حكم الداخل عبر الأذن هل يفطر الصائم ؟
حكم الداخل عبر الأذن هل يفطر الصائم ؟
كتب الدكتور وليد بن خالد الجراد حول هذا الموضوع في كتاب ( النوازل في أحكام الصيام بين الأصالة والعاصرة ) الصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة (1438 هـ - 2018م)
فقال :
لقد مضى الحديث عن الجوف والجائفة سابقاً وتحديد مفهومها عند الفقهاء.
ولكن يبقى الوقوف على ما توصل إليه الطب الحديث بوسائله وتقنياته في اعتبار الأذن منفذاً للجوف أم لا ؟
يقول الدكتور محمد جبر الألفي([1]): «إن الأنف ـ كالفم ـ منفذ طبيعي إلى الحلق والجوف، أما الأذن فالأمر فيها مختلف، لوجود الغشاء الطبلي (طبلة الأذن) الذي يفصل الأذن الخارجية عن الأذن الوسطى، وتقف عنده السوائل فلا تنفذ إلى ما وراءه، فإذا أزيل هذا الغشاء الطبلي أو السمعي، وأصيب الإنسان بالصمم. صارت الأذن منفذاً إلى الجوف، لاتصالها بالبلعوم عن طريق قناة أستاكيوس»([2])
إذن فالذي توصل إليه الطب الحديث؛ أنّ الأذن ليست منفذاً للجوف إلا إذا كانت مخروقة طبلة الأذن.
يندرج تحت هذا المدخل عدة نوازل عصرية:
* المطلب الأول ـ قطرة الأذن:
ذهب الجمهور إلى أن قطرة الأذن مفطرة([3]).
قال الامام النووي رحمه الله:
«لو قطر في أذنه ماء أو دهناً أو غيرهما فوصل إلى الدماغ فوجهان (أصحهما) يفطر، وبه قطع المصنف والجمهور، لما ذكره المصنف (والثاني) لا يفطر قال أبو علي السنجي بالسين المهملة المكسورة وبالجيم، والقاضي حسين والغوراني وصححه الغزالي كالاكتحال، وادعوا أنه لا منفذ من الأذن إلى الدماغ وإنما يصله بالمسام كالكحل، وكما لو دهن بطنه فإن المسام تتشربه ولا يفطر بخلاف الأنف فإن السعوط يصل منه إلى الدماغ في منفذ مفتوح. .)([4]) بناءً على ما تقدم نقله؛ فإن الجمهور يَعُدُّون الأذن منفذاً مفطراً، لأنه يوجد منفذٌ بين الأذن وباطن الدماغ.
ووافقهم من المعاصرين الشيخ إبراهيم السلقيني...([5]) ودائرة الإفتاء الأردنية([6]) وهذا خلافاً للشافعية([7]) فإنهم يرون الأذن ليست بمنفذ إلى باطن الدماغ.
ومن وافق الشافعية من المعاصرين، الشيخ محمد مختار السلامي([8])، والدكتور محمـد جبـر الألفـي([9]) ومحمـد علـي البار([10])، ومحمـد هيثـم الخيـاط([11]) والشيخ عبد العزيز بن باز([12])
والشيخ محمـد بـن صالـح العثيميـن([13]) ودار الافتاء الفلسطينية([14]) ودار الفتوى المصرية([15]).
بينما يرى الدكتور الصديق الضرير أنّ الواصل عبر الأذن لا يفسد الصوم إلّا إذا كان مغذّياً([16])
وخلاصة القول:
فإنّ قيـاس منفـذ الأذن علـى منفـذ العيـن أقـرب إلـى الصـواب منـه إلى منفذ الأنف.
وعليه فلا تُعَدُّ الأذن منفذاً إلى الجوف إلا إذا كانت طبلة الأذن مثقوبة حينها تكون منفذاً يوصل إلى الجوف.
* المطلب الثاني ـ غسول الأذن:
يحتاج بعض الناس إلى غسيل الأذن، وذلك باستخدام الماء، أو عن طريق استخدام بعض الأدوية الخاصة فهل يُعدُّ القيام بهذه العملية عملاً مفطّراً للصائم ؟
سبق الحديث عن منفذ الأذن، وأن الداخل إليها لا ينفذ للجوف إلا إذا كان غشاء الطبلة مخروقاً؛ فإن الداخل عبر الأذن يُعدُّ مفطّراً وذلك لأن غشاء الطبلة هو الفاصل عن الأذن الوسطى التي تصل إلى البلعوم عن طريق قناة استاكيوس.
والراجح والله أعلم أنّ غسيل الأذن لا يُعدُّ مفطّراً.
* المطلب الثالث ـ أعواد التنظيف:
ذهب جمهور الفقهاء إلى القـول بـأنّ نبش الأذن بعـود، أو إدخالـه فيها؛ لا يفطر وذلك خلافاً للشافعية([17])، فهم أكثر المذاهب توسّعاً في المفطرات وفي تحديد مسمى الجوف، حتى قالوا: بأن من ابتلع طرف خيط وطرفه الآخر بارزاً أفطر بوصول الطرف الواصل([18]).
والراجح هو ما سبق بيانه بعدم اعتبار الأذن منفذاً إلى الجوف إلا إذا كان غشاء الطبلة مثقوباً، ثم إن أعواد التنظيف ليست غذاءً ولا بحكم الغذاء. وعليه فإن أعواد التنظيف واستخدامها من الصائم حال صيامه غير مفطرة. والله أعلم.
* * *
([1]) محمد بن جبر عبده الألفي ولد في القاهرة بتاريخ 5/ 12/ 1934.
المؤهلات العلمية:
دكتوراه في الدراسات الإسلامية، كلية الآداب ـ السوربون، باريس فرنسا 1972م.
ودكتوراه الدولة في الحقوق، جامعة باريس فرنسا 1973م.
و درجة العالمية مع الإجازة في التدريس، جامعة الأزهر 1961م.
من أبرز الفقهاء والدعاة المعاصرين، صاحب مواقف وتجارب علمية ودعوية ومن ذوي الخبرات الطويلة في مجال الدعوة في المجتمعات غير الإسلامية وله حضور فاعل في الندوات والمجامع والأندية العلمية، و هو عالم موسوعي له العضوية في عدد من المجامع الفقهية صاحب المؤلفات والبحوث في مختلف أبواب الفقه الإسلامي كان مفتياً لمسلمي فرنسا وعضو اللجنة العلمية للموسوعة الفقهية الكويتية، وأستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء، عاش لفترة طويلة في أوربا وعاصر المشكلات والتحديات التي يواجهها الوجود الإسلامي في الغرب واكتشف الكثير من الاحتياجات الدعوية والسياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية للأقليات المسلمة إلى جانب أنماط المعيشة والمعايشة اليومية هناك، وعضو مؤسس في الجمعية الفقهية السعودية ومستشار مجمع فقهاء الشريعة في أمريكا.
موقع الملتقى الفقهي http:// fiqh. islammessage. com
([3])الكاساني: بدائع الصانع في ترتيب الشرائع ج2/ ص93.
ابن البراذعي: خلف بن أبي قاسم محمد الأزدي القيرواني (ت ـ 372ﻫ)، دراسة وتحقيق: الدكتور محمد الأمين ولد محمد الأمين ولد محمد سالم بن الشيخ، الناشر دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي، ط1، (1423ﻫ 2002م)، ج1/ ص354.
ابن مفلح: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد (ت ـ 884ﻫ) المبدع في شرح المقنع، دار الكتب العلمية (بيروت ـ لبنان) ط1، (1418ﻫ 1997م م) ج3/ ص21.