جاري التحميل

هل الحرب عمل عقلاني

الموضوعات

هل الحرب عمل عقلاني

كتب الدكتور تيسير خميس العمر حول هذا الموضوع في كتابه ( العنف والحرب والجهاد) الصادر عن دار المقتبس بيروت  سنة (1439هـ - 2018م)

فقال :

 يقول توينبي: «وإذا رأيناهم يفضحون أنفسهم، ويظهرون النصل المخفي. فإننـا سنتبين دائـما أن هذا العمـل قـد نجـم عن الطيش، ولم تفرضـه الضرورة مطلقا»([1]) فلا بد لقانون السيف أن يخلي مكانه، ليحل محله السلـم والوئام وهذا ما تأمله البشرية «إن التخلي عن الحـرب بوصفها أداة سياسة لهو قرار يبشر بأن يكون خصباً، بقدر ما فيه من نبل وكرامة وحكمة، وكلما اتخذ هذا القرار بإخلاصأيقظ آمالاً عريضة واسعة»([2]).

 تشعبت الآراء في شأن الحرب أهي ضرورية أم لا؟ فـ «الفلاسفة انقسموا في شأن الحرب إلى قسمين: قسم جعلها ضرورية لا بد منها بين البشر، وقسم اعتبرها ضرباً من الجنون البشري الذي يجعل الإنسان أدنى رتبة من البهائم وقد اعتبرها المسيحيون من القضايا الشرعية العادلة التي يسلم بها الناس والدين»([3]). يتحدد موقـف الإسلام في هذه القضية من خلال الكتاب والسنة. جاء في تفسير المنار بقوله تعالى: ﴿حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّـهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾[محمد: 4] «أي: أثقالها، قيل: آثامها فهـو غاية لما قبلـه. قالـوا: أي إلى أن تنقضـي الحـرب ولم يبق إلا مسلم أو مسالم. أي: بأن لا يعتدى على المسلمين ذلك الاعتداء الذي يكون فيه القتال فرض عين عليهم. وقيل: حتى تزول الحرب من الأرض ويعم السلم وهي الغاية العليا التي يتمناها فضلاء البشر من جميع الأمم الراقية»([4]).

 فالحرب سنـة اجتماعيـة، اقتضتهـا الضرورة لدفـع العدوان والحفاظ على الكرامات، فإذا زالت الأسباب الداعية لذلـك زالت الحرب، فهي «مجرد ظاهرة اجتماعية وليست أمرًا طبيعياً في البشرية، فلو كان القتال أمراً طبيعياً في النفوس لما قال القرآن ﴿ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾[البقرة: 216]...»([5]).

 هذا ما أثبته القرآن الكريم، وأما ما جاءت به السنة المطهرة فهو توضيح لما جاء في القرآن الكريم. لقد أمضى الرسول صلى الله عليه وسلم عمره يدعو إلى الله بالحكمة والموعظـة الحسـنة برفـق وأناة. يقـول: «إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف»([6]) . وهو صلى الله عليه وسلم لم يشهر سيفاً ليفرض ديناً أو مبدأ، ولم يكره أحداً على الدين، وإن غزواتـه التي جرت وسرايـاه التي بعثت، كانت لرد العدوان، ودفع الظلم، وإزالة العوائق، التي تقف دون بزوغ نور الحق، وإن الانتصار بعد الحديبية، ذلك الصلح الذي سماه فتحاً مبيناً، كان سبباً في دخول أعداد كبيرة جداً في الإسلام، ما كان من الممكن أن يكون ذلك، لولا تلك الموادعة أو السلم. فلو كانت الحرب لازمة لوجود الإنسان لفرضت في الإسلام لمجرد وجود الإنسان. «ويجمع العلماء على أن الحرب لم يكن الباعث عليها الكفر بل هو الحرابة والمقاتلة والاعتداء»([7]).

 إن الظلـم والفساد الذي يستشري بين النـاس ينشر الرذيلة، وتهضم فيه حقوق الناس، ويتسلط فيه القوي على الضعيف، فتملأ القلوب حقداً أسود، لتذلل أمر الحرب ولتسهلن صعابها، فتحصد بنارها الأخضر واليابس. إن كون الحرب أمراً طبيعياً في البشر، يحملنا مؤونة اعتبار جهد الرسالات السماوية في غرس بذور الخير والفضيلة، واقتلاع جذور الشـر من النفوس ضرباً من العبث تعالى اللهعن ذلك علواً كبيراً. وقد تقدم بحث علماء الحياة والاجتماع والنفس والتربية، الذين تتقارب آراؤهم في أن العدوان له أسبابـه ومحرضاته، فالسلوك الغريزي يتحدد بحسب الموقف الخارجي والبيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها الإنسان.

 تعيش بعض الـدول بلا حـرب، كمجموعة الدول المحايدة الآن عاشت غيرها كثير من الأمم عبر التاريخ، فهل جاءت الحرب تلبية لمطلب القتال والعدوان عند الإنسان؟ فلم تنطلق تلك الدول لتحارب. والفقهاء المسلمون يعتبرون الحرب قبيحة بما فيها من قتل للنفوس، وتخريب وتدمير، أما الجهاد فهو حسن لغيره لأنه دفع للعدوان ونشر للفضيلة.

 

*  *  *

 

 

 



(([1]   الحرب والحضارة ـ توينبي ص 177 ترجمة الدكتور فؤاد ديب دار دمشق للطباعة والنشر.

(([2]   الحرب والحضارة ـ توينبي ص 166.

(([3]   آثار الحرب ص 58 ـ دائرة المعارف للبستاني رحمه الله / 780 دار معارف القرن العشرين فريد وجدي 30 / 390.

(([4]   تفسير المنار ـ رشيد رضاج 10 ص 58 ط دار المعرفة بيروت.

(([5]   آثار الحرب في الفقه الإسلامي ص 59.

(([6]   أخرجه مسلم رقم 2593.

(([7]   آثار الحرب في الفقه الإسلامي ص 106.

الموضوعات