الصناعة في عصر ظاهر العمر الزيداني
الصناعة في عصر ظاهر العمر الزيداني
كتب الأستاذ الدكتور خالد محمد صافي حول هذا الموضوع في كتابه " ظاهر العمر الزيداني حاكم الجليل في القرن الثاني عشر ( 1689-1775 م) والذي صدر عن دار المقتبس في بيروت سنة 1439هـ-2018 م
فقال:
إن المعلومات المتوافرة عن الصناعة في منطقة الجليل في عهد ظاهر العمر قليلة جداً شأنها في ذلك شأن باقي مناطق جنوب غرب بلاد الشام. وأشار أكثر الرحالة إلى صناعات محلية معروفة في الزمن القديم والحديث في المناطق التي زاروها، وهـي مرتبطـة بإنتاج المنطقة مثـل غـزل القطـن واستخراج الزيت من الزيتون أو السمسم. ونسج الأقمشة التقليدية التي تلبي حاجات السكان المحليين([1]). واشتهرت صفد بصناعات الملابس للنساء والرجال تلبية للسوق المحلي([2]).
حاول ظاهر العمر الاستفادة من مياة الأنهار في منطقة الجليل. فبنى طاحونتين على نهـر النعامين جنـوب عكا ونهـر المفشوخ شمالها. وقد درتا دخلاً كبيـراً سنـوياً (1750 قـرشاً من الأولـى و 1755 قـرشاً مـن الثانيـة). وظلت الطاحونتان تعملان حتى نهاية حياة ظاهر العمر([3]).
وأنشأ إبراهيم الصباغ مصبنة في عكا لصناعة الصابون، وكلف ابنه عبوداً بإدارتها. وهي أول مصبنة تنشأ في عكا وتعتبر تطوراً صناعياً فيها. وأصبحت تلبي حاجات جيش ظاهر وأسرته والسوق المحلي([4]). واستفادت المصبنة من توافر المواد الخام مثل زيت الزيتون من مناطق الجليل والقلي الذي يأتي به البدو من الصحراء وينتج عن حرق نبات قلوي (الأشنان) ينمو في البادية ويستخدم في صناعة الصابون والزجاج([5]).
وأدت سياسة ظاهر العمر التجارية إلى ربط إنتاج البلاد بحاجة السوق الأوروبية. فشجع المحاصيل الزراعية التي تجد طلباً متزايداً عليها في الأسواق الأوروبية مثل القطن. وبصورة عكسية أدى غزو البضائع الأوروبية للأسواق المحلية إلى تراجع الصناعات المحلية ولاسيما صناعة النسيج لعدة أسباب منها رخص البضائع الأوروبية وجودتها مقارنة بالبضائع المحلية، إضافة إلى تمتع التجارة الأوروبية بالامتيازات، وإقدام ظاهر العمر على تخفيض الرسوم الجمركية على بضائع الأوروبيين لجذبهم إلى عاصمته. بينما فقدت الصناعة المحلية كل حماية، فتراجع وتقلص عدد مراكز الصناعات النسيجية، وبقي بعض الصناعات باعتبارها صناعات تقليدية لسد حاجات محلية لازمة([6]).
وعكس «فولني» واقع التجارة والصناعة في بر الشام بقوله «إذا اعتبرنا الأمور بالنسبة للسلطنة العثمانية يمكننا أن نؤكد أن تجارتها مع أوروبا... هي مضرة بها أكثـر مما هي مفيدة لهـا. وبالفعـل فالسلـع التـي تصدرها السلطنة هي جميعها مـواد خام أو غيـر مشغولـة. وتحرم نفسها بهذا التصرف من الفوائد التي تجنيها لو أوكلت لمواطنيها أمر تصنيعها. ومن جهة ثانية فالبضائع التي تردها من أوروبا... هي بضائع محض كمالية»([7]).
ويمكن القول: إن اهتمام ظاهر العمر الاقتصادي انصب على النشاط الزراعي والتجاري دون إبداء أي اهتمام بارز وجلي بالصناعة.
([2]) أحمد الربايعة ـ الصناعة في فلسطين في العصور الحديثة، المؤتمر الدولي الثالث لتاريخ بلاد الشام (فلسطين)، مجلد 2، الجامعة الأردنية، عمان، 1983، ص164.
([6]) عيساوي ـ التاريخ الاقتصادي، ص24 ـ 26. جب، وبوون ـ المجتمع الإسلامي، ج2، ص158 ـ 159. بطرس لبكي ـ تجارة المدن الساحلية، المؤتمر الأول للجمعية اللبنانية للدراسات العثمانية (لبنان في القرن الثامن عشر)، الجامعة اللبنانية، دار المنتخب العربي للدراسات وانشر والتوزيع، بيروت، 1991، ص420 ـ 421. أحمد الربايعة ـ الصناعة في فلسطين في العصور الحديثة، المؤتمر الدولي الثالث لتاريخ بلاد الشام (فلسطين)، مجلد1، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن، 1983، ص177.