التبرع بالدم هل يفطر الصائم ؟
التبرع بالدم هل يفطر الصائم ؟
كتب الدكتور وليد بن خالد الجراد حول هذا الموضوع في كتاب ( النوازل في أحكام الصيام بين الأصالة والعاصرة ) الصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة (1438 هـ - 2018م)
فقال :
عادة ما تمس الحاجة إلى التّبرع بالدّم في حالة السيدات اللّاتي يعانيْن من مضاعفة الحمل المنتبذ، والنزف قبل الولادة أو في أثنائها أو حتى بعدها، وكذلك الأطفال الذين يعانون من فقر الدم الحادِّ الناجم عن الملاريا أو سوء التغذية ناهيك عن ضحايا الحوادث، ومرضى السرطان، وعند إجراء العمليات الجراحية وفي معظم البلدان يؤخذ نحو 450 ملي لتر دم من الشخص المتبرع أي أقل من 10%من إجمالي حجم دم المتبرع»([1]).
وعملية التبرع بالدم هي أقرب ما تكون إلى عملية الفصادة.
والفصد هو استنزاف الدم من العروق (الأوردة) الكبيرة، ويتمّ الفصد في العصور الحديثة بواسطة إبرة واسعة القناة(المجرى) ويؤخذ الدم مباشرة، وتتراوح كمية الدم المسحوب ما بين (250 ـ 500 مليلتر).
ويستخدم الفصد في حالات مرضية خاصة مثل زيادة كرات الدم الحمراء، وفي حالات هبوط القلب الشديد، وارتفاع ضغط الدم.. ([2])
ومن الخطأ الشائع قياس عملية التبرع على الحجامة، فالحجامة تختلف عن عملية التبرع كمًّا ونوعًا، فالكمية لا تتجاوز المئتي غرام في الحجامة بينما في الفصد والتبرع تصل إلى نصف كيلو تقريباً.
كذلك يختلفان نوعًا فالدم الخارج بالحجامة هو عبارة عن كريات دم هرمة وميتة وفاسدة وشوائب وشوارد وأحماض رديئة ورطوبات، بينما يكون الدم الخارج في الفصد والتبرع دمًا وريديًا نقيًّا. فإن كان قياس التبرع على الدم لاتحاد الوصف فهذا ممتنع، وأما إن كان القياس لورود النص في الحجامة فلا مانع من هذا.
خلاف الفقهاء حول التبرع بالدم:
إن نقل الدم من إنسان إلى إنسان إنما ظهر بالقرن الثاني عشر للهجرة/ الثامن عشر للميلاد، وبذلك يكون من مسائل النوازل([3]) .
اختلف الفقهاء المعاصرون حول التبرع بالدم على أقوال:
القول الأوَل: التبرع بالدم مفطر للصائم: وهو قول الشيخ عبد العزيز ابن باز([4])، والشيخ محمّد صالح العثيمين([5])، والشيخ صالح الفوزان([6]).
وقد استدلُّوا بأن التبرع بالدم يأخذ حكم الحجامة لأن فيه أخذًا لكمية كبيرة من الدم مما يسبب ضعفاً في البدن ووهناً يمنع الصوم.
القول الثاني: التبرع بالدم غير مفطر للصائم: وهو بناء على توصيات الندوة الفقهية الطبية التاسعة([7])، ودار الإفتاء العام في الأردن([8])، ودار الفتوى اللبنانية([9]).
واستدلُّوا لقولهم بأنّ الفطر مما دخل لا مما خرج، والدم المسحوب خارج، ولكن اشترطوا ألا يفضي إخراج الدم من الصائم إلى عجزه عن الاستمرار في الصوم، إلا في حالة إنقاذ روح شارفت على الهلاك.
الراجح فيما يظهر أنّ التبرع ليس بمفطر للصائم، لأن الفطر مما دخل لا مما خرج، ولأن فيه إضعاف البدن لا تقويته وتغذيته كحال المغذيات المدخلات عن طريق الإبر أو القسطرات أحياناً.