جاري التحميل

تاريخ انتقال الزيادنة إلى الجليل

الموضوعات

تاريخ انتقال الزيادنة إلى الجليل

كتب الأستاذ الدكتور خالد محمد صافي حول هذا الموضوع في كتابه " ظاهر العمر الزيداني حاكم الجليل في القرن الثاني عشر ( 1689-1775 م) والذي صدر عن دار المقتبس في بيروت سنة   1439هـ-2018 م

فقال:

 اختلفت المصادر حول زمن نزول الزيادنة في الجليل، فقال ميخائيل الصباغ: إن زمن نزولهم هو سنة 1701م وأن عمر والد ظاهر عمل بالتجارة فحسده بنو أسد القاطن في منازلهم، فعندئذ غادروا مضاربهم إلى قيسارية فلم يعجبهم المكان، فانتقلوا منه إلى نواحي الأردن في برية طبرية، وتعرفوا بكبير قومها أو شيخهم وأعجبتهم فاستوطنوها، ورأوا أراضيها خصبة فاستفلحوا بها واشتروا الغنم وأخصبت معهم([1]). بينما ذكر كل من أسعد منصور والمعلوف أن ذلك تم سنة 1690م([2]). فيما أشار القساطلي إلى أن تاريخ قدومهم هو سنة 1103ﻫ/ 1691م([3]).

ولكن قبل الجزم بتاريخ انتقال الزيادنة إلى فلسطين ينبغي القول: إن هذا الوجود قد تم إبرازه من خلال حادثين تضمنا بروز نفوذ الزيادنة في المنطقة وبالتالي أشارا إلى وجودهم وهما:

أ ـ معركة سلامة وبروز الشيخ زيدان:

ذكر معركة قرية سلامة المؤرخون المتأخرون مثل القساطلي والمعلوف وأسعد منصور ومحمد كرد علي، وتتلخص رواياتهم في أن بلاد الشاغور التي تضم قرية عرابة البطوف كانت خاضعة لعائلة درزية ظالمة في قرية سلامة([4]) وقت نزول زيدان المكان، وأحبت العائلة الدرزية زيدان كثيراً لأنه فضلاً عن كونه ضيف بلادها كان ذا حكمة وكرم مفرط. على أن زيدان بالنظر إلى جورها على الأهالي مسلمين ونصارى كان يبغضها باطناً. وفي سنة 1110ﻫ/ 1698م أراد كبير مشايخ الدروز أن يتزوج ابنة شيخ عرابة الجميلة قسراً بغير مهر، فصعب الأمر على أبيها وأخبر به الشيخ زيدان، فدبرا طريقة سرية للتخلص من هذه الأسرة. وفي أواخر هذه السنة ذهب زيدان إلى قرية سلامة بعد أن وضع كميناً بالقرب منها، وقتل كبير العائلة، ثم حمل قومه على القرية، وقتلوا من بها من كبير وصغير ثم نهبوها وأحرقوها عن آخرها، ولم يبق منها غير مطاحنها الثلاث. وبعد هذا النصر أجمع أهالي عرابة وقضاء الشاغور على أن يولوا عليهم الشيخ زيدان، فعرفه قبلان باشا المطرجي والى صيدا وأثبت ولايته لمنطقة الشاغور([5]).

ويبرز من الرواية أن حادث المرأة في سلامة هو الذي أشعل الوضع هناك، ولكن يبدو أن هناك اسباباً حقيقية تكمن وراء ذلك، تتمثل في كون الدروز قبل عهد الزيادنة في هذه المنطقة كانوا من أصحاب السلطة في بلاد صفد والجليل، ويستمدون نفوذهم من إخوانهم المعنيين في لبنان. وكانوا يلتزمون أراضي الجليل من المعنيين ويرجعون إليهم في شؤونهم، وعدم الرضى عن حكم المعنيين المحتضر الداعم لإخوانهم دروز الجليل هو الذي دفع سكان بلاد الشاغور إلى الانقضاض علىهذا الحكم ومحاربته. وهكذا بدأ الصراع بخلاف حول إمرأة بين شيخ قرية سلامة الدرزي وبين مشايخ عرابة البطوف أكبر القرى السنية في الشاغور القبلي. ثم تحول هذا الصراع إلى صراع سياسي على زعامة البلاد. وانتهى هذا الصراع بانتصـار مشايـخ عرابـة علـى خصومهم دروز الشاغور في معركة سلامة، وانتقلت حقوق التزام الأراضي إليهم. وهو أمر كان له نتائجه بعيدة المدى في حياة الجليل إذ قلب الأوضاع السياسية، وعكس ميزان القوى لصالح أهالي القرى السنيين وعلى رأسهم الزيادنـة فـي عرابـة البطوف([6]). ومن المرجح أن تكون معركة سلامة قد تمت في سنة 1697م أو بداية سنة 1698م على الأكثر، حيث يدعم ذلك أولاً انتهاء حكم المعنيين سنة 1697م مما مهد الثورة على أتباعهم في الشاغور. وثانياً أن حكم قبلان باشا المطرجي بدأ منذ 1697 ـ 1704م. وثالثاً أن تعيين عمر بن أبي زيدان شيخاً على بلاد صفد حسب رواية حيدر الشهابي كان سنة 1698م. وهذا يوجب وقوع المعركة ووفاة الشيخ زيدان خلال هذه الفترة تمشياً مع رواية حيدر الشهابي.

ب ـ الشهابيون يولون عمر الزيداني شيخاً على بلاد صفد (1698م):

تناول هذا الحدث حيدر الشهابي في حوادث سنة 1110ﻫ/ 1698م بقوله: «ظهر (أظهر) الشيعي بن علي الصغير صاحب مقاطعة ديار بشارة إحدى مقاطعات جبل عامل الخروج عن طاعة أرسلان باشا، ونبذ أمره ورمى القبض على جماعة من غلمانه وقتلهم. فاستنهض الوزير المذكور الأمير بشير الشهابي إلى قتاله ومجازاته، واطلـق لـه ولايـة مدينـة صفد مـع ولايـة مقاطعات جبل عامل الثلاث... وضـم الجميـع إلـى ولايتـه. فجمع الأميـر جمـوع القيسية من الديار اللبنانية، وصار قاصداً مشرف (بن علي الصغير) وكان مشرف يمنياً وجمع رجاله واحزابه... فظفر بهم الأمير بشير وأهلك منهم خلقاً. وأطلق الوزير للأمير بشير التصرف في تلك الديار جميعها. فاستولى عليها واستقر له الأمر فيها. فوضع ابن أخيه الأمير منصور حاكماً على صفد. وجعل تحت يده شيخاً على ديارها عمر بن أبي زيدان. وكان المذكور سنياً قيسياً. وهو أب ظاهر العمر المشهور. وكان قبله شيخ بلادها بعض بني البيتم (ربما القصد تميم) وكانوا يمنية. فازاحهم الأمير بشير، وشَيَّخ عمر الزيداني لأنه قيسي. وكان الأمير بشير يرغب هلاك اليمنية ورفع شأن القيسية. ولذلك كان يعدم من يكون يمنياَ ويشيد من يكون قيسيا»([7]). وتبع رواية الشهابي كلٌ من الشدياق، ونوفل، والدبس([8]). ويؤيد نيل الأميرين بشير الشهابي ومنصور الشهابي التزام مدينة صفد في سنة 1698م ماورد في سجل المحكمة الشرعية لمدينة صيدا الذي يغطى الفترة بين (1698 ـ 1703م) حيث تذكر الوثيقة رقم 4 في السجل «عن تعهد الأميرين منصور الشهابي وبشير الشهابي التزام نفس مدينة صفد مع مواجبها... بمبلغ قدره واحد وتسعون ألف غرش... تحريراً في أواسط شهر رمضان سنة عشرة وماية وألف»([9]). فهذه الوثيقة تؤيد التزام الأمير منصور منطقة صفد تحت سلطة الأمير بشير الشهابي وتدعم بذلك رواية حيدر الشهابي بخصوص الموضوع. ويؤكد سجل المحكمة الشرعية أن والي صيدا في تلك الفترة قبلان باشا وليس أرسلان باشا كما ذكر الشهابي، ويتفق ذلك أيضاً مع فهرس ولاة صيدا لدى عادل إسماعيل([10]). وأن عمر الزيداني على هذا النحو قد تولى التزام صفد تحت حكم الأمـير منصـور. ولكن مـن الحكمـة الافتراض أن عمـر الزيداني لم يُعين لكونه قيسياً فحسب ولكن بسبب قوة سلطته ونفوذه في الجليل([11]). إذ أشارت المصادر إلى بني زيدان بصفتها جماعة وليس أباً وأبنائه الثلاثة كما هو الحال عند عبود الصباغ([12]). فأشار ميخائيل الصباغ إلى الزيادنة بأنها عيلة، وإنهم بين أعمام وأخوة وأولاد أعمام وأولاد أخوة مقدار خمسين نفراً([13]). ويذهب إلى ذلك أيضاً المرادي بقوله: إنهم حمولة كبيرة. فيما أورد حنا سمارة بأنهم «أمة عربية من الحجاز»([14]). ويعتبر ميخائيل الصباغ وسمارة والمرادي أقرب للحقيقة من عبود الصباغ كون أب وثلاثة أبناء لا يمكن أن يبسطوا نفوذهم في فترة قصيرة على هذه المنطقة([15]). ومن الواضح أن عمر الزيداني قد نشأ في بلاد صفد، وأنه عُين أو ثُبت فحسب من قبل الأمير بشير ملتزماً في منطقة صفد([16]). ويؤكد ذلك عبود الصباغ بالاشارة إلى أن والد عمر كان ملتزماً على طبرية. وربما تؤكد رواية عبود الصباغ أيضاً بشكل غير مباشر رواية معركة سلامة بقوله سابق الذكر: «أنه كان في طبرية... رجل فلاح متقدم عن بقية الفلاحين الموجودين في طبرية». فربما جاء تقدم والد عمر عن بقية الفلاحين بوقوع معركة سلامة وتسلمه زعامة المنطقة. كما يؤكد ذلك بصورة غير مباشرة المرادي بقوله سابق الذكر: «وكان والده (أي والد ظاهر) وجده وأعمامه حكاماً بصفد وعكا». وبالتالي فإن مجموعة من العوامل ساهمت في جعل الأمير بشير الشهابي يعين عمر الزيداني ملتزماً على صفد تحت يد الأمير منصور وليس كونه قيسياً فقط.

وبناءً على ما سبق فإن رواية ميخائيل الصباغ بأن الزيادنة قدموا إلى طبرية في سنة 1701م لا يمكن القبول به. ويرجع ذلك إلى أن بروز الزيادنة سنة 1698م يقتضي أن يكونوا أصحاب قدم في المنطقة، ويدعم ذلك عدم دقة ميخائيل الصباغ في تواريخ السنين في كتابه. وبذلك فإن رواية عبود الصباغ حول وجود الزيادنة في طبرية وزعامتهم بها من قبل والد ظاهر وجده تبدو قابلة للتصديق ومرجحة بشكل أكبر([17]). والمرجح أن بني زيدان قدموا إلى الجليل في النصف الثاني من القرن السابع عشر، ووصلوا إلى الزعامة والسلطة خلال العقد الأخير منه. ويشير إلى ذلك محمد كرد علي في كتابه خطط الشام([18]). وكذلك نوفل بالقول: «وكان مقام أبو زيدان وابنه في بلاد صفد حتى انقراض آل معن واستيلاء آل شهاب على حكومة لبنان»([19]) أما قول المؤرخين لمعركة سلامة بنزول زيدان في عرابة البطوف فلا يعني اختلافاً جوهرياً مع عبود الصباغ وميخائيل الصباغ في قولهما بإقامة الزيادنة في طبرية، لأن عرابة البطوف قريبة من طبرية وتابعة لها ولا تعدو أن تكون منطقة منها. ولذلك فإن إشارة المؤرخين إلى طبرية إنما هي في الواقع إشارة إلى عرابة البطوف. ولا يتعارض ذكر المؤرخين الشهابي والشدياق ونوفل بأن بلاد صفد هي مقر إقامة الزيادنة الأول في الجليل مـع الروايتين السـابقتين لأن كلاً مـن طبرية وعرابة البطـوف كانتـا تؤلفان قسماً من بلاد صفد([20]).

ويستنتج مما سبق أن ظهور الزيادنة في الجليل ارتبط بالحزبيات والمشاحنات العائلية والعصبية وما رافقها من تنافر حزبي بين القيسية واليمنية وتنافس على السلطة، وتحول في ميزان القوى بانهيار أمارة بني معن وقيام الشهابيين مكانهم في أواخر القرن السابع عشر، فحل الحكم السني القيسي بدل الحكم الدرزي اليمني في بعض مناطـق بـلاد صفـد طبقاً لمعركـة سلامـة ثم تثبيت حكم عمر الزيداني من قبل الشهابيين.

ويجدر القول أن الزيادنة برزوا كزعامة من داخل المؤسسة الحاكمة العثمانية باعتبارهم ملتزمين للضرائب في منطقة طبرية، فكانوا بذلك استمراراً لظاهرة قديمة تمثلت بالأمراء السابقين الذين عهدت الدولة إليهم بجمع الضرائب كملتزمين ثم عينتهم حكاماً محليين([21]).



([1])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص15 ـ 17.

([2])   منصور ـ تاريخ الناصرة، ص48. المعلوف ـ دواني القطوف، ص130.

([3])   القساطلي ـ ملخص تاريخ الزيادنة، الجنان، مجلد24، 1877، ص848.

([4])   قرية سلامة: تقع جنوب قرية الرامة بنحو 5 كيلومترات. وتقع غربي الوادي المعروف باسمها «وادي سلامة» وتحولت إلى خربة من الانقاض إثر هذا الحادث.

([5])   القساطلي، ملخص تاريخ الزيادنة، الجنان، مجلد24، 1877، ص848. منصور ـ تاريخ الناصرة، ص49. المعلوف، تاريخ الشيخ ظاهر العمر الزيداني، المشرق، مجلد24، 1926، ص539. كرد علي ـ خطط / ج2، ص287 ـ 288.

([6])   معمر ـ ظاهر العمر، ص29 ـ 30

([7])   الشهابي ـ لبنان، ج1، ص5 ـ 6.

([8])   الشدياق ـ أخبار الأعيان، ج2، ص657. نوفل ـ كشف اللثام، ص182. الدبس ـ تاريخ سوريا، مجلد7، ج4، ص366 ـ 367.

([9])   مجذوب ـ سجلات المحاكم الشرعية من مصادر تاريخ لبنان في القرن الثامن عشر، أوراق لبنانية، عدد 10/ 11، 1996، ص54.

([10])   اسماعيل ـ تاريخ لبنان، الوثائق الدبلوماسية، ق1، ج1، ص304.

([11])   Cohen ـ Palestine , P. 8.

([12])   عبود الصباغ ـ الروض الزاهر، ص1 ب.

([13])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص15.

([14])   انظر ص27.

([15])   أبو دية ـ عكا 1750 ـ 1804، ص56.

([16])   Rafeq ـ The Province. P. 127.

([17])   Cohen ـ Palestine , P. 91.

([18])   كرد على ـ خطط، ج2، ص299.

([19])   نوفل، كشف اللثام، ص182.

([20])   معمر ـ ظاهر العمر، ص27 ـ 28.

([21])   رافق ـ فلسطين في العهد العثماني، ص708.

الموضوعات