عيسى بن عبد المنعم الصقلي
عيسى بن عبد المنعم الصِّقلِّيُّ
أورد ترجمته الأستاذ الدكتور أسامة اختيار في كتابه الموسوعي (جمهرة أشعار الصقليين تحقيق ودارسة) والصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة (1437 هـ - 2016م)
فقال:
أ ـ ترجمته([1]):
أبو موسى عيسى بن عبد الْمُنْعِمِ الصِّقلِّيُّ.
أديبٌ شاعرٌ فقيهٌ. عاصر ابنَ صِمْنَةَ([2])، يتَّضح ذلك من مكاتبةٍ جرَتْ بينهما ذكرَها العِمادُ([3])، وعاصر أبا الضَّوء سراجَ بنَ أحمد (ت 451 ﻫ)([4]) وقد ذكرَ العِمادُ أنَّ «الفقيهَ عيسى بنَ عبد المنعم الصِّقلِّيَّ كتبَ إليه يستعيرُ منه كتاباً...»([5]) ومن ذلك يُعْرَفُ عصرُ الشَّاعر.
ب ـ شعره:
ـ 1 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 34)([6]):
ـ من مجزوء الرَّمل ـ
فَجَمِيلُ الصَّبْرِ والصَّفْـ | ـحِ بهذا الشَّأنِ أَوْلَى([7]) |
قُلْ: وَمَنْ شَاءَ الْمُصافا | ةَ على ذا الشَّـرطِ أوْ لا([8]) |
ـ 2 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 27):
ـ من مجزوء الرَّمل ـ
يا بَنِي الأصْفَرِ أَنْتُمْ بدَمِي | مِنْكُمُ القاتِلُ لِي والْمُسْتَبيحْ([9]) |
أَمَلِيحٌ هَجْرُ مَنْ يَهْواكُمُ | وحَلالٌ ذاكَ في دِينِ الْمَسِيحْ؟ |
يا عَلِيلَ الطَّرْفِ مِنْ غَيْرِ ضَنًى | وإذا لاحَظَ قَلْباً فَصَحِيحْ([10]) |
كُلُّ شَيءٍ بَعْدَما أَبْصَـرْتُكُمْ | مِنْ صُنُوفِ الْحُسْنِ في عَينِي قَبيحْ |
ـ 3 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 29 ـ 31):
ـ من مجزوء الرَّجز ـ
قِفْ باللِّوَى الْمُنْعَرِجِ | وَنادِ بالرَّكْبِ عُجِ([11]) |
وَاسْأَلْ سُلَيمَى أينَ با | نَ رَكْبُها بالدَّلَجِ([12]) |
كأنَّها شَمْسُ الضُّحَى | مَكْنُونَةٌ في الْهَوْدَجِ([13]) |
غَرَّاءُ تَهدِي رَكْبَها | في غَسَقِ الْمُدَّلِجِ([14]) |
فلا يكادُ دائباً | يُخْطِيْ سَواءَ الْمَنْهجِ([15]) |
كأنَّها في دِرْعِها | كافُورَةٌ بِدُرُجِ([16]) |
لاعَبْتُها فَتِيَّةً | بمِثْلِها في مَنْعِجِ([17]) |
وَأَحْسَنَ الدَّهرُ لنا | إِحْسانَ غَيْرِ مُحْرَجِ |
يَنْعَمُ كُلٌّ بالَّذي | يَهواهُ غَيْرَ مُزْعَجِ |
مِنْ لَثْمِ خَدٍّ أَصْبحٍ | وَرَشْفِ ثَغْرٍ أَفْلَجِ([18]) |
وَعَضِّ نَهدِ مُعْصـِرٍ | وَعَضُدٍ مُدَمْلَجِ([19]) |
مِنْ عُكَنٍ كأنَّها | طَيُّ رِباطِ الْمُدْرَجِ([20]) |
في راحَتَي رِيْحٍ بَلِيـ | ـلٍ وظِلالٍ سَجْسَجِ([21]) |
كأسُ السُّـرُورِ بَيْنَنا | صافِيةٌ لَمْ تُمْزَجِ |
حَتَّى أتَتْ مِنْ دُونِها | زُعازِعٌ في رَهجِ([22]) |
هَلْ راجِعٌ عَهْدِي بها | بالْكَرْخِ أَوْ بالكَرَجِ([23]) |
هَيْهاتَ ما في أَوْبَةٍ | مِنْ طَمَعٍ لِمُرْتَجِي |
فَدَعْ هُدِيتَ ما مَضـَى | وَخُذْ فُدِيتَ ما يَجِي |
وَاسْمَعْ حَدِيثاً حَسَناً | تَقْصُـرُ عَنْهُ حُجَجِي([24]) |
أَبْصَـرْتُ بَدْراً ساعِياً | بالأرْضِ غَيْرَ مَنْبَجِ([25]) |
وَحَولَهُ كَواكِبٌ | تُضـِيءُ مِثْلَ السُّـرُجِ |
بَيضاءُ كالثَّلْجِ تُرِي | وَجْهاً كَصُبْحٍ أَبْلَجِ([26]) |
مُنَعَّماً مُكَلَّلاً | بِغَيْهَبٍ مِنْ سَبَجِ([27]) |
وَحَوْلَها لِداتُها | عَوابِثٌ بالْمُهجِ([28]) |
يَفْتِكْنَ بالألْحاظِ فَتْـ | ـكَ الْبَطَلِ الْمُدَجِّجِ([29]) |
يَجْذِبُ خَصْـراً مُخْطَفاً | بِكَفَلٍ مُرَجْرَجِ([30]) |
كَمِثْلِ زِقٍّ ناقِصٍ | على حِمارٍ أَعْرَجِ([31]) |
يَشْفَعُهُ صَدْرٌ لها | كأنَّهُ في نَهجِ([32]) |
مَواخِرُ الفُلْكِ غَدَتْ | زَخَّارَةً في لُجَجِ([33]) |
تَبْسمُ إذْ تَبْسمُ عَنْ | ذِي أَشَرٍ مُفَلَّجِ([34]) |
يا لَيْتَنِي قَبَّلْتُهُ | فَفِي لَماهُ فَرَجِي([35]) |
تُصْبِي الحَلِيمَ ذا النُّهَى | بِذِي احْوِرارٍ أَدْعَجِ([36]) |
وبِدِلالٍ فاحِمٍ | مُعَقْرَبٍ مُصَوْلَجِ([37]) |
ـ 4 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 28):
ـ من المجتثّ ـ
يا أَمْلَحَ النَّاسِ وَجْهاً | جاوَزْتَ في الْحُسْنِ حَدَّكْ |
لِلْغُصْنِ مِنْكَ انْعِطافٌ | يَكادُ يُشْبِهُ قَدَّكْ |
قَدْ كان قَلْبيَ عِنْدِي | والآنَ أَصْبَحَ عِنْدَكْ |
وَكُنْتُ مِنْ قبْلُ حُرّاً | فها أنا صِرْتُ عَبدَك |
ـ 5 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 28):
ـ من الكامل ـ
فَضَحَ الْهَوَى دَمْعِي وَعِيلَ تَصَبُّرِي | بخَرِيدَةٍ تَرْنُو بِعَيْنَي جُؤْذَرِ([38]) |
صَفْرا تَوَلَّعَ بالبَياضِ لِباسُها | وخِمارُها بِمُعَصْفَراتِ الأَخْمُرِ([39]) |
فَكَأنَّها في دِرْعِها وَخِمارِها الْـ | ـمُبيَضِّ والْمُحْمَرِّ عِنْدَ المَنْظَرِ([40]) |
ياقُوتَةٌ كُسيَتْ صَفِيحَةَ فِضَّةٍ | وَتَتَوَّجَتْ صَفْحَ الْعَقِيقِ الأَحْمَرِ([41]) |
ـ 6 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 29)([42]):
ـ من البسيط ـ
جَلَّ المُصابُ، وَجُلُّ الْخَطْبِ أَوَّلُهُ | فَالْحُزْنُ آخِرُ ما آتِي وأَوَّلُهُ([43]) |
وكُلُّ وَجْدٍ، وإنْ جَلَّتْ مَواقِعُهُ | فَقْدُ الأخِلاَّءِ، إنْ فَكَّرْتَ، أَثْكَلُهُ([44]) |
أبا عَلِيِّ بْنَ عَبدِ اللَّهِ إنَّ بنا | عَلَيكَ وَجْداً غَدا أَدْناهُ أَقْتَلُهُ |
هَلْ في السُّـرُورِ وَقَدْ أَوْدَيْتَ مِنْ طَمَعٍ | لِصاحِبٍ أَوْ عَدِيمٍ كُنْتَ تَكْفُلُهُ([45]) |
كَمْ صاحِبٍ نالَ ما يَبْغِي بجاهِكُمُ | عَفْواً وَكَمْ مِنْ سُرورٍ كُنْتَ تَشْمَلُهُ |
قَدْ كان سَعْيُكَ في مَحْيَاكَ أَحْمَدُهُ | وذِكْرُكَ الْيَومَ بَعْدَ الموتِ أَجْمَلُهُ |
ـ 7 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 20)([46]):
ـ من المنسرح ـ
جَنَّبَنا اللهُ سَيِّئَ القالَةْ | وَصانَنا عَنْ مَواقِفِ الخالَةْ([47]) |
مِنَّا وَفِينا فلا رَعَوا أبداً | حَرَّابَةً بالمَقالِ نَبَّالَةْ([48]) |
ذَوُو بِضاعٍ تُعَدُّ أَلْسِنَةً | وَهْيَ مُدًى في النُّفُوسِ فَعَّالَةْ([49]) |
ـ 8 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 28):
ـ من الكامل ـ
سَلَبَ الفُؤادَ مِنَ الْجَوانِحِ غادَةٌ | أَدْلَتْ إليهِ بِدَلِّها الْمُسْتَحْكِمِ([50]) |
عَذْراءُ تُنْسَبُ دِرْعُها مِنْ خَدِّها | وَخِمارُها مِنْ ذِي ذَوائبَ أَسْحَمِ([51]) |
وَعُقُودُها مِنْ نَهْدِها في شَكْلِها | وَحَلاتُها مِنْ لَوْنِيَ الْمُتَسَهِّمِ([52]) |
فَكَأنَّها وَوِشاحَها وَخِمارَها | وَحُلِيَّها للنَّاظِرِ الْمُتَوَسِّمِ([53]) |
شَمْسٌ تَوَشَّحَتِ السَّنا وَتَتَوَّجَتْ | جِنْحَ الدُّجَى وَتَقَلَّدَتْ بالأنْجُمِ([54]) |
ـ 9 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 33):
ـ من مخلَّع البسيط ـ
وَكُنْتُ مِنْ بَعْدُ غَيْرَ مَيْنِ | قَرِيرَ عَيشٍ قَرِيرَ عَينِ([55]) |
حتَّى رَمَتْنِي صُروفُ دَهْرِي | عَنْ قَوسِ غَدْرٍ بِسَهْمِ بَيْنِ |
فَشَتَّتَتْ زُمْرَتِي وَهَدَّتْ | رُكْنِي وَمَرَّتْ [تَجُرُّ حَيْنِي]([56]) |
عَجِبْتُ مِنْ عِيْشَتِي وَعُمْرِي | وَكَيفَ بي عِشْتُ بَيْنَ ذَيْنِ |
ـ 10 ـ في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 276)([57]):
ـ من الوافر ـ
لنا حاجٌ وأنتَ بها مَلِيُّ | ورَأيُكَ في السَّماحِ بها عَلِيُّ |
فَإنْ وَافَتْ فَذَلِكَ ما ظَنَنَّا | وأَشْبَهَ أَهْلَهُ الْفِعْلُ الزَّكِيُّ |
و[إمَّا اعْتاقَها] مَنْعٌ فَقُلْ لِي: | إلى مَنْ يُنسَبُ الْفِعْلُ الرَّضِيُّ([58]) |
* * *
([11]) اللِّوى: منقطعُ الرَّملةِ، ومواضعُ عدَّة في جزيرة العربِ أكثرَ الشُّعراءُ من ذِكْرِها، للتَّفصيل انظر معجم البلدان: لوى. الرَّكْبُ: جماعةُ الرَّاكبين. عُجْ: مِلْ وانزِلْ بهِ.
([13]) مكنونةٌ: مُسْتَتِرَةٌ محفوظةٌ. الهَوْدَجُ: من مراكِب النِّساءِ على الرَّواحل يُصْنَعُ لهنَّ من الألواحِ والقُضبان.
([16]) الدِّرْعُ: قميص المرأة أو ثوبُها. الدُّرْجُ: سُفَيْطٌ صغيرٌ تَدَّخِرُ فيه المرأَةُ طِيبَها، وتحريكُ وَسَطِهِ للضَّرورة.
([19]) المُعْصِرُ: هي الَّتي راهَقَتِ العِشْرِين وقد بَلَغَتْ عَصْرَ شبابِها. الْعَضُد: ما بَينَ الكَتِفِ والْمِرْفَقِ.
([20]) العُكَنُ: الأطْواء في البَطْنِ من السِّمَنِ، الواحدة عُكْنَة. المُدْرَج: المُدَمْلَجُ الأمْلَسُ الْمُحْكَمُ الفَتْلِ.
([23]) الكَرْخُ: اسم لمواضعَ كثيرةٍ، كلُّها في العراق، والكَرَج مدينةٌ بينَ هَمَذان وأصبهان؛ انظر معجم البلدان: كرخ وكرج.
([30]) يَجْذِبُ: الضَّمير يعود إلى البدر (أبصرت بدراً ساعياً...) المُخْطَفُ: الضَّامر. الكَفَلُ: رِدْفُ العَجُز.
([32]) يَشْفَعُهُ: يقترنُ بهِ شَفْعاً والشَّفْعُ خِلاف الوِتْر. كأنَّه في نَهَجٍ: في ارتفاعٍ وانخفاضٍ لِتواتُرِ النَّفَسِ من شدَّة الحركة.
([33]) المَواخِر: الَّتي تراها مُقْبِلةً ومُدْبرةً بريحٍ، الواحدة ماخِرَة. زخَّارة: تجيش وترتفع بشدَّة. اللُّجَجُ: واحدة اللُّجَّة، وهي البَحْرُ حَيثُ لا تُرَى أرضٌ ولا جَبَلٌ.
([36]) الاحْوِرارُ: منَ الحَوَرِ، والحَوَرُ أَن يَشْتَدَّ بياضُ العَينُ وسَوادُ سَوادها. أدْعَج: من الدَّعَجِ، وهو شِدَّةُ سوادِ العَينِ معَ سَعَتِها.
([37]) دِلال: مُتَدلٍّ مضطربٌ. فاحمٌ: شديدُ السَّوادِ. مُعَقْرَبٌ: مُعْوَجٌّ، ومَعْطوف. مُصَوْلَجٌ: أملس مُعْوَجٌّ.
([38]) عِيلَ صَبْرِي: غُلِب. الخريدةُ: البِكْرُ. ترنو: تُدِيمُ النَّظَرَ. الجُؤْذَرُ: وَلَدُ البَقَرَةِ الوَحْشِيَّة.
([39]) المُعَصْفَراتُ: الثِّيابُ المصْبُوغَةُ بالعُصْفُرِ، وهو نباتٌ معروفٌ يُصْبَغُ به. الأخْمُرُ: جمع الخِمار، وهو ما تُغَطِّي بهِ المرأَةُ رَأْسَها.
([42]) قال العماد: «وله مِنْ قصيدةٍ طويلةٍ في الرِّثاء أوَّلُها: جَلَّ المُصابُ، وَجُلُّ الْخَطْبِ أَوَّلُهُ...» الخريدة ـ شعراء المغرب: 1/ 29.
([46]) ذكرَ العِماد «أنَّ الفقيهَ عيسى بن عبد المُنْعِم الصِّقلِّيَّ بَلَغَهُ عَنْهُ كلامٌ، فكتبَ إليهِ: جَنَّبَنا اللهُ سَيِّئَ القالَةْ... (الأبيات)» الخريدة ـ شعراء المغرب: 1/ 20.
([48]) رَعَوا: صانُوا. حَرَّابَةُ: كثيرُ الرَّمْيِ بالحِراب، جمع الحَرْبَة وهي دونَ الرُّمْح. نبَّالة: كثيرُ الرَّمْيِ بالنِّبْل، وهو السَّهْمُ.
([50]) سَلَبَ: أخذَ عنوةً، الجوانح: أَوائل الضُّلُوع ممَّا يَلِي الصَّدر، سُمِّيَت بذلك لِجُنوحِها إلى القلب، والواحدة منها جانحة. أَدْلَتْ إليه: دَفَعَتْ إليه. دَلُّها: بفتح الدَّال؛ دلالُها. المُسْتَحْكِمُ: المُوْثِقُ المُتَحَكِّمُ بغيره.
([51]) الدِّرْعُ: قميص المرأة أو ثوبُها، وقوله: تُنْسَبُ دِرْعُها مِنْ خَدِّها، أراد أنَّ دِرْعَها مُبْيَضٌّ مع حُمْرَة. الخِمار: ما تُغَطِّي بهِ المرأَةُ رَأْسَها. الذَّوائب: جمع الذُّؤابة، وهي المَضْفُورُ من شَعَرِ الرَّأس. أَسْحَم: أسود.
([53]) الوِشاح: ما يُنْسَجُ وتَشُدُّهُ المرأَة بين عاتِقَيها وكَشْحَيْها، والعاتقُ مَوْضِعُ الرِّداءِ من المَنْكِبِ، أو ما بَيْنَ المَنْكِبِ والعُنُق، والكَشْحُ ما بين الخاصرة إِلى الضِّلَعِ من الخَلف. المتوسِّم: الناظر المتفرِّس.
([54]) السَّنا: ضوء البرق. جِنْحُ الدُّجى: بكسر الجيم، أوَّلُ إقبالِ اللَّيل، والدُّجى سواد اللَّيل. تَقَلَّدَتْ: اتَّخَذت قِلادَتَها.