ابن القرقوري الصقلي
ابن القَرْقُورِيِّ الصِّقلِّي
أورد ترجمته الأستاذ الدكتور أسامة اختيار في كتابه الموسوعي (جمهرة أشعار الصقليين تحقيق ودارسة) والصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة (1437 هـ - 2016م)
فقال:
أ ـ ترجمته([1]):
أبو الفتحِ محمَّدُ بنُ الحسينِ بنِ القَرْقُوريِّ، كذلك ذكرَه العِماد([2])، والقَرْقُوريُّ نسبة إلى (قَرْقُور) بلدةٌ قريبةٌ من صَفاقِسَ في تونس([3]).
وهو لدى القفطيِّ: «ابنُ القَرقُوبيِّ الصِّقلِّي»([4]). قلْتُ: هذا من تصحيف النَّاسخ، والصَّوابُ ما ذكره العِمادُ في خريدته، أمَّا (قَرْقُوب) المذكورة فَهي بَلْدَةٌ بين واسط والبصرة من العراق([5]).
عاصرَ الأميرَ ثقةَ الدَّولة أبا الفتوح يوسف بن عبد الله بن أبي الحسين الذي وَلِيَ صقلِّيَّـة بين (379 ـ 388ﻫ)([6]) عَرَفْنا ذلك من شـعرٍ لـه في مَدْحِـه، وبذلك يُعْلَمُ العصر الذي كان فيه الشَّاعر.
خرج من صقلِّيَّة بعدما حلَّتْ بها الفتنُ ونزل في الأندلس، وصَحِبَ أمراءها، فأفاد من صلاتهم وعطاياهم.
قرَّظه القفطيُّ، وقال: «شـاعرٌ صانـعٌ، وأديبٌ بـارعٌ، من فُضلاء العصر، وحَسَناتِ الدَّهر، وشعرُه كثيرٌ غيرَ أنَّه خرج عن صقلِّيَّة إلى الأندلس فاستوطنَها، وصَحِبَ ملوكَها ووَزَرَ لَهُمْ، وسارَ ذِكْرُهُ، وعَظُمَ قَدْرُهُ هناك»([7]).
ب ـ شعره:
ـ 1 ـ الأبيات في المحمَّدون من الشُّعراء (356 ـ 357) من دون البيت الخامس عشر. ومنها في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 95 ـ 96) البيتان الأوَّل والثَّاني، ومن البيت السَّابع إلى الحادي عشر، ومن البيت الرَّابع عشر إلى السَّابع عشر:
ـ من الطَّويل ـ
بِلاَ مِرْيَةٍ إنَّ العَذُولَ لَمُسْـرِفُ | غداةَ اغْتَدَى في مَجْهَلِ اللَّومِ يَعْسِفُ([8]) |
أطالَ صَحِيحاً مِنْ مَلامَةِ مُدْنَفٍ | وَشَتَّانَ في أَمْرٍ صَحِيحٌ ومُدْنَفُ([9]) |
أيُنْكِرُ كَوْنِي عاشقاً ذا صَبابَةٍ | وَعَيْشِـيَ فَيْنانٌ وإِلْفِيَ مُسْعِفُ([10]) |
وَلِي في قُلُوبِ الغانياتِ مَوَدَّةٌ | تَحُلُّ مَحَلَّ السِّـرِّ أَوْ هِيَ أَلْطَفُ |
أَأَصبِرِ عَنْ غِزْلانِ صَبْرَة إنَّنِي | لأَوْهَى قُوًى ممِّا يَسُومُ وَأَضْعَفُ([11]) |
مَدَى الدَّهْرِ لا أَشْكُو وفي الأرضِ مَنْزِلٌ | بهِ قَهْوَةٌ بِكْرٌ وساقٍ مُهَفْهَفُ([12]) |
فَيا طِيْبَها مَنْ كَفِّه إذْ يُدِيرُها | وَيُدْنِي ثَناياهُ إليَّ فَأرْشُفُ([13]) |
رُضابٌ أَبِنْ لِي ما بَرَدْتُ بِبَرْدِهِ | غَلِيلِيَ، أمْ ماءٌ زُلالٌ وَقَرْقَفُ([14]) |
وَوَجْهُكَ أمْ صُبْحٌ وفَرْعُكَ أمْ دُجًى | وَلَحْظُكَ أَمْ عَضْبُ الغِرارَيْنِ مُرْهَفُ([15]) |
فَيَا زَهْرَةَ الدُّنيا الَّتي ليسَ تُجْتَنى | منَ الصَّونِ إلَّا بالعُيَونِ وتُقْطَفُ([16]) |
تَقاسَمَكِ الضِّدانِ؛ شَطْرٌ مُثْقَّلٌ | يُحَمَّلُ أعباءً، وَشَطْرٌ مُخَفَّفُ([17]) |
سَقَى ورَعَى اللَّه اللَّيالِي الَّتي خَلَتْ | فَكَمْ ضَمَّنِي فِيها وَضَمَّكِ مُطْرَفُ([18]) |
وَلَهْفِي عَلِيها، أَوْ أموتَ بِحَسْـرَةٍ | وإنْ كانَ لا يُجْدِي عَلَيَّ التَّلَهُّف([19]) |
أَقَلْبِي الَّذي راعَ العَذُولَ اضْطِرابُهُ | فَأَقْصَـرَ عَنِّي أمْ جَناحٌ يُرَفْرِفُ([20]) |
ضَلالٌ رَجاءُ العاذِلِينَ إنابَتِي | وَإنْ قَيَّدُونِي جاهِلِينَ وَعَنَّفُوا |
وماذا عَلِيهِم أنْ أَجُودَ بِتالدِي | وأَفْنِي طَرِيفِي قَبْلَ يَومِي وَأُتْلِفُ([21]) |
لَهُمْ ما اقْتَنَوا فَلْيَحْرِصُوا في ادِّخارِهِمْ | ولِي كَنْزُ شِعْرٍ لا يَبِيدُ ويوسفُ([22]) |
هُوَ الجَبَلُ الرَّاسي الَّذي ليسَ يَنْتَهِي | وَبَحْرُ النَّدَى الطَّامِي الَّذي ليسَ يُنْزَفُ |
ـ 2 ـ الأبيات كلُّها في المحمَّدون من الشُّعراء (355 ـ 356)، ومنها في الخريدة ـ شعراء المغرب (1/ 95) الأبياتُ الأوَّل والثَّالث والخامس والسَّابع:
ـ من البسيط ـ
حَسْبُ العَواذل ما قَدَّمْنَ مِنْ عَذَلِي | شُغِلْنَ بي وأنا عَنْهُنَّ في شُغُلِ([23]) |
أَهْدَينَ لي ضِلَّةً مِنْهُنَّ غيرَ هُدًى | وَرُمْنَ تقويمَ معوجٍّ أخي مَيَلِ([24]) |
يَسُمْنَني النُّسْكَ لا يَسْأَمْنَ مَعْتَبَتِي | وَلا وَحَقِّ الصِّبا ما النُّسْكُ مِنْ عَمَلي([25]) |
يأبى التَّغَزُّلَ بالغِزْلانِ[مَنْ نَسُكوا] | والعَيْشُ أَجْمَعُ كلُّ العَيْش في الغَزَلِ([26]) |
هيهاتَ خامَرَنِي خَمْرُ العُيُونِ كما | تُخامِرُ الخَمْرُ عَقْلَ الشَّارِبِ الثَّمِلِ |
هَلِ الظِّباءُ الَّتِي يُحْبَسْنَ في سَمَرٍ | مِثْلُ الظِّباءِ الَّتي يَكْنِسْنَ في الكِلَلِ([27]) |
إنَّ العُيُونَ نَفَثْنَ السِّحْرَ في عُقَدِي | سِحْراً يُوَهِّنُ كَيْدَ الفاتِكِ البَطَلِ([28]) |
في البيضِ والسُّودِ لِي ياعاذلِي شُغُلٌ | بيضِ الوُجوهِ وسُودِ الأَعْيُنِ النُّجُلِ([29]) |
وَلائمٍ لامني فيها فقلْتُ لهُ: | أَقْصِرْ منَ اللَّومِ يا هذا ولا تُطِلِ |
هَبْكَ الرَّشيدَ وَهَبْني قدْ غَوَيتُ إِذاً | فَاسْلُكْ سبيلَكَ إنِّي سالِكٌ سُبُلِي([30]) |
* * *
([8]) المِرْيَةُ: الشَّكُّ والرِّيبة. المَجْهَلُ: كلُّ أرضٍ لا يُهْتَدَى فيها إلى سبيل. يَعْسِفُ: يَظْلِمُ.
([9]) أطالَ: أكثرَ، صحيحاً: حال منصوبة للفاعل من أطال، والصَّحيح: المعافى من المرض، أي أكثرَ الملامةَ على صحَّة حالِه من غير أنْ يكابدَ ما أكابـده، المُدْنَـفُ: مَنْ بـراهُ المرضُ أو الشَّوقُ. شتَّانَ: اسم فعلٍ ماضٍ بمعنى افترقَ، (صحيحٌ) فاعلُه.
([10]) الصَّبابةُ: الشَّوقُ. فَينان: كثيرُ الفَنَن وهو الغُصْن، أي مُخْصِبٌ رَفِيهٌ. مُسْعِف: مساعِدٌ مُعِينٌ لي في حاجتي.
([11]) صَبْرَةُ: بلدةٌ من المغرب حَسَنَةٌ مُتَّصلةٌ بالقيروان، كَثُرَ ذِكْرُها في شعر المغاربة. انظر معجم البلدان : صَبْرَة.
([14]) أبِنْ لي: أَوْضِحْ وبَيِّنْ؛ يقول: بيِّنْ لي أهذا رِيقُكَ الذي رَشَفْتُه لأبْتَرِدَ بهِ وأطفِئ الظَّمأ أم ماءٌ عَذبٌ ؟ الغَلِيل: الظَّمأ. القَرْقَفُ: الخَمْرُ يَرْعَدُ عنها شاربُها.
([15]) الفَرْعُ: الشَّعْرُ الطَّويلُ للمرأة. العَضْبُ: السَّيفُ القاطع. الغِرار: الحدُّ. مُرْهَفٌ: دَقِيقٌ.
([21]) أَجُودُ بِتالِدِي: أَبْذُلُهُ، والتَّالدُ: المالُ القديمُ. أَفْنِي طَرِيفي: أنفقه وأبليه، والطَّريفُ المالُ الحديثُ، وهو نقيضُ التَّالد.
([27]) يَكْنِسْنَ: يَسْتَتِرْن ويَخْتَفِين. الكِلَلُ: الواحدة كِلَّةٌ، وهي السِّتر الرقيقُ يُخاط كالبيتِ يُتَوَقَّى فيه منَ البَقِّ وغيره.