علاقة ظاهر العمر بعرب الصقر
علاقة ظاهر العمر بعرب الصقر
كتب الأستاذ الدكتور خالد محمد صافي حول هذا الموضوع في كتابه " ظاهر العمر الزيداني حاكم الجليل في القرن الثاني عشر ( 1689-1775 م) والذي صدر عن دار المقتبس في بيروت سنة 1439هـ-2018 م
فقال:
شهدت الفترة الأولى من حكم ظاهر العمر تحالفاً بين الشيخ ظاهر وعرب الصقر، وقد أورد ميخائيل تفاصيل هذا التحالف من حيث الأسباب والكيفية إذ بدأ التحالف بتقارب عرب الصقر مع الشيخ ظاهر إثر قيام والي صيدا بإصدار أمر إلى ابن ماضي شيخ مشايخ نابلس يأمر بالإيقاع بعرب الصقر، بعد أن ازدادت شكاوى السكان إلى والي صيدا من كثرة تعديهم على الطرق. وكان هذا غاية مراد الشيخ ابن ماضي فاستغفل عرب الصقر وأوقع بهم مراراً، فاتجهوا إلى التحالف مع ظاهر العمر وجعله رئيساً عليهم من أجل غزو بلاد نابلس([1]). ويبدو من سياق رواية ميخائيل الصباغ أن ذلك تم في أواخر العشرين أو بداية الثلاثين من القرن الثامن عشر. ورحب ظاهر العمر بهذا التحالف من أجل مواجهة أعدائه والقضاء عليهم([2]). إضافة إلى اضطراره إلى التعامل مع عرب الصقر أقوى القبائل العربية في بلاد صفد في ذلك الوقت ولا سيما في الفترة الأولى من تأسيس قوته، تلك الفترة التي شهدت سيطرة البدو على الطرق الرئيسية([3]). وقد استعان بهم ظاهر العمر في الاستيلاء على قلعة جدين والمناطق المجاورة لها، واضطر أمام تعهداته إلى والي صيدا وكذلك للسكان القاطنين في المناطق التي سيطر عليها بفرض الأمن في مناطق حكمه إلى الاصطدام مع حلفائه عرب الصقر([4]). فقد اختلفت المصالح وتناقضت الأهداف بين الطرفين، فظاهر العمر سعى إلى إقامة حكم قوي وإدارة مركزية تقوم على حفظ الأمن وتحقيق الاستقرار من أجل انتعاش اقتصادي يطمح إليه. أما مصالح عرب الصقر فتقوم على اضطراب الأمن وعدم مركزية السلطة ذلك يتيح الفرصة لقطع الطرق وفرض الإتاوات على المسافرين والقرى وغزوها للسلب والنهب. وإثر ذلك تفككت عرى هذا التحالف الذي صار قائماً على مصالح متناقضة، فأنقلب عرب الصقر على حليفهم ظاهر. وقال ميخائيل الصباغ حول ذلك: «وكان عرب الصقر قد حقدوا على ظاهر لأنهم هم الذين قاموا أولاً بناصره (بنصره) وبهم ارتفع شأنه، ولما تولى البلاد واستتب له الأمر رفع يدهم ومنعهم من السلب والنهب في الطرقات، ومن عوائدهم التي كانوا يأخذونها من كل البلدان التي دخلت بعد ذلك في حكمه»([5]). واستجاب عرب الصقر لدعوة أعدائهم السابقين حكام جبل نابلس بقيادة آل جرار وآل ماضي بالتحالف ضد ظاهر، لكنهم تلقوا هزيمة نكراء في معركة الروحة سنة 1735م ثم تحالف عرب الصقر مع سليمان باشا العظم والي دمشق في حملاته ضد ظاهر العمر في الفترة بين 1737 ـ 1743م([6]). وسلموا سليمان باشا أخاً لظاهر قاموا بأسره (اختلفت المصادر حول اسمه)([7]). وقام سليمان باشا بقتله في دمشق سنة 1737م([8]).
وتناول عبود الصباغ العلاقة بين ظاهر وعرب الصقر نتيجة هذا الحادث بقوله: «واشتدت العداوة فيما بين ظاهر وعرب الصقر الذين سلموا أخاه صالح لوزير الشام إلا أنه بعد مدة من الزمان ركب ظاهر على عرب الصقر وقتل منهم خمسة وثمانين أمير وابن أمير ولا زال كل سنة من الحرب إما مع العرب المذكورين إما مع الفلاحين»([9]). كذلك أشار حنا سمارة إلى حروب ظاهر المتعاقبة مع عرب الصقر([10]).
وتخلل حروب ظاهر مع عرب الصقر فترات من الصلح، فقد أشار ميخائيل الصباغ إلى قيام صلح بين الطرفين عاد عرب الصقر بموجبه إلى منازلهم السابقة بين جبل نابلس والناصرة بعد أن غادروها إثر هزيمتهم مع حكام نابلس في معركة الروحة. ورد ظاهر إليهم أراضيهم التي كان قد استولى عليها وأقطعهم بجوارها نصفها أيضا بشرط ألا يعـودوا إلى أفعالهم السابقـة. حيث كان ظاهر معنياً باستمرار التحالف معهم ضد أي غـدر أو مكـر مـن رجال الدولـة([11]). إذ حرص قدر استطاعته على إبقاء علاقاته وطيدة مع عرب الصقر وغيرهم من البدو كتحالف يضمن له جبهة قوية تسانده ضد ولاة الدولة العثمانية عند الحاجة. ونوه «فولني» إلى فترة الصلح هذه بالإشارة إلى استقبال ظاهر العمر في عكا بعد الاستيلاء عليها شيوخ عرب الصقر وزودهم بالأسلحة والملابس([12]).
إلا أن تناقض مصالح الطرفين ساهم في إعادة التوتر بينهما، فقد استمر عرب الصقر في التعديات على الطرق والنهب، ودعموا الخلافات داخل الأسرة الزيدانية، فساندوا سعداً أخا ظاهر العمر في محاولة تمرده ضد أخيه، ثم ساندوا عثمان بن ظاهر العمر ضد أبيه. كما قامـوا بقتل حفيد ظاهر العمر من ابنه عثمان. وهذا دفع ظاهر إلى القيام بحملات تأديبية مستمرة ضدهم في أواخر الخمسين وبداية الستين حيث حالفه فيها النصر واستطاع قتل شيخهم رشيد الجبر([13]). وظل الصراع مستمراً بين الطرفين إلا أن ظاهراً سمح لهم برعى ماشيتهم في منطقة طبرية([14]). ولم يمنع هذا من استمرار عدائهم له إذ ساندوا في سنة 1771م والي دمشق عثمان باشا الكرجي ضد ظاهر وأحلافه المصريين أثناء الحملة المصرية الأولى على بلاد الشام بقيادة اسماعيل بك([15]). ثم استقر عرب الصقر أخيراً في منطقة قيسارية([16]).
وعلى هذا النحو فإن علاقة ظاهر العمر بعرب الصقر تأرجحت بين التحالف في بداية صعوده السياسي وبين العداء الدموي في منتصف الثلاثين حتى نهاية حكمه، وتخلل ذلك فترات قصيرة من المصالحة والهدوء بين الطرفين. وقد منع تناقض المصالح إقامة تحالف دائم بينهما ربما كان الطرفان في حاجة ماسة إليه.