جاري التحميل

التعريف بابن ماجه وسننه

التعريف بابن ماجه وسننه

كتب عن هذا الموضوع الكاتب الصيني ماشياومينغ في كتاب ( إنما وأسرارها البلاغية في سنن ابن ماجه ) الصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة ( 1439هـ - 2018م)

فقال:

1 ـ ابن ماجه([1]): 

هو أبو عبد الله محمد بن يزيد، ابن ماجه الرَبَعِيّ بالولاء القزويني الحافظ الكبير، الحجة، المفسر المشهـور (209 ـ 273ﻫ = 824 ـ 887م)، مصنف كتاب (السنن) في الحديث، كان إماما في الحديث عارفا بعلومه وجميع ما يتعلق به، وهو ثقة كبير، متفق عليه، محتج به، له معرفة بالحديث وحفظ.

وهـو من أهل قزوين، ارتحل إلى العراق والبصرة والكوفة وبغـداد ومكة والشام ومصر والـري ليكتب الحديث، ولـه (تفسير القـرآن الكريم) و(تاريخ مليح)، وكتابه في الحديث أحد الصحاح الستة المعتمدة.

وهو معروف بابن ماجه، و(ماجَهْ): بفتح الميم والجيم المخففة وبينهما ألف وفي الآخر هاء ساكنة، اسم فارسي، وهو لَقَبُ والده يَزِيد؛ قيل: لقب جده؛ وقيل: هو اسم لأمه. والأول أثبت، والله أعلم.

ونسبته إلى قبيلـة تدعى ربيعـة، وإلى قزوين، وهي من أشهر مدن عراق العجـم، خـرج منها جماعة من العلماء المعتبرين، فيقال ابن ماجه الرَبَعِيّ ـ بفتح الراء والباء الموحدة وبعدها عين مهملة ـ القَزْوِينِيّ ـ بفتح القاف وسكون الزاي وكسر الواو وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون ـ .

وكانت ولادتـه سنـة تسع ومائتين بعد الهجرة النبوية، وتوفي يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء، لثمان بقين من شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين بعد الهجـرة، رحمـه الله ـ تعالى ـ، وقيل: سنة خمس وسبعين ومائتين، والأول أصـح. وعاش أربعا وستين سنة، وصلى عليه أخوه أبو بكر، وتولى دفنه أخواه أبو بكـر وأبو عبد الله وابنه عبد الله.

رثاه محمد بن الأسود القزويني بأبيات أولها:

لقد أَوْهَى دعائمَ عَرْشِ عِلْمٍ

وضَعْضَعَ رُكْنَه فَقْدُ ابنِ ماجه

ورثاه يحيى بن زكرياء الطرائفي بقوله:

أَيَا قَبْرَ ابنِ ماجه غِثْتَ قَطْرًا

مَساءًا بالغَداةِ والعَشِـيِّ([2])

من روى عنه ابن ماجه: علي بن محمد الطَنافِسي الحافظ، أكثرَ عنه، وجُبارة ابن المغَلِّس، وهـو من قدماء شيوخه، ومُصْعَب بن عبد الله الزُبَيري، وسُوَيد بن سَعيد، وعبد الله معاوية الجُمَحِي، ومحمـد بن رُمْح، وإبراهيم بن المنذر الحِزامِي، ومحمـد بن عبـد الله بن نُمَيْر، وأبي بكر ابن أبي شَيْبَة، وهشام بن عَمَّار، ويزيد بن عبد الله اليمامـي، وأبي مُصْعَب الزُهْرِي، وبِشْر بن مُعـاذ العَقَدِي، وحُمَيْـد بن مَسْعَدَة، وأبي حُذافَة السَهْمِي، وداود بن رُشَيْد، وأبي خَيْثَمة، وعبد الله بن ذَكْوان المُقْرِئ، وعبـد الله بن عامِر بن بَرَّاد، وأبي سَعيد الأشج، وعبد الرحمن بن إبراهيم دُحَيْـم، وعبد السلام بن عاصم الهِسِنْجاني، وعثـمان بن أبي شَيبـة، وخَلقٍ كثير مذكورين في (سننه) وتآليفه.

من روى عن ابن ماجه: من أشهرهم: أبو الحَسَن علي بن إبراهيم القَطّان، وسليمان بن يزيـد الفامِـي، محمـد بن عيسى الأَبْهَري، وأبو بكر حامد الأبهري. وكذلـك روى عنه: وأبو الطيّب أحمد ابن رَوح البغدادي، وأبـو عمرو أحمـد بن محمـد بن حكيـم المدِيني، والحافظ أبو طالب أحمد بن نَصْر، وعلي بن سعيد بن عبدالله العسكري، وإبراهيم بن دينار الجُرَشي الهَمداني، وأحمد بن إبراهيم القزويني جد الحافظ أبي يعلى الخليلي، وإسحاق بن محمـد القزويني، وجعفـر بن إدريس، والحسين بن علي بن يزدانيار، وسَعدون، وآخرون.

2 ـ سنن ابن ماجه:

المشهور أن سنن ابن ماجه إحدى دواوين الإسلام الستة: صحيح البخاري المتوفى سنة 256ﻫ، ثم صحيح مسلم المتوفى سنة 261ﻫ، ثم سنن أبي داود المتوفىسنة 275ﻫ، ثم سنن الترمذي المتوفى سنة 279ﻫ، ثم سنن النسائي المتوفى سنة 303ﻫ، ثم سنن ابن ماجه هذه.

ولكل واحد من هذه الكتب الستة مزية يعرف أهل هذا الشأن، فاشتهرت هذه الكتب بين الأنام، وانتشرت في بلاد الإسلام، وعظم الانتفاع بها. وكان من أصح هذه الستة وأتقنها الصحيحان، أما السنن الأربعة ففيها الصحيح والحسن والضعيف...

قـال الذهبي ـ رحمه الله تعالى ـ: «سنن أبي عبد الله كتاب حسن لولا ما كدره أحاديث واهية ليست بالكثيرة... وعدد كتب سننه اثنان وثلاثون كتابا. قال أبو الحسن القطان صاحب ابن ماجـه: في السنن ألف وخمسمائة باب، وجملة مـا فيهـا أربعـة آلاف حديث»([3]). وقـال: «عن ابن ماجـه، قال: عرضت هذه (السنن) على أبي زُرْعَـة الرازي، فنظر فيه، وقـال: أظـن إنْ وقع هذا في أيدي الناس تَعَطَّلَتْ هذه الجوامع، أو أكثرها. ثم قـال: لعـل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثـا، ممـا في إسناده ضعف، أو نحو ذا»([4]). ثم قال: «قد كان ابن ماجه حافظا ناقـدا صادقا، واسع العلم، وإنما غض من رتبة (سننه) ما في الكتاب من المناكير، وقليـل من الموضوعات، وقـول أبي زرعة ـ إن صحّ ـ فإنما عنى بثلاثين حديثاً، الأحاديث المطرحة الساقطة، وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة، فكثيرة، لعلها نحو الألف»([5]). 

ونقل ابن حجر العسقلاني عن ابن طاهر ـ رحمهما الله تعالى ـ: «أن أبا زرعة وقف عليه فقال: ليس فيه إلا نحو سبعة أحاديث»([6]). وقال ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله تعالى ـ: «كتابه في (السنن) جامع جيد كثير الأبواب والغرائب، وفيه أحاديث ضعيفـة جدا حتى بلغني أن السريّ كان يقول: مهما انفرد بخبر فيه فهو ضعيف غالبـا، وليس الأمـر في ذلـك على إطلاقـه باستقرائي، وفي الجملـة ففيه أحاديث كثيرة منكَـرة، والله ـ تعالى ـ المستعان. ثم وجدت بخط الحافظ شمس الدين محمـد بن علي الحسيني ما لفظـه: سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المِزِّي يقول: كل ما انفرد به ابن ماجه فهو ضعيف، يعني بذلك ما انفرد به من الحديث عـن الأئمـة الخمسة. انتهى. ما وجدتـه بخطـه، وهو القائل، يعني وكلامه هو ظاهر كلام شيخه، لكن حمله على الرجال أولى، وأما حمله على أحاديث فلا يصح كما قدمت ذكره» ([7]).

وقال ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ عن هـذه السنن: «وهي دالـة على عمله وعلمـه وتبحّره واطّلاعه واتّباعه للسنـة النبويـة في الأصول والفروع، ويشتمل على اثنين وثلاثين كتابا، وألف وخمسمائة باب، ويحتوي على أربعة آلاف حديث، كلها جِياد سوى اليسيرة» ([8]). 

وقال السندي ـ رحمه الله تعالى ـ: «وبالجملة فهو دون الكتب الخمسة في المرتبة، فلذلك أخرجه كثير من عده في جملة الصحاح الستة، لكن غالب المتأخرين على أنه سادس الستة» ([9]). 

وقال ـ رحمـه الله تعالى ـ: «وقد اشتمل هذا الكتاب من بين الكتب الست على شؤون كثيرة انفرد بها عن غيره، والمشهور أن مـا انفـرد بـه يكون ضعيفا، وليس بكلي، لكن الغالب كذلـك، ولقد ألف الحافظ الحجة العلامة أحمد بن أبي بكر البوصيري ـ رحمه الله تعالى ـ في زوائده تأليفا نبه على غالبها» ([10]). 

رتب الإمام ابن ماجـه ـ رحمه الله تعالى ـسننه أحسن ترتيب، وجعلها على أبواب الفقه، واعتنى فيهـا بالتنبيـه على الفوائـد الفقهيـة، وقد صـدره بمقدمة واسعة جمع فيهـا جملـة من الأحاديث في الحث على الاعتصام بالسنة وتعظيمها، والتغليظ على أهل البدع، كما جمع فيها طائفـة من الأحاديث في فضائل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ، ثم عقد أبوابا في فضل العلم والعلماء. وهذا التبويب هو أبرز سمة يتميز بها هذا الكتاب، ووقع ذلك عند أهل العلم موقعا حسنا، فأثنوا على ذلك، فقال عنه ابن كـثير ـ رحمه الله تعالى ـ: «وهو كتاب مفيد قوي التبويب في الفقه»([11]). 

وعـدد كتب السنن 37 كتابا، أولها كتاب الطهارة وسننها، وآخرها كتاب الزهد، وعدد أبوابها (1515) بابا، وأما الأحاديث فعددها (4341) حديثا.

ومهما يكن من أمر، فإن لسنن ابن ماجـه شهرتها ومكانتها بين المسلمين، فقد انتفعوا بها كثيرا، وقد حظيت بعناية العلماء على مر العصور، فتناولها بعضهم بالشـرح، وخدمها آخرون بجوانب أخرى، ما بين جمـع رجالها وترتيبهم، وتمييز أحاديثهـا المقبولـة عن غيرها، وفصل زوائدها عن بقية كتب الأصول، فظهرت مجموعة من الشروح والتعليقات، منها([12]): 

 ـ شرح الحافظ علاء الدين مغلطـاي بن قليج المتوفى سنة 762ﻫ قطعة منها في خمسة مجلدات.

 ـ وشـرح الشيخ سراج الدين عمر بن علي بن الملقن الشافعي المتوفى سنة 804ﻫ زوائـده على الخمسة (الصحيحين وسنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن النسائي) في ثمانية مجلدات، وأسماه: (ما تمس إليه الحاجة على سنن ابن ماجه).

 ـ وشرحها الشيخ كـمال الدين محمد بن موسى الدميري الشافعي المتوفى سنة 808ﻫ، في نحو: خمسة مجلدات، أسماه: (الديباجة)، مات قبل تحريره وتبييضه.

 ـ علّق الإمـام البوصيري المتوفى سنة 840ﻫ على زوائد ابن ماجه، وأسماه مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه.

 ـ وشرحها الحافظ برهان الدين إبراهيم بن محمد الحلبي سبط ابن العجمي المتوفى سنة 841ﻫ.

 ـ وشرحها جلال الدين عبد الرحمن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911ﻫ تماماً، وأسماه: (مصباح الزجاجة على سنن ابن ماجه).

 ـ وشرحهـا الشيخ أبو الحسن السندي نزيـل المدينـة النبوية المتوفى سنة 1138ﻫ في حاشية مختصرة.

وكذلك من شروحها:

 ـ إنجاح الحاجة شرح سنن ابن ماجه، للشيخ عبد الغني الدهلوي المتوفى سنة 1247ﻫ.

 ـ إهداء الديباجة بشرح سنن ابن ماجـه، تأليـف: صفـاء الضوي أحمد العدوي، مكتبة دار اليقين.

 ـ الكواكب الوهاجـة، تأليف: محمـد المنتقى الكثناوي الكومـاسي، دار العربية للطباعة والنشر والتوزيع.

 

 

p p  p


 

 



([1])   ينظر: وفيـات الأعيان وأنباء أبناء الزمـان لأبي العباس شمس الدين أحمـد بن محمد بن أبي بكـر بن خلكـان (608 ـ 681ﻫ): ج4 ص279، تحقيق: الدكتور إحسان عباس، دار صـادر ـ بيروت؛ تذكـرة الحفـاظ للإمام أبي عبد الله شمس الدين محمـد الذهـبى (748ﻫ ـ 1348م): ج2 ص636، دار الكتب العلميـة بيروت ـ لبنـان؛ سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748ﻫ ـ 1374م): ج13 ص277 ـ 280. تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعلـي أبو زيـد، مؤسسـة الرسالة، الطبعة الأولى 1403ﻫ ـ 1983م؛ القامـوس المحيط للعلامـة مجـد الدين محمـد بن يعقـوب الفيروزابادي الشيرازي (729 ـ 817ﻫ): مادة (موج)؛ تهذيب التهذيب للإمام الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852ﻫ: ج3 ص727 ـ 728. تحقيق: إبراهيـم الزيبق وعـادل مرشد، مؤسسة الرسالة؛ شَذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الإمـام شهاب الديـن عبد الحي بن أحمـد بن محمـد العكري الحنبلي (1032 ـ 1089ﻫ): ج3 ص308. تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط ومحمود الأرناؤوط، دار ابن كثير دمشـق ـ بيروت، الطبعـة الأولى: 1408ﻫ ـ 1988م؛ تاج العـروس من جواهر القاموس لمحمـد مرتضى الحسيني الزَّبيدي (1145 ـ 1205ﻫ): مادة (موج)؛ الأعلام: ج7 ص144.

([2])   هذه الأبيات الأربعة ذكرها ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله تعالى ـ في تهذيب التهذيب: ج3 ص738.

([3])   تذكرة الحفاظ: ج2 ص636.

([4])   تذكرة الحفاظ: ج2 ص636؛ سير أعلام النبلاء: ج13 ص278.

([5])   سير أعلام النبلاء: ج13 ص278 ـ 279.

([6])   تهذيب التهذيب: ج3 ص738.

([7])   تهذيب التهذيب: ج3 ص737.

([8])   البداية والنهاية: ج14 ص608. تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة الأولى: 1419ﻫ ـ 1998م.

([9])   شرح السندي على سنن ابن ماجه: ج1 ص6. دار المعرفة بيروت ـ لبنان.

([10])   المرجع السابق: ج1 ص5.

([11])   الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث: ج2 ص660. شرح: العلامة أحمد محمد شاكر، وتعليق: المحدث ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع  الرياض، الطبعة الأولى 1417ﻫ ـ 1996م.

([12])   كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لمصطفى بن عبد الله، الشهير بحاجي خليفة وبكاتب حلبي، المتوفى سنة 1067ﻫ: ج2 ص1004. دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

الموضوعات