جاري التحميل

التنظيم العسكري في عصر ظاهر العمر الزيداني

الموضوعات

التنظيم العسكري في عصر ظاهر العمر الزيداني

كتب الأستاذ الدكتور خالد محمد صافي حول هذا الموضوع في كتابه " ظاهر العمر الزيداني حاكم الجليل في القرن الثاني عشر ( 1689-1775 م) والذي صدر عن دار المقتبس في بيروت سنة   1439هـ-2018 م

فقال:

أدرك ظاهر العمر أهمية وجود قوة عسكرية تدعم مركزه، وتمكنه من فرض القانون والنظام في مناطق حكمه، وتحمي هذه المناطق من أي هجمات تقوم بها القوى السياسية المحيطة، وتحقق طموحاته التوسعية. فسعى إلى إيجاد جيش قوي، حسن التدريب. والحقيقة تقال: «إن ظاهر العمر استطاع إنشاء كيانه والمحافظة عليه باستخدام القوة، وأنه فقد هذا الكيان عندما انهارت هذه القوة وتفككت. واعتمدت القوة العسكرية لظاهر على عدة عناصر.

أ ـ العناصر الأساسية لقوة ظاهر العسكرية:

1 ـ القوة البشرية:

انقسمت القوة البشرية التي اعتمد عليها ظاهر إلى قسمين هما:

أ ـ القوات المحلية:

تميزت فترة الحكم الأولى لظاهر العمر (1705 ـ 1730م) بأنها كانت حكماً اسمياً تقاسم فيه ظاهر السلطة مع إخوته وعمه. وكانت قوته العسكرية البشرية محدودة العدد، واقتصرت على قوة صغيرة لمساندة جمع الضرائب طبقاً لنظام الإلتزام الذي يعطي الملتزم الحق باستخدام قوة عسكرية كافية لجمع الضرائب في منطقة التزامه([1]).

وشهدت سنوات الثلاثينات بداية التكوين الفعلي للجيش. إذ ترافق ذلك مع الحركة التوسعية التي قام بها ظاهر في هذه الفترة. واستند ظاهر على عشيرة الزيادنة كنواة أولى لجيشه، وأشار ميخائيل الصباغ حول ذلك «فصار عنده من أقاربه الزيادنة وحاشيتهما ماينيف عن مائتي فارس»([2]). ثم توسعت نواة جيشه لتشمل رجال صفد. وأخذ جيشه يكبر بكبر رقعة الأرض التي يضمها إلى حكمه. وأطلقت المصادر على جيشه المحلي لقب الصفديين نسبة إلى المنطقة التي ينتمي إليها معظمهم([3]). وعبر عبود الصباغ عن هذه المرحلة بقوله: «وصار ظاهر كل سنة يتقوى عن سنة ويحارب مشايخ الفلاحين الذين بالقرب منه ويأخذ بلادهم... لأنه اشتهر بالقوة رجالاً ومالاً»([4]). ووصل عدد قواته المحلية في نهاية الثلاثينات إلى ألف وخمسمائة فارس وفي منتصف الأربعينات إلى ثلاثة آلاف. واستمرت هذه القوات بالزيادة حتى وصلت في فترة الستينات إلى خمسة آلاف فارس([5]).

ب ـ قوات المرتزقة النظامية:

شكلـت القـوات المحليـة لظاهـر فرساناً غيـر متفرغيـن للجنديـة، فهم فلاحون مرتبطون بالأرض وزراعتها، ويهتمون دائماً بالعودة إلى أسرهم وأرضهم، وينشغلـون بفلاحتهـا فـي المـواسم الزراعيـة، ولا يستطيعون تركها طويلاً فهم يُستنفرون وقت الحرب وبعد انتهائها فإنهم يُسرحون إلى مناطقهم حتى يتم استنفارهم في معركة أخرى([6]). ولذلك فإن ظاهراً الذي طمح إلى نظام حكم لفترة طويلة إضافة إلى إحاطة الأعداء به بشكل دائم وجد من الضروري استئجار قوات مرتزقة كجنود نظاميين محترفين يمنحونه الولاء ويدعمون سلطته([7]). فشكل ظاهر فرقة من المرتزقة المغاربة (نسبة إلى المغرب التي كانت تضم طرابلس، تونس، والجزائر، ومراكش) الذين كانوا موجودين في بلاد الشام. ويعود وجود المغاربة في بلاد الشام إلى الفترة السابقة للحكم العثماني، واشتركوا في النشاط العسكري لصد الجيوش الغازية، أو كانوا جنوداً نظاميين محترفين مثلهم مثل السكان الأصليين للبلاد وحاربوا ضد الصليبيين والتتار([8]). واستمر استخدامهم في بلاد الشام في العهد العثماني. وازداد الاعتماد عليهم في القرن الثامن عشر من قبل الولاة نظراً لضعف انكشارية الدولة. وساهم ذلك في ازدياد عددهم وتدفقهم بأعداد كبيرة عن طريق صيدا بصورة رئيسية، وكانوا يأتون بوساطة سفن فرنسية. وجاء هؤلاء للبحث عن فرصة عمل وبيع خدماتهم. واستخدمهم ولاة دمشق وصيدا وحاكم مصر علي بك الكبير وأمير جبل لبنان. وعملت قوات المغاربة جنوداً مشاة بصورة عامة وقلة منهم عملوا فرساناً([9]).

وتعـود بدايـة استخدام ظاهـر العمـر للمغاربـة إلى سنـة 1735م عندما استولى على قلعة جدين. إذ وجد بين مجندي أحمد حسين صاحب القلعة فتىً مغربياً ماهراً في الحرب يدعى أحمد الدنكزلي كان يعمل حطاباً في بلده ثم عمل عسكرياً عند أحمد الحسين. فطلب ظاهر منه أن يخدم لديه فوافق على ذلك. واسند ظاهر إليه مهمة تعيين فرقة من أبناء بلاده الموجودين في بلاد الشام وعينه آغا على من يعينهم. واستطاع الدنكزلي في فترة قصيرة أن يجند أكثر من ألف منهم فاشتد بهم ظاهر وتقوّى([10]). وتتفق المصادر العربية والأجنبية على عدد المغاربة وأنهم بقوا على هذا العدد حتى نهاية حكم ظاهر العمر. واستخدمهم ظاهر جنوداً مشاةً وحاميات للمدن([11]). وحاول ظاهر العمر في سنة 1770م بسبب ازدياد تهديد عثمان باشا الكرجي له تجنيد مغاربه جدد في جيشه، وأرسل مندوباً إلى مصر لهذا الغرض([12]). ويبدو أن تحالف ظاهر العمر مع علي بك قد أوقف تنفيذ هذا المشروع. وفي أواخر سنة 1773م عرض ظاهر العمر على أحمد بك الجزار بعد استسلامه في بيروت وانتقاله بحمايته إلى عكا الخدمة في جيشه بصفته قائداً لقواته. ولكن الجزار راوغ ظاهر وهرب إلى دمشق حيث رقي هناك إلى رتبة باشا بطوخين من قبل الدولة([13]).

وكان المغاربة الذين جندهم ظاهر ملزمين بالطاعة والولاء له بسبب كونه الموظِّف لهم. وعندما وظف ظاهر العمر الدنكزلي لديه اشترط عليه الأمانة([14]). ولكن هذه القوة النظامية من المرتزقة التي شكلت ركناً أساسياً من قوة ظاهر العمر العسكرية خانت الأمانة وانقلبت ضد سيدها. فقبلت حامية يافا رشوة أبي الذهب لها في حزيران 1775م وفتحت له أبواب المدينة، ولكن أبا الذهب كافأ أفرادها بقتلهم جميعاً. ثم سلمت حامية حيفا من المغاربة المدينة

والقلعة إلى حسن باشا قبطان الأسطول الروسي في تموز 1775م. وأخيراً تخاذلوا عن نصرته في عكا وقُتل من قبل أحدهم([15]). وعلق «لوكروا» على خيانة الدنكزلي لظاهر بقوله: «وقد دامت مودته له (لظاهر) أكثر مما دامت مودة أبناء الشيخ لأبيهم، وتقدمت خيانتهم على خيانته له»([16]).

ويبلغ تعداد قوات ظاهر مجتمعة (محلية ومرتزقة) ستة آلاف مقاتل حسب رواية «ماريتي» في فترة الستين([17]). وأشارت تقارير القنصلية الفرنسية في صيدا في حزيران 1772م إلى مثل هذا العدد([18]). وعلى هذا النحـو فإن جيش ظاهر لم يزد في أي فترة من الفترات على ستة آلاف مقاتل من الفرسان والمشاة. وشكل هذا الجيش عماد الكيان السياسي الذي أقامه، وساهم هذا الجيش وحده حتى أواخر الستين في حماية كيان ظاهر ضد الأعداء، واستطاع هذا الجيش في بداية السبعين بمساندة جيوش حلفاء ظاهر تحقيق انتصارات باهرة على جيوش ولاة الدولة رغم التفوق العددي لهذه الجيوش. وألحق جيش ظاهر بمساعدة المتاولة هزائم منكرة بجيش الشهابيين في أكثر من موقع. وأثبت هذا الجيش تمتعه بقدرة قتالية عالية، وخبرة كبيرة اكتسبها من الحروب التي خاضها. وتفوق ظاهر عدداً وعدة على والي صيدا مسؤوله المباشر. وأصبح بموجب ذلك القوة السياسية والعسكرية البارزة في جنوب غرب بلاد الشام طيلة فترة حكمه. وتمكن من حفظ مركزه وحماية كيانه وتحقيق طموحاته التوسعية حتى مقتله.

2 ـ التحالفات العسكرية:

شكلت التحالفات العسكرية التي أقامها ظاهر العمر مع القوى المحلية والمجاورة والأجنبية ركناً مهماً من أركان قوتـه العسكرية فعلى الصعيد المحلي أقام تحالفاً فـي بدايـة الثلاثيـن مـع عـرب الصقـر ولكـن اختلاف الطـرفين في الأهداف أدى بهما إلى الصدام([19]). كما عقد تحالفات مع قوى بدوية أخرى في المنطقة مثل بني صخر، والسردية، وعنزة، وعرب، صبيح وأقام معهم علاقات مصاهرة إضافة إلى مصالح مشتركة ربطت بينهم([20]). وأُعتبرت هذه القبائل أحد روافـد جيش ظاهـر فـي حروبـه، وقـوات احتياطيـة يمكن اللجوء إليها وقت الحاجة([21]).

ويعتبر تحالف ظاهر العمر مع المتاولة في أول تشرين الأول 1767م أهم التحالفات مع القوى السياسية المجاورة، وقد علق «فولني» على هذا التحالف من الناحية العسكرية قائلاً: «إن ظاهراً أراد صداقة المتاولة الذين يستطيعون جلب عشرة آلاف من الخيل إلى الميدان»([22]). وقال ماريتي: «إن ظاهراً آمل بكسب شعب لديه قوة كافية للمدافعة عنه ضد أي غزو من قبل أعدائه. فهو في الواقع قادر في كل الأوقات على تجنيد جيش من 12 ألف فارس من بين حلفائه الجدد([23])» ولكن في الواقع فإن المصادر تشير إلى اشتراك المتاولة مع ظاهر في قوة لا تتعدى عدة آلاف، ففي معركة دمشق في حزيران 1771م اشترك المتاولة إلى جانب قوات أبي الذهب بحوالي ألف وثلاثمائة فارس([24]). بينما أشار القنصل الفرنسي في صيدا «شيفالييه دي توليس Chevalier de Taules» في رسالة منه إلى «الدوق ديغويون Duc D’Aiquillon وزير الدولة الفرنسية في 2 حزيران 1772م إلى أن المتاولة جعلوا على أهبة الاستعداد للدفاع عن صيدا لمساعدة حليفهم ظاهر العمر والمصريين جيشاً يتراوح في عدده بين خمسة إلى ستة ألاف مقاتل([25]). وقدر فولني جيش ظاهر والمتاولة في معركة صيدا في حزيران 1772م بخمسة إلى ستة آلاف مقاتل([26]). فيما قدرت المصادر العربية ذلك بعشرة آلاف بينهم عدة مئات من غُز مصر([27]) وحسب حولية الركيني فإن المتاولة قد ساندوا ظاهر في خمس عشرة عملية بعضها تجريدات انتهت دون قتال بسبب تراجع الأعداء في اللحظات الأخيرة([28]). ووصفت تقارير القنصل الفرنسي شيفاليه دي توليس الجنود العامليين بأنهم جنود جيدون، ولكنهم ليسوا سوى فلاحين مسلحين لا يستطيعون ترك أرضهم طويلاً([29]). ولذلك فإن المتاولة قد تركوا ساحة القتال في حصار يافا في تموز 1773م وعادوا إلى قراهم بعد شهر ونصف من الحصار لأنهم غير معتادين على الحصار، ولم يرجع أحد منهم إلى حصار يافا إلا نادراً([30]). ولكن محمد آل صفا يصف الشخصية العسكرية للمتاولة (العامليين) وصفاً لا يخلو من المبالغة، فالعاملي حسب رأيه من أسرع الشعوب إلى حمل السلاح يعتني إلى حدٍ كبير بأساليب القتال فيتقنها. وفي حالة دائمة من اليقظة والحذر. فهو مستعد دوماً لخوض غمار المنايا والمبادرة للنجدة وحمل السلاح([31]). وكان فرسان المتاولة يقاتلون إلى جانب ظاهر تحت قيادة ناصيف نصار في راية خاصة بهم([32]). أما التحالف الذي أقامه ظاهر بمبادرة الأمير يوسف الشهابي سنة 1773م فإن ظاهراً من الناحية العملية لم يستفد منه على الصعيد العسكري، وكانت الاستفادة من قبل الشهابيين أكثر مما استفاد ظاهر.

ولم يكتف ظاهر العمر بتحالفاته العسكرية مع القوى السياسية المجاورة في بلاد الشام بل مد تحالفاته في بداية 1770م إلى علي بك الكبير قائمقام مصر. واستمر التحالف بين الطرفين حتى وفاة علي بك الكبير في نيسان 1772م. كما تحالف ظاهر العمر مع روسيا في حزيران 1772 واستأجر قطعاً من الأسطول الروسي المتواجد في البحر المتوسط لمساندته في عملياته العسكرية في المدن الساحلية مثل صيدا وبيروت في الفترة بين حزيران 1772م إلى تموز 1774م، واستمر هذا التحالف حتى وقعت روسيا معاهدة «كجك كينارجة» مع الدولة العثمانية في تموز 1774م وانسحب بموجبها الأسطول الروسي من شرقي البحر المتوسط([33]).

3 ـ القلاع العسكرية:

تعتبر القلاع أحد عناصر القوة العسكرية لظاهر العمر، فقد اعتمد في استراتيجيته الدفاعية على مجموعة من القلاع. وكان معظمها تجديداً للقلاع التي شيدها الصليبيون، تلك القلاع التي تشرف على الطرق الرئيسة وتسيطر عليها. وشكلت هذه القلاع شبكة دفاعية مترابطة([34]). فحصن ظاهر في فترة الثلاثينات قلعتي طبريا ودير حنا، واعتمد عليهما دفاعياً ضد حملات سليمان باشا العظم. إذ فشل سليمان باشا في اقتحام طبرية رغم استقدامه وسائل وخبراء حصار من استانبول، فقد كانت القلعتان محصنتين جيداً([35]). ويمكن بواسطة قلعة طبرية مراقبة تحركات باشا دمشق، وهي تقوم على قمة جبل وتشرف علىالمدينة وتدافع عنها ضد الأعداء([36]). وساهمت في منع غزوات البدو القادمة من شرق الأردن إلى بلاد الجليل([37]).

وحصن ظاهر عكا بعد استيلائه عليها، ثم حصن حيفا الجديدة بسور سنة 1761م وقوى دفاعها ببناء قلعة لها. وعول ظاهر في دفاعاته على قلاع أخرى منها قلعة صفد التي تشرف على الجزء الشمالي من الجليل وعلى الطريق بين دمشق وعكا. وقلعة جدين التي تتمتع بموقع مهم إذ تشرف على تلال وسهول عكا حتى البحر. واعتمد كذلك على قلاع صفورية، عبلين، شفا عمرو، تبنة([38]). وعين ظاهر أبناءه والمواليين له على هذه القلاع التي تمثل نقاطاً استراتيجية هامة. واستطاع من خلال ذلك حفظ النظام في المناطق التابعة لسيطرته، وفرض إرادته على الشيوخ المحليين ومواجهة الهجمات الخارجية([39]).

وساهمت هذه القلاع في زيادة القوة العسكرية لظاهر وإيجاد مواقع دفاعية في مناطقه، فقد صمدت يافا أمام حصار محمد بك أبي الذهب لها في نيسان 1775م لمدة خمسين يوماً. ولم يستطع دخولها إلا برشوة حاميتها من المغاربة. وكذلك وقعت قلعتا حيفا وعكا في يد قائد الأسطول العثماني في سنة 1775م بخيانة حامياتها من المغاربة([40]).

4 ـ الجاسوسية:

استخدم ظاهر الجاسوسية ضمن أنشطته العسكرية. إذ استخدم اليهود عيوناً له على تحركات سليمان باشا العظم ضده في بداية الأربعينات([41]). واعتمد على عيون وجواسيس له في استانبول عاصمة الدولة العثمانية من أجل تزويده بمعلومات عن المؤامرات التي تحاك ضده هناك، وإعلامه بفحوى الفرمانات الصادرة ضده من الباب العالي إلى ولاة الدولة في بلاد الشام. وأدى هؤلاء خدمة مكتب جاسوسية له هناك. ففي سنة 1770م تم إطلاع ظاهر على أوامر الدولة الصادرة إلى والي دمشق عثمان باشا الكرجي بمحاربته والقضاء عليه([42]). كما أخبره عيونه سنة 1775م بإصدار الدولة أوامرها إلى حسن باشا قبطان الأسطول الروسي بالتوجه إلى عكا، فأخذ ظاهر بتحصين عكا استعداداً لذلك([43]). وأشرف إبراهيم الصباغ على هذه الأنشطة، إذ قام بعد استيلاء ظاهر العمر على صيدا في أواخر 1771م بطرد «نقولا» كاتب درويش باشا والي صيدا بإدعاء أنه جاسوساً يكاتب الدروز وعثمان باشا المصري بأخبار ظاهر. ووضع إبراهيم عيوناً لظاهر في بلاد الدروز ودمشق لرفع مايحدث هناك من أخبار وتحركات([44]). وأشار «بازيلي» إلى وجود عيون لظاهر في إستانبول وفي عواصم ولايات بلاد الشام لمعرفة تحرك الباشوات وتآمرهم عليه([45]).

واستخدم ظاهر الفرق الاستطلاعية لمعرفة تحركات جيوش ولاة الشام والشهابيين([46]) واعتمد على سياسة الحيطة والحذر من أي تحركات تحدث على تخوم مناطقه شمالاً وجنوباً.

5 ـ الأسطول:

أشارت بعض المصادر إلى إنشاء ظاهر العمر لأسطول صغير مكون من عدد من السفن الشراعية المسلحة لحماية سواحل المناطق التي يحكمها، والقيام ببعض العمليات العسكرية بحراً. وأدى الاهتمام الكبير لظاهر العمر بالتجارة إلى محاولة حراسة شواطئ مناطقه. فقد أبقى سفينة مسلحة على الأقل في حراسة دائمة للساحل وحماية التجارة([47])

وأشار «فولني» إلى قيام ظاهر العمر بتسليح سفينتين شراعيتين، وإرسالهما لملاحقة مزعومة لقراصنه مالطا([48]) وأرسل ظاهر العمر في سنة 1772م سفينة مسلحة مزودة بالمدافع وتضم أربعين مقاتلاً لمهاجمة يافا التي سيطر عليها أحمد بك طوقـان مستغلاً انشغـال ظاهـر بحروبـه شمالاً. وقـد فشلت العمليـة إذ تم إغراق السفينة فغرق البعض، وأسر وقتل الباقون من قبل حكم يافا([49])

استخدم ظاهر العمـر سفـن أسطولـه في حصار يـافا في الفتـرة بين تموز 1772م ـ شباط 1773م إذ زود بحراً الجيش المُحاصِر لها بما يحتاجه من ذخيرة وأسلحة. وأفرغت السفن حمولتها شمال يافا، ثم أوصلتها الجمال إلى معسكر المحَاصَرين. كما استخدمت هذه السفن في قطع خط الإمدادات البحرية التي كان يرسلها محمد بك أبو الذهب لدعم المحاصرين في يافا([50]).

وشاركت سفن ظاهر العمر في حصار بيروت في تموز 1773م إلى جانب قطع الأسطول الروسي([51]) وأشار عبود الصباغ إلى أن قائد القطع الروسية (التي شاركت في حصار بيروت حتى استسلام الجزار وخروجه منها) قد أعطي ظاهراً راية ذات لونين أبيض وأحمر حتى يضعها على مراكب أسطوله من أجل تجنب مهاجمة السفن الروسية لها خطأً. على أن يكون بصحبة المراكب كتابٌ موقعٌ بختم ظاهر([52]).

6 ـ قيادة الجيش:

كان جيش ظاهر من القوى المحلية مقسماً بينه وبين أبنائه، إذ شكل أبناؤه قوات خاصة بهم من العناصر المحلية. ولكن عند قيام ظاهر بتجهيز حملة لصد هجوم خارجي أو القيام بهجوم على أعداء مجاورين، فإن كان يوجه نداءاته إلى أبنائه للقدوم إليه بقواتهم. وبعد تحالف ظاهر العمر مع المتاولة في سنة 1767م أخذ يوجه لهم النداءات أيضاً ولاسيما زعيمهم ناصيف نصار، ثم تتجمع القوات في المكان المتفق عليه. وكان ظاهر يترأس الجيش ويقوده بينما يكون أبناؤه وناصيف على رأس قواتهم تحت قيادته العامة([53]). وقاد ظاهر قواته في معظم المعارك التي خاضها أثناء حياته. وأسند أحياناً قيادة جيشه إلى أبنائه في حالة عدم خروجه شخصياً للقتال، ففي حزيران 1771م أسند قيادة جيشه إلى أبنائه الخمسة لمرافقة الجيش المصري بقيادة أبي الذهب لمهاجمة دمشق([54]). وأرسل في نيسان 1773م ابنه صليبي على رأس جزء من جيشه لمرافقة علي بيك إلى مصر([55]). وقام في أيلول 1773م بإعطاء قيادة الجيش لابنه علي لنجدة الأمير يوسف الشهابي ضد عثمان باشا المصري الذي هاجم بلاد الدروز في البقاع([56]). وكان علي الظاهر لا يقل فروسية وشجاعة عن أبيه، إذ قال عنه «فولني»: «إن اسمه يثير الرعب في معسكر الأعداء([57])». وأشار ميخائيل الصباغ إلى أن ظاهراً كان مرشحاً ابنه علي لتولي الأمر من بعده([58]).

اعتمد ظاهر في قيادته الحربية على مجلس شورى للتداول في أمر الحرب، ويضم هذا المجلس أبناء ظاهر ووزيره إبراهيم الصباغ وأحمد آغا الدنكزلي قائد الجنود المغاربة وبعض المستشارين الآخرين. وأشارت المصادر إلى انعقاد هذا المجلس في حالة تعرض البلاد إلى خطر كبير تستوجب مواجهته، فعقد ظاهر اجتماعاً في سنة 1770م لمواجهة تهديد عثمان باشا الكرجي والي دمشق، كما عقد اجتماعاً في تموز 1775م لمواجهة قدوم حسن باشا قبطان الأسطول الروسي ومحاصرته شواطيء حيفا وعكا([59]).

واستخدم ظاهر في قتاله الخدع والمباغتة القتالية. فقد فاجأ عثمان باشا الكرجي في أيلول 1771م قـرب بحيـرة الحـولة وألقى بـه هزيمـة ساحقة. كما استخدم أسلوب السير ليلاً للتمويه على أعدائه وإخفاء تحركاته([60]).

7 ـ أسلحة الجيش:

وصف ماريتي فرسان ظاهر بأنه تم إعدادهم على غرار النمط العربي، ويحملون بنادق من نوع مسكيت (بنادق مسكيت Musket هي سلاح خفيف الحمل ظهر للاستخدام حوالي 1525م، اخترعه فوبان Vauban ومدى الرمي المؤثر لهذه البندقية هو حوالي 400 متر) ورماح. أما المشاة فأغلبهم من المغاربة وكانوا مسلحين بمسدسات وخناجر([61]). أما «فولني» فقال: «إن ظاهراً زود جيشه بملابس وسلحهم ببنادق من نوع مسكيت، ومسدسات بدلاً من الأقواس وبنادق الفتيل([62])». وسميت بندقية الفتيل بهذا الاسم لأنها كانت تطلق بإشعال فتيل مغطى بالشمع العسلي([63]). كما استخدم الفرسان السيف ولبسوا الدروع([64]).

واستقدم ظاهر العمر صناعاً لعمل المدافع التي نقش عليها اسمه ولإعداد المعدات الحربية([65]). وكان ظاهر يمتلك حوالي مائة مدفع في بداية السبعينات. ويعتبر ذلك أضعاف ما يوجد لدى والي صيدا الذي أرادت الدولة دعم موقفه سنة 1768م فأمدته بثلاثة مدافع بذخيرتها([66]). واستخدم ظاهر المغاربة كرجال مدفعية([67]). واستعان في تموز 1775م بثلاثة أوروبيين اثنين منهما إنجليزيين هما «هارفي Harvey و روبنسون Robinson». وكانوا قد عملوا في سلاح المدفعية لمحمد بك أبي الذهب، وعندما توفي أبو الذهب قبض عليهم ظاهر. وأنقذوا أنفسهم بالدخول في خدمته حتى مقتله ثم عادوا إلى مصر([68]). ووضع ظاهر المدافع التي يمتلكها على أبراج القلاع لاسيما أبراج عكا وحيفا ويافا. كما استخدم بعضاً منها ميدانياً في حروبه، وكانت تجر أمام الجيش أثناء سيره للمعارك حتى في معارك القتال مع أبنائه([69]). وأقام ظاهر مخزناً للأسلحة في أحد أبراج عكا الذي يعود إلى الفترة الصليبية والكائن قرب الميناء القديم للمدينة([70]). وأُستخدمت الجمال لنقل الذخائر والجبخانة (استخدم تعبير «ذخيرة» في بلاد الشام للدلالة على مئونة الجيش من قمح وشعير وبقسماط (الواح من الخبر الجاف) وغيره. واستخدمت آنذاك الكلمة التركية «جبخانة» للدلالة على السلاح ومستلزماته)([71]).

وكانت الخيل أهم متطلبات فرسان الجيش، وقد جلب ظاهر الخيل من القبائل البدوية مثل عرب الصقر وعنزة. وكان مغرماً بالخيل كثيراً([72]). وقد قام عرب بني صخر سنة 1757م بإهداء ظاهر العمر كل الخيل التي سلبوها من قافلة الحاج الشامي تعبيراً عن العرفان والصداقة بينهما([73]).

واعتمد ظاهر في تسليح جيشه على مصادر مختلفة. فتقارير القنصلية الفرنسية ذكرت تزويد التجار الفرنسيين له بالسلاح الناري والبارود والرصاص وذخائر أخرى([74]). وشكلت غنائم ظاهر من جيوش الدولة أحد أهم مصادره. ففي بداية الخمسينات بنى ظاهر حصناً في حيفا وزوده بالمدافع على نفقة السلطان. وبعد فترة وجيزة قام ظاهر بهدم الحصن ونقل منه مدفع النحاس إلى عكا([75]). وألحق ظاهر في أيلول 1771م هزيمة بعثمان باشا الكرجي والي دمشق قرب بحيرة الحولة واستولى على كامل عتاد جيشه. وأشار بريك إلى ذلك بقوله «وتقوى ظاهر وشاع اسمه ونهب جبخانة عثمان باشا والي الشام»([76]). وفي بداية السبعينات زود الروس ظاهراً بصناع لصناعة المدافع([77]).

ب ـ مرتبات الجيش:

لاتشير المصادر بدقة إلى المرتبات التي دفعها ظاهر لجيشه. وقد تطرق ميخائيل الصباغ إلى قيام ظاهر في فترة الثلاثينات بترتيب مرتبات لأحمد آغا الدنكزلي وأتباعه من الجنود المغاربة. وعندما سُئل الدنكزلي سنة 1775م من قبل حسن باشا قبطان الأسطول العثماني عن دخله الذي يأخذه من ظاهر أجاب «كان دخلي في أول سني خدمتي عنده قليلاً لكن لم يكن يقل عن مائتي كيس لي ولأتباعي». فقال له حسن باشا: تأكل خبر انسان أربعين سنة ودخلك منه هذه المقدار وتخضب سيفك بدمه! ؟»([78]) وتشير هذه الرواية إلى أن ظاهراً كان يعطي الدنكزلي وجنوده من المغاربة مرتباً سنوياً، وأن هذا المرتب الذي بلغ مائتي كيس (مائة ألف قرش) في سنوات الخدمة الأولى قد ازداد في السنوات اللاحقة. ويستنتج من قول حسن باشا أن هذا المرتب كان عالياً.

ويبدو أن القوات المحلية لظاهر لم تتلق مرتبات إذ لا يوجد إشارات تفيد ذلك. ومن الممكن أن بعضاً منهم تسلم أيضاً مرتبات منتظمة، ولكن بشكل عام فإنهم يختلفون عن الجنود المرتزقة لأن مصالحهم الذاتية مع قائدهم تمتد أبعد من كونها روابط مالية نقدية. إذ أن حكم ظاهر ورخائه الاقتصادي كان يعني ازدهار وضع عائلاتهم وقراهم، ومكسباً سياسياً لأهل الجليل الذين ينتمون إليه([79]). وربما اقتصر ماكان يعطيه ظاهر للقوات المحلية على أعطيات مالية أو عينية تكريماً ودعماً لهم وليس على شكل مرتبات، بينما دعمه هؤلاء لأسباب أسرية أو إقليمية أو غيرها([80]).



([1])   بولياك ـ الإقطاعية في مصر وسوريا، ص137.

([2])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص35.

([3])   السويد ـ التاريخ العسكري، ج2، ص98. لوكروا ـ الجزار، ص41. رافق ـ بحوث، ص144. بازيلي ـ سوريا، ص57.

([4])   عبود الصباغ ـ الروض الزاهر، ص6ظ ـ 6ب.

([5])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص34، 35، 42. Mariti ـ Travels , II, P. 101.

([6])   رافق ـ بحوث، ص144. عبود الصباغ ـ الروض الزاهر، ص23ب. لوكروا ـ الجزار، ص44.

([7])   رافق ـ بحوث، ص144.

Cohen ـ The Army in Palestine ,B. S. O. A. S. Vol. 34, P. 47.

([8])   على أحمد ـ الاندلسيون والمغاربة، ص306 ـ 308.

([9])   لوكروا ـ الجزار، ص36 ـ 38. رافق ـ بحوث، ص142، 143.

ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، مقدمة ص11 ـ 12. Mariti ـ Travels , II ,P. 101.

([10])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص37 ـ 38.

([11])   عبود الصباغ ـ الروض الزاهر، ص31ظ. لوكروا ـ الجزار، ص50.

Mariti ـ Travels , II , P. 101.

([12])   عبود الصباغ ـ الروض الزاهر، ص16ظ.

([13])   عبود الصباغ ـ الروض الزاهر، ص27ظ ـ 27ب. Holt ـ Egypt ,P. 127.

([14])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص37.

([15])   عبود الصباغ ـ الروض الزاهر، ص30ظ، 31ظ. ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص173.

([16])   لوكروا ـ الجزار، ص38.

([17])   Mariti ـ Travels ,II,P. 101.

([18])   إسماعيل ـ الصراع الدولي: الوثائق الدبلوماسية، ق1، ج1، ص119، 138.

([19])   انظر ص 46 ـ 48.

([20])   انظر ص 48 ـ 51.

([21])   Volney ـ Travels , II,P. 99. Mariti ـ Travels ,II ,P. 92.

([22])   Volney ـ Travels, II , P. 100.

([23])   Mariti ـ Travels, II, P. 100.

([24])   Volney ـ Travels, II, P. 111.

([25])   اسماعيل ـ الصراع الدولي: الوثائق الدبلوماسية، ق1، ج1، ص118.

([26])   Volney ـ Travels , II, P. 116.

([27])   آل صفا ـ تاريخ جبل عامل، ص133. الشدياق ـ أخبار الأعيان، ج2، ص331. الشهابي ـ لبنان، ج1، ص93.

([28])   انظر ص 79.

([29])   اسماعيل ـ الصراع الدولي، الوثائق الدبلوماسية، ق1، ج1، ص118.

([30])   لوكروا ـ الجزار، ص62. الركيني ـ جبل عامل في قرن، العرفان، مجلد 28، ج1، 1938، ص56.

([31])   آل صفا ـ تاريخ جبل عامل، ص83 ـ 87.

([32])   عبود الصباغ ـ الروض الزاهر، ص19ب.

([33])   انظر ص 110 ـ 115.

([34])   القساطلي ـ ملخص تاريخ الزيادنة، الجنان، مجلد24، 1877م، ص851.

Mariti ـ Travels , II ,P. 151. Cohen ـ Palestine ,P. 84.

([35])   البديري الحلاق ـ حوادث، ص21 ـ 22. Rafeq ـ The Province , P. P. 196 ـ 197.

([36]<

الموضوعات