علاقة ظاهر العمر بإنجلترا
علاقة ظاهر العمر الزيداني بإنجلترا
كتب الأستاذ الدكتور خالد محمد صافي حول هذا الموضوع في كتابه " ظاهر العمر الزيداني حاكم الجليل في القرن الثاني عشر ( 1689-1775 م) والذي صدر عن دار المقتبس في بيروت سنة 1439هـ-2018 م
فقال:
تشابه موقف إنجلترا تجاه العصبيات الثائـرة على الدولـة العثمانيـة إلى حدٍ ما مع الموقف الفرنسي، واحتكمت إنجلترا في ذلك للاعتبارات نفسها التي تستـوجب عـدم دعم هذه العصبيات، والتـي تم ذكـرها سابقاً([1]). والحقيقة أن دعم إنجلترا لتكامل الدولة العثمانية الإقليمي لم يأت من سياسة انجليزية ثابته محددة، بل كان يأتي من زاوية الموقف الأوروبي نفسه([2]). وكانت السياسة الإنجليزية الأوروبية والدولية تقوم بصفة أساسية على العداء لفرنسا، فكان لابد أن تجيء مواقف انجلترا واتجاهاتها في شكلها الرئيسي معادية للباب العالي الذي يعتبر فرنسا الصديق التقليدي له([3]).
وساهمت محدودية النشاط التجاري الإنجليزي في مناطق ظاهر العمر في جعل التداخل السياسي بين الطرفين محدوداً وأقل نشاطاً من فرنسا التي كانت تسيطر عملياً على التجارة الخارجية في مناطق ظاهر العمر، إذ تركز النشاط التجاري الإنجليزي في مدينة حلب بشكل رئيسي.
واكتفـت انجلتـرا بنائـب قنصل لها في عكا يتبـع قنصل حلب([4]) وبسبب عدم تطور النشاط التجاري لإنجلترا في مناطق ظاهر ومحدودية نشاط نائبها هناك، عمد ظاهر إلى طرده من عكا في بداية الخمسينات([5]).
وسعى السفير الإنجليزي في استانبول إلى معالجة ذلك ولكن فشل بسبب عدم تلبية ظاهر للأوامر الصادرة له من الباب العالي، وعدم قدرة والي صيدا على إجباره على الخضوع وطاعة أوامر الباب العالي. وفوق ذلك فإن أسعد باشا الذي عول عليه السفير الإنجليزي تنفيذ أوامر الباب العالي لم يبد تحمساً لذلك لعدم رغبته في إثارة مشكلات مع ظاهر العمر تجلب له متاعب إدارية ومالية وتجارية في الوقت الذي لا يوجد له مصلحة في مساعدة الإنجليز الذين لا توجد لديهم مؤسسات تجارية في ولايته([6]).
وأعاد ظاهر نائب القنصل الإنجليزي إلى عكا نحو سنة 1752م، ونال الرعاية والحماية من ظاهر رغبة من ظاهر بالضغط على الفرنسيين الذي كانت علاقته معهم متوترة في هذه الفترة. وعمل السفير الإنجليزي «جيمس بورتر Sir James Porter» على مساعدة ظاهر بالرغم من أنه قبل ذلك بسنة وصف ظاهراً بالشيخ الساذج الوغد وطالب برأسه. فقد كتب «Porter» إلى لندن يطلب من سكرتير الدولة الضغط على الحكومة الفرنسية لإقالة القنصل الفرنسي. وفي النهاية فإن ظاهراً وحليفه الجديد السفير الإنجليزي نجحا في الحصول من الفرنسيين على إقالة القنصل الفرنسي في صيدا «ماسون Consul M. Massoni» في سنة 1753م([7]). وسُرَ ظاهر من التخلص من هذا القنصل الذي سبب له بعض المشكلات([8]).
ولجأ ظاهر إلى النائب القنصلي الإنجليزي في عكا «إسكت Usgate» للطلب من السفير الإنجليزي في استانبول بالتدخل لمساعدته في إلغاء فرمان السلطان حول فصل حيفا عن التزام عكا والذي بموجبه قام عثمان باشا الكرجي بمحاولة استرداد حيفا من ظاهر العمر([9]).
وقامت إنجلترا في سنة 1768م بالوقوف إلى جانب روسيا في حربها ضد الدولة العثمانية طبقاً لسياسة انجلترا بتأييد روسيا بسبب تجارتها في البلطيق، وسمحت للأسطول الروسي الذي كان نسبة كبيرة من بحارته وقادته من الإنجليزي بالمرور في ثغورها في طريقه للبحر المتوسط للقيام بعمليات عسكرية معادية للدولة العثمانية، وإثارة العصبيات الثائرة ضدها([10]). ولكن إنجلترا بالرغم من ذلك لم تقدم أي دعم لظاهر أثناء فترة الحرب الروسية العثمانية (1768 ـ 1774م). وربما يعود ذلك إلى رغبة بريطانيا بعدم التورط مباشرة في حرب مع الدولة العثمانية. وفي الوقت نفسه لم يكن لديها مصالح واسعة عند ظاهر العمر تخشى عليها وتنهض للدفاع عنها([11]).
([3]) أنيس ـ الخطوط الرئيسية لسياسة انجلترا تجاه الدولة العثمانية في القرن الثامن عشر، المجلة التاريخية المصرية، مجلد 8، القاهرة، 1959، ص 189 ـ 191.