جاري التحميل

علاقة ظاهر العمربروسيا

الموضوعات

علاقة ظاهر العمر الزيداني  بروسيا

كتب الأستاذ الدكتور خالد محمد صافي حول هذا الموضوع في كتابه " ظاهر العمر الزيداني حاكم الجليل في القرن الثاني عشر ( 1689-1775 م) والذي صدر عن دار المقتبس في بيروت سنة   1439هـ-2018 م

فقال:

قامت الحرب بين الدولة العثمانية وروسيا سنة 1768م، فأرسلت إمبراطورة روسيا «كاترين الثانية» أسطولاً روسياً تحت قيادة الكونت «أليكس أورلـوف Alexis Orlow» مـن بحـر البلطيـق إلـى البحـر المتـوسط للقيام بعمليات حربية ضد الأسطول العثماني، ودعم الحركات المناوئة للعثمانيين هناك. وسيطر الأسطول الروسي على الجزء الشرقي من البحر المتوسط بعد هزيمة الاسطول العثماني في معركة شيسمي Chesme في 24 حزيران 1770م([1]).

وقد اعتمدت علاقة ظاهر العمر بروسيا أساساً على العلاقة القائمة بين حليفه علي بك معها، وشكلت استمرارية لها، وبالتالي فإن ظاهراً لم يكن هو صاحب الأسبقية في الاتصال مع الروس. فبعد هزيمة الأسطول العثماني كتب علي بك إلى قائد الأسطول الروسي مبدياً رغبته في عقد معاهدة تحالف وصداقة مع روسيا. ووعده بكل ما يحتاج إليه الأسطول الروسي من مؤونة ومال إذ لزم الأمر، فرد عليه القائد الروسي مهنئاً إياه ومشجعاً له على حركته ووعده بارسال طلبه في الحال لعرضه على القيصرة كاترين الثانية([2]). وقَدمت عدة قطع من الأسطول الروسي في أول حزيران 1772م إلى حيفا بقيادة القائد «جورج ريزو George Rizo» وسبب قدومها أن هذه القطع توجهت في أيار 1772م إلى شواطئ مصر قرب دمياط لتقديم المساعدة إلى علي بك بناءً على طلبه. وبعد أن تبين لقائدها فرار علي بك إلى حليفه ظاهر العمر قدمت وراءه إلى حيفا. وقابل رسول علي بك قائد القطع البحرية الروسية. وأثناء ذلك قام ظاهر العمر بالتشاور مع وزيره إبراهيم الصباغ على الاستعانه بالأسطول الروسي في حروبه ضد ولاة الدولة وأتباعها المناوئين له، فاستصوب إبراهيم الصباغ ذلك. وأرسل أحد المقربيـن إليـه يدعـى القس سمعـان الصباغ للاتفـاق مـع قائـد الأسطول الروسي، وتـم الاتفـاق بيـن الطرفين([3]). ويبـدو أن هـذا الاتفـاق قد تم بدعم وتنسيق علي بك، وقد اشتمل على تقديم الأسطول الروسي المساعدة لظاهر العمر وعلي بك بمساهمته في رفع حصار جيش الدولة العثمانية والشهابيين عن صيدا([4]). وجاءت موافقة روسيا على ذلك طبقا لسياستها في إثاره الحروب الداخلية في الدولة العثمانية، وتأليب أصحاب العصبيات ضدها لصرفها عن تكريس كل جهودها للحرب الدائرة بينهما([5]). كما أن الشاطئ السوري يستطيع أن يوفر للأسطول الروسي علاوة على العمليات الحربية إمكانات التزويد بالمؤونة من مواد غذائية وغيرها([6]) بينما يحقق ذلك لظاهر تفوقاً في ميزان القوى على عساكر الدولة العثمانية ويوطد نفوذه ومركزه([7]) وأشار «روكس Roux» إلى «أن ظاهراً أو علي بك قد وجدا في انشغال تركيا بحربها ضد روسيا فرصة لتقويـة نفـوذهما. ورأى الـروس في ثـورة ظاهـر وعلـي بـك عاملاً مساعداً لأغراضهم. فشجعوا تلك الشراكة. وكان سواء لديهم إذا حاربا متحدين أو عمل كل منهما على انفراد وفق ظروفه الخاصة. وكل من كان يهمهم أن تصادف تركيا متاعب داخلية في الوقت التي كانت تناضل فيه عدوها في الخارج»([8]).

وانفرد «فولني» بالإشارة إلى أن ظاهراً اتفق مع الروس على دفع مبلغ ستمائة كيس من النقود لهم مقابل مساندته على رفع الحصار عن صيدا بوساطة سفنهم بحراً([9]). ويشير ذلك إلى رغبة روسيا في عدم تحمل أي التزامات مالية في أعمالها الحربية الداعمة لظاهر، وإبراز سياستها في دعم الحركات المناوئة للدولة العثمانية دون خسائر مالية من جانبها وأن قبول الأجر على عملياتها الحربية فيه إشارة إلى عدم وجود أطماع إقليمية لها في سواحل بلاد الشام، بالرغم من أن بعض المصادر أشارت إلى قيام علي بك بوعد روسيا بإعطائهم ملكية بعض المدن في بلاد الشام من بينها القدس([10]).

كُلفـت السفـن الـروسيـة المتوجهـة إلى صيدا بطـرد إحـدى عشرة سفينة عثمانية كانت راسية قرب قلعة صيدا وعليها قوات إنزال ومدفعية، وبقذف المعسكر العثماني. وأجبرت السفن الروسية القطع العثمانية على مغادرة مرفأ صيدا إلى بيروت([11]). وطاردت كذلك مركباً مسلحاً كان يمنع وصول السفن التي تحمل المؤن إلى أحمد أغا الدنكزلي في صيدا، وقامت بإحراقه([12]). وقذفت السفن الروسية من البحر وحدة العقال «الدروز» المشتركة في حصار صيدا في 12 حزيران 1772م وأجبرتهم على إخلاء أماكنهم والفرار([13]). وساهم ذلك في كسب ظاهر للمعركة، ثم طلب ظاهر من قائد الأسطول الروسي التوجه إلى بيروت لمهاجمة السفن العثمانية فيها ولاشغال الأمير يوسف بالدفاع عن مينائه. وقصف الأسطول الروسي بيروت بالمدافع في 18 حزيران وأجرى عملية إنزال تم على أثرها نهب ثلاثمائة منزل، وهرب آل شهاب وأهالي بيروت منها. ولم يغادر الأسطول الروسي بيروت إلا بعد أن أجبر الأمير يوسف الشهابي على دفع غرامة حربية اختلفت المصادر حول قيمتها([14]) فأشارا الشهابي والدبس إلى أنها بلغت خمسة عشر كيساً (سبعة ألاف وخمسمائة قرش)([15]). بينما قدرها المنير والشدياق ونوفل بخمسين كيساً (خمسة وعشرين ألف قرش)([16]).

واستعان ظاهر العمر وعلي بك بالأسطول الروسي في حصار يافا بالرغم من الهدنه التي وُقِعَتْ بين روسيا والدولة العثمانية في تموز 1772م، فقد وصلت إليهما نجدة روسية في أيلول 1772م تتألف من ضابطين روسيين وثلاثة مدافع ميدان مصنوعة من النحاس، وسبع بنادق جيدة المعدن مع خمسمائة طلقة وثلاثة جرارات للمدافع حديثة الصنع. وشارك الضابطان في قصف يافا، كما أُستخدمت المدافع في قصف أسوار المدينة. وقد قتل أحد الضابطين برصاص المحَاصرين([17]).

ولم تستسلم يافا للمحاصرين إلا في شباط 1773م بسبب نفاذ المؤونة وقطع الإمدادات البحرية عنهم. وعلى هذا النحو فإن المساعدة الروسية المحدودة لم تفلح في الاستيلاء على يافا في حينه([18]).

وكان الأمير يوسف قد طلب مساندة عثمان باشا المصري في حماية بيروت بعد قصف الأسطول الروسي لها في حزيران 1772، م فأرسل له أحمد بك الجزار مع ثلاثمائة من مغاربته لحمايته. ولكن الجزار استغل ذلك وحصن المدينة ورفض الخروج منها عندما طلب منه الأمير يوسف ذلك، فلجأ الأمير يوسف بوساطة عمه الأمير منصور إلى طلب مساندة ظاهر العمر له في إخراج الجزار. وبموجب ذلك طلب ظاهر العمر من قائد الأسطول الروسي محاصرة بيروت وإخراج الجزار منها. وجاء طلب ظاهر العمر بعد انتهاء الهدنة بين الدولة العثمانية وروسيا فـي 9 آذار 1773م واستمـرار الحـرب بينهما، فأمـر القائـد الجـديد للأسطول الروسي في البحر المتوسط الأميرال «سبيريدوف» الضابط «كوزاكوف» «بالتوجه إلى الساحل السوري لتقديم المساعدة لعلي بك وحلفائه، ولكن علي بك الذي يئس من قدوم النجدة الروسية قرر العودة إلى مصر كما ذكر سابقاً حيث لاقى حتفه هناك. وأجرى ظاهر مفاوضات مع الروس جدد فيها علاقته بهم بعد وفاة علي بيك، وعقد معه اتفاقية صداقة. وبناء على طلبه توجه الأسطول الروسي لمحاصرة بيروت بعد أن اتفق الروس مع الدنكزلي قائد ظاهر بأن يقوم الشهابيون بدفع مبلغ ثلاثمائة ألف قرش، وتم وضع الأمير موسى منصور الشهابـي رهينـة لدى الروس حتـى استيفاء المبلـغ المتفق عليه. وحاصر الأسطول الروسي بيروت في 9 تموز 1773م وأنزل قائد الأسطول رجاله إلى البر لإكمال حصار المدينة براً لمساندة قوات الدروز. وأطلق عليها المدافع ليلاً ونهاراً حتى سمع صوتها من قرب دمشق([19]). واستسلم الجزار بعد أن نفذت المؤونة والذخائر في 30 أيلول 1773م. ودفع الأمير يوسف جزءاً من المبلغ المقرر إلى القائد الروسي، فأطلق الأخير الأمير موسى منصور، وأبقى جماعة من رجال الأسطول في قلع بيروت حتى استيفاء باقي المبلغ([20]).

وبقي رجال الأسطول في قلعة بيروت خمسة أشهر (تشرين الأول 1773 ـ شباط 1774م) حتى تسلموا المبلغ المتفق عليه، ورفعوا أثناء ذلك علمهم فوق أبراج المدينة، وعلقوا صورة إمبراطورتهم فوق بابها الرئيسي، ثم نقلوا وفداً من الدروز ليقدم للإمبراطورة هدية من جياد الخيل([21]). وأشارت المصادر الروسية إلى أن الأمير يوسف الشهابي طالب بحماية روسيا والتجنس بالجنسية الروسية ولكن طلبه رفض من روسيا بعد عقد الصلح بين الدولة العثمانية وروسيا([22]). ولكن هذه الرواية ينتابها الشك لعدم توفر الأدلة الكافية.

وبعد انتهاء حصار بيروت واستسلام الجزار قام إبراهيم الصباغ باستضافة الكونـت «جوانـي» مـع عناصـر اسطولـه فـي عكـا، وقدم لهم الهدايا. وعرض الكونت «جواني» على إبراهيم الصباغ تقديم أي مساعدة يطلبها من دولة روسية([23]). وأشار القساطلي إلى أن روسيا أرسلت لظاهر العمر صناعاً عملوا له مدافعاً في عكا نقش عليها اسمه([24]).

وقعت الدولة العثمانية معاهدة صلح مع روسيا هي معاهدة كجك كينارجه في تموز 1774م. وبموجب هذه المعاهدة انسحب الأسطول الروسي من البحر المتوسط. إذ نصت (المادة 17) من المعاهدة على انسحاب الأسطول الروسي خلال ثلاثة أشهر من مياه الدولة العثمانية. ونصت (المادة 28) على منع أي قتال وعدوان بين أساطيل الطرفين في البحر المتوسط([25]). وبانسحاب الأسطول الروسي فقد ظاهر العمر أحد حلفائه مما دفعه إلى مواصلة السعي للتوصل إلى تسوية مع الباب العالي.

إن اتصال علي بك وظاهر العمر بروسيا فتح باب التدخل الأجنبي في بلاد الشام([26])، وبالرغم من أن المساعدة الروسية لم تحدث تغيرات جذرية في الوضع القائم غير أن ذلك اعتبر ذلك تدخلاً خطيراً بسبب قيام مسلمين بالاستنجاد بالنصارى للمساعدة ضد مسلمين آخرين([27]). فنجد أن قصف الأسطول الروسي لبيروت في تموز وآب 1773م أحدث تظاهرات شعبية في دمشق ضد مصطفى باشا والي دمشق وعثمان باشا المصري قائد الجيش العثماني في بلاد الشام بسبب عدم قيامها بنشاط أو رد فعل إزاء مهاجمة النصارى لبيروت([28]).

ورأت الدولة العثمانية في استنجاد واتصال ظاهر العمر بروسيا بادرة خطيرة ومصدر قلق، فالدولة قد تتهاون أو تتراخى في القضاء على صاحب عصبية ثائرة طالما ظل محصوراً داخل بلاده ولم يسع للاتصال بدولة أجنبية يستعديها على السلطنة. ولكن أن يمتد خطره للاتصال بأعداء الدولة من الأجانب فهذا أمر لا يحتمل([29]). وقال غرايبه حول ذلك: «وكان من المحتمل أن تغض الدولة العثمانية النظر عنه (عن ظاهر) وتكتفي منه بالولاء وبعض المال لولا أنه «ادعى الاستقلال واتحد مع المسكوب ـ الروس ـ وعمل المدافع ونقش عليها اسمه»([30]). ولذلك سعى السلطان العثماني مصطفى الثالث الذي كان خائفاً من استثمار روسيا للوضع في بلاد الشام من أجل التدخل أكثر في شؤونها إلى تهدئة الأمور مع ظاهر، وإعطاء الصلاحية لممثليه في بلاد الشام للاتصال بظاهر العمر وإجراء تسوية معه([31]). ولكن بعد عقد معاهدة «كجك كينارجه» في تموز 1774م سعى السلطان العثماني عبد الحميد الأول إلى القضاء على ظاهر العمر.



([1])   بازيلي ـ سوريا، ص 56. هيد ـ ظاهر العمر، ص 57. مانتران ـ تاريخ الدولة العثمانية، ج1، ص 49. بريك ـ تاريخ الشام، ص 102.

([2])   رمضان ـ علي بك الكبير، ص 160. شريف وآخرون ـ دراسات تاريخية، ص245.

([3])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص 121. بازيلي ـ سوريا، ص 57. اسماعيل ـ الصراع الدولي: الوثائق الدبلوماسية، ق1، ج1، ص131.

([4])   بازيلي ـ سوريا، ص 58 ـ 59.

([5])   فريد ـ تاريخ الدولة العلية العثمانية، ص 159. شريف وآخرون ـ دراسات تاريخية، ص 256 ـ 257. Roux ـ Les Echelies, P. 84.

([6])   بازيلي ـ سوريا، ص57. اسماعيل ـ الصراع الدولي: الوثائق الدبلوماسية، ق1، ج1، ص 163.

([7])   رافق ـ بلاد الشام، ص 382.

([8])   Roux ـ Les Echelles, P. 84.

([9])   Volney , Travels ,II, P. 116.

([10])   لوكروا ـ الجزار، ص62. الشهابي، لبنان، ج1، ص 79.

([11])   بازيلي ـ سوريا، ص 58 ـ 59.

([12])   اسماعيل ـ الصراع الدولي: الوثائق الدبلوماسية، ق1، ج1، ص 132.

([13])   بازيلي ـ سوريا، ص 58. Volney ـ travels, II, P. 118.

([14])   الشهابي ـ لبنان، ج1، ص 94. عبود الصباغ ـ الروض الزاهر، ص 22ظ. جودت ـ تاريخ جودت، ج1، ص 374. الدبس ـ من تاريخ سوريا، مجلد7، ج4، ص 394.

Volney , Travels, II, P. 119.

([15])   الشهابي ـ لبنان، ج1، ص 94. الدبس، من تاريخ سوريا، مجلد 7، ج4، ص 394.

([16])   المنير ـ الدر المرصوف، ص13. الشدياق ـ أخبار الأعيان، ج2، ص 332. نوفل ـ كشف اللثام، ص183.

([17])   رمضان ـ علي بك الكبير، ص 188 ـ 191. اسماعيل ـ الصراع الدولي: الوثائق الدبلوماسية، ق1، ج1، ص 23.

([18])   بكر ـ الدولة العثمانية ومصر، ص 22. لوكروا ـ الجزار، ص 63.

([19])   الشدياق ـ أخبار الأعيان، ج2، ص 334. لوكروا ـ الجزار، ص 78. إسماعيل ـ الصراع الدولي: الوثائق الدبلوماسية، ق1، ج1، ص156، 159. Volney, Travels, II, P. 123.

([20])   الشهابي ـ لبنان، ج1، ص 68 ـ 69. الشدياق ـ أخبار الأعيان، ص 334. المنير ـ الدر المرصوف، ص 15. جودت ـ تاريخ جودت، ج1، ص 376.

([21])   شريف وآخرون ـ دراسات تاريخية، ص 246.

([22])   كوهين ـ الشرق العربي، ص 333. بازيلي ـ سوريا، ص 62. لوتسكي ـ تاريخ، ص 39.

([23])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ ابراهيم الصباغ، ص 14 ب.

([24])   القساطلي ـ ملخص تاريخ الزيادنة، الجنان، ج24، 1877م، ص 852.

([25])   فريد ـ تاريخ الدولة العلية العثمانية، ص 167، 170، 171. جودت ـ تاريخ جودت، ج1، ص 398 ـ 411.

([26])   جب، وبوون ـ المجتمع الاسلامي، ج2، ص 50. الصليبي ـ تاريخ لبنان الحديث، ص 46.

([27])   Rafeq ـ The Province, P. 293.

([28])   لوكروا ـ الجزار، ص 75. Rafeq ـ The Province, P. 301.

([29])   شريف، وآخرون ـ دراسات تاريخية، ص 255. عبد الغني ـ السلطة، ص 98.

([30])   غرايبة ـ تاريخ العرب الحديث، ص 53.

([31])   Rafeq ـ The Province, P. 300.

الموضوعات