جاري التحميل

العلامة الشرعية لإثبات دخول الشهر وخروجه

العلامة الشرعية لإثبات دخول الشهر وخروجه

كتب الدكتور وليد بن خالد الجراد حول هذا الموضوع في كتاب ( النوازل في أحكام الصيام بين الأصالة والعاصرة ) الصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة (1438 هـ - 2018م)

فقال :

يثبت دخـول شهـر رمضان بأحـد أمريـن. الأول: رؤيـة الهلال إذا كانت السماء خالية مما يمنع الرؤية من غيم أو دخان أو غبار أو نحوها.

الثاني: إكمال شعبان ثلاثين يوماً إذا لم تكن السماء خاليـة مما ذُكر([1]) وذلك لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِّي([2]) عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)([3]).

ثم اختلفوا في عدد الشهود الذين يثبت بشهادتهم دخول الشهر وخروجه.

1 ـ عدد الشهود الذين يثبت بشهادتهم دخول الشهر:

القول الأول: لجمهور الفقهاء من الحنفية([4]) وأحد قولي الشافعية للبويطي([5])

والحنابلة([6]). قالوا: تقبل شهادة الواحد في رؤية هلال رمضان.

القول الثاني: هو للمالكية ([7])، وأحد قولي الشافعية([8])؛ قالوا: لا تقبل شهادة الواحد. بل لا بد من شهادة اثنين.

أدلَّة الفريق الأول:

استدلَّ القائلون بقبول شهادة الواحد في رؤية هلال رمضان بما يأتي:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: (تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام وأمر الناس بالصيام)([9]).

وهذا يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبل شهادة الواحد في رؤية هلال رمضان. فالعـدد ليس شـرطاً، فلـو كان شـرطاً ما قبـل الـرسول عليـه الصلاة والسلام شهادة الواحد؛ وما اقتصر عليه.

أدلّة الفريق الثاني:

واستدلَّ القائلون بأنه لا تقبل شهادة الواحد في إثبات هلال رمضان. بل لا بد من شاهدين بما يأتي:

خطب عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب في اليوم الذي يَشُكُّ فيه، فقال: ألا إني قد جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألتهم، ألا وإنهم حدَّثوني، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، وأنسكوا له([10])، فإن غمّ عليكم فأتموا ثلاثين، وإن شهد شاهدان مسلمان، فصوموا وأفطروا)([11]).

وفي هذا الحديث دلالة صريحـة علـى أنّـه لا يكفي الواحد في إثبات رؤية هلال رمضان؛ بل لا بد من اثنين.

ردّ الجمهور بأنّ التصريح باثنين غاية ما فيه المنع من قبول شهادة الواحد بالمفهوم، (فإن شهد اثنان. .) إلخ؛ حيث يفهم منها أنّ شهادة الواحد لا تقبل؛ إلا أن الحديثين اللذين استدللنا بهما يدلان على قبول شهادة الواحد بالمنطوق؛ ودلالة المنطوق أرجح.

وقال صديق خان: غاية ما في الحديثين أن مفهوم الشرط يدلُّ على قبول الواحد ولكنَّ أحاديث قبول الواحد أرجح من هذا المفهوم...

ويؤيد وجوب العمل بخبر الواحد الأدلة على قبول أخبار الآحاد على العموم إلا ما خصه دليل فمحل النزاع مندرج تحت العموم بعد التنصيص عليه...»([12]) .

2 ـ عدد الشهود الذين يثبت بهم خروج شهر رمضان وبداية شهر شوال:

اختلف الفقهاء أيضاً في شهادة خروج رمضان وقدوم شوال:

فقال الجمهور([13]): لايكفي الواحد العدل في رؤية هلال شوال.

ـ خلافاً لأبي ثور([14]).

استدلال الجمهور:

فقد استدلَّ الجمهور بحديث (فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا أو أفطروا)([15]) وهذا نص صريح في أنَّه لا تقبل إلا شهادة الاثنين في بداية الصوم ونهايته وبما أنه ورد نص صريح دلَّ بالمنطوق على جواز شهادة الواحد في بداية الصوم كما سبق من حديث ابن عمر وحديث ابن عباس فيبقى العمل في نهايته بشهادة الاثنين. كما دلَّ عليه منطوق هذا الحديث (فإن شهد شاهدان مسلمان) إلخ.

استدلال الثوري:

وقد قال الثوري: إن استدلال الجمهور بحديث ابن عمر وحديث ابن عباس ليس بحجَّة. وذلك لضعف من تفرد به ـ وهو مروان بن محمد عن ابن وهب ـ أما حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب (فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا).

فقد ورد في بعض ألفاظه (إلا أن يشهد شاهدا عدل) وهو مستثنى من قوله: (فأكملوا عدة شعبان) لأن نص الحديث هو (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها. فإن غمَّ عليكم فأتموا ثلاثين يوماً. إلا أن يشهد شاهدا عدل فصوموا وأفطروا)([16]) كما ورد في بعض الروايات.

وعلى هذا فالكلام في شهادة دخول رمضان.

أما اللفظ الآخر للحديث. وهو ما استدلَّ به الجمهور (فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا أو أفطروا)([17]) فمع كون مفهوم الشرط قد وقع الخلاف في العمل به هو أيضاً معارض بقوله صلى الله عليه وسلم لخبر الواحد في أول الشهر. وبالقياس عليه في آخره. لعدم الفارق. فلا ينهض مثل هذا المفهوم لإثبات هذا الحكم به. ولمـَّا لم يرد على اعتبار الاثنين في شهادة الإفطار من الأدلة الصحيحة. فالظاهر أنه يكفي فيه واحد قياساً على الاكتفاء به في الصوم.

الراجح:

ما ذهب إليه الجمهور. لأن قبول شهادة الواحد في بداية الصوم كان احتياطاً للعبادة. ويؤكد ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ برأي الواحد في بداية الصوم. وهو منطوق

أمّا حديث (وإن شهد شاهدان) الخ. فمفهومه معارض بمنطوق حديث ابن عمر وحديث ابن عباس في شهادة الواحد. أما نهاية الصوم فلا ينهض القياس لمعارضتـه ـ ولا قيـاس مـع النص ـ لأن الـنص صريح في اشتراط شهادة الاثنين. ولو فرض أنَّ حديث ابن عمر وحديث ابن عباس ضعيفان. فذلك غير مانع من صلاحيتهما للتأييد لأنَّ كلّاً منهما اعتضد بحديث آخر

أمّا عن قوله: إنّ ما تفرد به ضعيف. فنقول: إنّه تفرد به مروان بن محمّد عن ابن وهب. وهو ثقـة فـلا وجـه للقـول بضعفـه. فلذلك يرجح القـول بأنّه لا تكفي شهادة الواحد في هلال شوال.

بل تلزم شهادة الاثنين فيه. ([18]).

وقت إثبات رؤية الهلال:

الشهر الهجري إمّا أن يكون تسعةً وعشرين أو ثلاثين يوماً، وبالتالي: فإن التماس الرؤية يكون عشية اليوم التاسع والعشرين؛ والتماسه يكون عند الغروب([19])، أي أول ظهور القمر بعد السواد، وقد وقع الإجماع حول هذا([20]).

أمّا إذا رُئِي الهلال نهاراً:

قال أبو حنيفة: إذا رئي الهلال نهاراً فهو لليلته المستقبلية ولم يفرق بين رؤيته قبل الزوال أو بعده، وهو قول مالك ومحمد والشافعي.

وقال أبو يوسف والثّوري: إن رُئي قبل الزوال فهو لليلته الماضية، وبعد الزوال لليلته المستقبلية([21])

 



   ([1])الكاساني: بدائع الصنائع، ج2/ ص80، ابن موسى: خليل بن اسحاق: (ت ـ 776ﻫ)، مختصر العلامة خليل، تحقيق: أحمد جاد، (دار الحديث)، (القاهرة ـ مصر)، ط1(1426ﻫ ـ 2005م)، ج1/ ص61، الشافعي: محمد ابن ادريس(ت ـ 204ﻫ) الأم، دار المعرفة (بيروت ـ لبنان)، بلا طبعة، (1410ﻫ ـ 1990م) دار الكتب العلمية، (بيروت ـ لبنان)، ط1 (1418ﻫ ـ 1997م)، ج3/ ص7.

   ([2])غُبيّ: يدُل على تستر شيء حتى لا يهتدى له «القزويني: أحمد بن فارس بن زكريا (ت ـ 395ﻫ)، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، (1399ﻫ ـ 1979م)، ج4/ ص411.

   ([3])البخاري: كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا) رقم1909 ص380

   ([4])الكاساني: بدائع الصنائع، ج2/ ص82

   ([5])الشيرازي: أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف، (ت ـ 476) المذهب في فقه الإمام الشافعي، دار الكتب العلمية ج 1/ ص330

   ([6])البعلي: عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد، (ت ـ 1192ﻫ)، بداية العابد وكفاية الزاهد في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: محمد بن ناصر العجمي، دار البشائر الإسلامية، (بيروت ـ لبنان)، ط1 (1417ﻫ ـ 1997م)، ج1/ ص63

   ([7]) ـ ابن موسى: خليل بن اسحاق، مختصر العلامة خليل، ج 1/ ص 61

   ([8])الشيرازي: المهذب في فقه الإمام الشافعي، ج1/ ص330

   ([9])الدرامي: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن تـهرام بن عبـد الصمـد، (ت 255ﻫ)، مسند الدارمي، تحقيق: حسين أسد الداراني، دار المغني للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، ط1، (1412ﻫ ـ 2000م)، ج2/ ص1052 رقم الحديث 1733، وقال: إسناده صحيح، و ابن حبان: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان، أبو  حاتم الدارامي البستي (ت ـ 354ﻫ)، صحيح ابن حبان ترتيب ابن بلبان، تحقيق شعيب الأرناؤرط، مؤسسة الرسالة، (بيروت ـ لبنان)، ط 2 (1414ﻫ ـ 1993م) ج 8/ ص231، قم (3447).

   ([10])قال السندي: و أنسكوا من النسك، و المراد به الحج، أي حُجُّوا للرؤية أيضاً. قاله المحقق.

   ([11])ابن حنبل: مسند الإمام أحمد بن حنبل ج31/ ص196، (رقم 18895)، و النسائي: أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، (ت303ﻫ)، السنن الصغرى، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، الناشر، (مكتب المطبوعات)، (حلب ـ سوريا)، ط 2، (1406ﻫ ـ 1986م)، ج 4، ص132، رقم (2116).

   ([12])البخاري القنوجي: أبو الطيّب محمد صديق خان بن حسن علي بن لطف الله الحسيني (ت ـ 1307ﻫ)، الروضة الندية شرح الدر البهية دار المعرفة، ج1/ ص222.

   ([13])الكاساني: بدائع الصنائع، ج2/ ص82، مالك بن أنس: المدوّنة، ج 4/ ص 9، الماوردي: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي (ت ـ 450ﻫ)، الحاوي الكبير في فقـه مـذهب الإمام الشافعـي، و هـو شرح مختصـر المزنـي، تحقيق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، (بيروت ـ لبنان)، ط 1، (1417ﻫ ـ 1999م)، ج3/ ص 412، ابن قدامة القدسي: المتوفى: 620ﻫ ـ) 2004 عمدة الفقه، تحقيق: أحمد محمد عزوز المكتبة العصرية الطبعة: (1425ﻫ ـ 2004) ج1/ ص 41.

   ([14])الماوردي: الحاوي الكبير، ج3/ ص412.

   ([15])سبق تخريجه.

   ([16])سبق تخريجه.

   ([17])حنبل: أحمد، مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج 31، ص190، رقم الحديث. (188895).

   ([18])محمد عبد الهادي: أبو سريع، أحكام الصوم و الاعتكاف، ص 35 ـ 37.

   ([19])العيني: البناية شرح الهداية، ج4/ ص16، النفراوي: الفواكه الدواني، ج1/ ص304، الرفعي القزويني: عبد الكريم ابن محمد (ت ـ 723ﻫ)، فتح العزيز بشرح الوجيز، دار الفكر، ج 7/ ص 366، و البهوتي: كشاف القناع عن متن الاقناع، ج2/ ص303.

   ([20])أبو زيد: بكر بن عبد الله، (ت ـ 1429) فقه النوازل، مؤسسة الرسالة، ط1 (1416ﻫ ـ 1996م)، ج 2/ ص 220.

   ([21])الطحاوي: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي، (ت ـ 321ﻫ)، مختصر اختلاف العلماء، تحقيق: د. عبدالله نذير أحمد، دار البشائر الإسلامية، (بيروت ـ لبنان)، ط2، (1417ﻫ)، ج2، ص7.

الموضوعات