جاري التحميل

القوى السياسية في جنوب غرب بلاد الشام في القرن السابع عشر

الموضوعات

القوى السياسية في جنوب غرب بلاد الشام في القرن السابع عشر

كتب الأستاذ الدكتور خالد محمد صافي حول هذا الموضوع في كتابه " ظاهر العمر الزيداني حاكم الجليل في القرن الثاني عشر ( 1689-1775 م) والذي صدر عن دار المقتبس في بيروت سنة   1439هـ-2018 م

فقال:

ساهمت مجموعة من القوى السياسية في صياغة الأحداث السياسية التي شهدها جنوب غرب بلاد الشام في القرن السابع عشر، وتنافست هذه القوى على النفوذ في هذه المنطقة، ومن هذه القوى أسر توارثت الحكم أجيالاً وهي:

أ ـ الأسرة المعنية:

ينسب المعنيون الى الأمير معن بن ربيعة الذي يعود بأصله إلى معد بن عدنان المنتسبة اليه العرب المستعربة([1]) وأشهر أمرائهم في القرن السابع عشر هو الأمير فخر الدين المعني الثاني الذي ورث الحكم عن أبيه، وحكم جبل لبنان، واستولى على بلاد كثيرة منها صيدا وصفد وبيروت وعندما حاولت الدولة العثمانية القضاء عليه هرب الى توسكانا سنة 1613م، ومكث فيها نحو خمس سنوات عاد بعدها الى الحكم في جبل لبنان([2]). وعمـل الأميـر فخـر الدين على توسيع نفوذه بعد عودته، وأخذ يوطد سلطته من جديد ويمد نفوذه إلى المناطق المجاورة([3])، وحصل سنة 1034ﻫ / 1624م على فرمان سلطاني بأن يكون حاكماً على المنطقة بين حلب شمالاً الى القدس جنوباً، وعظم شأنه، وقد وصفه الخالدي بالقول: «ودام على حكم القوة وترتيب السلطنة إلى سنة ثلاث وأربعين وألف (1633م) وبعد ذلك آن الآوان وانتهى الزمان فسبحان من يغير»([4]). وقال المحبي عن قوة نفوذه: «وقد كان خرج عن طاعة السلطنة، وجاوز الحد في الطغيان، وآخذ كثيراً من القلاع من ضواحي دمشق، وتصرف في ثلاثين حصناً، وجمع من طائفة السكبان جمعاً عظيماً. وبالجملة فقد بلغ مبلغاً لم يبق وراءه إلا دعوى السلطنة»([5]).

وأرسلت الدولة العثمانية حملة عسكرية للقضاء على الأمير فخر الدين سنة 1633م بقيادة كجك أحمد باشا والي دمشق، وتمّت محاصرة الأمير في قلعة جزين حيث أُسر ونُقل مقيداً الى دمشق ثم أرسل الى استانبول فقتل هناك سنة 1634م([6]).

وقد أضعف الأمير فخر الدين أثناء حكمه الأمراء المحليين من آل فروخ وآل طرباي وأبناء قانصوه الغزاوي حاكم سنجق عجلون([7]). ولم تكن نهاية فخر الدين المعني نهاية لحكم المعنيين في جبل لبنان حيث بقى هؤلاء يحكمون حتى سنة 1697م. ولكن مما لا شك فيه أن القضاء على فخر الدين قد أضعف أسرته كثيراً، وبذلك انتهى حكمها الذي استمر قرابة قرنين 922ﻫ/ 1516م ـ 1109ﻫ / 1697م.

ب ـ أسرة آل طرباي:

يعود نسب آل طرباي الى قبيلة حارثة التي تنتهي الى طيء([8])، ويعود حكمها في مرج ابن عامر الى سنة 885ﻫ/ 1480م أي إلى العهد المملوكي وقد حكموا سنجق اللجون خلال القرن السادس عشر مع تعرضهم أحيانا الى الإبعاد عن الحكم والتنكيل. وأشهر زعمائهم في القرن السابع عشر هو الأمير أحمد بن طرباي الذي لعب دوراً بارزاً في تاريخ بلاد الشام الجنوبية، إذ حكم سنجق صفد في حياة أبيه طرباي بن علي الحارثي، ثم خلفه في حكم سنجق اللجون سنة 1601م([9]). ونازع أحمد بن طرباي الأمير فخر الدين المعني السلطة في المنطقة([10]). وأشار البخيت إلى أن العلاقة بين الطرفين مرت بثلاثة أدوار، 1 ـ دور المسالمة، 2 ـ دور المصادمة، 3 ـ دور المصالحة([11]). وقد كان أحمد بن طرباي خلال الدور الأول محايداً تجاه القوى المتصارعه في المنطقة، وقام الأمير أحمد بن طرباي سنة 1618م بإرسال كتخذاه بهدية خيل لمقابلة الأمير فخر الدين المعني الثاني عند عودته من إيطاليا([12]).

ووصف المحبي مرحلة المصادمة بالقول: «ووقع بينه وبين فخر الدين بن معن حروب كثيرة، وكان ابن معن توجه إلى بلادهم ثلاث مرات للمحاربة، ورحل ابن طرباي إلى الرملة، وكان في كل مرة يكسر عسكر ابن معن ويدحضه. وأشهر وقعاته وقعة يافا وكان هو وحسن باشا حاكم غزة والأمير ابن فروخ أمير نابلس، فقتل من جماعة ابن معن مقتله عظيمة وغنم غنيمة وافرة جداً»([13]) وخفف الخالدي الصفدي مؤرخ الأمير فخر الدين من وطأة هذه الهزائم بقوله عن هزيمة سنة 1622م قرب نهر العوجا «وصارت هزيمة من جانب الحق سبحانه وتعالى وليس هذا ما يعيب الأمير فخر الدين لأن الحرب سيجال تارة وتارة»([14]).

وتبع الصراع بين الطرفين صلح انسحب الأمير فخر الدين بموجبه من برج حيفا الذي استولى عليه، وتوقف أحمد بن طرباي عن مهاجمة بلاد صفد التابعة للأمير فخر الدين([15]). وكانت علاقة الأمير أحمد بن طرباي بالدولة العثمانية تتصف بالولاء المطلق([16]). وقد اعتمد في قوته العسكرية على عناصر محلية من قبيلته وأتباعها وبذلك استطاع الحفاظ على سلطته حتى نهاية حياته سنة 1057ﻫ/ 1747م([17]). واستمر حكم آل طرباي في سنجق اللجون حتى سنة 1088ﻫ/ 1677م ثم انتقل حكم السنجق الى متسلم عثماني عرف باسم أحمد باشا الترزي([18]). هذا وقد زار الشيخ عبد الغني النابلسي أضرحتهم في رحلته سنة 1101ﻫ/ 1689م وقال: «وزرنا مدافن الأمراء بيت طرباي الذين كانت بلدة جنين في أيديهم سابقاً، واجتمعنا بمن بقي من أمرائهم هناك، وقد صاروا مغارباً للامارة بعدما كانوا لها مشارقاً»([19]).

ج ـ أسرة آل فروخ:

تنسب هذه الأسرة الى مؤسسها فروخ بن عبد الله من أصل جركسي. وكان مملوكاً من مماليك الأمير بهرام بن مصطفى باشا أخي الأمير رضوان حاكم غزة، وتنبل بعد وفاة سيده حتى تولى حكومة نابلس وامارة الحاج، واستمر في الحكم حتى سنة 1030ﻫ/ 1620م. وبعد وفاته خلفه في الحكم ابنه محمد الذي حكم سنجق القدس ايضاً، وتولى إمارة الحاج 18 عاماً في الفترة بين 1621 ـ 1639م. وقد بلغت هيبته في قلوب العربان درجة كبيرة، فكانوا إذا أرادوا ان يخوفـوا أحداً قالـوا لـه: «ها ابـن فروخ أقبـل فتتلوى قوائمـه». وقـد تـوفي سنة 1048ﻫ/ 1638م([20]). وساند الأمير محمد بن فروخ الأمير أحمد بن طرباي في حروبه ضد فخر الدين المعني الثاني في محاولة للحد من توسعه وبسط نفوذه في المنطقة. وخلف محمد بن فروخ ولدان هما علي الذي تولى الإمارة لمدة سنة وعساف الذي تولاها عدة سنوات وتوفي في سنة 1081ﻫ / 1670م([21]). ويبدو أن حكم نابلس قد خرج من أسرة آل فروخ سنة 1053/ 1643 حيث حكمها الأمير حسين آل رضوان([22]).

د ـ أسرة آل رضوان:

تنسب هذه الأسرة إلى الأمير رضوان من كبار الأمراء في زمن السلطان سليم الثاني (1566 ـ 1574م). وقد حكم أحمد بن رضوان غزة نحو ثلاثين سنة في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر، وتولى خلال ذلك إمارة الحاج سنين عديدة وتوفي سنة 1015ﻫ/ 1606م. وحكم بعده ابنه حسن حتى سنة 1054ﻫ/ 1644م. وخلفه في الحكم ابنه حسين الذي حكم نابلس سنة 1053ﻫ/ 1643م أثناء حياة أبيه، كما تولى إمارة الحاج في السنة نفسها، «فكبرت دولته وأطاعته العربان وصار ركناً ركيناً». وحكم ابنه إبراهيم في عهده سنجق القدس. وبقي حسين باشا في حكم غزة حتى وُشي به إلى السلطان حول عدم تقيده بأمر الحجاج وحراستهم، فسجن في قلعة دمشق وضبطت أمواله، ثم نقل إلى إستانبول حيث قتل في السجن سنة 1073ﻫ/ 1662م([23]).

وشهد النصف الثاني من القرن السابع عشر شبه فراغ سياسي في جنوب غرب بلاد الشام ولاسيما بعد القضاء على الأمير فخر الدين المعني الثاني، ولم يستطع أحد من ورثة الأمير المعني وكذلك من ورثة الأسر الأخرى آل طرباي، وفروخ، ورضوان ملء هذا الفراغ، وتولى الزعامة السياسية للمنطقة. واستمر هذا الوضع حتى نهاية القرن السابع عشر حيث برزت قوى سياسية جديدة ساهمت في رسم الخارطة السياسية للقرن الثامن عشر. وتهيأ المشهد السياسي في منطقة الجليل لظهور عائلة الزيادنة في نهاية القرن السابع عشر، وبرز منها ظاهر العمر الذي استطاع ملء هذا الفراغ السياسي في منتصف القرن الثامن عشر، وطغى بنفوذه على الأمراء المحليين والولاة العثمانيين([24]).



([1])   الشدياق ـ أخبار الأعيان، ج1، ص186.

([2])   الخالدي الصفدي ـ تاريخ الأمير، ص69.

([3])   رافق ـ بلاد الشام، ص209 ـ 210. المحبي ـ خلاصة الأثر، ج3، ص267.

([4])   الخالدي الصفدي ـ تاريخ الأمير، ص242.

([5])   المحبي ـ خلاصة الأثر، ج1، ص386.

([6])   المصدر نفسه، ج3، ص267 ـ 268.

([7])   رافق ـ بلاد الشام، ص213.

([8])   المحبي ـ خلاصة الأثر، ج1، ص221.

([9])   البخيت ـ الأسرة الحارثية في مرج بني عامر 885ﻫ ـ 1088ﻫ / 1480 ـ 1677م، الأبحاث، مجلد 28، بيروت، 1980 ص55 ـ 70. البوريني ـ تراجم الأعيان، ج2، ص289.

([10])   منصور ـ تاريخ الناصرة، ص46.

([11])   البخيت، الأسرة الحارثية في مرج بني عامر 885 ﻫ ـ 1088ﻫ/ 1480 ـ 1677م، الأبحاث، مجلد 28، بيروت، 1980 ص72.

([12])   الخالدي الصفدي ـ تاريخ الأمير، ص70.

([13])   المحبي ـ خلاصة الأثر، ج1، ص221. البوريني ـ تراجم الأعيان، ج1، ص202، ج2، ص289.

([14])   الخالدي الصفدي ـ تاريخ الأمير، ص141.

([15])   المصدر نفسه، ص197 ـ 198.

([16])   البخيت ـ الأسرة الحارثية في مرج بني عامر 885 ﻫ ـ 1088ﻫ/ 1408 ـ 1677م، الأبحاث، مجلد 28، بيروت، 1980، ص72.

([17])   Abdul ـ Rahim Abu ـ hasayn ـ Provincial Leader ship in Syria, P. 196.

([18])   المحبي ـ خلاصة الأثر، ج1، ص222.

([19])   النابلسي ـ الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية، ص14.

([20])   المحبي ـ خلاصة الأثر، ج3، ص271. ج4، ص108 ـ 110.

([21])   المصدر نفسه، ج4، ص110.

([22])   رافق ـ بلاد الشام، ص214.

([23])   المحبي ـ خلاصة الأثر، ج1، ص187 ـ 189. ج2، ص16، 88.

([24])   رافق ـ بلاد الشام، ص212 ـ 213.

الموضوعات