معاملة الأسرى
معاملة الأسرى
كتب الدكتور تيسير خميس العمر حول هذا الموضوع في كتابه ( العنف والحرب والجهاد) الصادر عن دار المقتبس –بيروت – سنة (1439هـ - 2018م)
فقال :
كانت الأقوام السابقـة تعامـل الأسير معاملة سيئة، وفي كثير من الأحيان كانت تقام مجازر جماعيـة للأسرى، وأفضـل ما تصل إلـيه الرحمـة عندهـم، أن يستعبدوهم، فيصبحون أرقـاء للبيع والشراء، ولما جاء الإسلام غرس في نفوس أبنائـه الرحمة والخير، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الأسير فقال: «استوصوا بالأسارى خيراً»([1]). وقال أبو عزيز بن عمير([2]). فيما رواه أحمد: مر بي أخي مصعب ابن عمير([3]). ورجل من الأنصار يأسرني فقال له: شد يديك فإن أمه ذات متاع. قال: وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم، خصوني بالخبز، وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم، ما يقع في يد رجل منهم كسـرة من الخبز، إلا نفحني بها قال: فأستحي فأردها على أحدهم فيردها علي ما يمسهـا([4]). وبموجـب هـذا: نص الفقهاء على أنه لا يجوز تعذيب الأسير بالجـوع والعطـش وغير ذلـك من أنـواع التعذيب من غير فائدة، كما أنه لا يجوز تعذيبهم بالنار أو اتخاذهم غرضاً([5])... هذا هو التشريع الذي كان منهج المسلمين لمعاملـة الأسير في حياتهم الحربيـة يتبعونـه، فـلا يجمع على الأسير حر النهار وحر السـلاح، وما جـاء في التشريـع الدولي ما هو إلا قبس من ضياء ذاك التشريع.
فقد نص القانون الدولي حسب ما جاء في اتفاقية جنيف (12 آب 1949) الاتفاقية الثانية م 13 (ويجب أن يعامل الأسير معاملة إنسانية ويحظر أي عمل أو إهمال غير مشروع يصـدر عن الدولـة الحاجزة (الآسرة) ويتسبب في موت أسير بحراستها، ولا يجوز بتر عضو من أعضاء الأسير. ولا أن يكون موضعاً لتجارب طبية أو علمية، ويجب حمايته ضد أعمال العنف أو الإهانة وضد السباب والتحقير أمام الجماهير، ولا يجـوز الانتقـام من الأسرى أخذاً بالثأر، وللأسير حق احترام شخصه وشرفه، وإذا كانت الأسيرة امرأة، وجبت معاملتها بكل الاعتبار الواجب لجنسها، ويحتفـظ الأسير بكامـل أهليتـه المدنيـة، وله ممارسة جميع الحقوق التي تكفلها هذه الأهلية، إلا بمقدار ما تتطلبه دواعي الأسر (المادة 14) وتلتزم الدولة الآسرة بكفالة الرعاية الطبية دون مقابل (المادة 15) وبمعاملة جميع الأسرى على قدم المساواة دون تفريق بسبب الديـن أو الجنـس أو المعتقـد السياسي أو الجنسية «المادة16»([6]).
وهكـذا سبقـت سماحـة الإسلام كـل قانـون فقـد «أمر الإسلام بالرفق بالأسرى في زمـن لم يكـن فيه للرفق بالأسرى وجود على الأقل»([7]). وقد فاخر المسلمون بالحفاظ على الأسرى فقال شاعرهم:
ملكنا فكان العفو منا سجية | فلما ملكتم سال بالدم أبطح |
أحللتم قتل الأسارى وطالما | غدونا على الأسرى نمن ونصفح |
فالأسير في ذمة المسلمين عليهم أن يقوموا بإيوائه وإطعامه، وقد مجد الإسلام من يفعـل ذلك بقولـه تعالى:﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴿٨﴾ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾[الإنسان: 8 ـ 9] روى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر والأسارى محبوسون بالوثاق، بات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساهراً أول الليل. فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما لك لا تنام ـ وقد أسـر العباس رجل من الأنصار ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سمعت أنين عمي العباس في وثاقه، فأطلقوه، فسكت، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم([8]). يستدل بهذا الحديث أن الإسلام يقرر لزوم العناية بمعتقلات الأسرى، وتأمين راحتهم وعدم إجهادهم، بحسب مـا يتطلـب القانـون الدولي وزيـادة، لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم «استوصوابالأسارى خيراً» أمر واجب للعموم، والعموم يتناول جميع الأمكنة والأزمنة، فكل ما يؤلم أو يضايـق الأسـير في حدود ما تتطلبـه قوانين الأسـر يجب أن يرفـع عنه ولا يعنت بشيء كما جاء في قصة العباس.
* * *
(([2] هو أبـو عزيز بن عمير العبدري اسمه زرارة، له صحبة، وسماع من النبي صلى الله عليه وسلم اتفق أهل المغازي على أنه أسر يوم بدر.
(([3] مصعب بن عمير القرشي أخو ابي عزيز، صحابي، شجاع، كان مبعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة لدعوة الناس وتعليمهم وهو من السابقين إلى الإسلام حمل لواء النبي يوم أحد فاستشهد سنة 3ﻫ.