جاري التحميل

العلامة الشرعية لبداية اليوم ونهايته

العلامة الشرعية لبداية اليوم ونهايته

كتب الدكتور وليد بن خالد الجراد حول هذا الموضوع في كتاب ( النوازل في أحكام الصيام بين الأصالة والعاصرة ) الصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة (1438 هـ - 2018م)

فقال :

قال تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ. .﴾[البقرة: 187].

عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: لما نزلت: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال (إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار)([1]).

قال العيني: والمراد بالخيط الأبيض أوّل ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود، والخيط الأسود ما يمتد معه من غبش الليل شبها بخيطين أبيض وأسود([2])

وروى ابن عباس رضي الله عنه، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمّني ‏ ‏جبريل ‏ ‏عليه السلام ‏‏عند ‏‏البيت ‏‏مرتين، فصلّى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل  ‏الشراك، ‏‏ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله، ثم صلّى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلّى العشاء حين غاب ‏‏الشفق‏، ‏ثم صلّى الفجر حين ‏ ‏برق ‏الفجر وحَرُمَ الطعام على الصائم، وصلّى المرة الثانية الظهر حين كان ظلّ كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس، ثم صلّى العصر حين كان ظلّ كلّ شيء مثليه، ثم صلّى المغرب لوقته الأول ثم صلّى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل ثمّ صلّى الصبح حين ‏‏أسفرت الأرض، ثم التفت إليّ ‏ ‏جبريل، ‏‏فقال: يا ‏محمد، ‏‏هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين ‏) رواه الترمذي، وقال في الباب عن أبي هريرة، وبريدة، وأبي موسى، وأبي مسعود، وأبي سعيد، وجابر، وعمر بن حزم، والبراء، وأنس([3]).

مثل الشراك: قال السيوطي: هو سير النعل. قال ابن العربي: يعني قصر الظلّ([4]).

بداية اليوم: وهو أول وقت صلاة الفجر.

قال عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل السابق (.. ثم صلّى الفجر حين ‏ ‏برق ‏الفجر وحَرُمَ الطعام على الصائم. ..) ومعنى برق الفجر: أي طلع. قاله المباركفوري في التحفة([5]).

وعن طلق بن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا ولا يغرّنّكم الساطع المصعّد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر) وأشار بيده([6]).

قال ابن خزيمة قبل الحديث: (باب الدليل على أنّ الفجر الثاني الذي ذكرناه هو البياض المعترض الذي لونه الحمرة إن صح الخبر.. )([7]).

قـال الخطّابـي: والساطـع المرتفـع وسطوعها ارتفاعها مصعـداً قبـل أن يعترض. ومعنى الأحمر ههنا أن يستبطن البياض المعترض أوائل حمرة وذلك أنّ البياض إذا تتامّ طلوعه ظهرت أوائل الحمرة والعرب تشبه الصبح بالبلَق في الخيل لما فيه من بياض وحمرة([8]).

أول وقت الفجر عند الفقهاء:

الحنفية: (حين يطلع الفجر المعترض في الأفق إلى طلوع الشمس)([9]).

المالكية: (إذا طلع الفجر المعترض في أفق المشرق وهو أول بياض النهار ثم لا يزال وقتها ممدوداً)([10]).

الشافعية:(إذا طلع الفجر الثاني، وهو الفجر الصادق الذي يحرم به الطعام والشراب على الصائم)([11]).

الحنابلـة: (وأوّل وقتهـا مـن طلـوع الفجـر الثانـي إجمـاعاً. ويُسمّى الصادق)([12]).

إذًا فالإجماع على أنّ وقت طلوع الفجر من طلوع الفجر الثاني وهو الفجر الصادق الذي إذا تتام طلوع البياض ظهر شيء من الحمرة.

نهاية اليوم: وهو أول وقت المغرب:

في حديث جبريل السابق. قال عليه الصلاة والسلام: (.. ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم. .)([13]).

قال القاري: حين وجبت الشمس وأفطر الصائم: وهو عطف تفسير، إذ بوجوبها يعني سقوطها وغيبوبتها يدخل وقت إفطار الصائم([14]).

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليـل مـن هـا هنـا، وأدبـر النهـار مـن هـا هنا، وغربـت الشمس فقـد أفـطر الصائم»([15]).

قال القسطلاني: (إذا أقبل الليل من ها هنا)، أي من جهة المشرق (وأدبر النهار من ها هنا) أي من المغرب، (وغربت الشمس)، قيّد بالغروب إشارة إلى اشتراط تحقق الإقبال والإدبار، وأنّهما بواسطة الغروب لا بسبب آخر([16]).

أول وقت المغرب عند الفقهاء:

الحنفية: (والمغرب منه إلى غروب الشفق) أي وقت المغرب من وقت غروب الشمس إلى غروب الشفق([17]).

المالكية: (فوقتها «أي المغرب» غروب الشمس)([18]).

الشافعية: (فأما وقت صلاة المغرب، فيدخل بغروب الشمس، وبه إفطار الصائم)([19]).

الحنابلة: (أول وقت المغرب إذا غابت الشمس إجماعاً، والأحاديث قد استفاضت أو تواترت بذلك، وغيبوبة الشمس: سقوط قرصها)([20]).

إذًا كذلك وقع الإجماع على أول وقت المغرب وأنه يبدأ من غروب الشمس وسقوط قرصها في الأفق.

 



   ([1])رواه البخاري: كتاب الصوم، باب: قول الله تعالى: (وكلوا واشربوا. .) رقم (1916) ص 381.

   ([2])العيني: أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابي الحنفي (ت ـ 855)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، دار إحياء التراث العربي، (بيروت ـ لبنان)، ج/ 10/ ص292.

   ([3])الترمذي: سنن الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في مواقيت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث 149 ن ج 1/ ص 217 ـ 218

   ([4])السيوطي: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، (ت ـ 911ﻫ)، قوت المغتذي على جامع الترمذي إعداد الطالب: ناصر بن محمد بن حامد الغريبي، إشراف الدكتور/ سعدي الهاشمي، رسالة دكتوراة ـ جامعة أم القرى، مكة المكرمة، كلية الدعوة وأصول الدين قسم الكتاب والسنة،1424ﻫ ج 1/ ص 97.

   ([5])المباركفوري: أبو العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم (ت ـ 1353ﻫ)، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، دار الكتب العلمية، (بيروت لبنان)، باب في مواقيت الصلاة، ج1/ ص3946ـ

   ([6])ابن خزيمة: أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري، ت ـ 311ﻫ ، صحيح بن خزيمة، تحقيق ك د. محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، (بيروت ـ لبنان)، رقم 1930، ج 3/ ص 211.

   ([7])المرجع السابق.

   ([8])الخطابي: أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي، ت ـ 388ﻫ ، معالم السنن ـ شرح سنن أبي داود، المطبعة العلمية، حلب سوريا، ط1، (1351ﻫ ـ 1932)، ج2/ ص 104.

   ([9])السرخسي: المبسوط، ج1/ ص 141.

   ([10])ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر عاصم النُّميري، ت ـ 463ﻫ، الكافي في فقه أهل المدينة، تحقيق: محمد محمد أحمد ولد ماديك الموريتاني، مكتبة الرياض الحديثة، (الرياض ـ المملكة العربية السعودية) ط2 (1400ﻫ، 1980م)، ج 1/ ص 191.

   ([11])النووي: المجموع شرح المهذب، ج3/ ص43.

   ([12])ابن مفلح: المبدع في شرح المقنع، ج1/ ص307.

   ([13])سبق تخريجه ص 139

   ([14])الملا الهروي القاري علي بن سلطان محمد، أبو الحسن نور الدين، (ت 1014ﻫ) مرقاة    المصابيح شرح مشكاة المصابيح، دار الفكر، (بيروت ـ لبنان)، ط1، (1422ﻫ ـ 2002م) ج2/ ص520.

   ([15])البخاري: صحيح البخاري، كتاب الصـوم بـاب: متـى يحـل فطـر الصائـم ؟ رقـم 1954/ 43 ص 389.

   ([16])القسطلاني: أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك القسطلاني، ت ـ 923ﻫ، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، المطبعة الكبرى الأميرية مصر، ط7، 1323ﻫ، ج3/ ص 392.

   ([17])الزيلعي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، ج1/ ص80.

   ([18])العدوي: حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني، ج1/ ص249.

   ([19])الجويني إمام الحرمين، نهاية المطلب في دراية المذهب، ج2/ ص14.

   ([20])الزركشي: شمس الدين محمد بن عبد الله الزركشي المعري الحنبلي، ت ـ 772ﻫ ، شرح الزركشي على مختصر الحزمي، دار العبيكان ط1، (1413ﻫ ـ 1993م)، ج1/ ص472.

الموضوعات