علاقة المسلمين بغيرهم الحرب
علاقة المسلمين بغيرهم الحرب
كتب الدكتور تيسير خميس العمر حول هذا الموضوع في كتابه ( العنف والحرب والجهاد) الصادر عن دار المقتبس – بيروت – سنة (1439هـ - 2018م)
أولاً ـ القرآن الكريم:
إن الآيات التي تأمر المسلمين بالجهاد، تفيد أن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هي الحرب. ومنها آية السيف التي قال عنها الفقهاء: قد نسخت ما قبلها من آيات الجهاد، التي تأمر بالدخـول في السلم، والوقوف عند رد الاعتداء، فقد نسخت مائة وأربعاً وعشرين آيـة من الآيات التي تأمر بالإعراض عن المشركين والصفح عنهم([1]). وهي قوله تعالى: ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾[التوبة: 5]. وآيات الجهاد تكررت في أكثر من موضع من القرآن الكريم، تأمـر بقتـال الكافرين دفعاً لفتنتهم، وإزالة لطغيانهم، قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّـهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾[البقرة: 193] والفتنة: هي الكفر والشرك كما قال المفسرون([2]). قال الجصاص في تفسير هـذه الآية: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّـهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾[البقرة: 193] يوجب فرض قتال الكفار حتى يتركوا الكفر قاله ابن عباس([3])، وقتادة([4])، ومجاهد([5]).
والربيع بن أنس: أن الفتنة هنا الشرك... وأما الدين فهو الانقياد لله بالطاعة.
والدين الشرعـي: هو الانقيـاد لله عـز وجـل والإسلام([6]). ودين الله هو الإسـلام لقولـه تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّـهِ فَإِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾[آل عمران: 19] والانقياد لقانون غير القانون الإسلامي يعتبر فتنة، وتحدياً لله سبحانه، وواجب المسلمين أن يقاتلوا الذين يحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحـل الله، حتى يخضعـوا لشرع الله وهذا ما يؤيده القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾[التوبة: 29] والصغار معناه: أن تؤخذ منهم الجزية وتجري عليهم أحكام الإسلام، ولا يتضارب هذا الرأي مع الإكراه في الدين. فلا يعني قيام كيان إسلامي إكراه الناس على الدين، والفقهاء يجمعون على أن نتركهم وما يدينون.
ثانياً ـ السنة الشريفة:
ورد في السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم كـان يبعث البعوث من أصحابه ويوصي القواد بأمور ثلاثة، وهي أولاً: أن يدعـوا الناس إلى الإسلام فإن أجابوا كان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وحقنوا بذلك دماءهم وعصموا أموالهم، وإن رفضوا الإسلام، تطلب منهم الجزية مقابل أن يحفظ لهم المسلمون ضروريات حياتهم والدفاع عنهم، ويكون القانون الحاكم هو قانون الإسلام، فإن أبوا الأمرين فلن يبقى بـد عندهـا من القتال، وهـو الأمر الثالث والأخير. ويدل هذا على أن الإسلام لا يقبل غير شرع الله قانوناً في الأرض ما دام يملك القوة وإلا ما الفائدة من هذا التخيير؟.
ثالثاً ـ أعمال الخلفاء الراشدين:
لقد انطلقت الفتوحات الإسلامية في العهد الأول من التاريخ الإسلامي، واستطاعوا خلالها أن يدكـوا حصـون العدو، ويقلبوا تيجان الكفر في كل اتجاه، يحملون الرسالة التي يعتقدون، لينقـذوا الإنسانية، فلم نجد أحداً من الصحابة يعترض على هـذا الفعـل الذي قامـوا بـه «فيكون هذا النهج مجمعاً عليه من قبل الجميع وهو أعظم إجماع قام على مسألة شرعية»([7]). وهذا يدل على أن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم الحرب.
رابعاً ـ تقسيم الدنيا إلى دارين دار إسلام ودار حرب:
لقد دارت حروب طويلة بين المسلمين وغيرهم عبر التاريخ، دامت أحقاباً طويلة من الزمن، عرف المسلمون من خلالها الدنيا، فكانت تقسم إلى دارين «دار حـرب ودار إسلام» فالكيانـات غير الإسلاميـة كيانـات باطلـة ويجـب إزالتها، والاعتراف بها اعتراف يفرضه الواقع، ولا تمليه الحقيقة الشرعية. يقول الدكتور عبد الكريم زيـدان: «يقوم اعتـراف الدولة الإسلامية بغيرها من الدول اعترافاً واقعياً على أساس وجودها المادي المحسوس، لأن ما هو موجود محسوس لا يمكن إنكاره»([8]).
فالدول «التي تقـوم على غير الإسلام، وترفـض أحكامـه تعتبرها الدولة الإسلامية كيانات باطلـة، ولا تستحق البقاء، لأن الباطل منكر وفساد، والمنكر يجب أن يزول وزوالـه يكون ببنائهـا من جديـد على أساس الإسلام، بأن يكون حكامهـا مسلمين ويكون قانونها هو القانون الإسلامي أي الشريعة الإسلامية»([9]). يُعرف هذا من نـص الفقهاء على اعتبار الدنيا دارين: «دار حرب ودار إسلام» فمن أقوالهم المؤسسة على هذا الأصل الذي أصلوه قولهم: يقاتل أهل الكتاب والمجوس أي الدول غير الإسلامية حتى يسلموا أو يعطوا الجزية([10]).
* * *
(([3] هو عبد الله بن عم الرسول صلى الله عليه وسلم حبر الأمة وترجمان القرآن صحابي جليل. كان عمر بن الخطاب إذا أعضلت عليه مسألة دعا ابن عباس توفي سنة (68ﻫ).