جاري التحميل

حكم الداخل عبر الفم هل يفطر الصائم ؟

حكم الداخل عبر الفم هل يفطر الصائم ؟

كتب الدكتور وليد بن خالد الجراد حول هذا الموضوع في كتاب ( النوازل في أحكام الصيام بين الأصالة والعاصرة ) الصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة (1438 هـ - 2018م)

فقال :

أولاً: لابُدّ من تعريف الفم: الفم من الإنسان: هو فتحة ظاهرة في الوجه وراءها تجويف يحتوي على جهازي المضغ والنطق، ويستعمل بغير الإنسان والحيوان مجازاً.  فيقال فم القربة، فم الترعة: لمدخل الماء، فم الوادي: أوله([1])، وفي الكليات: هو الوعاء الكلي لأعضاء الكلام في الإنسان والتصويت في سائر الحيوانات المصوتة، والشفتان غطاؤه يتبيّن لنا من خلال التعريف أنّ الفم هو تجويف يحتوي أدوات النطق والمضغ، والداخل عبر الفم يندرج تحته مسائل ونوازل معاصرة نقف على حكم كل منها، وذلك كل بحسبه.

* المطلب الأول ـ بخاخ الربو:

هذه المسألة أكثر المسائل العصرية خلافاً في باب الصيام. وبداية لابد هنا من إيضاح ما يحتويه هذا البخاخ، واستعماله.

فبخاخ الربو يحتوي على دواء سائل (فيه ماء ومواد كيميائية عالقة) ويتم استعماله بأخذ شهيق عميق ويضغط عليه في الوقت ذاته، وعندئذ يتطاير الرذاذ ويدخل عن طريق الفم إلى البلعوم الفمي، ومنه إلى الرغامي فالقصبات الهوائية، ولكن يبقى جزء منه في البلعوم الفمي، وقد تدخل كمية ضئيلة جداً إلى المريء، وتحتوي عبوة بخاخ الربو على حوالي 10 ملي لتر من السائل بما فيه من المادة الدوائية، وهذه الكمية مصممة على أن تنطلق على 200 بخة (أي أن الـ 10 ملي لتر تنتج 200بخة) وهذا معناه أنه في كل بخة يخرج جزء من 25جزء من الميلي ليتر الواحد، وبمعنى آخر فإن البخة الواحدة تشكل أقل من قطرة واحدة، وهذه القطرة الواحدة ستقسم إلى أجزاء يدخل الجزء الأكبر منها إلى جهاز التنفس، وجزء آخر يترسب على جدار البلعوم الفمي([2]). يتبين ممّا سبق أنّ الإشكال سببه في الرذاذ الواصل عن طريق جهاز التنفس؛ والذي يشكل أقل من قطرة واحدة.

فما حكم هذا الرذاذ ؟

ـ اختلفت كلمة فقهاء هذا العصر حول هذه المسألة؛ ما بين من يرى الجواز، ومن يرى التحريم وبين من يفرق بين نوعين من البخاخ.

القول الأول: بخاخ الربو لا يفطر. وقد أخذ به سماحة الشيخ ابن باز([3])([4]).

والندوة الطبية الفقهية التاسعة([5])، ومحمد هيثم([6]) الخياط، والشيخ الدكتور الصديق  الضرير([7])، ودائرة الإفتاء الفلسطينية([8]).

وابن عثيمين([9]) رحمهما الله، ومجمع الفقه الإسلامي([10])، والشيخ محمد أبو زهرة([11]) رحمه الله تعالى.

الرأي الذي استندوا إليه:

1 ـ استدلوا بقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ[الأنعام: 119] ولو كان حراماً لبينه الشارع ولدلَّنا عليه.

2 ـ لا يشبـه الطعام ولا الشراب فأشبـه سحب الدم للتحليل والإبـر غير المغذية([12]).

كما هو شبيه بما يقطر في الإحليل وما تداوى به المأمومة والجافة وبالكحل والحقنة الشرجية ونحوها من كل ما يصل إلى الدماغ أو البدن من غير الفم أو الأنف([13]).

القول الثاني: بخاخ الربو مفطر. وهو قول دار الإفتاء المصرية([14])، ودائرة الإفتاء العام في الأردن([15]) والشيخ محمد المختار الشنقيطي([16])، ومفتي الجمهورية التونسية الشيخ محمد المختار السلمي([17])، والدكتور محمد الألفي([18])، والدكتور محمد علي البار([19])، وحسان شمس الدين باشا([20])، ووهبة الزحيلي([21])([22]).


استدلّ أصحاب الرأي الثاني لقولهم بالتفطير بما يلي:

 وصول شيء إلى الجوف باختيار، ولما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً»([23]). فاستثنى الصائم من ذلك مخافة أن يصل الماء إلى حلقه أو معدته بالمبالغة في الاستنشاق، فيفسد الصوم([24]).

2 ـ دخول دواء عبر منفذ الفم([25])

3 ـ السنة لا تدل على أنَّ الواصل إلى الجوف هو المفطر، وحتى أن بعض الأطباء يتعجب كيف لا يفطّر البخاخ وفيه مواد مركبة تدخل وتتفاعل في داخل الجسم وتفتح مناسم الجسم([26]) وجاء في فتوى دائرة الإفتاء والتدريس الديني بحلب جواباً حول ماحكم استعمال «البخاخ» لمرضى الربو الصائمين. هل هو مفطر أم لا ؟ ولأهمية الجواب أسوقه بتمامه:

«قبل الإجابة الشرعية لا بد من توضيحات طبية وهي:

1 ـ تنقسم البخاخات إلى صنفين حسب مفعولهما على القصبات الهوائية وهي:

أ ـ موسعات القصبات الهوائية «فنتولين ـ أتروفنت» وتستعمل بخاخاً وبودرة أو ماءً للتبخير، وجميع هذه المواد تكون ممزوجة أو مختلطة بالهواء وعند استنشاقها يذهب جزء إلى الرئة ويبقى جزء في البلعوم والفم ويمكن أن يذهب إلى المعدة.

ب ـ مضادات التهاب وهي: «كورتيزون» على شكل بكوتايد، بكلوفور، بكلوموت، أنتال. وأيضاً هذا متوفر على شكل بخاخ وبودرة وله نفس التأثير من حيث امتزاجه بالهواء وتوزيعه على الجسم.

وبناء على ذلك يمكننا القول: بما أن هذه البخاخات تحمل جزئيات تدخل إلى المعدة عن طريق الحلق، فإن المستعمل لهذا البخاخ إن كان مرضه مستمراً فهو من أهل الأعذار فله أن يفطر ويفدي (يدفع الفدية) وليس عليه القضاء، وأما إن كانت الأزمة تأتيه على فترات متقطعة فليفطر لأن استعمال البخاخ مفطر، ثم يقضي بعد ذلك في فترات الصحة...والمهم أن «البخاخ» من المفطرات والله أعلم([27]) .

القول الثالث: يفرّق بين نوعين من البخاخ: البخاخ هو عبارة عن هواء (أوكسجين) يساعد على فتح المجاري وتوسيعها في القصبات الهوائية، وهناك نوع أخر من البخاخ يحتوي على مكونات تتركب من مواد بخارية تتحول باستعمالها إلى سوائل نشعر بمذاقها وبنزولها إلى الحلق فالمعدة حال الاستعمال وبالتفاعل.

والقائلون بهذا القول هـم الشيخ محمد بـن صالح العثيمـين فـي قـول آخر له([28]) ودار الإفتاء الفلسطينية([29])، والشيخ أبو عبد المعز محمد علي فركوس من الجزائر([30]).

أما الشيخ محمد ناصر الدين الألباني فله رأي آخر وهو أن العبرة بالطعم داخل الحلق فإذا وجد له طعماً فلا يستعمله([31]) وهذا الرأي قريب من القول الثالث.

بعد استعراض هذه الطائفة من أقوال أهل العلم المعاصرين حول حكم بخاخ الربو؛ تبين وبجلاء أنه يوجد نقاط التقاء بين أقوالهم.

فالذي يظهر للباحث أن غالب المجيزين لبخاخ الربو إنما كانوا يتكلمون عن البخاخ الخالي من المادة الدوائية وإنما كان محور حديثهم حول البخاخ من النوع الأول الذي هو عبارة عن هواء (أوكسجين) يساعد على فتح المجاري وتوسيعها في القصبات الهوائية؛ ولم يقصدوا النوع الثاني الذي عناه الشيخ محمد ابن صالح العثيمين بقوله «بخاخ الربو قسمان: شيء كلبسات يعني حبوباً يُضغط على شيء يسمونه مسدس، ثم تدخل الحلق، هذه تفطر؛ فإذا كان الإنسان محتاجاً إليها يفطر، والحمد لله الأمر واسع ويقضي، وشيء آخر ما هو إلا أوكسجين هذا لا يفطر؛ لأنّه لا يصل إلى المعدة إنّما يفتح مسام العروق للتنفس فقط، هذا لا يفطر»([32]) .

وبالتالي فإنّ القول الثالث هو أحظى الأقوال بالصواب، وأقربها إلى الشريعة وأجمعها لأقوال المختلفين، حيث إنّ النوع الأول من بخاخ الربو (إن وُجد): يصلح قياسه على مضمضة الصائم أو اغتساله حتى لو وجد طعم البرد في بطنه لأنّه لا يعدو أن يكون رذاذاً يحمله الهواء الداخل إلى الجوف.

أمّا النوع الثاني: فمع وجود المادة الدوائية، وثبوت ذلك كما صرح به الأطباء وأهل الاختصاص؛ فإن الشبه الذي يصلح قياسه عليه هو تناول الدواء والله أعلم.

* المطلب الثاني ـ الأقراص التي توضع تحت اللسان لمرضى القلب:

تعريفها: هي أقراص تستخدم للذبحة الصدرية كعلاج آني، توضع تحت اللسان لتكون سريعة المفعول، حيث يتمّ امتصاصها من اللسان بشكل أسرع، وتؤتي نتائجها خلال دقائق. والغاية منها هي تسربها من خلال الفم إلى الدم مباشرة، وليس الغاية بلعها أو تسربها إلى الجوف.

لذا فإن الصائـم إذا تجنـب عمليـة البلـع واكتفـى بذوبان القـرص في الفـم فقط، فـإن ذلك كافٍ فـي العلاج، حيـث لا يشتـرط ابتلاعـه مـن ناحية علاجية...»([33])

ـ أما عـن حكم هـذه الأقراص فقـد ذهـب المجمع الفقهـي إلى أنها غير مفطرة([34])؛ إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

واستدلوا لقولهم أنه لا يصل شيء منه إلى الجوف، وإنما يمتص دون أن يصل منه شيء إلى المعدة، أما لو أخذ أكثر من حبة فيفطر بلا شك لأنه تيقن وصوله إلى الجوف([35]).

ويذهب الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة إلى أن هذه الحبوب مفطرة([36])، ولم يذكر دليلاً طبياً أو نصاً شرعياً يدلل به على فتواه.

والراجح والله أعلم: هو ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي ما لم يبتلع ريقه وكان يحمل الدواء ولقد قمت بإجراء مقابلة مع الدكتور مخلص الشيخ سليمان (اختصاصي باطنية)، مستوصف خالد الطبي، في مدينة الرياض، مساء يوم الجمعة الموافق (1/ 2/ 1434)، (14/ 12/ 2012 م).

وكان السؤال على الشكل التالي:

س: هل الأقراص التي توضع تحت اللسان لمرضى القلب؛ هل يصل منها شيء إلى الجوف؟

ج: حسب رغبـة المـريض إما أن يبتلع ريقـه فيدخـل ما ينحل مـن هذه الأقراص، وإما أن يبصق فيخرُج هذا المحلـول. ولكن عادة يبلـع ريقـه، حتى يستفيد من العلاج.

* المطلب الثالث ـ منظار المعدة:

تعريفـه: هـو جهاز طبـي متصـل بسلك أو خيط أو نحـو ذلك يدفـع في الجهاز الهضمي للإنسان عبر الفم ثم البلعوم ثم المريء ثم يصل إلى المعدة، وهذا الجهاز في غالب أحيانه يستعمل لأغراض تشخيصية؛ إما تصوير، وإما أخذ عينات ونحو ذلك، ثم بعد انتهاء الغرض يُسحب مرة أخرى ويستخرج([37]).

ولقد أجريت مقابلة مع الدكتور مخلص الشيخ سليمان (اختصاصي باطنية) في مستوصف خالد الطبي، في مدينة الرياض، مساء يوم الجمعة الموافق (1/ 2/ 1434)، (14/ 12/ 2012 م) وجرى السؤال التالي:

هل يرافق عادة دخول المنظار أي مادة دوائية ؟

وكان الجواب «غالباً ما يُوضَعُ مرهمٌ لتسهيل دخول المنظار وأحياناً غذاء حسب الحاجة.

حكم منظار المعدة:

ذهب عامة الفقهاء([38]) إلى أنّ ما لا يؤكل أو لا يتغذى به ويدخل عن طريق الفم فإنّه يحصل به الفطر، واشترط الحنفية استقرار الشيء الداخل([39]). وهذا لا ينطبق على منظار المعدة، لأنه لا يستقر في الجوف، وإنما يكون جزءاً منه في الخارج، وبناءً عليه لا يُعدُّ مفطراً عند الحنفية.

ـ أما الفقهاء المعاصرون؛ فقد اختلفوا على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن منظار المعدة مفطر بأنواعه كافّة سواء اشتمل المنظار على مادة دوائية (دهن) أم لم يشتمل.

وممن قال بذلك الدكتور وهبة الزحيلي([40])، وحسان شمسي باشا([41])([42]).

واستدلوا بأن الواقع هنا خرق لدائرة الإمساك التي ينبغي أن تصان عنها نفس الصائم في حالة الصيام([43]).

القول الثاني ـ التفريق بين نوعين من المنظار:

أ ـ منظار خالٍ من أي مادة دوائية، فهذا لا يفطر الصائم؛ لعدم وجود الغذاء وما في معناه.

ب ـ المنظار الذي يحتوي على مادة هلامية أو مادة دوائية، فهذا يُفطّر الصائم لوصول الدهون إلى المعدة.

وممّن ذهبوا إلى التفريق بين هذين النوعين من المنظار.

الشيخ محمد بن صالح العثيمين([44])، وعبد الله بن السكاكر([45])، وعبد الله بن محمد الحمادي([46])، والمجمع الفقهي([47])، والندوة الفقهية الطبية التاسعة([48]).

القول الثالث: دخول منظار المعدة إلى جوف الصائم لا يفطر مطلقاً سواء وإن رافقه دخول دهن (مادة هلامية) أو دوائية لأن هذه المواد ليست في حكم الطعـام والشراب ولا يصـح إطلاق لفظ الطعـام والشراب عليهـا فـي لغة العرب([49]).

والقائلون بهذا القول هم الدكتور الصدّيق الضرير([50])، ومحمّد بن هيثم خياط([51])، وعبد الله محمّد عبد الله([52]).

والقول الراجح والله أعلم. هو التفريق بين النوعين لأنّ المنظار إذا لم يرافقْه غذاء ولا دواء فلا يُعدُّ مفطّراً فإنّه ليس في حكم الطعام والشراب، أما لو رافقه شيء من هذا، فإنه يكون في حكم الطعام والشراب لاستحالته في الدم إلى مادة يستفيد منها الجسم.

* المطلب الرابع ـ دواء الغرغرة:

هذه المسألة قريبة إلى حد كبير من حكم المضمضة إذا سبق ودخل شيء من الماء إلى جوف الصائم.

ما الغرغرة ؟

الغرغرة من غرغر الرجل: ردد الماء أو الدواء في حلقه ولم يُسغْهُ، غرغر بماء وملح/ بدواء الإنسان»([53]).

اختلف الفقهاء على قولين:

القول الأول: هو أنّ الغرغرة لا تفطّر ما لم يبتلع الصائم شيئاً، والأفضل عدم القيام به إلا إذا دعت الضرورة، وهو مذهب جمهور الفقهاء([54])، ماعدا المالكية([55])، ومن المعاصرين الشيخ محمّد بن صالح العثيمين([56])، والمجمع الفقهي([57])، ودائرة الإفتاء العام الأردنية تراه جائزاً مع الكراهة([58]).

فإن بالغ ودخل شيءٌ من الماء أو الدواء إلى جوفه؛ فاختلف أصحاب القول الأول:

ذهب الحنابلـة([59])، ومنهـم الشيخ ابـن عثيمين([60])مـن المعاصرين إلـى أنّه لا يفطر.

وذهب الشافعية إلى أنّه يفطر في حال المبالغة أو العبث وهو ما ذهب إليه الدكتور محمد علي البار([61]) والمجمع الفقهي([62]).

القول الثاني: الغرغرة مُفطرة ولا يجوز القيام بها في حال من الأحوال لأنّ الفم له حكم الداخل وهو القول الراجح عند المالكية([63]).

والقول الراجح والله أعلم أنّه يجب تأخيرها إلى الليل مالم تدعُ الحاجة الضرورية إليها. فإن دعت الحاجة والضرورة؛ فالضرورة تقدّر بقدرها، فعلى الصائم ألا يبالغ أو يعبث؛ فإن سبق لسانه ودخل شيء من الدواء أو الماء قاصداً العبث أو غيره، فقد أفطر؛ وأما إن كان ناسياً أو سبق لسانه مخطئاً ولم يملك له دفْعاً فصيامه صحيح. لأنّ المخطئ والنّاسي معذوران و﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا[البقرة: 286].

* المطلب الخامس ـ حفر الأسنان، أو قلعها، أو حَشْوُها، أو تلبيسها:

يقوم طبيب الأسنان بتخدير المنطقة حول السن التي يراد حشوها، وإذا كان التسوس سطحياً وغير عميق فقد لا يحتاج المريض إلى تخدير، ومن ثَمَّ يقوم باستخدام أدوات حفر الأسنان أو الليزر لإزالة تسوس الأسنان. يتمُّ وضع الحشوة البيضاء على هيئة طبقات، يستخدم بعد كل من طبقات الحشوة البيضاء ضوء طبي خاص أزرق اللون يجعل الطبقات تتصلب وتتماسك مع بعضها ومع أطراف السن المحيطة بها، ثم يقوم الطبيب بإزالة الشوائب وتلميع الحشوة([64])، ثم تلبيس السن إمّا بمعدن، أو بورسلين ومعدن([65]). وقد يستخدم الطبيب حامض الفسفوريك المعالج بطريقة خاصة على سطح المينا فقط([66]).

ولقد قمت بإجراء مقابلة مع الدكتور جلال عبدالله العبد الله (طبيب أسنان)، كليّة الفارابي، في مدينة الرياض، مساء يوم السبت الموافق (2/ 2/ 1434)، (15/ 12/ 2012 م) وكان السؤال علـى الشكل التالـي: في أثناء القيام بعملية قلع الأسنان أو حشوها أو تلبيسها، وذلك خلال ساعات نهار شهر رمضان.

س: ما هي المواد المستخدمة في أثناء العلاج ؟ وهل يبقى شيء من طعمها داخل فم المريض؟

ج: المادة المستخدمة في أثناء العلاج مخدر موضعي هو عبارة عن زيت القرنفل، وبالتأكيد يبقى طعم هذه المادة ورائحتها داخل الفم ساعات بعد العلاج، ولكنها رائحة فقط لا حقيقة لها، ولا تنحلُّ لتصل إلى الجوف.

إذاً كلُّ هذه العمليات التي يقوم بها طبيب الأسنان لا تتجاوز الحلق.

فما حكم هذه العمليات ؟ وما حكم دخول الدواء أو ماء الغرغرة إلى الجوف في أثناء الصوم؟

نص المالكية في الفتاوي في رجل قلع ضرسه من وجع كان به، فلا يفتر من الموضع إلا بدواء يضعه عليه، وفي رجل قلع ضرسه من وجع كان به مدةً، فإذا جعل في المكان حبة لبان زال وجعه بأن عليه قضاء ذلك اليوم إن اضطر إلى ذلك([67]).

وذهب الحنفية([68]) والشافعية([69]) والحنابلة([70]) إلى عدم الفطر بهذه الإجراءات، لأن الفم له حكم الظاهر([71]).

ووافقهم من الفقهاء المعاصرين الشيخ عبد العزيز بن باز([72]) والشيخ ابن عثيمين([73]) والشيخ صالح الفوزان([74]).

واللجنـة الدائمـة للإفتـاء بالسعودية([75])، ودار الفتـوى المصريـة([76])، ودار الإفتاء الفلسطينية([77])، ودائرة الإفتاء العام في الأردن([78])، والمجمع الفقهي([79]).

والذي يظهر والله أعلم أنّ على المريض تأجيـل مثـل هـذه العمليات إلى ما بعد الإفطار، فإنّ كانت هناك ضرورة ملحة تدعو للقيام بها نهار الصيام كالوجع مثلاً أو عدم التفرغ ليلاً فلا مانع من ذلك على ألا يحاول إدخال شيء من الدواء أو الماء إلى جوفه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

* المطلب السادس ـ معجون الأسنان:

معجون الأسنان تعريفه: هو مركب كيميائي لتنظيف الأسنان([80])، يستخدم في العصر الحاضر وهذه المسألة تشبه إلى حد كبير استخدام السواك للصائم.

ففي صحيح البخاري: «ويُذكر عن عامر بن ربيعة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم، مالا أحصي أو أعد. .وقال عطاء وقتادة: يبتلع ريقه»([81]) ووصله أحمد وأبو داود والترمذي وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه، وضعّفه ابن معين والذهلي والبخاري([82]) وقال ابن سيرين: لابأس بالسواك الرطب. قيل: له طعم. قال: والماء له طعم وأنت تمضمض به([83]).

ذهب جمهور أهل العلم إلى أنّ السواك جائز كل النهار([84]).

واستثنى الإمام مالك السواك الرطب حيث ذهب إلى كراهة ما دون اليابس([85]) وذهب الشافعية ورواية عن الحنابلة إلى الكراهة بعد الزوال([86])؛ إلا إذا كان لسبب يقتضيه كتغيُّر فمه بأكلٍ نحو بصل بعد الزوال نسياناً([87]).

أمّا بالنسبة لمعجون الأسنان؛ فإنّه لا يخلو من حالين:

إحداهما: أن يكون قوياً، وينفذ إلى المعدة، ولا يتمكن الإنسان من ضبطه، فهذا محظور عليه، ولا يجوز له استعماله، وعلى الأقل فهو يكره.

أمّا إذا كان يمكنه أن يتحرّز منه، فإنّه لا حرج عليه في استعماله([88]).

وممّن أفتـى بجـواز معجـون الأسنان للصائم عامـة المعاصرين كالشيخ عبد العزيز بن باز([89])، والشيخ محمد بن صالح العثيمين([90])، والمجمع الفقهي([91])، ودائرة الإفتاء العام في الأردن([92])، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء([93]).

ونصّ الجميع على وجوب التحرز من دخول شيء إلى جوف الصائم، بل ذهب بعضهم إلى فساد صومه ولو بدون قصد، كما أفتى بذلك الشيخ نضال سلطان.

يتضح لنا من خلال ما سبق دراسته: أنّ رغوة معجون الأسنان لا تتجاوز الأسنان واللسان فلا تذهب إلى الحلق إلا إذا كان بدون قصد.

وعليه فإنّ معجون الأسنان يأخذ حكم السواك ابتداءً، فإذا بالغ كان له حكم المبالغة في المضمضة المفضية إلى دخول هذه المادة إلى الجوف لأن المعاجين المتوفرة في الأسواق تحمل صفة ثبات الطعم في الحلق حتى بعد شطفه بالماء، فعلى المضطر أن يستخدم الفرشاة مبلولة بالماء ولها حكم السواك الرطب كما سبق عن التابعي عطاء رحمه الله.

وإن اضطُر لذلك لسبب طبي قد يدعو لذلك فله حكم تذوق الطعام فلا بأس به وعليه أن يمجه؛ حتى لا يذهب إلى حلقه منه شيء. هذا والله أ علم.

* المطلب السابع ـ التدخين:

مأخوذ من: دخن الشخص التبغ: امتص دخانه ثم أخرجه من فمه أو أنفه» دخن سيجارة([94])

وقد اصطلح على تسميته بالدخان وهو أشهر أسمائه، ويعرف بالتتن والتبغ والتنباك([95]).

والدخان ثبت ضرره([96])، وعامة العلماء على تحريمه([97]).

ويُعد شرب الدخان من المفطرات، لأنّ الشهوة فيه ظاهرة، ولأنَّ له جُرماً مرئيَّاً وملموساً، يدخل إلى الجوف عمداً وإنْ كانت ذراته صغيرة([98]).

فالسيجارة تحتوي على عدة مواد: «النيكوتين، غاز أول أكسيد الكربون، أوكسيد النيتروجين، القطران، غاز النشادر الكاوي([99]). فلا يمكن قياسها على دخان أو الطريق أو غباره، كما قد يظنُّه بعضهم.

وعامة العلماء على أنّ التدخين حرام ومضر ومفسد للصوم.

وممّن أفتـى بفساد الصـوم بسبب التدخيـن العلامـة مرعـي بـن يوسف الكرمي المقدسي([100]) والدكتور وهبة الزحيلي([101]) ودائرة الإفتاء الأردنية([102])، والمجمع الفقهي([103])، ومحمد المختار الشنقيطي([104]).

يتبين مما سبق أنَّ التدخين سبب مفسد للصوم، موجب القضاء؛ لأن الدخان الناتج عن حرق التبغ الذي يتكاثف داخل الأنف؛ ينزل إلى الصدر، فيكون جرماً دخل جوفاً. والله أعلم.

* المطلب الثامن ـ الأكل النَّيِّء:

النَّيِّء: بكسر النون وبعدها ياء ساكنة بعدها همزة، صفة من ناء اللحم نيئاً: إذا لم تمسَّهُ النار ولم ينضج([105]).

ماذا يقصد بالطعام النَّيِّ ء ؟

يُقصد به تناول الأرز والطحين والبقوليات عموماً واللحوم النيئة التي لم تُطْهَ بعد، ولو كانت قليلة كحبة أرز أو حُمصة أو نواة (بزرة) أو عجيناً.

ما حكم تناول الطعام النَّيِّء للصائم ؟

ذهب جمهور العلماء إلى أنّ تناول أي شيء مادي يصل إ لى الجوف عمداً، سواء أكان مغذيـاً أو غيـر مغذٍ. فإنـه يفسد الصـوم([106]). إلا إذا كان نـاسياً فـإنّه لا يفطّر عند الجمهور خلافاً للمالكية([107]).

وهذا إذا كان الطعام النَّيِّء غير مخلوط بسمن أو عسل أو سكر فإذا كان كذلك فقـد وجب مـع الفطـر الكفارة عند الحنفيـة والمالكيـة، لأنهـم يُوجبون القضاء والكفارة علـى مـن تناول غذاء أو ما فـي معناه([108])، والعسل والسمن والسكر كما هو معروف يُعدُّ غذاءً.

بعد الرجوع إلى أقوال أهل العلم يتبيّن وبقوّة أنّ الطعام النيء وبلا شك مفسد للصوم للأسباب التالية:

1 ـ يصح تسميته أكلاً لغةً وعرفاً.

2 ـ يتم دخوله عن طريق منفذ طبيعي هو الفم.

3 ـ يستفيد منه البدن لأنه مغذ.

4 ـ يستقرُّ في المعدة.

5 ـ يخالف الحكمة التي شُرع من أجلها الصوم.

* المطلب التاسع ـ العلك (اللبان):

العلك: كل صمغ يُعلك من لبان وغيره فلا يسيل، والجمع: علوك وأعلاك([109]).

وقال في الفتـح: «العلك: بكسر المهملـة وسكـون اللام بعدها كاف: كل ما يمضغ ويبقى في الفم كالمصطكي واللبان»([110]).

آثار عن السلـف في العلك: وقـال عطاء:. .ولا يمضغ العلك، فإن ازدرد ريق العلك لا أقول إنه يفطر، ولكنه يُنهى عنـه. ..» ([111]) وعن معمر قال: سمعت قتادة يُسأل عن العلك فقال: إني لأكرهه للصائم وغير الصائم([112]).

وعن إبراهيم وعن جابر عن الشعبي: كرها العلك للصائم([113]).

مذاهب العلماء في العلك:

هو عند الحنفية([114]) والشافعية([115]) غير مفطّر بل مكروه، وعند ا لمالكية إذا لم يتكرر المضغ([116])، وعند أحمد إن مضغه ولم يجد طعمه في حلقه فهو غير مفطر، وإن وجد طعمه ففيه وجهان([117]).

ويترجح عدم الفطر لعدم وصول ما يصلح البدن ويغذيه([118]).

والعلك على نوعين: نوع جاف لا يحتوي على أي مادة غذائية أخرى.

والنوع الآخر: يحتوي على حلوى أو شيء من المواد الصناعية.

قال الحافظ في الفتح: «ورخّص في العلك أكثر العلماء إن كان لا يتحلب منه شيء، فإنْ تحلّب منه شيء فازدرده فالجمهور على أنه يفطّر» انتهى([119]).

والخلاصة: أنّ العلك مكروه إن كان لا يحتوي على مادة سكرية أما إن كان يحتوي على مادة سكرية أو أي مادة صناعية أخرى أو كان العلك مما يتفتت، فإن دخل جوف الصائم شيء من الفتات أو المواد الصناعية أو السكرية فإنه يفطر لأنها غذاء لاحتوائها على ما يصح أن يكون عليه قوام البدن.

تنبيه: على قولنا بكراهة العلك الجاف للصائم تزداد كراهته بالمجاهرة أمام الناس خشية مظنّة السوء به، واعتقادهم أنّه مفطّر خاصة في شهر رمضان.

قال عليٌّ رضي الله عنه: «إيّاك وما يسبق إلى العقول إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره».

*  *  *

 



   ([1])الموسوعة الفقهية: (وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت)، (وزارة الأوقاف الكويتية) ج32/ ص210.

   ([2])باشا: حسان شمس الدين بحث بعنوان التداوي والمفطرات، إعداد: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة العاشرة المنعقدة في جدة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر (1418ﻫ ـ 1997م) ج 2، ص 255.

   ([3])ابن باز. عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن: مجموع فتاوى و مقالات متنوعة، جمع وإشراف د. محمد بن سعد الشويعر، دار القاسم للنشر (الرياض، السعودية) بإذن رئـاسة البحـوث العلميـة والإفتاء، الريـاض رقـم 235 تاريـخ 26/ 7/ 1421ﻫ ج15/ ص 265.

   ([4])الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز (رحمه الله).                                                                   =

         مولده:

ولد في ذي الحجة سنة 1335ﻫ بمدينة الرياض، وكان بصيراً، ثم أصابه مرض في عينيه عام 1346ﻫ وضعف بصره، ثم فقده عام 1355ﻫ.

طلبه للعلم: حفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ، ثم جد في طلب العلم على العلماء في الرياض، ولما برز في علوم الشريعة واللغة عُيِّن في القضاء عام 1357ﻫ، ولم ينقطع عن طلب العلم ولم تشغله المناصب عن ذلك مما جعله يزداد بصيرة ورسوخاً في كثير من العلوم، وقد عَنَى عناية خاصة بالحديث وعلومه.

مشايخه: تلقى العلم على أيدي كثير من العلماء، ومن أبرزهم:

1 ـ الشيخ محمد بـن عبـد اللطيـف بـن عـبد الرحمن بـن حسن بـن الشيخ محمـد بـن عبد الوهاب (قاضي الرياض).

2 ـ الشيخ صالح بـن عبـد العزيـز بـن عبـد الرحمن بـن حسن بـن الشيخ محمـد بـن عبد الوهاب.

   ([5])الندوة الفقهية الطبية التاسعة. الدار البيضاء 8/ 11 صفر 1418ﻫ ـ 14/ 17يونيو 1997م. يُنظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي ص 466

   ([6])الخياط: محمد هيثم (المفطرات في ضوء الطب الحديث) بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي. الدورة العاشرة، العدد العاشر ج2/ ص 248

   ([7])مجلة مجمع الفقه الإسلامي ع10/ ج2/ ص76.

الصديق محمد الأمين الضرير: تاريخ ومكان الميلاد: أم درمان ـ السودان 1918م

المؤهل العلمي: دكتوراه في الشريعة الإسلامية ـ مرتبة الشرف الأولى ـ كلية الحقوق جامعة القاهرة.                                                                                                                  

          الوظيفة الحاليـة: أستاذ ممتاز ـ كلية الحقوق ـ جامعة الخرطوم.

المناصب: عضو مجمع اللغة العربية ـ الخرطوم، و عضو مجمع الفقه الإسلامي ـ الخرطوم، و عضو معين في مجمع

الفقه الإسلامي الدولي ـ جدة، و عضو المجمع الفقهي الإسلامي ـ مكة المكرمة، و عضو المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ـ البحرين، و رئيس الهيئة العليا للرقابة الشرعية للجهاز المصرفي و المؤسسات المالية ـ الخرطوم. ملخص من موقع نظام إدارة مطبوعات المعهد الإسلامي للبحوث و التدريب http:// www. irtipms. org/ Siddiq%20Al%20Dareer ـ A. asp

   ([8])موقع دار الإفتاء الفلسطينية، القدس، المفتي: الشيخ إحسان عاشور

http:// www. darifta. org/ fatwa62. htm

   ([9])العثيمين. محمد صالح. فتوى أركان الإسلام، جمع وترتيب (فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان. طبع بإشراف مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية ن دار الثريا للنشر («الرياض» السعودية)، 1421ﻫ، ط1/ ص475.

   ([10])مجمع الفقه الإسلامي ن الد

الموضوعات