علاقة ظاهر العمر بحكام نابلس
علاقة ظاهر العمر الزيداني بحكام نابلس
كتب الأستاذ الدكتور خالد محمد صافي حول هذا الموضوع في كتابه " ظاهر العمر الزيداني حاكم الجليل في القرن الثاني عشر ( 1689-1775 م) والذي صدر عن دار المقتبس في بيروت سنة 1439هـ-2018 م
فقال:
توجه ظاهر مع قدوم الحملة المصرية بقيادة إسماعيل بك في تشرين الثاني 1770م جنوباً إلى الرملة لمقابلة قائد الحملة والاتصال بالقوات المصرية. وإثر ذلك استولى على مقاطعة بني صعب (سهل السارونه) التابع إدارياً لسنجق اللجون وعجلون. وأرجع حسان النمر استيلاء ظاهر على المقاطعة إلى قيام مصطفى بك طوقان شيخ بني صعب (كانت منطقة بني صعب تحت زعامة آل الجيوسي ثم حدث خلاف على الزعامة فيما بينهم في حوالي منتصف القرن الثامن عشر، فتم تعيين مصطفى طوقان شيخاً عليهم) بعرقلة ظاهر العمر بناءً على طلب من والي دمشق الذي أمده بالسلاح والعتاد. ولكن أمام قوة ظاهر العسكرية انسحب ابن طوقان إلى نابلس وتبعه ظاهر([1]). وأراد ظاهر العمر مهاجمة جبل نابلس لإرغام حكامه على كف أيديهم عن يافا والساحل الجنوبي الغربي لبلاد الشام من أجل تأمين سلامة الحملات المصرية التي كان يعمل علي بك على تعبئتها لإرسالها إلى عكا تمهيداً للزحف على دمشق، والانتقام منهم لتعرضهم لإسماعيل بك في الرملة في كانون الأول 1770م([2]). وفي طريقه إلى نابلس هاجم ظاهر وحلفاؤه المتاولة قرية قباطية في محرم 1185ﻫ / نيسان 1771م وسيطر عليها بعد أن قتل أكثر من سبعين رجلاً وتم نهبها. وفرض حصاره على نابلس فاستنجد حكامها بوالي دمشق عثمان باشا الكرجي([3]). وقد وصف الدنفي في مخطوطته تفاصيل هذا الحصار والقتال بين الطرفين، فقد جرت مفاوضات بين الطرفين أصر فيها ظاهر على تسليم مصطفى طوقان نفسه له، وتجريد أهالي نابلس من السلاح. فرفض حكام نابلس وأهلها ذلك واستمر القتال بينهما. وقد هاجم ظاهر القرى المحيطة بنابلس لإجبار حكام نابلس على التسليم، ولكنه رفع الحصار فجأة([4]). وأشار ابن الصديق إلى رفع ظاهر للحصار من أجل مقابلة حملة مصرية ثانية بقيادة محمد بك أبي الذهب في حزيران 1771م([5]). بينما أرجع الدنفي ذلك إلى مقاومة أهل نابلس لظاهر([6]). ولكن استمرت حالة التوتر بين الطرفين إذ قام ظاهر بمهاجمة القوافل المتجهة إلى نابلس ونهبها([7]).
وحاصر ظاهر العمر بمساندة حلفائه المتاولة قلعة صانور في جمادى الأولى 1185ﻫ/ 14 آب 1771م([8]). ورأى رافق أن هدف ظاهر العمر من مهاجمة ابن جرار تجريد عثمان باشا من حليفه القوي هذا. ومن شأن هذا الهجوم أيضاً أن يبقى أبناء ظاهـر العمـر ملتفين حـول أبيهم، ويعطى دليلاً لعلي بك على مقدرته العسكرية([9]).
قرر عثمان باشا الكرجي إثر استنجاد حكام نابلس به الخروج للدورة ومحاربة ظاهر العمر مستغلاً رجوع أبي الذهب إلى مصر، وضعف موقف ظاهر العمر. فاضطر ظاهر إلى رفع الحصار عن قلعة صانور([10])، والتوجه إلى بحيرة الحولة حيث الحق به هزيمة نكراء.
وشجع فرار علي بك من مصر بعد أن فقد سلطته معسكر أعداء ظاهر، فقد أرسل مصطفى طوقان أخاه أحمد طوقان متسلم يافا السابق لاستردادها يافا. وتم ذلك بدعم عثمان باشا المصري ومحمد باشا العظم والي دمشق([11]). وتشجعت الجماعة المؤيدة للأتراك في يافا على الثورة على حكم ظاهر بعد أن استولوا على مستودع ذخيرة وامتعة كانت قد أفرغتها مراكب علي بك (قبل أن يطرد من القاهرة) لمساندة ظاهر العمر([12]). وفي الوقت نفسه حاول مصطفي طوقان قطع الطريق على ظاهر العمر الذي خرج لاستقبال حليفه الهارب علي بك وأصحابه، ولكن ظاهراً استطاع الإلتفاف ومنع الإصطدام به([13]). ثم بعث ظاهر «بركندة» (مركب) بأربعين مسلحاً إلى يافا. ويبدو أنه أراد من ذلك تهديد ومضايقـة تجارة المدينـة بحراً. ولكن تم تدميـر المركب وإغراقـه مـن قبل حاكم وبحارة يافا وقتل عدد من أفراده، بينما تم أسر الباقي وإرسالهم إلى مصطفى طوقان في نابلس الذي قام بقتلهم مما أثار غضب ظاهر. كما قام ابن طوقان بإيواء عثمان بن ظاهر الذي تمرد ضد أبيه ولجأ إلى نابلس([14]). وربما أراد ابن طوقان من ذلك تعزيز الانشقاق بين ظاهر وابنه.
ولكن ظاهراً قام بعد انتصاره على جيش عثمان باشا المصري والشهابيين في سهل الغازية في حزيران 1772م بالتوجه مع علي بك الكبير والمتاولة لحصار يافا وتطهير الساحل الجنوبي من العناصر المؤيدة للأتراك. والانتقام من أهل نابلس وحكامها. وأقسم ظاهر أن يسقي حصانه من «عين الست» المجاورة لسرايا نابلس القديمة([15]). وفَرض الحصار في تموز 1772م على يافا لمدة تزيد على سبعة أشهر. وقد استسلمت المدينة في شباط 1773م([16]). وكان ظاهر وعلي بك قد احكما السيطرة على الرملة وغزة واللد من الموالين لوالي دمشق الذين استولوا عليهن بعد عودة أبي الذهب إلى مصر، وبذلك أصبحت الطريق إلى مصرة ممهدة([17]).
ويبدو أن أعمال مصطفى طوقان ضد ظاهر العمر قربته من محمد باشا العظم فعينه متسلماً على نابلس في شعبان 1185ﻫ/ أيلول 1771م بينما أعطى شيوخ آل جرار (حمدان، يوسف، وخليل) المناطق الريفية. وبسبب عدم خروجه للدورة أرسل محمد باشا العظم «بيورلدي» إلى أهالي نابلس بدفع المال المستحق عليهم إلى مصطفى بك طوقان([18]). وأدى هذا التعيين، إضافة إلى غضب آل جرارمن قتل محمد باشا العظم كيخيتهم (ابن بطبوط) في دمشق بتحريض من مصطفى طوقان، إلى انقلاب كل من الشيخ حمدان ويوسف ضد محمد باشا العظم. بينما بقى أخوهم الأصغر خليل إلى جانب والي دمشق ورفض الانجرار وراءهم([19]). وغضب آل جرار لهذا التعيين نتيجة التنافس على الزعامة، وشعور آل جرار بأنهم أكثر ولاءً لوالي دمشق من ابن طوقان، وأن والي دمشق بهذا التعيين قد تجاوزهم بالرغم من أنه عينهم على المناطق الريفية([20]). فاتجه حمدان ويوسف الجرار إلـى ظاهـر العمـر للتحالف معـه([21]). وأشار النمر إلى اتفاق آل النمر (الذين أخذت منهم متسلميه نابلس من قبل مصطفى بك طوقان) مع آل جرار في الاتصال مع ظاهر العمر والتحالف معه. وقدم ظاهر العمر بعد هذا الاتفاق إلى نابلس يصحبه يوسف جرار وسقى حصانه من عين الست بارّاً بقسمه. وحل ضيفاً على آل النمر. واتفقت الأطراف ضد مصطفى بك طوقان وعثمان باشا المصري. وبعد أن علم مصطفى بك طوقان بذلك هرب إلى الأمير يوسف الشهابـي ثـم إلـى عثمان باشا المصـري الـذي دعمـه بالتوصيات اللازمـة إلى استانبول([22]). وبذلك أصبحت بلاد نابلس تخضع بموجب هذا التحالف لنفوذ ظاهر العمر مما دفع الشهابي إلى القول في سنة 1181ﻫ/ 1774م: إن حكم ظاهر شمل بلاد نابلس([23]). وفي تموز 1774م وبطلب من محمد بك أبي الذهب تم تعيين مصطفى بك طوقان والياً على مصر([24]). وقد أشار الجبرتي إلى ابن طوقان باسم محمد باشا النابلسي([25]). وربما جاء طلب أبو الذهب ذلك من أجل الإستعانة بطوقان وبأنصاره في نابلس ويافا ليكونوا مساعدين له في مشروعه الذي كان يسعى إليه وهو غزو بلاد الشام([26]). وقد قاوم آل جرار جيش أبي الذهب أثناء زحفه على جنوب غرب بلاد الشام في أذار 1775م([27]) وربما جاء ذلك بسبب طلب أبي الذهب تعين ابن طوقان والياً على مصر. ولكن بعد وفاة أبي الذهب لم يقدم حكام نابلس الدعم لظاهر عند قدوم الأسطول العثماني للقضاء عليه.
([16]) عبود الصباغ ـ الروض الزاهر، ص23ظ. بريك ـ تاريخ الشام، ص110. لوكروا ـ الجزار، ص60 ـ 63. المعلوف ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر الزيداني، المشرق، مجلد24، 1926، ص304. رافق ـ بلاد الشام، ص406. Volney ـ Travels , II , P. P. 119 ـ 120