حكم صيام الخبازين، ومن يشق عليهم الصيام بسبب طبيعة عملهم ؟

كتب الدكتور وليد بن خالد الجراد حول هذا الموضوع في كتاب ( النوازل في أحكام الصيام بين الأصالة والعاصرة ) الصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة (1438 هـ - 2018م)

فقال :

قال تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾[البقرة: 184].

قال القرطبي: وأجمعوا أنّ المشايخ والعجائز الذين لا يطيقون الصيام، أو يطيقونه على مشقـة شديدة أن يفطـروا([1]).فهـل يقاس عليهم كل مـن شق عليه الصيام بسبب طبيعة عمله ؟

وقد سُئل الشيخ محمّد رشيد رضا من عمّال مصلحة السكة الحديدية السودانية، وما يجدونه من مشقة وحر شديد فقال: (يباح لأصحاب الأعمال الشاقة التي عليها مدار معيشتهم إذا كانوا يتحمّلون مشقّة شديدة بالصيام أن يفطروا)([2]).

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: (يجب عليهم تبييت نية صوم رمضان وأن يصبحوا صائمين، ومن اضطر منهم للفطر في أثناء النهار فيجوز له أن يفطر بما يدفع اضطراره، ثم يمسك بقية يومه ويقضيه في الوقت المناسب، ومن لم تحصل له ضرورة وجب عليه الاستمرار في الصيام)([3]).

وعلى موقع دائرة الإفتاء بحلب ـ سوريا: سؤال حول الفطر لعمّال صيانة الأفران ذات الحرارة المرتفعة جدًّا. أفتى سماحة المفتي بأنّ عليهم البدء بالصوم في بداية اليوم ثمّ إن حصل عطش أو جوع يخاف منه الضرر فقد وجب الفطر([4]). 

وقد أصدر علماء الأزهر بيانًا يؤيدون فيه فتوى إماراتية تبيح للعمال الإفطار خلال شهر رمضان واشترطوا لذلك:

1 ـ أن يكون للعمال نية الصوم فعلاً.

2 ـ أن تزيد درجة الحرارة عن 40 درجة.

3 ـ أن يكون العمل شاقًّا، ولا يمكن معه الصيام بحال من الأحوال.

وقد اتّفق أعضاء مجمع البحوث الإسلامية (أعلى هيئة شرعية في الأزهر) في القاهرة على ذلك([5]).

كما جاءت فتوى الشيخ محمد سعيد صلاح (دائرة الإفتاء الفلسطينية) حول عمال البناء وهل يجوز الفطر للمشقة ؟ حيث يقول المفتي: (إنّ الأعمال الشاقة ليست مبـررًا للإفطار، فهناك الملايين مـن المسلمـين يعملون في الأعمال الشّاقّة من بنـاء ونجـارة وحديد وغيرهـا ويصومون، وهم وسط الصحراء، ويحتسبون صيامهم لله عـز وجل، ولا تعتبـر الأعمال الشاقّـة ذريعـة للإفطار إلا ضمن الشروط الآتية:

1 ـ إذا كان الصائم لا يملك قوت شهر رمضان، وإذا لم يعمل لم يجد قوت يومه.

2 ـ إذا كان الصائم لا يمكنه العمل إلا وهو مفطر.

3 ـ إذا كانت صحته لا تساعده على الصيام نظراً للإرهاق الذي يلحقه من الصيام.

فإذا وجدت هذه الشروط فعليه أن يصوم، وحين يشقّ عليه ذلك يفطر ويقضي، والله تعالى المعافي. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل)([6]).

المفتي/ الشيخ محمد سعيد صلاح.

يتبيّن ممّا سبق: أنّ إفطار العمال إنّما يكون ضمن الضوابط والشروط، وقد أسلفنا ذكرها، ونوردها اختصارًا:

فالعمل الذي يجـوز معـه الإفطار، بل قد يجب، ويبقى القضاء واجباً في الذمة. هو ما كان قد بيّت صاحبه الصوم، وكان العمل شاقًّا لا طاقة للصوم معه.

وإنّما يخاطب المكلفون به من العمل ما كان مقدوراً عليه.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النّبي صلى الله عليه وسلم، قال: (... فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)([7]).

توصية:

على ولاة أمور المسلمين الذين يوجد عندهم أصحاب أعمال شاقة، أن ينظـروا فـي أمرهـم إذا جـاء رمضـان فـلا يكلّفوهم مـن العمل ـ إن أمكـن ـ ما يضطرهم إلى الفطر في نهار رمضان؛ بأن يجعل العمل ليلاً أو توزّع ساعات العمل في النهار بين العمال توزيعاً عادلاً يوفقون بـه بيـن العمل والصيام. وهذا خطاب صدر في المملكة العربية السعودية من الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله بن محمد بن حميد في 11/ 7/ 1397ﻫ، موجّه إلى معالي رئيس ديوان مجلس الوزراء([8]).

تنبيه:

على هؤلاء العمّال جميعًا الذين يجدون مشقّة من الصيام في أثناء عملهم، أن يحاولوا أخذ إجازة ليستطيعوا الصيام، والمعروف عادة أنّ لكلِّ عامل إجازة سنوية فيحاول أن يجعل هذه الإجازة موافقة لأيام الصيام، والقادر والمستطيع إن لم يفعل وخلت الموانع الصارفة عن ذلك فإنَّه يأثم. والله أعلم.

*  *  *