جاري التحميل

علاقة ظاهر العمر بالمتاولة

الموضوعات

علاقة ظاهر العمر الزيداني بالمتاولة

 

كتب الأستاذ الدكتور خالد محمد صافي حول هذا الموضوع في كتابه " ظاهر العمر الزيداني حاكم الجليل في القرن الثاني عشر ( 1689-1775 م) والذي صدر عن دار المقتبس في بيروت سنة   1439هـ-2018 م

فقال:

تأرجحت علاقة ظاهر العمر بالمتاولة بين النزاع والتحالف الذي تخلى عنه المتاولة أخيراً لظروف سياسية شهدتها المنطقة. وقام المتاولة بدورٍ بارزٍ على الصعيدين العسكري والسياسي ولاسيما في الفترة الأخيرة من حكم ظاهر العمر (1770 ـ 1775م).

اختلفت المصادر حول علاقة الطرفين في المراحل الأولى من حكم ظاهر، فعبود الصباغ أشار إلى قتال حدث في طربيخا([1]) ضمن تسلسل الأحداث لديه قبل استيلاء ظاهر على عكا. وجعل المعركة بين ظاهر والدروز، وهذا مخالف للحقائق التاريخية فقد قال: «وكذلك حارب الدروز وأوقع منهم مقتلة عظيمة في أرض طربيخة»([2]). أما ميخائيل الصباغ فإنه يتحدث عن المعركة بتفصيل أكثر، ولكنه جعل المعركة قبل استيلاء ظاهر على عكا أيضاً([3]) ولكن المصادر العاملية أشارت إلى وقوع هذه المعركة في سنة 1766م وهو الأدق والمرجح([4]).

ولكن قبـل تناول معركـة طربيخا وما تبعهـا فـي فتـرة الستيـن، لابد من الإشارة إلى أن المراحل الأولى من حكم ظاهر العمر شهدت عدم احتكاك بين الطرفين. حيث انشغل كل طرف بتنمية وتقوية ذاته عسكرياً واقتصادياً. وبالرغم من أن البديري أشار إلى اشتراك المتاولة مع سليمان باشا العظم في حملته الأخيرة على ظاهر العمر سنة 1743م بقوله: إن سليمان باشا أثناء سيره لقتال ظاهر العمر نزل على مرج القَدَس في بلاد المتاولة، وأخذ معه شيخ المتاولة ناصيف نصار ومعه نحو من أربعمائة شخص([5]). ولكن هذه الرواية ينتابها الشك كون البديري نفسه يناقضها عندما أشار في نهاية روايته التي نقلها كما ذَكر عن ثقة إلى أنه أثناء عودة عسكر دمشق بجثة سليمان باشا بلغهم أن خمسة آلاف من المتاولة كامنون لهم عند جسر بنات يعقوب «فرحلوا في أول الليل، وجدوّا في السير، فلطف اللطيف ووصلوا للشام قبل طلوع الفجر»([6]). وبالتالي فإن العلاقة بين سليمان باشا والمتاولة كانت علاقة عدائية، وهذا ما تؤكده المصادر الأخـرى كالشهابـي والسبيتـي([7]). ونتيجـة لـذلك فإن روايـة البديـري الأولى لا يمكن القبول بها.

ويبدو مرجحاً أن بداية الاحتكاك بين الطرفين تمت في الستينيات من القرن الثامن عشر. وأن ذلك بدأ بدعم ناصيف نصار لتمرد عثمان بن ظاهر ضد أبيه، وفي ذلك يقول الركيني: «في22 ذي الحجة سنة 1179 ﻫ (2حزيران 1766م) ركبت عساكر بلاد شقيف وبلاد بشارة وإقليم التفاح على بلاد صفد وعثمان الظاهر معهم أيضاً»([8]). وقام ظاهر في 23 ربيع الثاني 1179ﻫ/ 29 أيلول 1766م بالهجوم على قرية البصة وقتل بعض سكانها، ثم هجم على قرية طربيخا في 8 جمادى الأولى / 8 تشرين الأول مما أدى إلى القتال بين ظاهر العمر وناصيف نصار. ويبدو من تقارب الفترة بين الحادثين (حوالي عشرة أيام) ارتباطهماببعضهما. وأن قيـام ظاهـر بمهاجمـة البصـة ثم طربيخا يُشير إلـى نيـة ظاهر على الهجوم والاستيلاء عليهما. وهذا يتفق مع ماذكره ميخائيل الصباغ من استيلاء ظاهر علـى البصـة ثـم وقـوع الحرب بيـن الطرفيـن في طربيخا التـي دافع عنها ناصيف نصار. ونسب مؤرخا ظاهر العمر عبود وميخائيل الصباغ النصر لظاهر فيما نسبت المصادر العاملية النصر لناصيف نصار([9]).

وتعتبر معركة طربيخا آخر المعارك المهمة بين الطرفين، فقد تبع ذلك مرحلة من التحالف الوثيق استمرت حتى قبيل نهاية ظاهر العمر. وذكر الزين أن ظاهراً أدرك عدم قدرته على ضم بلاد المتاولة بالقوة والعنف مما دفعه إلى كسبهم بالمصالحة والتحالف([10]). وقد شعر الطرفان أهمية التحالف بينهما ضد القوى السياسية المحيطة بهما، فالمتاولة تعرضوا طيلة القرن الثامن عشر لهجمات الشهابيين بتحريض من ولاة صيدا، أو نتيجة رغبة الشهابيين في السيطرة على جبل عامل. بينما ظاهر العمر يواجه سياسة عدائية من قبل عثمان باشا الكرجي والي دمشق. وأنه بتحالفه مع المتاولة يستطيع الوقوف في مواجهة عثمان الكرجي نظـراً لتوافـر العـدد والعـدة لـدى المتاولـة([11]). إضـافـة إلـى اعتبار ظاهـر جبل عامل بمثابـة خط دفاعي عـن نواحي صفـد فـي وجـه ولاة السلطنة وحلفائهم المحليين لا سيما الشهابيين في ضوء عدم اطمئنان ظاهر لسياسة الشهابيين المتقلبة([12]). وخاصة أن الشهابيين وضعوا أنفسهم في القرن الثامن عشر في خدمة ولاة الدولة العثمانية في معظم الأحيان.

واجتمع ظاهر في 17 ربيع الأول 1181ﻫ/ 14 آب 1767م مع مشايخ المتاولة في صور، ثم ذهب بعد ذلك للاجتماع بأمراء الشهابيين في وادي التيم([13]). وأسفر ذلك عن تحالف توسط لعقده الأمراء الشهابيون في وادي التيم على رأسهم الأمير إسماعيل وحلفائهم الجنبلاطين وكانو آنذاك على علاقة حسنة بالطرفين([14]). وذكر قنصل فرنسا بصيدا المسيو «كليرامبوا Clairambault» في رسالة منه إلى وزير الدولة الفرنسية «الدوق دي براسلان «Duc Due Praslin» بتاريخ 23 نيسان 1767م جاء فيها» وصل إلى هنا الأمير إسماعيل (أمير وادي التيم) وثلاثة من مشايخ الدروز هم: الشيخ على جنبلاط، والشيخ عبد السلام العماد، والشيخ كليب النادي. وهؤلاء يعاضدون الشيخ ناصيف. فعملوا على إحلال الوفاق بينه وبين الشيخ ظاهر العمر»([15]) وفي الثامن من رجب 1181ﻫ / كانون الأول 1767م توجه الشيخ ناصيف إلى عكا حيث تم توقيع الصلح بينه وبين ظاهر العمر([16]). ونص هذا الصلح كما ذكر ميخائيل الصباغ «على أن تكون البصة ويارون لظاهر مضافة إلى بلاده. وأن جميع بلاد المتاولة لا يكون لهم مع الباشا شأن في دفع مال الميري بل يكون ذلك مع ظاهر وهو يمنع عنهم كل ظلم يأتي عليهم من قبل الباشا ويساعدهم على كل من ناوأهم وأراد قتالهم. وكذلك إذا وقع على ظاهر حرب وطلب مساعدتهم فيكونون أول المساعدين له (أي تحالفوا محالفة هجومية دفاعية)... وجدد له ناصيف اليمين علىالسيف والمصحف أن يكون هو وقومه معه يداً واحدة ورجع إلى بلاده وفرح المتاولة بذلك»([17]).

وتنفي المصادر العاملية أي تنازل لظاهر عن البصة أو أي مناطق أخرى، وذكرت أن ظاهراً تنازل عن البصة في مقابل استرداد فرسه البريصة([18]). ومن الجدير بالذكر أن تاريخ التحالف سنة 1767م يخالف ما ذكره ميخائيل الصباغ. فحسب النصوص كان التحالف معاهدة دفاعية هجومية. وقد حدثت في الفترة بين (1737م) التاريخ المفترض لرواية ميخائيل الصباغ وبين 1767م معارك عديدة بين المتاولة والدروز دون ذكر مساهمة ظاهر العمر في ذلك، فيما ترد المعارك المشتركة بعد سنة 1767م (وهي سنة التحالف حسب المصادر العاملية والشهابية والفرنسية) وهذا يبرز أن التحالف لم يكن قائماً قبل سنة 1767م. وهذا يدفعنا إلى استبعاد التسلسل التاريخي الوارد عند كل من عبود الصباغ وميخائيل الصباغ بخصوص معركة طربيخا والتحالف بين الطرفين.

وشكل هذا التحالف بداية ونواة التحالف الثلاثي الذي تم لاحقاً بين ظاهر العمر، وناصيف نصار، وعلي بك الكبير. وقد أثبت المتاولة أنهم حلفاء ظاهر الأكثر ولاءً وإخلاصاً في معاركه العسكرية حتى بداية سنة 1775([19]). ونتج عن هذا التحالف مشاركة المتاولة لظاهر العمر في خمس عشرة عملية عسكرية كان النصر فيها للمتحالفين، منها أربع حملات ضد مشايخ نابلس، والعربان، وحصار يافا. وأربع حملات في معارك دمشق والحولة ومعركتي النبطية وسهل الغازية قرب صيدا. وسبع تجريدات قام بها ظاهر في السنوات بين 1769 ـ 1771م وانتهت دون قتال بسبب تراجع الخصوم في اللحظات الأخيرة([20]). وضِمْنَ ذلك مساندتهم له عسكرياً ضد ثورات أبنائه([21]).

ولكن عندما قـاد أبـو الذهـب حملتـه ضد ظاهـر العمـر في أذار 1775م وسيطر على المدن الساحلية في الجنوب الغربي لبلاد الشام، ودخل عكا عاصمة ظاهر العمر، شعر مشايخ جبل عامل بعجزهم وعجز حليفهم ظاهر عن مواجهة المستجدات. إذ هرب ظاهر إلى قلعة هونين ليجتمع هناك بمشايخ المتاولة ليتدبر معهم فيما يجب عمله([22]). ولكن تخلي المتاوله عنه دفعه للهرب إلى قبيلة عنزة، إذ سارع مشايخ جبل عامل إلى مقابلة أبي الذهب في عكا حيث استقبلهم وأعطاهم الأمان([23]). وبذلك تفكك التحالف القائم بين ظاهر العمر والمتاولة، هذا التحالف الذي حقق النصر في جميع المعارك التي خاضوها سوياً، و بعد وفاة أبي الذهب عاد ظاهر إلى عكا بعد أن فقد عملياً كل حليف أو نصير وواجه مصيره وحده([24]).

وحاول المؤرخون العامليون تبرير تخلي المتاولة عن حليفهم ظاهر في لحظته الحرجة. فذكر ترحيني أن التخلي لم يكن تحدياً له أو نكثاً لعهودهم معه بل حفاظاً على جبلهم من الخراب([25]). وقال علي الزين: «وعذرهم الوجيه في ذلك أنهم بعد مقتل علي بيك حليف ظاهر العمر وحليفهم وانتهاء دولته في مصر. وبعد أن بدت علامات صلح الدولة العثمانية مع الروس وانسحاب أسطولهم من البحر المتوسط، وإثر انقلاب أبي الذهب إلى جانب الدولة على ظاهر وحلفائه. بعد كل هذه المفاجأت شعروا بعجزهم وعجز ظاهر معاً عن مجابهة الأحداث التي بدأوا يترقبونها والتي كان ظاهر نفسه يشعر بخطرها. وان ثبات المتاولة في مثل هذه الأحوال ومقاومتهم… لم يكن له من نتيجة سوى تلاشي نفوذهم ونفوذ ظاهر أو انقراض الجميع. ولهذا لا يستغرب أن يتوجه مشايخ المتاولة يومئذ إلى مقابلة أبي الذهب بعد أن احتل عكا»([26]).

ولكن الحقيقة أن المتاولة لم يتخلوا عن ظاهر فقط ليواجه مصيره بمفرده بل وقفوا إلى جانب أحمد باشا الجزار بعد وفاة ظاهر العمر وحاربوا معه ضد علي الظاهر([27])، وهذا يشير إلى محاولة المتاولة التعامل مع المستجدات الحديثة والتخلي عن سياستهم السابقة.



([1])   طربيخا: أو تربيخا قرية تقع في الشمال الشرقي من عكا. وكانت طربيخا في العهد العثماني من أعمال صور. وبعد الحرب العالمية الأولى بقيت لبنانية. ثم الحقت بفلسطين بعد تعديل الحدود عام 1923. انظر شراب ـ معجم بلدان فلسطين، ص223.

([2])   عبود الصباغ ـ الروض الزاهر، ص 7ظ.

([3])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص40.

([4])   أنظر ص 79.

([5])   البديري الحلاق ـ حوادث، ص42 ـ 43.

([6])   المصدر نفسه، ص48.

([7])   الشهابي ـ لبنان، ج1، ص32. السبيتي ـ جبل عامل في قرنين، العرفان، مجلد 5، ج1، 1913، ص21.

([8])   الركيني ـ جبل عامل في قرن، العرفان، مجلد28، ج7، كانون الأول 1937، ص628.

([9])   عبود الصباغ ـ الروض الزاهر، ص 7ظ. ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص40. الركيني ـ جبل عامل في قرن. العرفان، مجلد 28، ج7، كانون الأول 1938، ص 628. السبيتي ـ جبل عامل في قرنين، العرفان، مجلد 5، 1913م، ص 21.

([10])   علي الزين ـ للبحث عن تاريخنا في لبنان، ص 488.

([11])   بازيلي ـ سوريا، ص52. Volney ـ Travels , II , P. 100. Mariti ـ Travels , II , P. 100.

([12])   أحمد حطيط ـ 1991، جبل عامل في قرن ـ دراسة في حولية حيدر رضا الركيني، المؤتمر الأول للجمعية اللبنانية للدراسات العثمانية (لبنان في القرن الثامن عشر). الجامعة اللبنانية، 1991، ص69.

([13])   الركيني ـ جبل عامل في قرن، العرفان، مجلد 27، ج8، كانون ثاني 1938، ص736.

([14])   الشهابي ـ لبنان، ج1، ص67.

([15])   Ismail ـ Documents , II , P. 151.

([16])   الركيني ـ جبل عامل في قرن، العرفان، مجلد 27، ج8، 1938، ص736.

([17])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص40 ـ 41.

([18])   آل صفا ـ تاريخ جبل عامل، ص119.

([19])   Cohen ـ Palestine , P. 84.

([20])   أحمد حطيط ـ جبل عامل في قرن، دراسة في حولية رضا الركيني، المؤتمر الأول للجمعية اللبنانية للدراسات العثمانية (لبنان في القرن الثامن عشر )، الجامعة اللبنانية، 1991، ص70 ـ 77.

([21])   الركيني ـ جبل عامل في قرن، العرفان، مجلد 27، ج9، 1938، ص815.

([22])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص134.

([23])   الركيني ـ جبل عامل في قرن، العرفان، مجلد، ج3، 1938، ص255. السبيتي ـ جبل عامل في قرنين، العرفان، مجلد5، ج1، 1913، ص22.

([24])   السويد ـ التاريخ العسكري، ج2، ص119.

([25])   ترحيني ـ الشيخ أحمد رضا والفكر العاملي، ص23.

([26])   علي الزين ـ للبحث عن تاريخنا في لبنان، ص548 ـ 549.

([27])   الركيني ـ جبل عامل في قرن، العرفان، مجلد28، ج4، 1938، ص350.

الموضوعات