جاري التحميل

بروز ظاهر العمر وتوليه السلطة

الموضوعات

بروز ظاهر العمر وتوليه السلطة

كتب الأستاذ الدكتور خالد محمد صافي حول هذا الموضوع في كتابه " ظاهر العمر الزيداني حاكم الجليل في القرن الثاني عشر ( 1689-1775 م) والذي صدر عن دار المقتبس في بيروت سنة   1439هـ-2018 م

فقال:

 اختلف مؤرخا سيرة ظاهر العمر اختلافاً جوهرياً بشأن بروزه وتوليه السلطة. كما اختلف بشأن ذلك بقية المؤرخين الذين تناولوا تاريخ الزيادنة. فحسب رواية عبود الصباغ ورث ظاهر الحكم عن أبيه بعد وفاته، إذ قال: «ثم مات عمر فلم رضوا (يرض) سعد ويوسف وصالح أن يخرجوا الالتزام باسمهم بل أخرجوه باسم أخيهم ضاهر الأصغر منهم، وذلك من خوفهم من كسور مال الميري حتى لا يكون لهم اسم في الدولة. وصار الالتزام يخرج من وزير صيدا باسم ضاهر على طبرية والدامون التي مع ابن عمه محمد لأن المذكور صنع نظير أبيه لم أراد (يرد) أن يخرج الالتزام باسمه بل أخرجه باسم ابن عمه ضاهر. وهو كان يأخذ الأمر من يد ضاهر. ومال الميري يدفعه إلى ضاهر، والمذكور يدفعه إلى الدولة، فصار الأسم إلى ضاهر عند الدولة والشيخة له عند الفلاحين. وكان عمره في ذلك الوقت أربعة (أربع) عشرة سنة»([1]). ويتفق مع رواية عبود بوراثة ظاهر الحكم عن أبيه كل من حيدر الشهابي، والشدياق، ونوفل، والدبس، وجودت بالنظر إلى حكم عمر الزيداني بلاد صفد من قبل الأمير بشير الشهابي سنة 1698م، وتولي ظاهر الحكم بين سنتي 1705 ـ 1706م من قبل بشير باشا والي صيدا. كما يتفق مع رواية عبود الصباغ كل من المرادي الذي ذكر أن والد ظاهر وجده وأعمامه كانوا حكاماً. كما يدعم «فولني» ذلك بقوله: وبعد وفاة والده عمر في بداية القرن الحالي (القرن الثامن عشر) فإنه تقاسم السلطة مع عمه ومع اثنين من إخوته([2]).

وسلك ميخائيل الصباغ بخصوص تاريخ الزيادنة ونفوذهم وتولية ظاهر العمر مسلكاً مختلفاً ومنفرداً، فهو يربط نفوذ الزيادنة وتوليهم السلطة بشخصية ظاهر العمر فقط، وحسب روايته فإن عمر الزيداني قد تُوفي دون أن يتولى أي منصب رسمي بصفته ملتزماً، وأن ظاهراً أصبح ملتزماً في بداية الثلاثين من القرن الثامن عشر وليس قبل ذلك([3]).

ويبدو التناقض واضحاً تماماً بين عبود الصباغ وميخائيل الصباغ، ولكن المرجح والمعتمد هو رواية عبود الصباغ والمدعومة من قبل المؤرخين الأكثر دقة وثقة من ميخائيل الصباغ مثل حيدر الشهابي، والمرادي، و«فولني»، إضافة إلى أن الوثائق الفرنسية تدعم ذلك بتطرقها إلى علاقات التاجر الألماني ماشوك (قنصل انجلترا وهولندا في عكا) والتجار الفرنسيين مع شيوخ الزيادنة في العقد الأول من القرن الثامن عشر باعتبارهم حكاماً في مناطق الجليل([4]).

وذكر المؤرخون المتأخرون مثل القساطلي، والمعلوف، وأسعد منصور أن ظاهراً قد ورث الحكم عن أبيه عمر، وأن عمر ورث الحكم عن أبيه فهم قد اتفقوا في هذا الجانب مع رواية عبود الصباغ ومن يدعم روايته. ولكنهم اختلفوا في جانب آخر بإرجاعهم سلطة ظاهر إلى منتصف الثلاثينات، على اعتبار أن زيدان استمر في الحكم حتى العقد الثاني من القرن الثامن عشر. ثم تبعه عمر في الحكم حتى توفـي سنـة 1737م([5]). ولكـن هـذه الروايـة للمؤرخين المتأخرين لا يعول عليها كونها تخالف تسلسل الحدث التاريخي الأكثر ثقة عند عبود الصباغ، والمرادي، والشهابي، وفولني. وبالتالي فإن تولي ظاهر العمر السلطة في سنة 1705م عقب وفاة والده عمر تبدو الرواية المعول عليها.

ولكن وطبقاً لرواية عبود الصباغ فإن سلطة ظاهر العمر في فترة حكمة الأولى كانت سلطة اسمية صوريـة وبينما السلطـة الفعليـة كانت فـي يـد اخوته لا سيما الأكبر سعد الذي كان بمثابة ولي الأمر لظاهر. وفي ذلك قال ميخائيل الصباغ: «وكان يقوم بجميع تدبيره أخوه سعد. ولم يكن ظاهر يفعل شيئاً إلا عن أمره»([6]) ولكن بالرغم من حكمه الصوري فإن ذلك أكسبه الشهرة سواء أمام الدولة أو تجاه فلاحي المنطقة مما مكنه من بسط نفوذه فيما بعد([7]).



([1])   عبود الصباغ، الروض الزاهر، ص2ظ ـ 2ب.

([2])   Volney ـ Travels, II , P. 92.

([3])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص17، 18، 30.

([4])   Cohen ـ Palestine , P. P.12 ـ 13.

([5])   القساطلي ـ ملخص تاريخ الزيادنة، الجنان، مجلد 24، 1877، ص849. المعلوف ـ دواني القطوف، ص130. منصور ـ تاريخ الناصرة، ص49.

([6])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص34.

([7])   Holt ـ Egypt , P. 106.

الموضوعات