توسع ظاهر العمر في جبل عجلون وباقي أنحاء جنوب غرب بلاد الشام
توسع ظاهـر العمـر في جبـل عجلـون وباقـي أنحاء جنوب غرب بلاد الشام
كتب الأستاذ الدكتور خالد محمد صافي حول هذا الموضوع في كتابه " ظاهر العمر الزيداني حاكم الجليل في القرن الثاني عشر ( 1689-1775 م) والذي صدر عن دار المقتبس في بيروت سنة 1439هـ-2018 م
فقال:
شهدت الفترة بين 1770 ـ 1774م حركة توسع كبيرة قام بها ظاهر العمر على أثر صراعه مع ولاة دمشق وعثمان باشا المصري. وساهم في هذا التوسع قدوم القوات المصرية إلى بلاد الشام مما دفع ظاهر إلى التوسع جنوباً لتأمين اتصاله بالقوات المصرية. كما أنه توسع شرقاً نحو جبل عجلون مستغلاً تحول ميزان القوة لصالحه بتحالفه مع المتاولة وعلي بك الكبير، وتحقيقه الانتصارات على والي دمشق وباقي ولاة بلاد الشام الداعمين له، وسيتم أولاً تناول حركة التوسع التي قام بها في جبل عجلون.
أ ـ جبل عجلون:
كان جبل عجلون في القرن الثامن عشر جزءاً من سنجق جبل عجلون واللجون الذي كان جزءاً من ولاية دمشق، بعد أن شكل في القرن السابع عشر سنجقاً منفرداً. ويحد جبل عجلون من الجنوب وادي الزرقاء ومن الغرب بنهر الأردن ومن الشمال بنهر اليرموك. وينقسم جبل عجلون إلى أربع نواحٍ. وبالرغم من أن المركز الإداري لسنجق عجلون واللجون يقع في منطقة جنين إلا أن السيطرة الداخلية داخل السنجق لا سيما في جبل عجلون كانت لقبائل البدو([1]). وتختلف المصادر في تاريخ سيطرة أحمد الظاهر على عجلون، فأشار عبود الصباغ إلى أن أحمد كان مقيماً عند أخيه الأكبر صليبي ثم بعد ذلك حكم عجلون دون الإشارة إلى تاريخ حدوث ذلك([2])، بينما أشار بريك إلى توسع ظاهر فـي جبـل عجلـون عنـد تناولـه أحداث سنـة 1772م([3]). بينما أورد ابن الصديق ذلك بالقول «في خمسة قلت من ذي القعدة 1185ﻫ / 10 شباط 1771م أجا خبر أن ظاهر العمر أرسل ولده أحمد إلى إربد حاكماً من طرفه يضبط جميع القرايا والميرى العائد إلى والي الشام»([4])، وبالتالي فإن من المرجح أن امتداد حكم ظاهر على عجلون قد تم في أواخر سنة 1771م وبداية سنة 1772م.
وأرجعت بعض الروايات المتأخرة محاولات ظاهر العمر للتوسع في شرق الأردن إلى سنة 1760م فذكر فردريك بيك «بعث ظاهر العمر صاحب عكا قبيلة الزيادنة بقيادة قاسم السعيد لغزو العدوان. وانتصر قاسم والجأ العدوان إلى الهرب إلىمنطقة الكرك واحتل قلعة الصلت. ولكن صالحاً شقيق ذياب بقى نازلاً في شونه نمرين، وبينما كانت قافلة تسير بين نابلس والصلت حاملة ذخائر وأسلحة إلى قاسم خرج عليها صالح وسلبها. وعندها هاجم قاسم جموعة وزحف بها إلى الغور لتأديب صالح ومعاقبته، ولكنه انكسروقتل وبذلك أصبح صالح زعيم البلقاء بلا منازع»([5]).
ويبدو من الرواية أن هذا الهجوم على العدوان لم يكن سوى غزوة لتأديب قبيلة العدوان وليس حركة توسعية من ظاهر العمر، ولا سيما أنه في هذه الفترة (1760م) كان منشغلاً بإعداد نفسه للحرب بعد تعيين عثمان باشا الكرجي والياً على دمشق الذي ناصب ظاهراً العداء([6]). وبالتالي لم يكن ظاهر في وضع يسمح له بالتوسع وإحداث استفزاز أكبر لعثمان باشا الكرجي حتى لا يعطيه الفرصة لمهاجمته.
اعترف محمد باشا العظم والي دمشق بسلطة أحمد الظاهر على عجلون التابعة لولاية دمشق، ويعود ذلك ربما إلى عدم قدرته على استردادها منه، إضافة إلى محاولة محمد باشا العظم اتباع سياسة استرضاء لظاهر العمر([7]). وأشار القساطلي إلى أن اتفاقاً قد تم بين محمد باشا العظم وأحمد الظاهر، اُعترف فيه بسلطة الأخير على جبل عجلون مقابل توقفه عن مهاجمة قرى حوران([8]). حيث أن أحمد الظاهر وخلال فترة حكمه على عجلون قاد عدة هجمات على حوران بمساعدة عرب الصبيح([9]).
وقال توفيق معمر حول حكم أحمد الظاهر في عجلون: أقام أحمد الظاهر في تلك الديار ثلاثة شيوخ من أهلها الأول جعله على جبل عجلون، والثاني على الكورة، والثالث على فريح كفربجة. ولكنهم عجزوا عن إقرار الأمن في تلك الربوع وتهدئة خواطر سكانها فعزلهم وولى مكانهم الشيخ يوسف الشريدة، (المقصود رباع الشريدة) وكان حكمه حازماً بخلاف المشايخ الثلاثة، ونال إعجاب أحمد الظاهر فقيل في ذلك شعراً يندد بمشايخ جبل عجلون ويتهمهم بالضعف والخفة فقال الشاعر:
عزك ياصفد وأحمد بتبنه | وعن ضروب الجهل يابوي تبنا |
أنا أحسابك دهب وتراك تبنه | خفيـف و طيـرك نسـم الهـوا |
وحكم أحمد الظاهر جبل عجلون بالعدل وأطاعته تلك الديار من فلاحين وعربان وكانو يقولون إن حكمه حق([10]). ولكن فردريك بيك ذكر أن حكم أحمد الظاهر كان أقرب إلى العسف والظلم منه إلى العدل مما دفع عشيرة الخصاونة المسيطرة على ناحية بني عبيد بدعم من حلفائها بالتحالف مع الأمير العجيلي شيخ قبيلة الفحيلي النازلة في عجلون على طرد الزيادنة. ولكن أحمد الظاهر علم بذلك وقتل موسى محمد زعيم الخصاونة وألقى القبض على شيوخ الخصاونة وأحضرهم إلى تبنه. وعندما قُتل ظاهر العمر وخرج الزيادنة من منطقة عجلون لحق بهم الخصاونة ونكلوا بهم ونهبوا متاعهم وأموالهم. وبعد حكم الزيادنة آل حكم عجلون إلى عشيرة الشريدة([11]).
ب ـ حركة التوسع في الجنوب الغربي لبلاد الشام:
استولى ظاهر العمر عند قدوم الجيش المصري بقيادة إسماعيل بك أواخر 1771م على غزة والرملة، وقد رحب سكانها بالحكم المصري وحكم ظاهر العمر نظراً لظلم عثمان باشا الكرجي وتعسفه تجاههم، وقيامه بقمع ثوراتهم التي اندلعت في سنة 1767م([12])، والتي وجدت الدعم والتأييد من قبل ظاهر العمر([13]). وبعد فرار عثمان باشا الكرجي إلى دمشق وعدم مواجهته لقوات ظاهر العمر واسماعيل بك قرب يافا في كانون الأول 1770م قام ظاهر العمر وإسماعيل بك بالاستيلاء على يافا التي رحب بعض سكانها بحكم ظاهر العمر. وكسب الحليفان بذلك ميناء آخر بجانب عكا لاستخدامه لإنزال المعدات المنقولة بحراً من مصر([14]). وأرسل علي بك رسالة في رمضان 1185ﻫ/ كانون الأول 1770م إلى متسلم القدس إبراهيم آغا يعلمه بإرسال قائمقام للقدس من طرفه، فمزق المتسلم واعيان المدينة الرسالة واستنجدوا بوالي دمشق عثمان باشا الكرجي الذي أرسل لهم عشرة أحمال صحبها باش جاويش حسن آغا([15]). ولكن لم تتخذ أي خطوات هجومية على القدس في ذلك الوقت. وبعد عودة أبي الذهب إلى مصر في تموز 1771م أعاد الموالون لعثمان باشا الكرجي السيطرة على غزة والرملة([16]). ولكن أهالي غزة قاموا بالثورة في جمادى الآخرة / أيلول 1771م ضد متسلمها محمد أبي مرق الذي فر برجاله إلى دمشق وعادت غزة إلى حكم ظاهر العمر والمصريين([17]). وقام علي الظاهر في شعبان 1185ﻫ/ تشرين الأول 1771م بحملة لتوطيد السيطرة على غزة، واحتل قلعة بيت جبرين في منطقة الخليل([18]). وتمكنت عناصر مؤيدة لعثمان باشا الكرجي في يافا بقيادةآل طوقان من استعادةيافا في سنة 1772م، ولكن ظاهر العمر وعلي بك قاموا بحصارها بين تموز 1772م حتى شباط 1773م حيث استسلمت لهما. وأحكم ظاهر السيطرة على الرملة وغزة لتمهيد الطريق أمام علي بك للعودة إلى مصر، وفي أثناء وداعه لعي بك في غزة أرسل ظاهر العمر حلفاءه البدو لحصار القدس، فقاموا بمنع وصول الإمدادات للمدينة. وأشار القنصل الفرنسي في صيدا آنذاك إلى فعالية هذه الإستراتيجية بقوله: «إن ظاهراً سيستولي على المدينة دون أن يطلق طلقة واحدة»([19]). ولكن ظاهراً رفع الحصار عن المدينة المقدسة، وارتدت قواته إلى يافا. وتخلى عن الاستيلاء عليها([20]). وذكر عبود الصباغ أن ظاهراً استولى على الجبال المحيطة بالقدس ولكن المدينة بقيت في يد متسلمها إبراهيم آغا([21]). وعين ظاهـر ابـن عمـه كريـم الأيـوب حاكماً علـى يـافا وجبال القدس والخليل، وأمره بتحصين يافا([22]). وبذلك استطاع ظاهر العمر السيطرة على معظم أنحاء جنوب غرب بلاد الشام بحلول منتصف 1773م، وأصبحت بلاد نابلس حليفة له واستولى على بلاد عجلون وصيدا. وقد قال الشهابي في سنة 1188ﻫ/ 1774م «وكان حكمه على عكا وصيدا وحيفا ويافا والرملة وجبل نابلوس، وبلاد إربد وبلاد صفد كانت بيد ولده الشيخ علي. وكان جميع بني متوال تحت أمره»([23]).