جاري التحميل

الإيمان عن طريق التدبير والتفكير

الموضوعات

الإيمان عن طريق التدبير والتفكير

كتب الدكتور تيسير خميس العمر حول هذا الموضوع في كتابه ( العنف والحرب والجهاد) الصادر عن دار المقتبس بيروت  سنة (1439هـ - 2018م)

فقال :

 حث القرآن الناس أن يكون إيمانهم عن طريق التدبر والتفكير؛ لذلك لا يقبل إيمان بمحـض التقليد الأعمى «والقرآن الكريم دأب على حث الناس أن يؤمنوا بطريق التدبر والنظر والتفكر والعقل، وهذا لا يتأتى من طريق التهديد والوعيد والرهبة والخوف»([1]) وأمر القرآن جلي في التفكير والتدبر قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾[البقرة: 164] قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾[يس: 33]. ﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ﴾[يس: 37]. ﴿يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ[هود: 51]. وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٧﴾ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾[آل عمران: 7 ـ 8]. ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾[يوسف: 111]. ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾[البقرة: 219]. ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾[الأنعام: 50]. ﴿أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّـهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾[الأعراف: 185]. ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّـهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ اللَّـهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [القصص: 72]. وأمثال هذا كثير جداً ولم يأت عرضاً. وإن «بهذه الآيات وما جرى مجراهـا تقررت ولا جـرم فريضة التفكير في الإسلام، وتبين منها أن العقل الذي يخاطبه الإسلام: هو العقل الذي يعصم الضمير ويدرك الحقائق ويميز بين الأمور ويوازن بين الأضـداد ويتصبر ويتدبـر ويحسن الأذكار والرواية. وأنه هو: العقل الذي يقابلـه الجحود والعنف والضلال»([2]). نجـد القرآن إضافة إلى ذلك يعيب التقليد وينعى على أصحابه فقدان عقولهم والمهمة التي خلقهم الله من أجلها قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾[البقرة: 170] وقال سبحانه: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾[المائدة: 104]. و﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ﴿٦٩﴾ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ ﴿٧٠﴾ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ﴿٧١﴾ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ﴿٧٢﴾ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ﴿٧٣﴾ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ﴾[الشعراء: 69 ـ 74]. وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تعيب التقليد.

 «وقد نص علماء التوحيد على أن الإيمان لا يقبل من إنسان عن طريق محض التقليد وإنما لا بـد لـه من دليـل على الإيمان ولو كان الدليل إجمالياً، وأنه لا قيمة لإسلام ظاهري غير صادر عن اقتناع»([3]).

 جاء في جوهـرة التوحيـد لبرهان الدين بن هـارون اللقائي المتوفى سنة (1041ﻫ) قوله([4]):

إذ كل من قلد في التوحيد

إيمانه لم يخل من ترديد

ونذكر حادثة سجلهـا القرآن الكريم قـدم فيهـا الأعراب من بني أسد إلى المدينـة المنـورة في سنـة مجدبـة فأظهروا الشهـادة يريدون الصدقـة ويمنون على النبي صلى الله عليه وسلم إسلامهم فقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾[الحجرات: 4]. ولو رجعنا إلى التشريع الإسلامي والعقيدة لوجدناهما من السهولـة بمكان؛ ما يجعل الإنسان يقتنع دون أن يضيع في متاهات الطلاسم وتمتمات الكهان، فلا عنـاءً فكرياً كبيراً ولا ألغازاً ولا إرهاصات فكرية مزعجة. ومن حيث الشمول: فهو يضع حلولاً لجميع المسائل وتنظيماً لكل شاردة وواردة بحيث يناسب الجميع ويعطـي الكـل عطاءً غدقاً لا نضوب فيه ولا شح، لذلك أقبل الناس على الإسلام عالمهم وجاهلهم وأخذ نوره بالأبصار لا ينكر ذلك إلا جاحد.

 بما أن الإسلام يعتمد العقل والفكر ليكونا تكأة الإنسان في إيمانه «لم تعتمد الشريعة الإسلامية في جملتها على خوارق العادات المحسوسة والمعجزات والغيبيات التي تستدعي الإيمان دون إحصاء أو مشاهدة»([5]). ولما طلب المشركون معجزات تؤيـد النبي صلى الله عليه وسلم نزل قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۖ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّـهِ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾[يونس: 20] وطلبوا غير هذا على سبيـل التحدي فلم يجبهم القرآن بل حصر مهمة النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة في حدود طاقتـه البشرية فقال تعالى: ﴿وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا ﴿٩٠﴾ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا ﴿٩١﴾ أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّـهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا ﴿٩٢﴾ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا﴾[الإسراء: 90 ـ 93].

 والإيمان بهذا الأسلوب لن يجدي خيراً، لأن النفوس التي تكبرت لا تلين له. فالإسلام يريد إنشاء دعاة وعباد صالحين قانتين قال تعالى: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ﴾[الحجر: 14] تختلط عند ذلك المعجزة بالسحر ولا يستطيعون التمييز بينهما، وإذا خدع الإنسان في حالة يخدع في أخرى، والإسلامينهى أتباعه أن يتخلقوا بأخلاق الإمعة والتبعية وعدم الفهم الصحيح والإدراك الواعي. ولما عرض الإسلام بهذه البساطة والدقة والشمول كان حقيقة نداء الفطرة السليمة؛ وقرباً من الحق وبعداً عن الإيمان السقيم، لذلك هو الدين الذي لا يعرف الردة يقول لوثروب استودارد: «وعلى اختلاف أجناس المسلمين واتساع آفاق بلادهـم لم يسمـع قـط أن شعبـاً قليـلاً أو كثيراً انتحـل الإسـلام دينـا ثـم ارتـد عنه»([6]).

*  *  *

 



(([1]   حكمة التشريع وفلسفته للشيخ علي أحمد الجرماوي ج 2 ص 343.

(([2]   التفكير فريضة إسلامية. عباس محمود العقاد ص 18 ط 1.

(([3]   آثار الحرب في الفقه الإسلامي د. وهبة الزحيلي ص 72.

(([4]   راجع تفسير النسفي ج 4 ص 173.

(([5]   آثار الحرب في الفقه الإسلامي: ص 73.

(([6]   لم هذا الرعب كله من الإسلام ـ جودت سعيد طبع مسجد جامعة دمشق.

الموضوعات