مريض السكري والصوم
مريض السكري والصوم
كتب الدكتور وليد بن خالد الجراد حول هذا الموضوع في كتاب ( النوازل في أحكام الصيام بين الأصالة والعاصرة ) الصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة (1438 هـ - 2018م)
فقال :
أصبح مرض السكر اليـوم مـرض العصـر، أو بأدق تعبيـر) مرض المدنية (نتيجة ارتفاع مستوى الحياة وتحسُّنه) في عصرنا الراهن، إذ أصبح الإنسان اليوم يتناول النشويـات المكـررة وبكميات كبيـرة، وبشكل زائد لم يسبقـه إليـه أخوه الإنسان في الماضي.. إضافة إلى الركون إلى الراحة، وقلّة حركته لتوفر وسائل المواصلات.
مرض السكر: هـو عدم قدرة الجسم علـى استهلاك الجلوكوز الموجود في الدورة الدموية بطريقة طبيعية. ويأتي هذا العجز إما من نقص كامل في كمية هرمون الأنسولين الموجود بكثرة في خلايا الجسم.
في كلتا الحالتين ترتفع نسبة السكر في الدم، وعدم استهلاك السكر يجعل المريض يشعر بجوع زائد ومتواصل ورغبة في التبول الكثير الذي يسبب جفافاً في اللسان والجلد، وعطشاً شديداً، وحكة في الجسم([1]).
ومرض السكر أنواع، فليس مرض السكر مرضاً واحداً في كل الناس([2]).
يقول الدكتور حسان شمسي باشا: وينقسم مرضى السكر إلى فئتين، فئة تستطيع الصوم وأخرى تُمنع من الصوم.
أ ـ مريض السكري الذي يستطيع الصوم:
1 ـ مريـض السكـري الكهلـي (سكـري النضوج) الذي يعالج بالحمية الغذائية فقط.
2 ـ مريض السكري الكهلي الذي يعالج بالحمية الغذائية والأقراص الخافضة لسكر الدم: وهذه الفئة تقسم بدورها إلى قسمين:
1 ـ المريض الذي يتناول حبة واحدة يوميًّا: يستطيع الصيام عادة، على أن يفطر بعد أذان المغرب مباشرة على تمرتين أو ثلاث تمرات مع كأس من الماء، وبعد صلاة المغرب يتناول وجبة الدواء ثم يبدأ بالوجبة الرئيسة للإفطار.
2 ـ الذي يتناول حبتين يوميًّا: يستطيع الصوم عادة، على أن يتناول حبة واحدة قبل الإفطار ونصف حبة قبل السحـور بدلًا من الحبـة الكاملـة التي كان يتناولها قبل شهر رمضان، وهكذا لأكثر من حبتين يوميًّا، بحيث يكون المبدأ إنقاص جرعة ما قبل السحور إلى النصف بناءً على توصية طبيبه المعالج.
ب ـ مريض السكري الذي لا يستطيع الصوم:
1 ـ مريض السكري الشبابي (المريض الذي يصاب بمرض السكري دون الثلاثين عامًا من العمر)
2 ـ مريض السكري الذي يحقن بكمية كبيرة من الأُنسولين (أكثر من 40 وحدة دولية يوميًّا)، أو الذين يتعاطون الأُنسولين مرتين يوميًّا.
3 ـ المريض المصاب بالسكري غير المستقر.
4 ـ المريضة الحامل المصابة بالسكري.
5 ـ المريـض المسن المصاب بالسكري لسنيـن طويلـة، وفي الوقت نفسه يعاني من مضاعفات مرض السكر المتقدمة.
6 ـ المريض الذي أصيب بحماض ارتفاع السكر قبل شهر رمضان بأيام أو في بدايته([3]).
آراء الفقهاء المعاصرين حول مرضى السكري وإمكانية صيامهم:
لم تختلف آراء المعاصرين حول جـواز إفطار مـريض السكـري، إذا كان ذلك يسبب له مشقّة من الممكن أن تؤدي إلى تفاقم المرض أو الهلاك؛ على أنّه يجب عليه قضاء الصوم ولو متقطعاً بعد رمضان، وإن لم يستطع وجب عليه الإطعام عن كل يوم أفطره.
وهذا ما أفتى به الشيخ محمد بن إبراهيم مفتـي المملكـة العربية السعودية سابقاً([4])، والشيـخ عبـد العزيـز بـن بـاز([5]) كذلك والشيـخ محمـد بـن صالح العثيمين([6])، واللجنـة الدائمـة للإفتـاء في السعـودية([7])، ودار الإفتاء المصرية (الشيخ حسنين محمد مخلـوف)([8]). والذي أفتى بـه الجميع إنّما هـو عيـن ما أقرّته الشريعة من المحافظة على الضروريات الخمس التي منها المحافظة على النفس، وبالمحافظة عليها قوام الدنيا والدين؛ اللذين لا يصلحان إلا به سليماً معافىً.
وينبغي التأكيد على الحقائق التالية:
1 ـ يجب على المريض الذي يصاب بنوبات نقص السكر أو الارتفاع الشديد في سكر الدم أن يقطع صيامه فورًا، لأنّه يضطر إلى علاج فوري.
2 ـ ينبغي تقسيم الوجبات إلى ثلاثة أجزاء متساوية، الأولى عند الإفطار، والثانية بعد صلاة التراويح، والثالثة عند السحور.
3 ـ يفضّل تأخير وجبة السحور إلى قبيل الإمساك بوقت كافٍ.
4 ـ الحذر من الإفراط في الطعام، وبخاصة الحلويات أو السوائل المحلّاة.
وبصفة عامّة فإنّ السّماح بالصيام أو عدمه إضافة إلى تنظيم الدواء وأوقات تناولها يعود إلى الطبيب المعالج دون غيره([9]).
* * *
([2])نخبة من أساتذة كليات الطب بجمهورية مصر العربية، السكر و علاجه، إعداد: محمد رفعت، رئيس تحرير مجلة طبيبك الخاص، دار المعرفة، (بيروت ـ لبنان)، ط 4، (1981 م ـ 1401ﻫ) ص 9.