جاري التحميل

حكم الداخل عبر العين هل يفطر الصائم ؟

حكم الداخل عبر العين هل يفطر الصائم ؟

كتب الدكتور وليد بن خالد الجراد حول هذا الموضوع في كتاب ( النوازل في أحكام الصيام بين الأصالة والعاصرة ) الصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة (1438 هـ - 2018م)

فقال :

هل تعدُّ العين منفذاً إلى الجوف ؟

قال الدكتور حسان شمسي باشا:

تنفتح القناة الدمعية التي تخرج من جوف العين على الأنف، عبر فتحة فيه؛ وبالتالي فإن وضع قطرة في العين تصل إلى الأنف ومنه إلى البلعوم؛ ولابد من توضيح بعض النقاط: فجوف العين لا يتسع لأكثر من قطرة واحدة فقط، وكل ما زاد عن ذلك تلفظه العين إلى الخارج فيسيل على الخد([1]). وهذا يدل على أنَّ العين منفذ إلى البلعوم، ولكن الكمية الداخلة قليلة؛ لا تعدو أن تكون قطرة واحدة.

تناولت الشريعة مسألة العين؛ وكونها منفذًا أو غير منفذ إلى الجوف؛ من خلال الحديث عن الكحل للصائم وبالتالي سنحاول سرد النصوص وخلاف الفقهاء في ذلك.

* المطلب الأول ـ الكحل:

قال الحسن: لا بأس بالسعوط للصائم إن لم يصل إلى حلقه، ويكتحل([2]).

وعن الأعمش قال: ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم، وكان إبراهيم يرخِّص أن يكتحل الصائم بالصَّبْر([3])([4]).

مذهب الفقهاء في الكحل للصائم:

مذهب الحنفية([5]) والشافعية([6]): الكحل لا يفطر الصائم، لأنه ليس هناك منفذٌ بين العين والدماغ حسب قولهم. ووافقهم ابن تيمية من الحنابلة([7])، وبه قال طائفة من السلف كعطاء والحسن البصري والنخعي والأوزاعي وأبو ثور وابن عمر وأنس([8]).

بينما يذهب الحنابلة([9]) والمالكية([10]) إلى التفطير بالكحل إذا وصلت مرارة الكحل إلى حلقه، أما إذا لم يجد طعماً فلا يفطر ووافقهم من المتأخرين محمد مختار السلامي([11]).

والراجح والله أعلم أنَّ الكحل غير مفطّر لعدة أسباب:

1 ـ غالب أهل العلم على عدم التفطير بالكحل.

2 ـ الكحل ليس بأكل ولا شرب لا عرفاً ولا لغة.

3 ـ أن العين وإن كانت منفذاً إلى الحلق؛ فإنّ الداخل إليها لا يتجاوز القطرة الواحدة، بل ولا يتسع لأكثر من ذلك، وهذه القطرة غالباً تستحيل ويتشربها المسام قبل وصولها إلى البلعوم.

4 ـ الكحل مادة موجودة في عصر النبوة، ولو كانت مفطرة لبيّن النبي عليه الصلاة والسلام حكمها، بل الدليل الوارد عن السلف بجوازها كما سبق النقل عنهم.

* المطلب الثاني ـ قطرة العين:

الحديث عن هذه المسألة قريب من المسألة السابقة، والفرق بينهما أنّ الكحل مسألة قديمة والقطرة نازلة حادثة جديدة، ولقد اختلف الفقهاء حول جواز القطرة للصائم على قولين:

القول الأول: أن قطرة العين غير مفطرة. وممن قال بذلك:

عبد العزيز بن باز([12])، ومحمد بن صالح العثيمين([13])، والدكتور حسان شمسي بـاشا([14])، والدكتـور محمـد حسن هيتـو([15])، وعلي حسن الحلبـي وسليم الهلالي([16])، وهو من قرارات المجمع الفقهي([17])، وفتاوى دار الفتوى اللبنانية([18])، ودار الإفتاء العام الأردن([19])، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء([20])

واستدلُّوا لقولهم بما يأتي:

1 ـ إن قطرة العين ليست منصوصاً عليها، ولا في حكم المنصوص.

2 ـ العين ليست منفذاً للأكل أو الشرب فهي كغيرها من مسام الجلد([21]).

3 ـ «إن القطرة الواحدة التي توضع في العين تبلغ جزءاً من 75 جزءاً مما تحتويـه ملعقـة الشاي الصغيرة من السائل؛ وهذه تعتبر كمّيـة ضئيلـة جداً؛ وهي بلا شك أقل مما يتبقى في الفم بعد المضمضة أو مما يدخل في الأنف أثناء الاستنشاق...»

وينبغي أن نتذكر أيضاً أنّ السواك يحتوي على ثماني مواد كيميائية تقي الأسنان واللثة ممّا قد يعتريهما من الأمراض؛ وهذه المواد تنحل باللعاب وبالتالي تدخل إلى البلعوم([22]).

4 ـ أن هذه القطرة في أثناء مرورها عندما تدخل إلى القناة الدمعية تمتص جميعاً ولا تصل إطلاقاً إلى البلعوم([23]).

وهو قول صالح بن فوزان الفوزان([24]).

ومحمّد مختار السلامي([25])، ومحمّد جبر الألفي([26]).

* المطلب الثالث ـ حكم زرع العدسات:

تستخدم هذه التقنية لتحسين الرؤية عند بعض المرضى المصابين بالمياه البيضاء.

كيفية زراعة العدسات:

يقوم الطبيب بإعطاء المرضى مهدئًا ليساعد على الارتخاء، وكذلك حقنة مخدر لتخدير العين تخديرًا كاملاً، وقد يستعمل في بعض الأحيان قطرة للعين، أو الجلَّ المخدِّر بدلا ً من الحقن. وباستخدام ميكروسكوب خاص يقوم الجراح بعمل قطع صغير في قرنية العين أو الصلبة (الجزء الأبيض من العين) تحت جفن العين يقوم بعدها بوضع العدسة الجديدة التي قد تحتاج إلى إحاطتها بخيط جراحي رفيع في الصلبة أو في القزحية (الجزء الملون من العين)، وقد يحتاج الطبيب لوضع ضمادة على العين لتغطيتها بعد إتمام الجراحة([27]).

واستدلوا لقولهم بأنه يشبه ما لو أكل شيئاً، أو شرب شيئاً ووصل إلى حلقه؛ ولأنّ هناك منفذاً ما بين العين والأنف، ومن الأنف إلى البلعوم، فالواصل إلى العين؛ واصل إلى الجوف.

والراجح و الله أعلم أنّ قطرة العين غير مفطّرة، و لها حكم المتبقي من أثر رطوبة المضمضة والاستنشاق حيث إنَّ الواصل إلى الحلق من القطرة لا يتجاوز هذه الكمية، و إذا أحسّ الصائم بطعمها في حلقه فعليه أن يمجَّها.

من خلال ما سبق هناك عدة نقاط يجب عرضها للحكم على المسألة:

أولاً: حقنة المخدر: وهذا تخدير موضعي كامل للعين، وسبق الحديث عنه وبيَّنا أنَّ التخدير الجزئي غير مفطِّر.

ثانياً: قطرة العين أو الجل: وسبق الحديث عن حكم قطرة العين وبيَّنا أنها أيضاً غير مفطِّرة على القول الراجح عند أهل العلم المعاصرين.

ثالثاً: القطع الصغير الذي يحدثه الجراح في قرنية العين لا يتسبب بإخراج إلا قطرات قليلة من الدم؛ وهذا أيضاً لا يُعدُّ عملاً مفطِّراً، وسيأتي الحديث عن حكم سحب الدم أو أخذ عينة للتحليل.

رابعاً: زرع العدسة وخياطتها: وهذا لا يُعدُّ عملاً مفطِّراً، لأنه مضى الحديث عن مسمى الجائفة عند الفقهاء، وذكرنا أنَّ الراجح فيما يظهر هو المعدة لأنها بيت الطعام والشراب، وإنما يتعلق الصيام بهما.

ثم إن العدسة والخيط ليسا طعاماً ولا شراباً، وليسا بمعنى الطعام والشراب. فلا يأخذان حكمهما لا شرعاً ولا لغة ولا عرفاً.

بقي علينا القول باستثناء ما لو تمّ إعطاء المريض مغذِّيًا فلو تمّ تزويده بمحاليل أو حقن فإنَّ لها حكم الطعام والشراب على الراجح من أقوال أهل العلم. وسيأتي الحديث عنها إن شاء الله تعالى.

* المطلب الرابع ـ العدسات اللاصقة الملوّنة:

عرفت العدسات في مجال علاج قصر النظر، واستخدمت على نطاق واسع في مجال التجميل والزينة، وبخاصة الملوّن منها، ويجوز لبس العدسات عند الحاجة بقصد العلاج، وأما استخدامها بهدف الزينة فقط، فمن أهل العلم من منعه لما فيه من تغيير خلق الله، والتلبيس؛ مع عدم وجود الحاجة إلى ذلك، ومن أهل العلم من أباح استخدامها لأن الأصل في الأشياء الإباحة ولكن هذا مقيد بقيود الزينة عموماً وشروطها؛ بحيث لا يكون في لبسها مضرة ولا تشبّه، ومن غير تبذير ولا إسراف([28])

أمّا وضع هذه العدسات خلال ساعات الصوم، فإنّها لا تبطل الصوم إذ لا علاقة لها به لأنّ الصوم هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج، وهذه العدسات ليست من ذلك في شيء([29]).

*  *  *



   ([1])باشا: حسان شمسي، التداوي و المفطرات، مجلة المجمع، ع10، ج 2/ ص258.

   ([2])رواه البخاري: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم» إذا توضأ فليتنشق بمنخره الماء «ولم يميز بين الصائم وغيره، رقم 28/ 28 ص385.

   ([3])رواه أبو داوود: باب في الكحل عند النوم للصائم، رقم (2379) وقال عنه الشيخ الألباني: حسن.

   ([4])الصبر بسكون الباء، لعصارة شجر مر. التاذفي: محمد بن إبراهيم بن يوسف الحلبي، المعروف بابن الحنبلي (ت ـ 971ﻫ). سهم الألحاظ في وهم الألفاظ، المحقق: الدكتور حاتم صالح الضامن، عالم الكتب ـ(بيروت ـ لبنان) ط1(1407ﻫ ـ  1987م) ج1/ ص43.

   ([5])العيني: محمود بن أحمد بن موسى الغيتابي (ت ـ 855ﻫ)، البناية شرح الهداية، دار الكتب العلمية (بيروت ـ لبنان) ط1(142ﻫ ـ 2000م) ج 4/ ص41، ملاخسرو: محمد بن فرامرز بن علي (ت ـ 855ﻫ) درر الحكام شرح غرر الأحكام، دار إحياء الكتب العربية، ج1/ ص208، الحلبي: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم (ت ـ 965ﻫ) مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، خرّج آياته وأحاديثه خليل عمران منصور، دار الكتب العلمية، (لبنان ـ بيروت) ط1(1419ﻫ ـ 1998م) ج1/ ص 364.

   ([6])الشافعي: أبو عبد الله محمد بن إدريس (ت ـ 204ﻫ)كتاب الأم، دار المعرفة (بيروت ـ لبنان) بـلا ط (1410ﻫ ـ 1990م) ج2/ ص11، النـووي: المجمـوع شرح المهذب ج6/ ص387، الهيثمي: تحفة المحتاج في شرح المنهاج، ج3/ ص403.

   ([7])ابن تيمية: حقيقة الصيام ص 37.

   ([8])هيتو: محمد حسن، فقه الصيام، دار البشائر الإسلامية (بيروت ـ لبنان) ط1(1408ﻫ ـ 1988م) ص85 وراجع الكتاب فقد أجاد وأفاد في نقل الأحاديث والآثار.

   ([9])ابن قدامة المقدسي: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد(ت ـ620ﻫ)،الكافي في فقه الإمام أحمد، دار الكتب العلمية ط (1414ﻫ ـ 1994م) ج1/ ص440.

   ([10])القرافي: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي (ت ـ 684ﻫ)، الذخيرة. المحقق محمد حجي وآخرون، دار الغرب الإسلامي (بيروت ـ لبنان) ط1 1994 ج 2/ ص 505 ـ الكلبي: أبو القاسم محمد بن أحمد بن محمد ابن عبد الله (ت ـ 741ﻫ) القوانين الفقهية، ص80.

   ([11])السلامي: محمد مختار، المفطرات، مجلة المجمع، ع10، ج2/ ص39

   ([12])ابن باز: عبد العزيز بن عبد الله (ت ـ 1420ﻫ)، تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام، الناشر: وزارة الشئون الإسلامية و الأوقاف والدعوة والإرشاد ـ المملكة العربية السعودية، ط2، (1423ﻫ)، ص175.

   ([13])العثيمين: محمد صالح، فتاوى أركان الإسلام، ص479.

   ([14])باشا: حسان شمسي، التداوي و المفطرات، مجلة المجمع، ع10، ج2/ ص259.

   ([15])هيتو: محمد حسن، فقه الصيام، ص 84.

   ([16])الهلالي: سليم بن عيد، و عبد الحميد: علي حسن علي، صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، المكتبة الإسلامية (عمان ـ الأردن) ط1(1404ﻫ)، ط2(1409ﻫ) ص 56.

   ([17])مجلة المجمع، ع 10، ج 2/ ص 454

http:// www. darfatwa. gov. 1b/ content. ([18]) aspx?catid=528divid=div10038&islam=1.

   ([19])المفتي نضال سلطانhttp:// aliftaa. jo/ print. htm1 .

   ([20])فتاوى اللجنة الدائمة ـ المجموعة الأولى، ج 10/ ص 250.

   ([21])العثيمين: فتاوى أركان الإسلام ص 479 ـ 480.

   ([22])مجلة المجمع، ع10، ج 2/ ص 259.

   ([23])مجلة المجمع، ع10، ج 2/ ص 369.

   ([24])الفوزان: صالح بن فوزان بن عبدالله، مجموع فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان، ط1، ج2/ ص 404.

1 ـ الشيخ صالح بن فوزان الفوزان:

هو صالح بن عبد الله بن فوزان الفوزان

ولد عام 1363ﻫ، وتوفي والده و هو صغير، فتربى في أسرته، وتعلم القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة على يد إمام مسجد البلد، وكان قارئاً متقناً و هو فضيلة الشيخ: حمود بن سليمان التلال التحق بالمعهد العلمي ببريدة عند افتتاحه عام 1373ﻫ، وتخرج فيه عام 1377ﻫ ـ، والتحق بكلية الشريعة بالرياض، وتخرج فيها عام 1381ﻫ، ثم نال درجة الماجستير في الفقه، ثم درجة الدكتوراه من هذه الكلية في تخصص الفقه أيضاً. أعماله الوظيفية:

فضيلة الشيخ عضو في هيئة كبار العلماء، وعضو في المجمع الفقهي بمكة المكرمة التابع للرابطة، وعضو في لجنة الإشراف على الدعاة في الحج، مشايخه:

تتلمذ فضيلة الشيخ على أيدي عدد من العلماء والفقهاء البارزين، ومن أشهرهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، وسماحة عبد الله بن حميد، حيث كان يحضر دروسه في جامع بريدة، وفضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي.

مؤلفاته: (التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية) في المواريث، وهو رسالته في الماجستير مجلد و(أحكام الأطعمة في الشريعة الإسلامية) وهو رسالته في الدكتوراه مجلد و (الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد).

مجلد صغير و (شرح العقيدة الواسطية) مجلد صغير. نقلاً عن: موقع الإفتاء التابع للجنة الدائمة للبحوث العلمية

http:// www. alifta. com

   ([25])السلامي: محمد مختار، المفطرات، مجلة المجتمع، ع10، ج2، ص 39.

   ([26])الألفي: محمد جبر، مفطرات الصائم في ضوء المستجدات الطبية، مجلة المجتمع، ع10، ج 2/ ص 83.

   ([28]) مجموعة من المؤلفين، مقالات موقع الدرر السنية dorar. net، ج3/ ص 12.

   ([29]) لجنة الفتاوى بالشبكة الإسلامية: فتاوى الشبكة الإسلامية http:// www. islamweb. net رقم الفتوى: 11/ 17446، تاريخ الفتوى 27 شعبان 1422ﻫ..

الموضوعات