جاري التحميل

حكم الداخل عبر الدبر هل يفطر الصائم ؟

حكم الداخل عبر الدبر هل يفطر الصائم ؟

كتب الدكتور وليد بن خالد الجراد حول هذا الموضوع في كتاب ( النوازل في أحكام الصيام بين الأصالة والعاصرة ) الصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة (1438 هـ - 2018م)

فقال :

لقد اختلفت آراء الفقهاء في حكم الداخل عبر الدبر.

القول الأول: يفسد الصوم: وهو قول أبي حنيفة وأصحابه([1])، والمشهور من مذاهب المالكية([2])، والحنابلة([3]) أما الشافعية فهم من أكثر المذاهب توسعاً في هذا؛ حتى قالوا لو أدخل إصبعه أو أدخلت المرأة إصبعها في دبرها بطل الصوم، بل على الصائمة ألا تبالغ بإصبعها في الاستنجاء([4]).

القول الثاني: لا يفسد الصوم: وهو قول ابن تيمية([5])، وابن حزم([6])

الدليل: استدلّ أصحاب القول الأول بما يلي:

1 ـ                  قول ابن عباس رضي الله عنه: «إنّما الإفطار ممّا دخل، وليس ممّا خرج»([7]).

2 ـ                  دخول هذه المواد العلاجية من منفذ طبيعي يصل إلى الجوف.

واستدل أصحاب القول الثانـي بما يلـي: أن المـواد الداخلـة ليست أكلاً ولا شرباً ولا هي في معناهما.

المناقشة:

الصحيح ما ذهب إليه الجمهور خلافًا للشافعية، فالجمهور عند كلامهم عمّا يدخل الدبر؛ وأنه مفطِّر؛ فهم يعنون التقطير أو إدخال مائع عن طريق الدبر، أو إدخال أي نوع من السوائل.

ولا يذهبون في التوسع إلى ما تقصده الشافعية من التفطير بكل ما يدخل الدبر، حتى لو كان الداخل لا يحمل شيئاً، وهنا يجب التفريق بين نوعين من الداخل عبر الدبر، فإن كان الداخل مما يمتصه الدبر بقصد التغذية، ويصل إلى الأمعاء فهذا يأخذ حكم المغذي. وأما إن كان الداخل عبر الدبر، يحمل مادة دهنية هلامية بقصد تسهيل عملية الإدخال أو يحمل مادة دوائية ليست بقصد التغذية فليست مفطرة والله أعلم.

* المطلب الأول ـ التحاميل الشرجية:

تعريفها: هي ما يـوضع في دبـر المريض، وتشبـه المراهم وتستعمل لعلاج الأمراض مثل البواسير ولتخفيض درجة الحرارة([8]).

وقد سبق الحديث عمّا يدخل الدبر، وحكمه، وضابطه، وخلاف الفقهاء حوله.

وعليه فإنّ التحاميل الطبية ليست مفطِّرة لأنها ليست مغذية ولا تأخذ معنى الطعام والشراب.

وهو ما أفتى به الدكتور حسان شمسي باشا([9]) وتوصيات الندوة الفقهية التاسعة([10]).

المناقشة والراجح:

الحقيقـة أن الشرج لا يتـم فيـه هضم الطعام، وإنما يـمتص الماء ليـرتكز الطعام، ويخرج على هيئة براز، ويقتصر تأثير التحاميل الطبية موضعياً على المستقيم، ولكن الدورة الدموية المحيطة بالمستقيم فعّالة

جداً فـي امتصاص الكثير من الأدويـة بسهولـة، وعادة تكـون التحاميل عموماً مكونة من أدوية مركزة

تُعطى عن طريق الشرج، وليست لها صفة غذائية أو معوضة عن السوائل، وبذلك يكون حكمها حكم الأدوية المعطاة عن طريق الجلد.

والراجح أنّ التحاميل الشرجية ليست مفطّرة والله أعلم.

* المطلب الثاني ـ المنظار الشرجي: 

قد يدخل الطبيب المنظار من فتحة الشرج ليكشف على الأمعاء أو غيرها.

وقد سبق الكلام على منظار المعدة، وما ذكره الفقهاء فيه، وهو ينطبق على المنظار الشرجي، و إصبع الفحص الطبي. إلا أن القول بعدم التفطير في المنظار الشرجي، وإصبع الفحص الطبي؛ أولى وأقوى([11]).

* المطلب الثالث ـ إصبع الفحص الطبي:

يستخدم الطبيب للفحص الداخلي للمريض مـن خلال الدبـر؛ الإصبع الفاحص للطبيب

والحقيقة أن ما يقال بالمنظار يقال بإصبع الفحص الطبي، والراجح عدم التفطير لأنـه لا يحتوي علـى مادة مغذيـة وهـو ما ذهبت إليـه تـوصيات الندوة الفقهية الطبية التاسعة([12]).

* المطلب الرابع ـ الحقنة الشرجية:

الحقنة: لغةهي أن يُعطى المريض من أسفله وهي معروفة عند الأطباء([13]).

والحقنة عند الفقهاء: المداواة بإدخال الدواء السائل في الدبر، وتطلق اليوم على إدخال الدواء إلى داخل الجسم بواسطة الضغط سواءً أكان عن طريق الدبر أم عن طريق الجلد([14]).

الحقنة الشرجية عند الأطباء: هـو إجراء طبي يتمُّ بـواسطته إدخال سوائل الجسم إلى المستقيم والقولون مـن خلال فتحـة الشرج؛ يمكـن استخدام الحقنة الشرجية من أجل أغراض طبية مثل علاج الإمساك كجزء من العلاجات البديلة، أو لأغراض غير طبية مثل إثـارة الشهوة الجنسية، كما تستخدم مليِّنًا من أجل طرد البراز، وتكون مكونات الحقنة الشرجية (ماء، محلول فوسفات الصوديوم؛ بالإضافة لوجود محاليل أخرى، كما تستخدم الحقنة الشرجية لإدخال المواد في مجرى الدم، أو من أجل الإقلال من الشعور بالغثيان، وفي حالات الجفاف، كما تستخدم عاملًا من عوامل التخدير العام؛ ولأغراض جراحية في بعض الأحيان([15]). 

هل الحقنة الشرجية مفطرة أم غير مفطرة ؟

اختلف الفقهاء في حكم الحقنة الشرجية: وقد ذكرنا سابقًا حكم الداخل عبر الدبر؛ واختلاف الفقهاء وأنّ المذاهب الأربعة اتفقت على التفطير بالحقنة والتفطير عن طريق الدبر، خلافًا لما ذهب إليه ابن تيمية وابن حزم.

وهناك قول ثالث يرى التفريق بين نوعين من الحقن، وهما الحقن المغذية المقوية وغير المغذية.

وممّن ذهب إلى التفريق، ابن عرفة المالكي([16])، ابن مكرّم الصعيدي العدوي المالكي([17])، ومحمّد رشيد رضا([18]).

قال الشيخ محمّد رشيد رضا: (وحقن السائلات في الأمعاء معروف، وهو يكون تارة لتطهيرها من الفساد، وتارة لإزالة ما يعرض لها من القبض والجفاف، وقد يكون للتغذية والتقوية إذا كان في المعدة مرض يمنع من قبولها الطعام والشراب، فهو يقوم مقامها في التغذية.

ثمّ قال: (وكل ما يستحدثه الناس مما ينافيه ويكون كالطعام والشراب في إزالة الجوع والظمأ فحكمه حكمهما...)([19]).

والراجح أنّ الحقنة الشرجية إذا كانت بقصد التغذية والتقوية فلها حكم الطعام والشراب، أما إذا كانت مليّنة ولا تحمل أي مادة غذائية؛ فعندها تكون غير مفطرة. والله أعلم.

p p  p



   ([1])السُّغدي: النتف في الفتاوى، ج 1/ ص158.

   ([2])الخرشي المالكي: شرح مختصر خليل، ج2/ ص249.

   ([3])الكرمي المقدسي: مرعي بن يوسف بن أبي بكر بن احمد(ت ـ1033ﻫ)، دليل الطالب لنيل المطالب، حققه: أبو قتيبة، نظر محمد الفريابي، دار طيبة (الرياض ـ السعودية) ط1(1425ﻫ ـ 2004م)، ص94.

   ([4])النووي: المجموع شرح الهذب، ج6/ ص336 باختصار.

   ([5])ابن تيمية: أبو العباس أحمد بن عبد الحليم (ت ـ 728ﻫ) مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، (1416ﻫ ـ 1995م) ج25/ ص243.

   ([6])ابن حزم: أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد(ت ـ 456ﻫ) المحلى بالآثار، دار الفكر (بيروت ـ لبنان) ج4/ ص 348.

   ([7])الألباني: محمد ناصر الدين (ت ـ 1420ﻫ) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة، دار المعارف.(الرياض ـ المملكة العربية السعودية) ط1(1412 ـ 1992م)، ج2/ ص378 ولا يصح رفعه إلى النبي عليه السلام.

   ([8])السكاكر: فقه نوازل الصيام، ص 302

   ([9])باشا: التداوي و المفطرات، مجلة المجتمع، ع 10، ج 2، ص 255.

   ([10])مجلة المجتمع ع10، ج2/ ص 465.

   ([11])المفطرات ومستجدات الصوم الطبية. http;// majles. alukah. net .

   ([12])مجلة المجمع، ع10، ج 2/ ص465.

   ([13])ابن منظور: لسان العرب، ج13/ ص126.

   ([14])قلعه جي: و قنيبي، معجم لغة الفقهاء، ص138.

http;// www. feedo. net   ([15]).

   ([16])ابن عرفة الدسوقي: محمد بن أحمد (ت ـ 1230ﻫ) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، دار الفكر، ج2/ ص503.

   ([17])ابن مكرم الصعيدي العدوي: أبو الحسن، علي بن أحمد، (ت ـ 1189ﻫ) حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني، تحقيق يوسف البقاعي، دار الفكر، (بيروت ـ لبنان)، (1414ﻫ ـ 1994م)، ج2/ ص 116.

   ([18])رضا: محمد رشيد (1865 ـ 1935م)، فتاوى الإمام محمد رشيد رضا، تحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد، ط 1، (1426ﻫ2005م)، ج 5/ ص2123.

   ([19])المرجع السابق.

الموضوعات