سياسة ظاهر العمر الزيداني الاقتصادية
سياسة ظاهر العمر الزيداني الاقتصادية
كتب الأستاذ الدكتور خالد محمد صافي حول هذا الموضوع في كتابه " ظاهر العمر الزيداني حاكم الجليل في القرن الثاني عشر ( 1689-1775 م) والذي صدر عن دار المقتبس في بيروت سنة 1439هـ-2018 م
فقال:
سعى ظاهر العمر إلى إقامة كيان مستقر يتمتع بقوة عسكرية واقتصادية تكفل له الاستمرار، فأبدى اهتماماً كبيراً بنهوض اقتصادي يحقق الرخاء والازدهار لمناطـق حكمـه، ويوفـر دخلاً ملائماً للإنفاق علـى الجوانب الإدارية والعسكرية لنظام الحكم. فشرع في توطيد الأمن والنظام إذ بدونها لا يمكن للزارعة أن تنمو وللتجارة أن تزدهر.
واتخذ ظاهر العمر سلسلة من الإجراءات ساهمت في إحداث نقلة وتطور كبير في النشاط الزراعي. وشجع التوسع في زراعة محاصيل لها رواج وعليها طلب متزايد في سوق التجارة الدولية مثل القطن الذي شهدت مناطق الجليل في عهد ظاهر طفرة في إنتاجه. واتبع ظاهر سياسة مالية معتدلة تجاه الفلاحين مما ساعدهم على العودة إلى أراضيهم وزراعتها. وأصبحت بلاده تستقبل اعداداً متزايدة من السكان المسلمين والمسيحيين الفارين من الظلم والتعسف وانعدام الأمن في الولايات المجاورة. ولم يكتف ظاهر بذلك بل وجه الدعوات لليهود وغيرهم للقدوم إلى مناطق حكمه للمساهمة في النشاط الاقتصادي.
وكان إدراك ظاهر بأن اشتراكه في التجارة الدولية عامل حاسم في صعوده السياسي والعسكري والاقتصادي دافعاً له للإهتمام بالتجارة بصورة حماسية طيلة أيام حياته. فحّول عكا إلى عاصمة إدارية وسياسية واقتصادية لجنوب غرب بلاد الشام وأصبحت في عهده أهم موانيء الساحل الجنوبي الغربي لبلاد الشام، وتفوقت في عدد السكان والنشاط التجاري على مدينة صيدا الميناء الأهم طيلة الفترة السابقة. ونجح في نقل مركز التجارة في بلاد الشام من حلب في الشمال التي سيطرت على النشاط التجاري طيلة القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر إلى جنوب بلاد الشام. وصارت عكا ودمشق محوري النشاط الاقتصادي في بلاد الشام في منتصف القرن الثامن عشر. وأقام علاقات تجارية واسعة مع الفرنسيين الذين بسطوا سيطرتهم بلا مزاحمة تذكر من الدول الأوروبية الأخرى على التجارة الخارجية لجنوب غرب بلاد الشام.
وكان اهتمام ظاهر العمر بتطوير الصناعة في مناطق حكمه اهتماماً محدوداً تبعاً للاتجاه السائد في الامبراطورية العثمانية في ذلك الوقت الذي يركز على الزراعة والتجارة بصورة رئيسية.
ولكن النهضة الاقتصادية التي قامت على الاستقرار والأمن في مناطق ظاهر أصابها التدهور عندما انتابت البلاد الحروب والاضطرابات السياسية في سنوات السبعينات. فتراجعت الزارعة وتدهورت التجارة. وسيتناول الحديث في هذا الفصل سياسة ظاهـر العمـر الاقتصاديـة فـي مجالات الزراعـة والتجارة والصناعة.