ابنُ حَمْديس الصِّقلِّيُّ

أورد ترجمته الأستاذ الدكتور أسامة اختيار في كتابه الموسوعي (جمهرة أشعار الصقليين تحقيق ودارسة) والصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة (1437 هـ - 2016م)

فقال:

أ ـ ترجمته([1]):

أبو محمَّد عبد الجبَّار بن أبي بكر بن محمَّد بن حمديس الأزديُّ الصِّقلِّيُّ، نسبة إلى الأَزْد([2]).

وُلِدَ في صقلِّيَّة سنة (447ﻫ) وفيها نشأ، فتح عينيه على الجزيرة ليجدها في قبضة النُّورمان، وقد استبدُّوا بها، فنزحَ عنها في ريعان شبابه يحدوه حنينٌ دائمٌ إليها ظلَّ ماثلاً في شعره حتَّى وفاته، وكان أوَّلُ نزولِه في رحلته بالمغرب، ثمَّ غادره إلى الأندلس سنة (471ﻫ)([3]) قاصداً المُعْتَمِد([4]) لعلَّه يحظى بمكانةٍ لديه، وروى ابنُ حمديس ما كان من خَبَرِهِ مع المُعْتَمِد أوَّل الأمر، وذكرَ الخَبَرَ المَقَّرِيُّ في (نَفْحِ الطِّيب) قال([5]):

«قال عبد الجبَّارِ بن حمديس الصِّقلِّيُّ: أَقَمْتُ بإشبيلِيَةَ لمَّا قَدِمْتُها على المُعْتَمِدِ بن عبَّاد مدَّةً لا يلتفِتُ إليَّ ولا يَعْبَأُ بي، حتَّى قَنَطْتُ لخيبتي مع فَرْطِ تعبي، وهَمَمْتُ بالنُّكوص على عَقِبي، فإنِّي كذلك ليلةً من اللَّيالي في منزلي إذا بغلامٍ معه شمعةٌ ومركوبٌ، فقال: أَجِبِ السُّلطان، فركبْتُ من فوري ودخلْتُ عليه، فأجلسَنِي على مَرْتَبَتِهِ، وقال لي: افتحِ الطَّاقةَ التي تليكَ فَفَتَحْتُها، فإذا بكُورِ زجاجٍ على بُعْدٍ والنَّارُ تلوحُ من بابَيْهِ، وواقِدةٌ تَفْتَحُهما تارةً وتَسُدُّهُما أخرى، ثمَّ دامَ سَدُّ أَحَدِهِما وفَتْحُ الآخرِ، فحينَ تَأَمَّلْتُهُما قالَ لي: أَجِزْ [من المنسرح]:

فقلْتُ:

فقال:

فقلت:

فقال:

فقلت:

فاسْتَحْسنَ ذلكَ، وأمرَ لي بجائزةٍ سنيَّةٍ وأَلْزَمَنِي خِدْمَتَهُ».

أقامَ ابنُ حمديس لدى المُعْتَمِد، وظلَّ في صُحْبَتِهِ، حتَّى خَلَعَهُ زعيمُ المرابطين يوسفُ بن تاشفين([6]) سنة (484ﻫ) وسَجَنَه، فرحلَ ابن حمديس إليه في بلاد المغرب، وقَدِمَ عليه في سِجْنِهِ بأَغْمات([7]).

ظلَّ ابن حمديس يتجوَّلُ في بلاد المغرب بعد فقدانه وَلِيَ نِعْمَتِهِ المُعْتَمِد، وساءت أحوالُه من بعده إلى أن وافته المنيَّةُ سنة سبع وعشرين وخمسمئة (527ﻫ) وقد بلغ من العمر ثمانين عاماً([8]).

ب ـ شعره:

له ديوانُ شعرٍ مطبوعٌ محقَّقٌ بعنايةٍ، حقَّقه الدكتور إحسان عباس([9])، وأخرجه في قسمين اثنين؛ الأول: الدِّيوان، وهذا القسم صَنَعَه ابنُ حمديس نفسُه، وذكرَ فيه مناسباتِ بعضِ قصائدِه وأملاهُ على أحد الرُّواة، ويشتمل على ثلاثمئةٍ وستةٍ وثلاثينَ نصّاً شعريّاً بينَ مُقَّطعاتٍ وقصائدَ طوالٍ.

والثَّاني: ذيل الدِّيوان صَنَعَهُ المحقِّقُ، غيرَ أنَّ من بين مستدركات ذيلِ الدِّيوان بيتاً فريداً منسوباً لابن حمديس ـ من البسيط([10]):

قلْتُ: البيتُ لابن أبي البِشْر البَلَّنُوبيِّ أبي الحسن عليِّ بن عبد الرَّحمن، وهو مُثْبَتٌ في ديوانه مع بيتٍ آخرَ بعدَهُ([11]):

ويبدو من مطالعةِ ذيل الدِّيوان أنَّ ابنَ بسَّام قد انفرد في (الذَّخيرة) برواية قصائدَ لا نجدها في أصل الدِّيوان، وقد أشار الدكتور إحسان عباس إلى ذلك في حاشية (الذَّخيرة) فقال([12]): «ومعنى ذلك في الأرجح أنَّ هذه القصائد تمثِّلُ روايةً أو مجموعةً كانت له بالأندلس، وخاصَّةً أنَّ ابنَ بسَّام لقيه وسمع شعره، ولكنَّ ابنَ حمديس عاش حتى سنة (527ﻫ) وكَثُرَ شعرُه، فالذَّخيرة تمثِّلُ حقّاً المرحلةَ الَّتي سبقَتْ مغادرَتَهُ الأندلس».

من يَتَتَبَّعْ مقدِّماتِ بعضِ قصائدِ ابنِ حمديس في ديوانه([13]) يَرَ أنَّ الشَّاعرَ صنعَ ديوانَهُ في مرحلةٍ لاحقةٍ لخروجِه من الأندلس وإقامتِهِ في إفريقيَّة، وأنَّه صنعَ الدِّيوانَ في مرحلةٍ متأخِّرةٍ من حياته، وجمعَ فيه معظمَ إنتاجِهِ الشِّعريِّ، ولعلَّه سَها عنْ بعضِهِ لكثرة شِعْرِه، وقد أشرْتُ إلى ذلك في مَعْرِضِ كلامي على أصول الشِّعر العربيِّ في صقلِّيَّة([14])، وديوانُه مصدرُ شعره لدينا فلا نذكرُ منه في هذا الكتاب غيرَ ما أُشير إليه.

*  *  *