علاقة ظاهر العمر بقراصنة وحكام مالطا
علاقة ظاهر العمر الزيداني بقراصنة وحكام مالطا
كتب الأستاذ الدكتور خالد محمد صافي حول هذا الموضوع في كتابه " ظاهر العمر الزيداني حاكم الجليل في القرن الثاني عشر ( 1689-1775 م) والذي صدر عن دار المقتبس في بيروت سنة 1439هـ-2018 م
فقال:
كان قراصنة مالطا أعضاء في جماعة فرسان القديس يوحنا التي تحولت من جمعية خيرية في القرن الحادي عشر الميلادي إلى جماعة تعمل على حماية الدين بقوة السلاح. وينتمي أفرادها إلى أسر عديدة في أوروبا، وشكل الفرنسيون نسبة كبيرة منهم. وكان هؤلاء مقيمين في الأراضي المقدسة. وعندما طُرد الصليبيون من الأراضي المقدسة عام 1291م، استقرت جماعة الفرسان في بادئ الأمر في قبرص، واستطاعوا في سنة 1308م انتزاع جزيرة رودس من البيزنطيين حتى تم طردهم منها من قبل الأسطول العثماني في كانون الثاني 1522م، واستقروا في سنة 1530م في جزيرة مالطا، وصدوا غزواً وحصاراً عثمانياً للجزيرة سنة 1565م([1]). واستمروا بممارسة القرصنة التي شكلت زادهم الروحي والمادي، فقاموا بغارات قرصنة على الملاحة الإسلامية والمراكز الساحلية([2]). وقد رُخص للسفن المالطية بمهاجمة سفن المسلمين لاسيما السفن العثمانية([3]). وغلبت القرصنة في البحر المتوسط أكثر من أي مكان آخر، ويعود ذلك إلى أن هذا البحر كاد يكون منطقة لا تتبع أحداً ما بين الممتلكات المسيحية ودار الإسلام. وكل منها يعتبر نفسه في حالـة حرب مستمرة مع الآخـر، الأمـر الذي ترتـب عليـه إمكان تبرير الهجمات علـى تجارة العدو علـى الأقـل باعتبارهـا عمليـات مشروعة([4]). وازدهرت القرصنة من قبل فرسان مالطا في القرن السابع عشر إذ كان بالجزيرة ثلاثون سفينة تعمل بالقرصنة. ومارست فرنسا التي ارتبطت بتجارة نشطة مع الدولة العثمانية الضغط على الجماعة لتمنع نشاط القرصنة. وخلال القرن الثامن عشر قلت أعمال القرصنة إلى حد كبير، وأصبح عدد السفن التي تمارس ذلك قليلاً([5]) وتوصلت الدولة العثمانية إلى هدنة مع مالطا بعد مفاوضات غير رسمية سنة 1723م([6])، ولكن أعمال القرصنة لم تتوقف رغم ذلك.
وقامت الدولة العثمانية سنة 1714م ببناء قلعتين في حيفا ويافا كونهما مدينتين ساحليتين مدعية أن ذلك بسبب هجمات القراصنة المسيحيين([7]). وزودت القلعتين بمدافع ذات قذائف ثقيلة نوعاً ما مما ساهم في تخفيف حدة هجمات القراصنة([8]).
وأقام ظاهر علاقات مع قراصنة مالطا حيث جمع بينه وبينهم المصالح التجارية المشتركة. فقد كان مخطوراً على القراصنة المالطيين الوصول إلى ثغرى صيدا وطرابلس العثمانيين، لذلك لم يكن لتجارتهم غير المشروعة منفذ سوى عكا الواقعة تحت نفوذ ظاهر. وكان هؤلاء يبيعون أسلابهم في عكا([9]). ويبدو أن ظاهراً استفاد تجارياً من بيع أسلاب قراصنة مالطا في عكا. إضافة إلى تحييدهم عن مهاجمة سواحله مما ترك أثراً إيجابياً على التجارة التي حرص عليها ظاهر كثيراً.
وذكر «فـولني» أنـه لسنوات عديدة كان قراصنـة مالطا يغزون الشواطئ السورية تحت ذريعة أعلام محايدة. وتم استقبالهم في طريق عكا من قبل ظاهر، وسمح لهم بتفريغ وبيع غنائمهم التي سلبوها من العثمانيين. وعندما علمت الدوائر العثمانية بذلك اتهمته بإساءة استخدام السلطة، ولكن ظاهراً ادعى جهله بذلك. ومن أجل أن يثبت أنه لا يساند هذه التجارة التي تسيء للدولة والدين فإن ظاهراً قام بتسليح سفينتين شراعيتين، وقام بارسالهما إلى البحر مع أوامر مزعومة بمطاردة سفن المالطيين. ولكن الحقيقة أنها لم تجرِ أي نزاع من المالطيين، ولكن عملت على الاتصال معهم في البحر بعيداً عن كل مشاهدة أو مراقبة([10]).
ولم تقف هذه العلاقات عند حدود التعامل التجاري في عكا وقربها، بل إن ظاهراً قام بعلاقات تجارية مع مالطا([11]).
وأقام ظاهر علاقات صداقة مع رئيس مالطا، وتبادل معه الهدايا فأرسل ظاهر له رسالة بتاريخ 10 جمادى الأخرة 1165ﻫ/ 25 نيسان 1752م لتأكيد علاقة الصداقة بين الطرفين، وأرفق مع حامل الرساله (أدمينا سابا) هديه عبارة عن سيف. ثم تبع ذلك رسالة ثانية في 11 رمضان 1165ﻫ/ 23 تموز 1752م أمل بها ظاهر باستمـرار الصداقـة والمحبـة، وأرفق مـع الرسالـة فرساً وحصاناً عربيين([12]).
واستطاع ظاهر العمر عبر هذه العلاقات حماية شواطئه من أي هجمات لقراصنة مالطا عليها، ولاسيما وأن مدن الساحل الأخرى غير التابعة لظاهر العمر قد تعرضت لهجمات متكررة طيلة القرن الثامن عشر([13]). ويبدو أن ظاهراً أراد من مراسلاته إبراز نوع من الاستقلالية الذاتية لسلطته على الرغم من أن علاقته هذه مع مالطا لم تزد عن إقامة علاقات صداقة بين الطرفين.