جاري التحميل

أصول الشعر العربي الصقلي

الأعلام

أصول الشِّعر العربيِّ الصِّقلِّيِّ

كتب الأستاذ الدكتور أسامة اختيار حول هذا الموضوع من كتاب ( جمهرة  أشعار الصقليين تحقيق ودراسة ) الصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة ( 1437 هـ - 2016 م )

فقال :

أوَّلاً ـ ضياعُ كثيرٍ من الشِّعر العربيِّ الصِّقلِّيِّ وأسبابُه:

يبدو أنَّ جُلَّ النِّتاج الأدبيِّ الغزيرِ الَّذي نجد له وصفاً في تضاعيف كلام الدَّارسين الأقدمين على الحركة الأدبيَّة في صقلِّيَّة مفقودٌ، ولم يصلْ إلينا منه إلا نزرٌ يسيرٌ قياساً إلى ما نجدُهُ من حديثٍ عنه في المصادر الأدبيَّة الَّتي حفظَتْ لنا بعضَ ذلك الشِّعر، إضافةً إلى ما نجده في كتب التَّراجم، وما جاء في المتون التَّاريخيَّة، وما ورد في مصنَّفات الطَّبقات وكتب الرِّحَل، وتسمح هذه البقيَّةُ بإلقاء الضَّوء على مرحلةٍ أدبيَّةٍ مشرقةٍ من التُّراث الشِّعريِّ العربيِّ تكاد تُنْسى في عصرنا.

ويُلْحَظُ أنَّ معظم ما ورد من الشِّعر العربيِّ الصِّقلِّيِّ في هذه المصادر منقولٌ عن أصولٍ ضائعةٍ لا نعلم عنها إلَّا قليلاً، كما أنَّ جُلَّ ما رُوِيَ منه لا يتجاوز حدودَ الأبيات المجتزأةِ الَّتي تخيَّرها المصنِّفون من قصائدَ طوالٍ، ونادراً ما كانوا يُثْبتون في اختياراتهم قصائدَ تامَّةًلأسبابٍ منها:

1 ـ اقتصارُ بعض المصنِّفين على المجتزأ من القصيدة الكاملة في معرض الاستشهاد بالشِّعر الصِّقلِّيِّ في مسألةٍ أدبيَّةٍ، كالَّذي صنعَه التُّجيبيُّ (ت بعد 415ﻫ) في شرح (المختار من شعر بشَّار) إذ روى فيه شعراً كثيراً لمعاصرِه ابن الخيَّاط في متن الشَّرح، ويتَّضح هذا الاجتزاءُ من النُّصوص الكاملة في عباراتٍ من مِثْلِ قوله: «ونحوَهُ قولُه أيضاً من قصيدة أنشدَنِيها» و«كرَّرَهُ بما أنشدَنِيهِ من قصيدة له» و«أنشدَنِيهِ الرِّبْعِيُّ أبو الحسن من قصيدةٍ له» و«أنشدني أيضاً في مِثْلِهِ من قصيدةٍ» و«أنشدني أيضاً في نحو ذلك من قصيدةٍ...»([1]) فحفظ لنا كثيراً من شعر ابن الخيَّاط، إلا أنَّه كان يقتصر على الأبيات المجتزأة من قصائدَ كاملةٍ، ولهذا ما يسوِّغُه وهو أنَّ الكتاب موضوعٌ لغرضٍ آخرَ، ولم يصنِّفْهُ صاحبُه لرواية شعر ابن الخيَّاط خاصَّةً.

2 ـ ومن ذلك أيضاً أنَّ جملةً من قصائد الشِّعر الصِّقلِّيِّ لم تقع تامَّةً في أيدي النَّاقلين، ووقفوا على مختاراتٍ منها، كالَّذي نجده في كتب التَّراجم الَّتي رَوَتْ شعر ابن يخلف الصِّقلِّيِّ، إذ يشيرُ المصنِّفون إلى أنَّ ما رُوِيَ له هو ممَّا وقفوا عليه من مختار شعره، ومنه ما رواه الصَّفديُّ (ت 764ﻫ) في (الوافي بالوفيات) مشيراً إلى أنَّه من مختار شعره([2])، ونحو ذلك ما ذكره الكتبيُّ (ت 764ﻫ) في (فوات الوفيات) في سياق روايته لشعره([3]).

3 ـ ومنه إغفالُ بعض المصنِّفين روايةَ القصيدةِ كاملةً، ويعودُ هذا الإغفالُ إلى أمرين:

أوَّلهما: إرادةُ الاختصارِ، كالَّذي فعلَه أبو إسحاق بن أغلب في اختصارِه للدُّرَّة الخطيرة لابن القطَّاع (ت 515ﻫ) إذ حذفَ مقدِّمةَ التَّراجم، وأسقط شعرَ كثيرٍ من الشُّعراء، ولم يذكر منهجَه في هذا الاختيار([4])، والأصلُ ليس بين أيدينا حتَّى نتبيَّنَ قيمةَ ما اختارَه قياساً إلى ما تركَهُ.

والثَّاني: أنَّ بعضَ المصنِّفين أغفلوا روايةَ القصائد الكاملة لبعض الشُّعراء مكتفين بالاختيار منها، وذلك لأسبابٍ أوضحوها في سياق اختياراتهم، فمن ذلك ما صنعَه العمادُ في اختياره للشِّعر الصِّقلِّيِّ الَّذي قِيلَ في مدح ملوكِ النُّورمان الَّذين ملكوا أمرَ صقلِّيَّة بعد انقضاء الحكم العربيِّ فيها، إذ يُوضِحُ العمادُ في روايته لأبياتٍ من قصيدةٍ لعمرَ بن حسن الصِّقلِّيِّ في مديح ملك النُّورمان (روجار) أنَّه اقتصر على أبياتٍ اختارَها من تلك القصيدة، مع إعجابِه بها وإيثارِه لها، فقال: «واقتصرْتُ منها على هذهِ النَّغْبَةِ مع الظَّمأ إليها...»([5]) ونحو ذلك ما صنعَه العمادُ في سياق روايته لقطعةٍ من مدح البَثيريِّ لملكِ النُّورمان (روجار الثَّاني) مشيراً إلى ذلك بقوله: «واقتصرْتُ من القصيدتين على ما أوردْتُه...»([6]) فضاعَ سائرُ القصيدتين، ولم يَعُدْ بين أيدينا منهما سوى أبياتٍ قليلةٍ مجتزأة، ولاسيَّما أنَّ العمادَ نقلَ الشِّعرَ الصِّقلِّيَّ عن مصادرَ غدَتْ مفقودةً.

كان ذلك كلُّه من أسباب ضياع كثيرٍ من الشِّعر الصِّقلِّيِّ، ولكنَّ أهمَّ سببٍ لضياعه هو ما مرَّتْ به صقلِّيَّةُ من نكباتٍ سياسيَّةٍ وحروبٍ في عهد بعض أباطرة الجِرْمان، الَّذين شنُّوا على العرب المقيمين في صقلِّيَّة حملاتِ التَّهجير، ثمَّ امتدَّتْ أيديهم بعد ذلك إلى معالم الحضارة العربيَّة في الجزيرة فأفسدوها، وسعَوا إلى طمسها هدماً وإحراقاً، فكانت تلك الحملاتُ سبباً من الأسباب الَّتي أسهمت في ضياع كثيرٍ من تراثنا الشِّعريِّ في صقلِّيَّة، إذْ لا يخفى ما تصنَعُه الحروبُ بما تُنْتِجُه الحضاراتُ.

وممَّا يدلُّ على ضياع كثيرٍ من التُّراث الشِّعريِّ الصِّقلِّيِّ أنَّنا لو بحثنا عن دواوين الشِّعر الصِّقلِّيِّ؛ فلن نجد سوى ديوانين منها كُتِبَتْ لهما النَّجاةُ فوصلا إلينا، وهذا على كثرة ما نجد من أعلام الشِّعر الصِّقلِّيِّ، وما نقرأُ من وصفٍ لنتاجِهِمُ الأدبيِّ الغزير.

أمَّا الدِّيوانُ الأوَّلُ ممَّا وصل إلينا فهو ديوانُ ابن حمديس([7])، ويبدو أنَّ ابن حمديس صنع ديوانَه وأملاهُ على أحـد الرُّواة، وذكـر فيـه مناسـباتِ قصائده([8]). والدِّيوانُ الثَّانيديوانُ البلَّنُوبيِّ([9]) (أبي الحسن عليِّ بن عبد الرَّحمن بن أبي البِشْر) وهو برواية الفقيه أبي محمَّدٍ عبد الله بن يحيى الخُرَيميِّ (ت 514ﻫ).

ولم أجد من دواوين الشِّعر الصِّقلِّيِّ غيرَهما، على الرَّغم ممَّا تشيرُ إليهِ المصادرُ الأدبيَّةُ من دواوينَ أخرى لم أقعْ على أثرٍ لها، فمن ذلك ديوان الشَّاعر مَجْبَر بن محمَّد الصِّقلِّيِّ (ت قبل540ﻫ) وقيل إنَّه في بضعـة عشر ألف بيتٍ من الشِّعر([10])، وديوان أبي العرب الصِّقلِّيِّ (ت 506ﻫ) وذَكَرَ الكتبيُّ (ت 647ﻫ) أنَّ لأبي العرب الصِّقلِّيِّ ديوانَ شعرٍ بين أيدي النَّاس([11])، غيرَ أنَّ ما وصلَ إلينا من شعرِه قليلٌ، ممَّا يدلُّ على ضياع نصيبٍ وافرٍ من شعره، ويروي التُّجيبيُّ (ت بعد 415ﻫ) في شرح (المختار من شعر بشَّار) شعراً كثيراً لمعاصرِه ابنِ الخيَّاط، ممَّا يشيرُ إلى غزارة شعره، غير أنَّني لم أقف على ديوانه أيضاً، كما أنَّ ديوان ابن حمديس الَّذي صنعَه الشَّاعرُ نفسه لم يكن بمنأى عن ضياع كثيرٍ من شعره، إذ انفردَ ابنُ بسَّام الشَّنْتَرينيُّ (ت 542ﻫ) برواية قصائدَ له لم يُثْبِتْها الشَّاعرُ في ديوانِهِ([12]) وهذا يعني أنَّ ثمَّة نقصاً في ديوان ابن حمديس، وفي الإمكان تعليلُ ذلك ـ من وجهة نظري بأحد أمرين؛ الأوَّل: أنَّ ابن حمديس نظمَ بعضَ تلك القصائد بعد صناعتِه لديوانه في مرحلةٍ لاحقةٍ. الثَّاني: أنَّ ابن حمديس أغفلَ بعضَ تلك القصائد، فلم يذكرها في أصل ديوانه، على الرَّغم من جودتها وحُسْنِها، ووقع ذلك سهواً منه لكثرة شعره وغزارة إنتاجه الأدبيِّ.

يُسْتَنْتَجُ من ملاحظة مقدِّمات بعض قصائد ابن حمديس أنَّهُ صنع ديوانَهُ في مرحلةٍ لاحقةٍ لخروجه من الأندلس وإقامته في إفريقيَّة، فمن بين أصول ديوانه قصيدةٌ يرثي فيها جاريةً له ماتَتْ غرقاً في المركب الَّذي عطبَ به بعد خروجه من الأندلس ليقيمَ في إفريقيَّة، وقُدِّرت له النَّجاةُ من الغرق([13])، وهذا يشير إلى أنَّه صنع ديوانه بعد خروجه من الأندلس، أي بعد انقطاعه عن ابن بسَّام صاحبِ (الذَّخيرة) كما وجدْتُ في أصل ديوانه قصيدتين يشير فيهما إلى أنَّه بلغ من العمر ستِّين عاماً([14])، وهذا يؤكِّد أنَّه صنع ديوانه في مرحلةٍ متأخِّرةٍ من حياته، فقد وُلِدَ سنة (447ﻫ) وتوفِّي سنة (527ﻫ) ممَّا يشير إلى أنَّه لم يذكر في ديوانِهِ شعرَهُ كلَّه، وقد سقطَتْ منه بعضُ القصائدِ الأندلسيَّةِ التي أثْبَتَها ابنُ بسَّام في (الذَّخيرة) ورواها ابنُ بسَّام مشافهةً، فقال في ابن حمديس: (وهو من جملة من لَقِيتُهُ وشافَهْتُهُ وأسمعَني شعره)([15]) واتَّضح أنَّ مجموعَ ما رواه ابن بسَّام عن ابن حمديس من شعره خمسَ عشرةَ قصيدةً لم يُثْبِتها ابنُ حمديس في أصل ديوانه([16])، وثمَّةَ قصائدُ أخرى مُثْبَتةٌ في ذيل الدِّيوان، ممَّا لم يُرْوَ في أصل مَتْنِهِ، وممَّا لم يُثْبتُه ابنُ بسَّام في (الذَّخيرة).

ما سبقَ يدلُّ على غزارة الشِّعر الصِّقلِّيِّ ووفرة أصوله، ولولا ضياعُ كثيرٍ منه لكان لنا تراثٌ عظيمٌ من شعر الصِّقلِّيِّين، وإنَّ ما جمعَتْهُ المصادرُ الأدبيَّةُ وكتبُ التَّراجم والمتونُ التَّاريخيَّةُ ومصنَّفاتُ الطَّبقاتِ وكتبُ الرِّحَلِ يدفعنا إلى الوقوف على تنوُّع مصادر الشِّعر العربيِّ الصِّقلِّيِّ، ويمهِّدُ للحديث عمَّا بين أيدينا من هذه المصادر، وما فقدناه منها ولم نقف على أثرٍ له.

ثانياً ـ مصادر الشِّعر العربيِّ الصِّقلِّيِّ:

لعلَّ أتم َّمجموعٍ للشِّعر العربيِّ الصِّقلِّيِّ هو (الدُّرَّة الخطيرة في المختار من شعراء الجزيرة) لابن القطَّاع عليِّ بن جعفر (ت 515ﻫ) ووردت الإشارةُ إليه بصيغٍ مختلفةٍ منها: (الدُّرَّة الخطيرة في شعراء الجزيرة) و(الجوهرة الخطيرة في شعراء الجزيرة)([17]) وانفرد بالثَّانية ياقوت الحَمَويُّ، ولعلَّ الصَّحيحَ هو (الدُّرَّة الخطيرة في المختار من شعراء الجزيرة) أو (الدُّرَّة الخطيرة في المختار من شعر شعراء الجزيرة) وذكرَهُما العمادُ (ت 597ﻫ) على هاتين الصُّورتين في (الخريدة) في سياق نَقْلِه من المخطوط نفسه([18]).

ذكر الدكتور إحسان عبَّاس أنَّ لأبي إسحاق بن أغلب مختصراً من (الكتاب المُنْتَخَل من الدُّرَّة الخطيرة في شعراء الجزيرة) محفوظاً في المكتبة التَّيموريَّة بدار الكتب المصريَّة تحت رقم (2216 تاريخ)([19]) ولم أقف عليه بين أسماء (الدُّرَّة الخطيرة) المذكورة في فهارس الكتب القديمة، ولذلك أستبعد أن يكون هذا المختصر مِنْ عَمَلِ ابن القطَّاع، وقد نَشَـرَ بشير البكوش مخطوط (الكتاب المُنْتَخَل من الدُّرَّة الخطيرة في شعراء الجزيرة) تحت عنوانٍ غريبٍ هو (الدُّرَّة الخطيرة في شعراء الجزيرة) فَحَذَفَ صَدْرَ العنوانِ من المخطوط من غير تسويغٍ لذلك أو تعليلٍ له([20])، وما كان ينبغي حَذْفُهُ، لأنَّه مُثْبَتٌ في عنوان المخطوط، فأوهمَ بهذا الحذف أنَّ تحقيقَه هو لكتاب (الدُّرَّة الخطيرة)، وليس كذلك كما بيَّنْتُه آنفاً، ولاسيَّما أنَّه يشير في مقدَّمة الكتاب إلى احتمال قراءة (المنتجل) بدلاً من (المنتخل) كما قرأه، ثمَّ إنَّ متن (الدُّرَّة الخطيرة) سِفْرٌ عظيمُ الحجمِ مثلما وُصِفَ في مصادر الأدب القديمة، ولا يعدل ذلك ما أخرجه المحقِّقُ، إذ ذكر ياقوت الحَمَويُّ في (معجم الأدباء) أنَّ كتاب ابن القطَّاع اشتمل على «مئةٍ وسبعين شاعراً، وعشرين ألف بيتٍ شعرٍ»([21])، وليس فيما نشره المحقِّقُ ما يَعْدِلُ المذكورَ مِنْ عددِ الشُّعراء، أو عدد أبيات الشِّعر، ممَّا يعني أنَّ الكتاب المنشور هو (المنتخل)، وليس (الدُّرَّة الخطيرة)، لذلك كان يجب على المحقِّق إثباتُ عنوان الكتاب في الغلاف المنشور على صورته الَّتي وَرَدَ عليها في المخطوط الذي حقَّقه من غير نقصٍ يُوهِمُ أنَّه (الدُّرَّة الخطيرة) عينُها، ولن نعوِّلَ عليه في عَمَلِنا، لأنَّنا أخرجنا الشِّعر من بطون المصادر.

أقول بعد هذا الإيضاح لو قُدِّرَ لمجموع (الدُّرَّة الخطيرة) أن يصلَ إلينا تامّاً؛ لكان ذلك مُعِيناً على دراسة الحركة الشِّعريَّة في صقلِّيَّة، ثمَّ إنَّ مؤلِّفَه (ابن القطَّاع) أحدُ أعلام الشِّعرِ الصِّقلِّيِّ البارزين، وهذا يعني أنَّ لاختياراته أهميَّةً خاصَّةً.

قَصَرَ الدكتور شوقي ضيف شعراءَ (الدُّرَّة الخطيرة) على مرحلة الحكم العربيِّ في صقلِّيَّة، فذهب إلى القول إنَّ ابن القطَّاع لم يُورِدْ فيها أحداً من شعراء المرحلة النُّورمانيَّة([22])، لكنَّني وجدْتُ أنَّ بعضهم عاصر المرحلة النُّورمانيَّة، كان ذلك فيما نقلَه العمادُ في خريدته عن (الدُّرَّة الخطيرة) وفي بعض أخبارهم وأشعارهم ما يشير إلى ذلك، فمن هؤلاء مثلاً: ابنُ الطُّوبيِّ (أبو الحسن) وابنُ الودَّانيِّ (أبو الحسن عليُّ بن إبراهيم)، وابنُ الودَّانيِّ (أبو عليٍّ حسنُ بن أبي الحسن) وابنُ الصبَّاغ، وجعفر بنُ الطَّيِّب الكَلْبِيُّ (أبو محمَّد)، وأبو الفتح الشَّاميُّ وغيرهم([23]).

ويمكننا الإشارةُ إلى جملةٍ من المختارات من (الدُّرَّة الخطيرة) ممَّا اختاره عددٌ من المصنِّفين الأقدمين:

الاختيار الأوَّل: اختيار الشَّيخ أبي إسحاق بن أغلب، وذَكرَ (د.إحسان عباس) أنَّه محفوظٌ في المكتبة التَّيموريَّة في دار الكتب المصريَّة تحت رقم (2216 تاريخ) وله نسخةٌ في خزانة باريس تحت رقم (3418) ولم يعوِّلْ عليه، مشيراً إلى ما أصابَهُ من تلفٍ ونقصٍ كبيرين، وذكر أنَّ في منتصفه بعد الورقة (106) نقصاً سقطَتْ معه أشعارُ جملةٍ من الشُّعراء، وهنالك نقصٌ في نهاية المخطوط([24]).

الاختيار الثَّاني: هو اختيار ابنِ سعيدٍ (أبي الحسن عليِّ بن موسى الأندلسيِّ ت 685ﻫ ) في (المُغْرِب في حُلى المَغْـرِب) الجـزء الرَّابع منـه، وهو مخطوطٌ في دار الكتب المصريَّة، رقمه (2712 ـ تاريخ) ذكـرَهُ (د. إحسان عباس) وأشار إلى أنَّ الشِّـعر الصِّقلِّيَّ ضمن الكتاب الثَّاني منـه تحت عنوان: «الألحان المُسَلِّيَـة في حُلى جزيرة صقلِّيَّـة» وذكـر أنَّ ابنَ سـعيدٍ متعجِّلٌ في اختياراتِـه، يُورِدُ البيتَ والبيتين والمقطوعة، ولا يهتمُّ بالقصيدة([25]).

الاختيار الثَّالث: اختيارُ العماد (519 ـ 597ﻫ) وما يميِّزُ هذا الاختيارَ من غيره أنَّهُ جاء وافياً من دون تعجُّلٍ، مع ذِكْرٍ موجزٍ للمقدِّمات الَّتي كان ابنُ القطَّاع يقدِّمُ شعراءَه بها، وبلغَ مجموعُ من اختارَهُمُ العمادُ من (الدُّرَّة الخطيرة) وذكرَهُمْ في موضعٍ واحدٍ في كتابه (الخريدة)([26]) أربعةً وأربعين شاعراً، وأضاف إليهم جملةً من الشُّعراء الصِّقلِّيِّين ذكرَهُم في مواضعَ متفرقةٍ، من دون إشارةٍ إلى أنَّ ابن القطَّاع ضمَّنهم في (الدُّرَّة الخطيرة)([27]) ما خلا واحداً منهم ذكرَ العمادُ أنَّه من شعرائها، وهو محمَّد بن عبد الله الصِّقلِّيُّ (أبو بكر)([28]) وبذلك يكون مجموعُ الشُّعراء الَّذين أشار العمادُ إلى أنَّهم من (الدُّرَّة الخطيرة) خمسةً وأربعين شاعراً.

وفي الإمكان القولُ: إنَّ قطعةَ الشِّعر الصِّقلِّيِّ في (الخريدة) هي أتمُّ ما وصلَ إلينا من المختـارات بعـد (المنتخـل) ولاسـيَّما أنَّها نُقِلَتْ عـن مجموعين شـعريَّين مفقودين؛ الأوَّل: هـو مجمـوع ابن القطَّـاع (الدُّرَّة الخطيرة في المختار من شـعراء الجزيرة)، والثَّاني: هو مجموع ابن بِشْرون (المختار من النَّظم والنَّثر لأفاضل العصر).

يُعَدُّ كتابُ ابن بِشْرون المجموعَ الأقدمَ للشِّعر الصِّقلِّيِّ بعد مجموع ابن القطَّاع، وإذا كان ابن القطَّاع أرَّخَ للحركة الشِّعريَّة في صقلِّيَّة في عهد الحكم العربيِّ فيها؛ فإنَّ ابن بِشْرون عاصرَ الحركةَ الشِّعريَّةَ الصِّقلِّيَّة في العهد النُّورمانيِّ، ونقل لنا صورةً عنها مُكْملاً بذلك جهـد ابن القطَّاع، ويضمُّ مجمـوع ابن بِشْرون أحدَ عشرَ شاعراً صقلِّيّاً ذكرَهم العمادُ في قسم شعراء المغرب في مطلع اختياراته من الشِّعر الصِّقلِّيِّ([29]).

ويمكننا أن نجعل قطعةَ الشِّعر الصِّقلِّيِّ في (الخريدة) أربعةَ أقسامٍ رئيسة:

الأوَّل: ذكرَ فيه العمادُ شعرَ البلَّنُوبيِّ (أبي الحسن)، وترتيبُهُ الأوَّلُ بين الشُّعراء الصِّقلِّيِّين في (الخريدة) ويبدو أنَّ العمادَ اختارَ شعرَ البلَّنُوبيِّ (أبي الحسن) من مجموع شعرٍ له، وهذا ما نجده في قوله: «وقرأْتُ في مجموع شعرٍ نظماً حُرّاً، يفوقُ ياقوتاً ودرّاً، منسوباً إلى أبي الحسن بن أبي البِشْر»([30]).

الثَّاني: ذكرَ فيه شعرَ الشُّعراءِ الصِّقلِّيِّين في المرحلة النُّورمانيَّة نقلاً عن (المختار من النَّظم والنَّثر لأفاضل العصر) لابن بِشْرون، وأشار إلى ذلك بقوله: «طالعْتُ كتاباً صنَّفَهُ بعضُ فضلاءِ عصري هذا، الأقرب بالمهديَّة، وذكرَ فضلاءَ صقلِّيَّة»([31])، ثمَّ صرَّح باسم مَنْ روى عنه، وهو ابن بِشْرون، وذكر ذلك في ترجمة البَثيريِّ([32])، مكتفياً بالإشارة إلى اسم كتابه تلميحاً، ولم يُشِرْ إليه في هذا الموضع تصريحاً، ثمَّ وقفْتُ على عنوان الكتاب واسم صاحبه مصرَّحاً بهما في ترجمة العمادِ لأبي الضَّـوء سـراج بن أحمـد في قولـه: «ثـمَّ وقـع بيدي كتابٌ ألَّفَـهُ ابنُ بِشْـرون الكاتبُ بصِقِلِّيَّة في عصرنا هذا ووسَمَهُ بـ: المختار من النَّظم والنَّثر لأفاضل العصـر»([33]) وإنْ ضمَّنَ العماد (الخريدةَ) أحدَ عشـرَ شاعراً من شـعراء ابن بِشْـرون مجتمعين؛ فليس هذا كلَّ ما ذكرَهُ ابنُ بِشْـرون في كتابه، وإنَّما هو بعضُ ما وقعَ عليه اختيارُ العمادِ ممَّا يومئُ إليه قولُه: «و ذكرَ فضلاءَ صقلِّيَّة، فمنهم...»([34]) وتشير إليـه ترجمـةُ أبي الضَّوء سـراج بن أحمـد الَّتي نقلَها عن كتـاب ابن بِشْـرون ووَرَدَتْ مستقلَّةً عن الشُّعراء الصِّقلِّيِّين الَّذين ترجمَ لهم في موضعٍ واحدٍ نقلاً عنه، وقد روى ابن بِشْرون شعراً له في تضاعيف مختارِه([35])، فيكـون مبلـغُ من ذكرَهُمُ العمـادُ في (الخريدة) نقلاً عن ابن بِشْـرون ثلاثـةَ عشـرَ شاعراً، وفي هؤلاء شعرُ ابن بِشْرون نفسِه، وشعرُ أبي الضَّوء سراج بن أحمد.

الثَّالث: أوردَ فيه العمادُ ما اختارَهُ من كتاب ابن القطَّاع (الدُّرَّة الخطيرة) مبيِّناً أنَّ شعراءَها أقدمُ عصراً من شعراء ابن بِشْرون المذكورين، فقال: « ذكرَهُم أبو القاسم عليُّ بنُ جعفر بنِ عليِّ السَّعديُّ، المعروفُ بابن القطَّاع في كتاب: الدُّرَّة الخطيـرة في المختـار مـن شـعراء الجزيرة، وهـم أقـدمُ عصراً وأسبقُ شعراً»([36]) ومجموعُهم أربعةٌ وأربعون شاعراً، ذَكَرَهُم في موضعٍ واحدٍ.

الرَّابعُ: يشملُ سبعةً من الشُّعراء الصِّقلِّيِّين الذين ذكرَهُمُ العمادُ في مواضعَ متفرقةٍ من (الخريدة) وهذا بيانُ أسمائهم ومواضعُ ذِكْرِ أشعارِهم في (الخريدة):

منهم محمَّدُ بنُ عبد الله الصِّقلِّيُّ (أبو بكر)، وذكرَه في باب محاسن جماعةٍ من فضلاء القيروان، وقد أشار إلى أنَّه من شعراء (الدُّرَّة الخطيرة)([37]) وعبدُ الرَّحمن بنُ لؤلؤ الكلبيُّ، وأحمدُ بنُ قاسم الصِّقلِّيُّ، وذكرَهُما في الطَّارئينَ على مصرَ والوافدينَ إليها([38])، وذكرَ ترجمةَ أبي الضَّوء سراج بن أحمد في قسم شعراء المغرب([39])، وذكرَ ترجمةَ مَجْبَرِ بنِ محمَّد الصِّقلِّيِّ في قسم شعراء مصـر لأنَّه: « صقلِّيُّ النِّجار مصـريُّ الدَّار»([40])، وذكرَ ابنَ ظَفَر في قسم شعراء الشَّام لسُكناهُ (حماةَ) في آخر عمره([41])، وذكرَ ترجمةَ عليِّ بنِ أبي الفتح بن خلف الأمويِّ في قسم شعراء مصر مصرِّحاً أنَّهُ ليس في المصريِّين، وإنَّما ذكرَهُ في دَرْجِ ترجمة ابن قَلاقِسَ لما كانَ بينَهُما من مكاتباتٍ([42]).

بذلك يكون مجموعُ من ذكرَهُمُ العمادُ من الشُّعراء الصِّقلِّيِّين أربعةً وستين شاعراً، وهذا يعني أنَّ قطعة الشِّعر الصِّقلِّيِّ في (الخريدة) هي أهمُّ ما وصل إلينا منه، لأنَّها حفلَتْ بمجموعةٍ كبيرةٍ من الشُّعراء الصِّقلِّيِّين، كما حفلَتْ بذكرِ كثيرٍ من أشعارِهم، فضلاً عمَّا تضمَّنَتْهُ من إشاراتٍ نقديَّةٍ لبعض أشعارهم، وبعض هؤلاء الشُّعراء لم يُذْكَروا في (المُنْتَخَل).

تميَّزَتْ قطعـةُ (الخريدة) من الشِّـعر الصِّقلِّيِّ من غيرهـا بالكثـرة والتَّنـوع، وما اعتمادُ العمادِ على رواية المقطوعات من دون القصائد الطِّوال إلَّا رغبةً منه في تنوُّيع اختياراته من المادَّة الوفيرة التي وقف عليها من أشعار الصِّقلِّيِّين.

أمَّا ما ذكره الدكتور إحسان عبَّاس من أنَّ العمادَ أغفلَ شعرَ ابن الخيَّاط([43])، فيعينُ على استدراكه ما وجدْتُه من شعره في رواية التُّجيبيِّ (توفِّي بعد 415ﻫ) وذكره في شرح (المختار من شعر بشَّار)([44]) ويُلْحَظُ إغفالُ العمادِ لشعر أبي العرب الصِّقلِّيِّ، ومن الممكن استدراكُ هذا من مصادرَ كثيرةٍ نقلَتْ شعرَهُ عن (الدُّرَّة الخطيرة) أَذْكُرُها في هذا الكتاب في موضع ترجمته، ويُلْحَظُ أيضاً إغفالُ العمادِ لشعر ابن يخلف الصِّقلِّي في اختياراته من (الدُّرَّة الخطيرة) ويُستدرَكُ ممَّا اختارَهُ ابنُ الصَّيرفيِّ من شـعره نقلاً عن (الدُّرَّة الخطيرة) وقد ذكره الشَّيخُ النَّيفَرُ في (عنوان الأريب) فضلاً عمَّا رواه الصَّفديُّ (ت764ﻫ) في(الوافي بالوفيات) والكتبيُّ (ت 764ﻫ) في (فوات الوفيات).

الاختيار الرَّابع: من (الدُّرَّة الخطيرة) بَعْدَ اختيارَي ابن الأغلب والعمادِ هو اختيارُ ابن الصَّيرفيِّ (علي بن المُنْجِب بن سليمان ت 542ﻫ) ويشملُ ثمانيةَ عشـرَ شاعراً من شعراء (الدُّرَّة الخطيرة) لابن القطَّاع، وذكره الشَّيخُ النَّيفر ضمن مجموع (عنوان الأريب)([45]).

يتميَّزُ اختيارُ ابن الصَّيرفيِّ بأنَّ شعراءَهُ من (الدُّرَّة الخطيرة) عاصروا مرحلةَ الحكم العربيِّ في صقلِّيَّة، وذكرَهم عنواناً على درجة الأدب فيها قبل سقوطِها بيد العدوِّ([46])، وإن روى قصيدةً للقاسم بن عبد الله التَّميميِّ ذكرَ فيها دخولَ النُّورمان إلى صقلِّيَّة، ويبدو أنَّ الشَّاعر نظمَها أواخرَ الحكم العربيِّ في صقلِّيَّة بعد اشتعال فتنة أمراء الطَّوائف فيها وأوَّلَ دخول النُّورمان إليها([47])، وروى شعراً للبَلَّنُوبيِّ (أبي الحسن) ولأخيه أبي محمَّد عبد العزيز البَلَّنُوبيِّ([48]) اللذين عاصرا طرفاً من مرحلتي الحكم العربيِّ والحكم النُّورمانيِّ في صقلِّيَّة.

ثمَّة مصادرُ أخرى فيها شعرٌ لشعراء صقلِّيِّين، وتشملُ المصادرَ الأدبيَّةَ والمصنَّفاتِ التَّاريخيَّةَ وكتبَ الرِّحلِ وتراجمَ الأعلامِ وكتبَ الطَّبقاتِ، كطبقاتِ المفسِّـرين وطبقاتِ الفقهاء وطبقات النُّحاة، ولا يُستبعَدُ أن يكون بعض هذه المصادر نقلَ من (الدُرَّة الخطيرة) وفي الإمكان سردُ جملةٍ من هذه المصنَّفات تبعاً لترتيبها الزَّمنيِّ لإبداء بعض الملحوظاتِ حولَها، فمنها:

ما أوردَهُ التُّجيبيُّ (ت بعد 415ﻫ) في شرح (المختار من شعر بشَّار)، والثَّعالبيُّ (ت 429ﻫ) في (يتيمة الدَّهر)، والحميديُّ (ت 488ﻫ) في (جذوة المقتبس)، وابنُ بسَّام (ت 542ﻫ) في (الذَّخيرة)، والسِّلَفيُّ (ت 576ﻫ) في (معجم السَّفر)، وابنُ بَشْكَوال (ت 578ﻫ) في (الصِّلة)، والجراويُّ (ت 609ﻫ) في (الحماسة المغربيَّة)، وأبو العبَّاس التِّيفاشيُّ (ت 610ﻫ) في (سرور النَّفْس)، وما ذكرَهُ ابنُ ظافر (ت 613ﻫ) في كتابَيه (بدائع البدائِهِ) و(غرائب التَّنبيهات على عجائب التَّشبيهات)، وما ذكرَهُ ابنُ أَيْدَمِرَ (ت710ﻫ) في (الدُّرِّ الفريد)، وياقوتُ الحَمَويُّ (ت626ﻫ) في (معجم الأدباء) و(معجم البلدان)، وابنُ دحية (ت633ﻫ) في (المُطْرِب من أشعار أهل المغرب)، والقفطيُّ (ت 646ﻫ) في (إخبار العلماء بأخبار الحكماء) و(المحمَّدون من الشُّعراء) و(إنباه الرُّواة)، وما رواهابنُ الأبَّار (ت 658ﻫ) في (الحُلَّة السِّيَراء)، وابنُ خَلِّكان (ت681ﻫ) في (وفيات الأعيان) وابنُ سعيد (ت 685ﻫ) في (رايات المُبَرَّزين)، والتجانيُّ (ت 708ﻫ) في (رِحْلَتِه)، والشِّهابُ النُّويريُّ (ت 733ﻫ) في (نهاية الأرب)، واليمانيُّ (ت 743ﻫ) في (إشـارة التَّعيين)، والصَّفديُّ (ت 764ﻫ) في (الوافي بالوفيات)، والكتبيُّ (ت 764ﻫ) في (فوات الوفيات)، واليافعيُّ (ت 768ﻫ) في (مرآة الجنان)، وتقيُّالدِّين الفاسيُّ (ت 832ﻫ) في (العقد الثَّمين)، والسُّيوطيُّ (ت 911ﻫ) في (بغية الوعاة)، والدَّاوديُّ (ت 945ﻫ) في (طبقات المفسِّـرين)، والمَقَّرِيُّ (ت 1041ﻫ) في (نفح الطِّيب)، وشهابُ الدِّين الخفاجيُّ (ت 1069ﻫ) في (طراز المجالس)، وابنُ العماد (ت 1089ﻫ) في (شذرات الذَّهب). وفي الإمكان تسجيلُ الملحوظاتِ الآتية فيما يتعلَّق بهذه المصادر:

1 ـ ما تورِدُه هذه المصادرُ من الشِّـعر الصِّقلِّيِّ لا يعدو أن يكون في معظمه مقطوعاتٍ مجتزأةً من قصائد، وليست قصائدَ تامَّةً.

2 ـ لا تخلو بعضُ هذه المصادر من إشاراتٍ نقديَّةٍ تتضمَّنُ آراءً أدبيَّةً عامَّةً، أو أحكاماً سريعةً، وهذه الأحكامُ النَّقديَّةُ وصفيَّةٌ سريعةٌ، يوردُها المصنِّفون في معرض تقديمهم للشَّاعر من دون تفصيلٍ، كالقول: «لهُ أشعارٌ ليسَتْ على قدرِ عِلْمِه»([49])، أو القول: «شاعرٌ جيِّدُ السَّبْكِ، مليحُ الاستعارة، حَسَنُ الأخذِ، لطيفُ التَّناولِ...»([50]).

3 ـ حفلَتْ بعضُ هذه المصادر بمجموعةٍ واسعةٍ من الشِّعر الصِّقلِّيِّ، ونجدُ ذلك في كتب الأدب: لدى ابنِ بسَّام (ت 542ﻫ) في (الذَّخيرة)، والعمادِ (ت 597ﻫ) في (خريدة القصر)، والقفطيِّ (ت 646ﻫ) في (المحمَّدون من الشُّعراء)، وياقوت الحَمَويِّ (ت 626ﻫ) في (معجم الأدباء)، وفي كتب التَّراجم: لدى السِّلَفيِّ (ت 576ﻫ) في (معجم السَّفر)، وابن خَلِّكان (ت 681ﻫ) في (وفيات الأعيان)، والصَّفديِّ (ت764ﻫ) في (الوافي بالوفيات)، وفي كتب الطَّبقات: لدى القفطيِّ (ت 646ﻫ) في (إنباه الرُّواة)، والسُّيوطيِّ (ت 911ﻫ) في (بغية الوعاة) واليمانيِّ (ت743ﻫ) في (إشارة التَّعيين)، ويُلْحَظُ أنَّ ثمَّة مصادر أخرى قلَّ فيها الشِّعرُ الصِّقلِّيُّ إلى حدِّ النُّدرة، فلم يذكر الثَّعالبيُّ (ت 429ﻫ) في (يتيمة الدَّهر) سوى ثلاثة أبياتٍ لأبي المظَفَّرِ عبدِ الرَّحمن بن بدر الصِّقلِّيِّ([51])، ولم يذكر التِّيفاشيُّ (ت610ﻫ) في (سرور النَّفْس) سوى ثلاثةِ أبياتٍ لأبي الحسن البَلَّنُوبيِّ عليِّ بن عبد الرَّحمن([52]).

4 ـ لم تذكر هذه المصادرُ تراجمَ وافيةً للشُّعراء الصِّقلِّيِّين، إذ اكتفت بالإشارة إلى بعض أخبارهم قبـل الشُّروع في رواية أشعارهم، وهذا لا يروي ظمأَ الباحث، حتَّى إنَّ كتبَ التَّراجم وكتبَ الطَّبقات التي يُتَوَقَّعُ أنَّها مصنَّفةٌ لهذا الغرض قد افتقرَتْ إلى تفصيل تراجم أعلام الشُّعراء الصِّقلِّيِّين، ويعود ذلك أحياناً إلى قلَّة ما وقعَ في أيدي المصنِّفين من أخبارهم، ولا أدلَّ على ذلك من إسهابهم في سرد أخبار بعض الشُّعراء الصِّقلِّيِّين الَّذين توافرت تراجمَهُم كابن ظَفَر، وقد أغفل بعض المصنِّفين تراجمَ الشُّعراء الصِّقلِّيِّين الَّذين عاصروهم، كالَّذي فعلَه السِّلَفيُّ من إغفاله لتراجم من لَقِيَهُم من الصِّقلِّيِّين مكتفياً برواية أشعارهم([53]).

يبدو لنا أنَّ كثيراً من تراجم الشُّعراء الصِّقلِّيِّين ضاعَتْ بضياع المتون الأُولى الَّتي أرَّخَتْ للحركة الشِّعريَّة في صقلِّيَّة، ممَّا فوَّتَ فرصةَ الوقوف على أخبارٍ وافيةٍ لهم، حتَّى إنَّه لا تُعرَفُ تواريخُ وفيات معظَمِهِم، وقد سعيْتُ إلى تحديد ذلك أو تقريبِهِ من خلال ما وقفْتُ عليه من قرائنَ في سياق التَّرجمة لهم في متن هذا الكتاب الذي ضمَّ ما وقفْتُ عليه من أشعارهم في بطون المصادر، سوى (المنتخل) لأنَّه مجموعٌ، وسوى ديوان ابن حمديس، وديوان البَلَّنُوبيِّ أبي الحسن، لأنَّهما مطبوعان.

 

p p  p

 



([1])   المختار من شعر بشَّار: 5، 10، 63، 73، 93، 108.

([2])   الوافي بالوفيات: 17/ 202.

([3])   المصدر نفسه :2/ 176

([4])   العرب في صقلِّيَّة: 7.

([5])   خريدة القصر: 1/ 46. النَّغْبَة: الجَرْعَة.

([6])   المصدر نفسه: 1/ 24.

([7])   اعتنى بنشره وتحقيقه د. إحسان عبَّاس وصدر عن دار صادر، بيروت، 1960م.

([8])   ديوان ابن حمديس: 22.

([9])   صدر بتحقيق د. هلال ناجي عن دار الرِّسالة، بغداد، 1976م.

([10])   خريدة القصر: 2/ 82.

([11])   فوات الوفيات: 4/ 144.

([12])   الذَّخيرة: 4/ 1/ 320.

([13])   ديوان ابن حمديس: 212.

([14])   المصدر نفسه: 183، 334.

([15])   الذَّخيرة: 4/ 1/ 320.

([16])   ديوان ابن حمديس، ذيل الدِّيوان: 537 ـ 559.

([17])  بغية الوعاة: 2/ 153. ومعجم الأدباء: 3/ 568. ومفتاح السَّعادة: 1/ 203. وعنوان المخطوط في: تاريخ التُّراث العربيِّ مج2/ 3/ 203.

([18])   خريدة القصر: 1/ 51.

([19])   العرب في صقلِّيَّة: 6.

([20])   نُشِرَ تحت هذا العنوان (الدُّرَّة الخطيرة في شعراء الجزيرة) في دار الغرب الإسلاميِّ، بيروت، سنة 1995.

([21])   معجم الأدباء: 3/ 568 ـ 569.

([22])   عصر الدُّول والإمارات: 370.

([23])   خريدة القصر: 1/ 72، 82 ـ 83، 112، 115.

([24])   العرب في صقلِّيَّة: 6 ـ 7. وانظر عصر الدُّول والإمارات: 370.

([25])   العرب في صقلِّيَّة: 8.

([26])   خريدة القصر: 1/ 51 ـ 119.

([27])   المصدر نفسه: (1/ 5 ـ 47، 273، 327، 335 ـ 336) (2/ 82) (3/ 49).

([28])   المصدر نفسه: 1/ 327.

([29])   خريدة القصر: 1/ 17 ـ 47.

([30])   المصدر نفسه: 1/ 6.

([31])   المصدر نفسه: 1/ 17.

([32])   خريدة القصر : 1/ 24.

([33])   المصدر نفسه: 1/ 276.

([34])   المصدر نفسه: 1/ 17.

([35])   المصدر نفسه: 1/ 24.

([36])   المصدر نفسه: 1/ 51.

([37])   خريدة القصر: 1/ 327.

([38])   المصدر نفسه: 1/ 335 ـ 336.

([39])   المصدر نفسه: 1/ 273 ـ 276.

([40])   المصدر نفسه: 2/ 82.

([41])   المصدر نفسه: 3/ 49.

([42])   المصدر نفسه: 2/ 166.

([43])   العرب في صقلِّيَّة: 7 ـ 8.

([44])   المختار من شعر بشَّار: 5 ـ 373.

([45])   عنوان الأريب: 1/ 126 ـ 139.

([46])   المصدر نفسه: 1/ 126.

([47])   المصدر نفسه: 1/ 135 ـ 137.

([48])   المصدر نفسه: 1/ 134.

([49])   معجم الأدباء: 3/ 569.

([50])   المُطرِب: 54.

([51])   يتيمة الدَّهر: 2/ 65.

([52])   سرور النَّفْس: 387.

([53])   معجم السَّفر: 95، 157، 162، 176، 278، 382.

الأعلام