علاقة ظاهر العمر بالقوى السياسية المجاورة في بلاد الشام
علاقة ظاهر العمر الزيداني
بالقوى السياسية المجاورة في بلاد الشام
كتب الأستاذ الدكتور خالد محمد صافي حول هذا الموضوع في كتابه " ظاهر العمر الزيداني حاكم الجليل في القرن الثاني عشر ( 1689-1775 م) والذي صدر عن دار المقتبس في بيروت سنة 1439هـ-2018 م
فقال:
بدأ ظاهر العمر سلطته ملتزماً على مناطق طبرية وعرابة البطوف والدامون في الثلث الأول مـن القرن الثامن عشر. وكانت سلطتـه في هذه المرحلـة محدودة على الصعد كافة السياسية والعسكرية والاقتصادية، وقد ارتبط خلالها بوالي صيدا باعتباره أحد ملتزمي الولاية. ويستمد سلطته وشرعيته من الوالي الذي يعتبر أحد مراكز القوة في جنوب بلاد الشام.
وأدت حركة التوسع التي قام بها ظاهر العمر في فترة الثلاثين والأربعين إلى بروزه كقوة سياسية رئيسية في بلاد الشام. وأصبحت عاصمته عكا من أهم المراكز السياسية، وزاحم القوى السياسية الأخرى النفوذ والسيطرة في بلاد الشام. وتفوق عسكرياً على مسؤوله المباشر، فأحدث ذلك تحولاً في طبيعة العلاقة بين الطرفين، إذ أصبح ظاهر العمر صاحب النفوذ القوي في الولاية.
وجاءت تعديات ظاهر العمر على سنجق اللجون وعجلون الذي يشكل أحد سناجق ولاية دمشق كبرى ولايات بلاد الشام وأكثرها نفوذاً وأهمية بداية الاحتكاك بين قوته الطموحة والمتنامية وبين ولاة الولاية. وتنازعت القوتان على بسط النفوذ والسيطرة على جنوب غرب بلاد الشام. وساهم عجز والي صيدا عن مواجهة ظاهر العمر في انتقال زمام المبادرة تجاه ذلك إلى والي دمشق. وصار ولاة دمشق يمثلون سياسة الباب العالي في مواجهة تعاظم قوة ظاهر العمر التي شكلت مصدر قلق للباب العالي وللقوى السياسية الأخرى في المنطقة. وشهدت العلاقة بين ظاهر العمر وولاة دمشق مراحل عديدة من الصراع تخللها فترات من التعايش السلمي وعدم الاحتكاك تبعاً لقوة الولاة وسياستهم ومدى تطبيقهم لسياسة الباب العالي.
وكانت حدود ظاهر العمر الشمالية تتاخم حدود جبل عامل الذي يحكمه المتاولة، وقد شكلوا قوة سياسية ذات نفوذ في جنوب غرب بلاد الشام. وتبدلت العلاقة بين ظاهر العمر والمتاولة وفق الظروف السياسية التي شهدتها المنطقة. وانتقل الطرفان من حالـة الصراع إلى مرحلـة مـن التحالف الوثيـق استمر حتى قبيل نهاية ظاهر العمر حيث ساهمت عوامل سياسية أخرى في تفكك عرى هذا التحالف.
واستطاع الشهابيون الذين خلفوا المعنيين في حكم جبل الشوف في نهاية القرن السابع عشر تكوين قوة سياسية وعسكرية لها وجودها القوي في بلاد الشام. واتخذوا من ديرالقمر عاصمة لهم. وقاسم الشهابيون ظاهر العمر النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي في جنوب غرب بلاد الشام. ومرت العلاقات بين الطرفين بمراحل عديدة طبقاً لأهداف ومصالح كلٍ منهما.
كان من الطبيعي أن تتفاعل القوة السياسية والعسكرية التي أقامها ظاهر العمر مع القوى السياسية المجاورة. فكل قوة من هذه القوى كان لها مصالحها وأهدافها الخاصة. وتنافست فيما بينها على النفوذ والسيطرة في جنوب بلاد الشام. وأقامت هذه القوى تحالفات وتكتلات من أجل إحداث التفوق العسكري على الطـرف المقابـل. وشهـدت فـترة السبعيـن مـن القـرن الثامن عشر احتدام الصراع بين هذه القوى. وتحولت مناطق جنوب بلاد الشام إلى ساحات للقتال بين الأطراف المتصارعة. وتدخلت في هذا الصراع أطراف أخرى من داخل بلاد الشام وخارجها في محاولة ترجيح قوة طرف على آخر تبعاً للأهداف المنشودة. وساهم ظاهر العمر بدورٍ محوري في هذه التحالفات والصراعات.
ويستعرض هذا الفصل علاقة ظاهر العمر مع القوى السياسية المجاورة في بلاد الشام والمراحل التي مرت بها هذه العلاقات. وتم فيه تناول علاقة ظاهر العمر مع الباب العالي من خلال علاقاته مع ولاة دمشق وصيدا باعتبار هؤلاء ممثلي سلطة الباب العالي في المنطقة.