جاري التحميل

طرق بدء الجهاد في الشريعة

الموضوعات

طرق بدء الجهاد في الشريعة

كتب الدكتور تيسير خميس العمر حول هذا الموضوع في كتابه ( العنف والحرب والجهاد) الصادر عن دار المقتبس بيروت  سنة (1439هـ - 2018م)

فقال :

 تبدأ الحـرب في الإسلام بإحدى طرق ثلاث معروفةٍ وهي مباشرة القتال دون إنذار والإعلان والنبذ وإبلاغ الدعوة الإسلامية.

 1 ـ مباشرة القتال دون إنذار: إذا كانت حالـة الحرب قائمـة مع العدو أو باشر العدو الحرب، أو كان هناك عهد نقضه العدو، فيجوز حينئذ مباشرة الحربضدهم والإغارة عليهم، إذا كانوا ببلادهم دون حاجة إلى إنذار أو إعلان للحرب، لأن العدو هو الذي كان السبب في نشوب القتال([1]). وأمثلة ذلك من السيرة النبوية، كثيرة منها محاصرة النبي صلى الله عليه وسلم لبني قريظة لما نقضوا العهد، وقال حين انصرف من وقعة الأحزاب «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة»([2]) ولم ينذر الرسول صلى الله عليه وسلم قريشاً يوم فتح مكة لبدئهم بالغدر والخيانـة، ولذلـك سأل الله أن يعمي عليهم، كي يبغتهم، وأغار المسلمون على أهل خيبر وبني المصطلق دون سابق إنذار، لوجود حالة الحرب معهم([3]).

 2 ـ إعلان الحـرب والنبـذ: إذا كان العدو مقيماً في بلاد المسلمين ثم نقض العهد دون جريمةٍ توجب العقوبة، ينبـذ إليـه عهده ويُبلغ المأمن تحرزاً من الغدر والخيانة لأن قاعدة المسلمين «وفاء بعهد من غير غدر خير من غدر بغدر»([4]).

 3 ـ إبلاغ الدعوة الإسلامية أو الإنذار بالحرب: إذا لم تبلغ الدعوة الإسلامية إلى الأعداء يرسل إليهم إنذار يخيرهم بين أمور ثلاثة: الإسلام، أو العهد، أو القتال، كما هو معروف في الفتوحات الإسلامية.

 وهذا ما يسمى في القانون الدولي بالإنذار النهائي، لذا لا يجوز محاربة الأعداء حتى يكونـوا قـد بلغتهم الدعـوة وذلـك شيء مجمع عليه من المسلمين([5]) لقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا﴾[الإسراء: 15].

 إلا أنهـم اختلفوا في تكرار الإنذار وعدمه. فذهب المالكية والأحناف إلى وجوبه قال الدسوقي: «ودعوا وجوباً للإسلام ثلاثة أيام بلغتهم الدعوة أم لا ما لم يعاجلوه بالقتال قوتلوا»([6])، وقال أبو يوسف «لم يقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً قط فيما بلغنـا حتى يدعوهـم إلى الله ورسولـه وقال: لما غزا سلمان المشركين من أهل فارس قال كفوا حتى أدعوهم كما كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم فقال: «إنا ندعوكم إلى الإسلام، فإن أسلمتم فلكـم مثـل ما لنـا وعليكم مثل ما علينا وإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإن أبيتم قاتلناكم» قالوا: «أما الإسلام فلا نسلـم وأما الجزية فلا نعطيها، وأما القتال فإنا نقاتلكم، فدعاهم كذلك ثلاثاً فأبوا عليه فقال للناس انهدوا إليهم» كانهضوا وزناً ومعنى([7]).

 وهناك رأي للجمهور يقـول إنـه «تجب الدعـوة لمن لم يبلغهم، فإن انتشر الإسلام وظهر كل الظهور وعرف الناس لماذا يدعون وعلى ماذا يقاتلون ؟ فالدعوة مستحبة تأكيداً للإعلام والإنذار وليست بواجبه وهو رأي جمهور العلماء والشيعة والإماميـة والإباضيـة»([8])، وقال الشوكانـي «وهو قـول جمهور أهل العلم: وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على معنـاه وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف من الأحاديث»([9]).

 وذهب بعض العلـماء إلى أبعد من ذلك في جواز بدء الحرب فاشترطوا ألا تبدأ المقاتلة حتى يقتل الكفار واحداً من المسلمين، لما أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وصحبه حينما أرسلهم لفتح اليمن فقال: «لا تقاتلوهم حتى تدعوهم، فإن أبوا فلا تقاتلوهم حتى يبدؤوكم، فإن بدؤوكم فلا تقاتلوهم حتى يقتلوا منكم قتيلاً، ثم أروهم ذلك وقولوا لهم: هل إلى خير من هذا السبيل فلأن يهدي الله على يديك رجلاً واحداً خير مما طلعت عليه الشمس وغربت»([10]).

*  *  *

 



(([1]   آثار الحرب وما يرجع إليه من مصادر ص 149.

(([2]   راجع سنن البيهقي ج 9 ص 107.

(([3]   سيرة ابن هشام ج 2 ص 234 ط دار الكنوز الأدبية.

(([4]   مغني المحتاج: ج 4 ص 362.

(([5]   بداية المجتهد: ج 1 ص 282.

(([6]   حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج 6 ص 176 ط دار الفكر.

(([7]   الخراج لأبي يوسف ص 191.

(([8]   آثار الحرب في الفقه الإسلامي ص 153.

(([9]   نيل الأوطار الشوكاني ج 7 ص 231.

(([10]   المبسوط: السرخسي ج 10 ص 31.

الموضوعات