ما تَسَعُ

يا عَينُ جُودِي بدَمْعٍ خالصٍ ودمٍ

فما عليكِ لهذا الرُّزْءِ مُمْتَنَعُ

فالجِسْمُ يَنْحُلُ والأنفاسُ خافِتَةٌ

والقَلْبُ يَخْفِقُ والأحشاءُ تَنْصَدِعُ

كُوني على الحُزْنِ لي ياعينُ مُسْعِدَةً

فإنَّ قلبي لِما تَأْتِينَهُ تَبَعُ


وكانَتِ الأرضُ لا تَحْوِي مَحاسِنَهُ

وقَدْ حَوَى شَخْصَه اللَّحْدُ الَّذي وضعُوا

مَنْ لِلْيَتامَى وأبناءِ السَّبيلِ وَهُمْ

قَدِ ارْتَوَوا مِنْ أَيادِيهِ وَقَدْ شَبِعوا

بُعْداً لِيَومٍ أتاهُ الموتُ فيهِ فما

بهِ لِذِي بَصَـرٍ مِنْ بَعْدُ مُطَّلَعُ

بَكَتْهُ شَمْسُ ضُحاهُ واخْتَفَتْ جَزَعاً

وأُلْفِيَتْ تَحْتَ سِتْرِ الغَيمِ تَطَّلِعُ

سَعَوا مُشاةً وَهُمْ في الزِّيِّ أغْرِبَةٌ

مُسْوَدَّةٌ مِنْ وراءِ النَّعْشِ تَتَّبِعُ([22])


ولَمْ يَكُنْ لَهُمُ بالعِيدِ مِنْ فَرَحٍ

ولا لَهُمْ في التَّسَلِّي بَعْدَهُ طَمَعُ([23])

لو يُفْتَدَى لافْتَدَتْهُ مِنْ عَشيرَتهِ

ذَوُو الحَفِيظَةِ والأَنْصارُ والشِّيَعُ


لكنَّ مَنْ غالَهُ الموتُ المُحَتَّمُ لا

يُفْدَى ولامِنْ نُيُوبِ الخَطْبِ يُنْتَزَعُ

جاءَتْ ملائكةُ الرُّضوانِ مُعْلِمَةً

بأنَّهُ بِجِنانِ الخُلْدِ مُرْتَفِعُ

وَقَدْ أَعَدَّتْ لهُ أعمالُهُ غُرَفاً

فيها لأَنْفُسِ أَهْلِ الفَضْلِ مُرْتَبَعُ([24])


الموتُ وِرْدٌ وكُلُّ النَّاسِ وارِدُهُ

وقَدْ رأوهُ عِياناً بَعْدَما سَمِعُوا

ما بالُهُمْ شَعَرُوا بالموتِ أنَّهُمُ

سَفْرٌ وهُمْ لاقتناءِ الزَّادِ ما شَرَعُوا

نالُوا مَغَبَّةَ ما قَدْ قَدَّمُوهُ لَهُ


فِعْلاً بهِ حَصَدُوا مِنْهُ الَّذي زَرَعُوا


يا فَجْعَةً لَمْ تَدَعْ في العَيشِ من أَرَبٍ

وغُصَّةً في لَهاةٍ ليسَ تُبْتَلَعُ


أَضْرَمْتِ ناراً على الأحشاءِ مُوصَدَةً

أكبادُنا في لَظَى أنفاسِها قِطَعُ

بَنِي لُبانَةَ إنَّ اللَّهَ فَضَّلَكُمْ


على الوَرَى فَبكُمْ في الدَّهْرِ يُنْتَفَعُ

آراؤُكُمْ لِذَوِي الإرشادِ مُرْشدَةٌ

وجُودُكُمْ لِذَوِي الإكثارِ مُنْتَجَعُ

وقدرُكمْ قد سما عِزّاً مدى زُحَلٍ

 

وجاهُكُم في ذُراه الخَلْقُ قد وَقَعُوا

وقَدْرُكُمْ قَدْ سَما عِزّاً مَدَى زُحَلٍ

وجاهُكُمْ في ذَراهُ الخَلْقُ قَدْ وَقَعُوا([25])
 

 ـ 7 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 37):

 ـ من البسيط ـ

بِمُهْجَتِي ظَبْيُ خِدْرٍ زارَ مُكْتَتِما

فَرَدَّ رُوحِي إلى جِسْمِي وما عَلِما

أَبْدَى القَبُولَ مَعَ الإقبالِ حينَ بَدا

وقَدَّمَ البِشْـرَ والتَّسْلِيمَ إذْ قَدِما

فَقُلْتُ: مَولايَ صِلْ مَنْ شَفَّهُ سَقَمٌ

 

فجادَ لِي بوِصالٍ أَذْهَبَ السَّقَما

فعادَ شَكِّي يَقِيناً في زِيارَتهِ

فلو تَرَحَّلَ عَنْ عَينِي لَما عُدِما

 ـ 8 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 38):

 ـ من الرَّمل ـ

بأبي ظَبْيٌ مَلِيحٌ فائقٌ

بابليُّ اللَّحْظِ غُصْنِيُّ القَوامِ

عَسَلِيُّ الرِّيقِ خَمْرِيُّ الهوى

لُؤْلُؤِيُّ الثَّغْرِ دُرِّيُّ الكلامِ

إنْ تَثَنَّى ماسَ غُصْناً في نَقَا

أو تَبَدَّى لاحَ بَدْراً في تَمامِ([26])

حُزْتُ إذْ نادَمَنِي مِنْ وَجْهِهِ

دَعْوَةً تَمَّتْ بروضٍ ومُدامِ

وخَشِيتُ البَيْنَ إذْ وَدَّعَنِي

فَانْثَنَى يومَ وَداعِي بالسَّلامِ

 ـ 9 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 37 ـ 38):

 ـ من الطَّويل ـ

أتانِيَ مَنْ أَهْوَى على غَيرِ موعدٍ

فَخُيِّلَ لِي أنَّ الزِّيارَةَ في الحُلْمِ

تَبَخْتَرَ في الأَرْدافِ كالغُصْنِ في النَّقا

ولاحَ على الأزْرارِ كالقَمَرِ التِّمِّ([27])

خَضَعْتُ لَهُ والذُّلُّ مِنْ شِيَمِ الهَوَى

فَأَسْعَدُ بالتَّقْبِيلِ والضَّمِّ واللَّثْمِ

وأَطْلَعْتُهُ عَمْداً على ما يَجُنُّهُ

جَناني مِنَ البَلْوَى وجِسْمِي مِنَ السُّقْمِ


فَأَشْفَقَ مِنْ حالِي ورَقَّ لِذِلَّتِي

وجادَ بوَصْلٍ رَدَّ رُوحِي إلى جِسْمِي

ولمَّا مَضَى فَكَّرْتُ في كلِّ ما انْقَضَـى

فصارَ يَقِينِي فيهِ أَثْبَتَ مِنْ وَهْمِي

 ـ 10 ـ في إخبار العلماء بأخبار الحكماء (189) والخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 34 ـ 35):

 ـ من الطَّويل ـ

كَتَمْتُ الَّذي بي فانْتَفَعْتُ بكِتْمانِي

وأَعْلَنْتُ حالِي فاتُّهِمْتُ بإعْلانِي

وما خِلْتُ أَنَّ الأَمْرَ يُفْضِي إلى الَّذي



رأيْتُ ولَكِنْ كُلُّ شَيءٍ يُرَى فانِ([28])

 ـ 11 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 34 ـ 35):

 ـ من الكامل ـ

أَفْشَى هواهُ بأدْمُعِ الأجْفانِ

وأَبَتْ عليهِ مَطالِبُ الكِتْمانِ

رامَ التَّجَمُّلَ لِلْوُشاةِ فَلَمْ يُطِقْ

فَعَصـَى النَّصِيحَ ولَجَّ في العِصْيانِ([29])

عَنَّتْ لهُ فَأَرَتْهُ بَدْراً طالِعاً

مِنْ فَوقِ غُصْنٍ بانَ في كُثْبانِ([30])

هَيفاءُ يَحْسُدُ جِيدَها رِيمُ الفَلا


ظُلْماً ويَغْبِطُ وَجْهَها القَمَرانِ

سَلَبَتْ نُهاهُ وأَوْرَطَتْهُ تَعَمُّداً

في فِتْنَةٍ مِنْ لَحْظِها الفَتَّانِ

إنِّي ابْتُلِيتُ بحُبِّها وَأَجَبْتُهُ

لمَّا بَدا لِي شَخْصُهُ ودَعاني

فَلَهَيْتُ مِنْ وَلَهِي العَظِيمِ عَنِ النُّهَى

وسَلَوتُ مِنْ شَغَفِي عَنِ السُّلْوانِ([31])

قُولِي لها: ما تَأْمُرِينَ لِمدْنَفٍ

كَلِفٍ بِحُبِّكِ هائمٍ حَرَّانِ([32])

سَنَةً لهُ لَمْ يَدْرِ ما سِنَةُ الكَرَى

مُلْقَى أَسِنَّةِ طَرْفِكِ الوَسْنانِ([33])

أَبْلَيتُ طَوعاً في المحَبَّةِ جِدَّتي

ورَضِيتُ قَسْراً في الهَوى بهَوانِ([34])

وصَرَفْتُ نحوَ هَوَى المِلاحِ بَصِيرَتي

وسَرَحْتُ في بَيدائهِنَّ عَناني([35])

حتَّى تَبَيَّنَ لِي الصَّوابُ وأنَّني

أَفْنَيتُ في طَلَبِ الضَّلالِ زماني

فَتَرَكْتُ لَهْوِي واطَّرَحْتُ مَجانَتي

وجَفَوتُ مَنْ [تَبِعَ] الهَوَى وجَفانِي([36])

 ـ 12 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 35 ـ 36):

 ـ من الكامل ـ

لا تَعْذِلُوهُ فإنَّهُ مَفْتُونُ

سَلَبَتْ نُهاهُ مَها القُصُورِ العِينُ

بَرَزَتْ فَتاةٌ مِنْهُمُ في خَدِّها

وَرْدٌ وفي وَجْناتِها نِسـْرِينُ([37])

في طَرْفِها سَقَمٌ وفي أَلْحاظِها

غُنُجٌ وفي تِلْكَ المَعاطِفِ لِينُ

عَنَّتْ لَهُ وتَبَخْتَرَتْ في مَشْيِها

فَأَرَتْ غُصُونَ البانِ كيفَ تَلِين([38])

وتَرَجْرَجَتْ أَرْدافُها فَرَأى بها

كيفَ انْتَقَى كُثْبانَها يَبْرِينُ([39])

ولَوَ انَّها سَفَرَتْ فأَبْدَتْ وَجْهَها

لأَرَتْ ضِياءَ الصُّبْحِ كيفَ يَبينُ([40])

أَنَسِيتِ لَيلَتَنا وقَدْ خَلُصَ الهَوى


مِنَّا وحَبْلُ الوَصْلِ وَهْوَ مَتِينُ

بِتْنا على فُرُشِ العَفافِ وبَيْنَنا

نَجْوَى تَرِقُّ لها الصَّفا وتَلِينُ([41])

واللَّيلُ كالزَّنْجِيِّ شُدَّ وِثاقُهُ

والنَّجْمُ مُطَّلِعٌ عليهِ أَمينُ([42])

هذا الَّذي جَدْواهُ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ

تَجْري ولَكِنْ ماؤهُنَّ مَعِينُ

ذو هَيبةٍ كاللَّيثِ إلَّا أنَّهُ

مُتَرَدَّدٌ ولهُ النُّفُوسُ عَرِينُ([43])

بَرٌّ فليسَ الوَعْدُ مِنْهُ بِمُخْلَفٍ


أبداً وليسَ العَهْدَ مِنْهُ يَخُون

فَوَلِيُّهُ في الأَكْبَرَينِ مُعَظَّمٌ

وعَدُوُّهُ في الأَصْغَرَينِ مَهِينُ([44])

ولَهُ إلى الفِعْلِ الجَميلِ تَوَثُّبٌ

ولَهُ عَنِ القولِ القَبيحِ سُكونُ

فالظِّلُّ لا مُتَنَقِّلٌ والوِرْدُ لا

مُتَكَدِّرٌ والمَنُّ لا مَمْنُونُ([45])

خُلْقٌ كَنُوَّار الحَدائقِ زاهِرٌ

وحِجًى كأعلامِ الجبالِ رَصِينُ([46])

وحَمِيَّةٌ تُولِي الأذِلَّةَ عِزَّةً

وتُعَلِّمُ الأيَّامَ كيفَ تكونُ

ونصيحةٌ للَّه يُوضِحُ نُورُها

ظُلَمَ الشُّكُوكِ إذا دَجَتْ فَتَبِينُ

*  *  *

 



([1])   الخريدة ـ شعراء المغرب: 1/ 34. إخبار العلماء بأخبار الحكماء: 189.

([2])   إخبار العلماء بأخبار الحكماء: 189.

([3])   الخريدة ـ شعراء المغرب: 1/ 34. وعيسى بن عبد المنعم تقدَّمت ترجمته: 256.

([4])   إخبار العلماء بأخبار الحكماء: 189.

([5])   الشُّحوب: تَغَيَّرُ الجسم واللَّون من هُزالٍ.

([6])   الوَجِيبُ: خَفَقانُ القَلْبِ واضْطِرابُه.

([7])   جهنَّم: اسم النَّار أعوذ بالله منها، صُرِفَتْ للضَّرورة الشِّعريَّة.

([8])   قال العماد: « له في وصف كتابٍ: تَضَوَّعَ مِنْهُ إذْ فَضَضْتُ خِتامَهُ... (الأبيات)» انظر الخريدة ـ شعراء المغرب: 1/ 41.

([9])  تَضَوُّع: تَفَرَّق وانْتَشر. فضَّ: فتحَ. ختامه: ما يُجْعَلُ على وعاء المِسك لِيُخْتَمَ به، الفَتِيت: المنثور. النَّدُّ: ضَرْبٌ منَ الطِّيب.

([10])  نزَّهْتُ طَرْفي: أَطْلَقْتُه وسَرَّحْتُه. السَّوسان: معرَّبٌ؛ نبتٌ له زهرٌ. الآسُ: ضربٌ من الرَّياحين خُضْرَتُه دائمةٌ.

([11])  يواقيت: جمع ياقوت، فارسيٌّ معرَّب، وهو حجرٌ كريمٌ، نُظِّمَتْ: سُلِكَتْ، أي جُعِلَتْ في سِلْكٍ واحدٍ، المكنون: المخبوءُ حِفْظاً له.

([12])  الضَّنى: المرض. السَّقام: المرض أيضاً. اللَّحْد: الشَّقُّ الَّذي يكون في جانب القبر موضع المَيْتِ، أو الَّذي يُحْفر في عُرْضِ القَبْرِ.

([13])   الوصل: نقيض الهجر. الصَّدُّ: الإعراض.

([14])  المذاكي: صفةٌ للخَيْل. المُقْرَباتُ: الإناثُ من الخيل تُحْمَى لئلا يَقْرَعَها فَحْلٌ لئيمٌ. الشَّكائم: الواحدة شكيمة، وهي الحديدةُ الَّتي تَعْتَرِضُ فمَ الفَرَسِ. أَعْدَمَت الرَّكضَ: فَقَدَت الجَرْيَ.

([15])   النَّحْضُ: اللَّحْمُ. أَبْرَرُها دماً: أصْدَقُها وأَكْرَمُها.

([16])  تَنْدَقُ: تَتَكَسَّرُ. أجفان: جمع جَفْن، غِمْدُ السَّيف. تُنْضَى: يصيبُها الخَلَقُ لِتَعَرِّيها مِنْ الغِمْدِ.

([17])   الخَطِّيَّةُ: الخَطُّ أرضٌ تُنْسَبُ إليها الرِّماحُ فيُقال: رماحٌ خَطِّيَّة. الرُّزْءُ: المُصِيبةُ.

([18])   الجُنَّةُ: كلُّ ما يُسْتَتَرُ بهِ من السِّلاح. البيض: السُّيوف اللاَّمعة. اللامة: بتسهيل الهمز الدِّرْعُ. القَضَّا: بتسهيل الهمز القضَّاءُ، وهي الدِّرْعُ الخَشِنَةُ الصُّلْبَةُ.

([19])   الآجال: جمع الأجل، وهو غايةُ الوقتِ في الموت. يُقْضَى: يُحْكَمُ بانقضائه.

([20])   تسامى: تتسامى؛ بحذف إحدى التَّاءَين تخفيفاً. غَضَّ: خَفَضَ.

([21])   يُغْضِي: يُطْبِقُ جَفْنَه. القَذَى: ما يقع في العَين من الأذى والغَبَرَة.

([22])   أغربة: جمع غُراب، وهو الطَّائر الأَسْوَدُ المعروف.

([23])   التَّسلِّي: طلبُ النِّسيان بما ينشغلُ به المرءُ عنِ الهمِّ.

([24])   المُرْتَبَعُ: المُتَرَبَّعُ، وهو الموضع الَّذي يُنْزَلُ فيه أَيَّامَ الرَّبيع.

([25])   زُحَلُ: صُرِفَ للضَّرورة، وهو كَوْكَبٌ من الخُنَّس. ذَراهُ: بفتح أوَّله، ظِلُّهُ وحِماهُ.

([26])   تَثَنَّى: مالَ اختيالاً. ماسَ: تمايلَ. النَّقا: كَثيبُ الرَّمْل.

([27])  الأرداف: جمع الرِّدْف، وهو العَجيزَةُ. النَّقا: كَثيبُ الرَّمْل. الأزْرار: جمع الزِّر، وهو النُّقْرَةُ الَّتي تدورُ فيها وَابِلَةُ كَتِف الإِنسان، والوابلةُ طَرَفُ العَضُدِ في الكَتِف. التِّمُّ: المُكْتَمِل.

([28])   في الخريدة (... كلُّ شَيءٍ يُرَى وان).

([29])   التَّجمُّل: التَّصَنُّع. الوُشاة: جمع الواشي، وهو النَّمَّام. لجَّ: تمادى.

([30])   عَنَّتْ: ظَهَرَت. بانَ: ظهرَ. كُثبان: جمع كَثِيب، وهو التَّلُّ منَ الرَّمْلِ.

([31])  لَهَيْتُ: انْشَغَلْتُ. الوَلَهُ: الحزن والتَّحيُّر من شدَّة الوجد. الشَّغَف: الحبُّ إذا بَلَغَ شَغاف القَلْبِ، وهي جِلْدَةٌ دونَه. السُّلوان: بالضَّم؛ كلُّ ما يُنْسِي الهمَّ ويُذهِبُه.

([32])   مُدْنَف: مريض. الكَلِفُ: العاشق المُولَعُ.

([33])   السِّنَةُ: النُّعاس. الكرى: النَّوم. أسنَّة: جمع سِنان، وهو نَصْلُ الرُّمح. الوسنان: النَّعِسُ.

([34])   أبْلَيْتُ: أَخْلَقْتُ وأَتْلَفْتُ. الجِدَّةُ: حداثةُ العَهْدِ بالشبَّاب. القَسْرُ: الإكراه.

([35])   سَرَحْتُ: أَطْلَقْتُ. العِنان: اللِّجَامُ.

([36])   في الأصل (نَبَذَ) وأراه (تَبِعَ) لاقتضاء المعنى في صدر البيت نفسه.

([37])   النِّسْرِينُ: ضَرْبٌ منَ الرَّياحين.

([38])  عنَّتْ: ظَهَرَتْ. البانُ: شجرٌ له دُهنٌ طَيِّبٌ، واحدتُه بانةٌ، وبه يُشبَّه قَدُّ المرأةِ اللَّدْنُ النَّاعم.

([39])  الأرداف: جمع الرِّدْف، وهو العَجيزَةُ. كُثبان: جمع كَثِيب، وهو التَّلُّ منَ الرَّمْلِ. يَبْرين: من أصقاعِ البَحْرَين، وهناك الرَّمل الموصوفُ كثيرٌ، انظر معجم البلدان: يبرين.

([40])   لو انَّها: حُذِفَت الهمزةُ وأُلقِيَتْ حركتُها على ما قبلَها لضرورة الوزن.

([41])   النَّجْوَى: حديثُ السِّرِّ بينَ اثنين. الصَّفا: الحَجَرُ الصَّلْدُ الأملسُ.

([42])   الزَّنْجُيُّ: المنسوبُ إلى الزَّنْجِ.

([43])   مُتَرَدَّدٌ: يَتَرَدَّدُه النَّاس جِيئةً وذهاباً. العَرِينُ: مأوى الأَسَدِ الَّذي يأْلفُه.

([44])   الأكبران: الهِمَّةُ واللُّبُّ؛ أي العقل. الأصغران: اللِّسانُ والقَلْبُ.

([45])   فالظِّلُّ لا مُتَنَقِّل: أي دائمٌ لا يَحُول. الوِردُ: إتيان الماء. المَنُّ: الإنعام. ممنونٌ: مقطوعٌ.

([46])  النُّوَّار: بالضمِّ والتَّشديد، واحدته نُوَّارَةٌ، وهي الزَّهرة البيضاء. الحِجا: العقل. أعلام الجبال: الشَّامخ منها، الواحد عَلَمٌ. الرَّصين: الكاملُ المُحْكَمُ.

الأعلام