جاري التحميل

وزراء ظاهر العمر

الموضوعات

وزراء ظاهر العمر الزيداني

كتب الأستاذ الدكتور خالد محمد صافي حول هذا الموضوع في كتابه " ظاهر العمر الزيداني حاكم الجليل في القرن الثاني عشر ( 1689-1775 م) والذي صدر عن دار المقتبس في بيروت سنة   1439هـ-2018 م

فقال:

كان سعد العمر يقوم في الفترة الأولى من حكم ظاهر بتدبير أمور أخيه الأصغر، ولم يكن ظاهر يفعل شيئاً إلا عن أمره. وعين ظاهر في سنة 1739م وبعد اتساع مناطق حكمه التاجر يوسف قسيس من جماعة الملكيين الكاثوليك والذي كانت تربطه بظاهر علاقات وطيدة وزيراً له، وسلمه جميع أموره. واستمر بالعمل لدى ظاهر حتى سنة 1757م حيث جمع ثروة ضخمة فخاف على نفسه وماله من تقلبات الأيام، وخشى من طمع أبناء ظاهر بأبيهم فعزم على الهرب من عكا إلى مالطا بأمواله واملاكه. ولكن ظاهراً علم بالأمر فأودعه السجن وصادر جميع أمواله وأملاكه، وتم الإفراج عنه بعد مدة قصيرة بعد أن فدى نفسه بمال دفعه لظاهر([1]). وكان يعمل لدى ظاهر أثناء وزارة يوسف قسيس طبيب خاص يدعى سليمان صوان من عكا. والجدير بالذكر أن ظاهراً استخدم طبيباً فرنسياً أيضاً كان يقيم في عكا لمعالجته من داء البواسير الذي كان يعاني منـه([2]). ومـرض ظاهـر في سنـة 1757م مرضاً خطيراً حتـى شارف على الموت، وعجز الطبيب سليمان صوان عن علاجه، فتم استقدام إبراهيم الصباغ الذي اشتهر بسعة علمه في الطب لمعالجة ظاهر، فنجح في ذلك وعينه ظاهر طبيباً له بدلاً من سليمان صوان. وينحدر ابراهيم الصباغ في الأصل من كسروان في لبنان. رحل أبوه حبيب وعمه عبود في سنة 1700م إلى عكا بعد خلافهما مع إخوة لهما في بيروت وصور، وعملا بالتجارة. ولد إبراهيم في سنة 1715م في عكا ونشأ في كنف عمه، وعندما بلغ السابعة أرسله إلى دير مار يوحنا في الشوير بكسروان، وتعلم هناك علوم الأدب والهندسة كما تعلم الطب على يد الأب «بروكوبيوس». واستمر في الدير حتى بلغ التاسعة والعشرين من عمره حيث عاد إلى عكا وذاع صيته حتى خدم بصفته طبيباً عند ظاهر. وبعد اعتقال ظاهر ليوسف قسيس، عين إبراهيم الصباغ وزيراً بدلا منه. وينتمي إبراهيم الصباغ إلى طائفة الملكيين الكاثوليك التي ينتمي إليها الوزير السابق([3]).

واستخدمت المصادر ألفاظاً مختلفة لوصف وظيفة إبراهيم الصباغ، فأطلق عبود الصباغ على ذلك لفظه «كيخيا»([4]) (كيخيا أو كخيا عن الكلمة التركية التي تقابل الكلمة الفارسية كتخذا بمعنى سيد البيت. ولكلمة كيخيا معان مختلفة منها مدير الشؤون العامة، نائب عام للشئون الداخلية والعسكرية، أمين أو وكيل)([5]). بينما أطلق «فولني» وميخائيل الصباغ لفظة وزير، أما الشهابي فأطلق عليه لفظة مدبر([6]). وترأس إبراهيم الصباغ جهازاً إدارياً من الكتبة معظمهم من طائفة الملكيين الكاثوليك (الروم الكاثوليك)، ومن هؤلاء الكتبة ميخائيل البحري ابن عبود البحري أحد تجار حمص، وإبراهيم أبو قالوش دمشقي الأصل هاجر إلى عكا. ومن الكتبة أيضاً ميخائيل السكروج وشقيقه طنوس، ومجموعة من المستشارين أمثال يوسف النجار المعلوف والخوري خليف من الناصرة([7]). وجاء استخدام ظاهر العمر للمسيحيين وزراءً وكتاباً كون الكثير منهم قد تعلموا في الأديرة، وكانوا على جانب من المعرفة والثقافة يؤهلهم للقيام بأعباءٍ ذات مسؤولية. وقد استعان ظاهر بقدراتهم وخبرتهم في شئون الحكم بدون تمييز في الدين. وفرضت علاقة ظاهر التجارية مع التجار الأوروبيين عليه الاعتماد على موظفين يجيـدون بـعض اللغات الأوروبيـة([8]). وكانـت هـذه الوظائف في الأقاليم الشامية ومصر يشغلها مسيحيون ويهود من أبناء البلاد. فكان كتبة سليمان باشا العظم من اليهود، وسعد الخوري كان مدبر الأمراء الشهابيين، وآل مشاقة مدبرين لشيوخ المتاولة. وفي مصر كان هناك ميخائيل الجمل وميخائيل فخر([9]). وشهد القرن الثامن عشر ازدياد نفوذ المسيحيين أبناء البلاد في التجارة والثروة والتأثير السياسي في مقابل انحطاط اليهود والأرمن الذين تولوا ذلك في القرون السابقة([10]).

وكان إبراهيـم الصبـاغ بمثابـة وزيـر للإدارة والماليـة والطبيـب الخاص لظاهر([11]). ووصف الشهابي عمل إبراهيم الصباغ بقوله «وكان لظاهر مدبر قد سلم لـه زمام تدبـره، وقلـده ولايـة أمـوره يقال لـه إبراهيم الصباغ»([12]). ورفع إبراهيم الصباغ من مكانه مهنته، فتحول من مجرد محاسب أو صراف أو منفذ إلى مستشار وشريك الرأي الذي لاغنى عنه، والخبير بشئون السكان والاقتصاد والإدارة والحكم، والمختص بإدارة العلاقات الخارجية. وأهله ذلك لدور محوري في مناطق حكم ظاهر العمـر([13]). وبقـى ظاهـر حتى وفاتـه لا يخالف له قولاً([14]). وأرتبط إبراهيم الصباغ مع ظاهر ارتباطاً وثيقاً فقدم له استشارات مصيرية. وشكل مع سيده حلفاً سياسياً موحداً. وأصبح لديـه مصلحـة فـي الدفـاع عنه وتثبيت الحكم له، وبالتالي ارتبط مصيرهما معاً([15]). وساهم إبراهيم الصباغ في دعم شؤون طائفته بشكل خاص والمسيحيين بشكل عام. فوصل أبناؤه وأقاربه وأبناء طائفته إلى مواقع مهمة، فقام ببناء كنيسة لهم سنة 1760م في عكا بعد أن استخرج بمساعدة ظاهر الفرمان اللازم لذلك من الباب العالي وسميت كنيسة «ماري اندراوس». وعُين في عهد إبراهيم الصباغ وبدعم منه أول مطران للروم الكاثوليك «ملكيين كاثوليك» في عكا يدعى الأب «جرمانوس آدم»([16]). وساهم إبراهيم الصباغ بمنح رخصة للموارنة بالحصول على مكان للعبادة في الناصرة سنة 1771م([17]). وقال «فولني»: «إن إبراهيم الصباغ حاز على ثقة ظاهر العمر مما أثار سخط أبناء ظاهر. وأنه استغل كبر سن ظاهر لإشباع جشعه وطمعه، وكانت ابتزازاته ثقيلة على الناس، وامتاز بالولع الشديد بالمال مما جعله بخيلاً، فبالرغم من الثروة التي كدسها فإنه كان يعيش على الجبنة والزيتون. وبخله الشديد جعله يقف بشكل متكرر على محلات التجار الفقراء يشاركهم طعامهم الرخيص. وهو لم يلبس قط سوى الملابس الخشنة الممزقة. ومن يلاحظه بجسمه الهزيل الأعور يحسبه صعلوكاً متسولاً أكثر منه وزيراًفي دولة مهمة. وبهذه الممارسات الفاسدة فإنه كدس عشرين مليوناً من النقود الفرنسية (فرنك) والتي ذهبت للأتراك»([18]) ووصفت معظم المصادر إبراهيم الصباغ بالبخل............

 والجشع([19]). ووصف قنصل فرنسا في صيدا «شيفالية دي توليس De Taules» في رسالة إلى «دوق ديغويون Duc D'Aiguillion» (أمين سر الدولة في باريس) في2 حزيران 1772 إبراهيم الصباغ بالقول: «وهو أكثر الناس طمعاً وحباً للمال»([20]) ولكن عبود الصباغ وميخائيل الصباغ أبرزا جدهما إبراهيم بصورةٍ حسنة ودافعا عنه. فقال عبود: إن ظاهراً أحب إبراهيم الصباغ لأنه أولاً كان دائماً يمنع ظاهراً عن الظلم ويعلمه العدل. وثانياً لأن إبراهيم كان عنده مالٌ كثيرٌ، فإذا انكسر مال الميرى عن البلاد فإنـه كان يقـرض ظاهراً مـن مالـه. وثالثاً إنه كان شجاعاً لا يخاف الموت. ورابعاً كان كريماً ويده مفتوحة للفقير([21]). ووصفه ميخائيل بأنه كان يشجع ظاهراً على التصدق على الفقراء وعرض على ظاهر أن يقدم مرتبات شهرية ثابتة للفقراء. وقال عنه أيضاً: «كان الداهية الكبرى في الفصاحة إذا تكلم والبلاغة في قلمه إذا كتب»([22]).

وكان إبراهيم الصباغ يلازم الشيخ ظاهر خلال يومه، فكان ظاهر يبدأ جدول عمله اليومي المعتاد في الخامسة صباحاً بالتداول مع إبراهيم في شؤون الحكم. ثم يجتمع بأهل بيته في السابعة. وفي العاشرة يجتمع مع العامة للتداول في حاجاتهم. ويبقى إبراهيم معه حتى غروب الشمس([23]). وقد عين يوسف بن إبراهيم الصباغ كاتباً لدى حاكم يافا كريم الأيوب([24]).



([1])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص34، 53، 73، 74.

([2])   انظر ملحق رقم (3).

([3])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ ابراهيم الصباغ، ص 8ظ ـ 10ب. شيخو ـ ميخائيل الصباغ أسرته، المشرق، مجلد8، عدد1، 1905، ص26.

([4])   عبود الصباغ ـ الروض الزاهر، ص12ب

([5])   جب، وبوون ـ المجتمع الاسلامي، ج1، ص89، 123، 171، 172.

([6])   الشهابي ـ لبنان، ج1، ص 112 ـ 113. Volney ـ Travels, II, p. 125

([7])   المعلوف ـ دواني القطوف، ص257، 258، 273، 674، 675. الشهابي ـ تاريخ أحمد باشا الجزار، ص76. ميخائيل الصباغ ـ تاريخ إبراهيم الصباغ، ص12ظ. العورة ـ تاريخ ولاية، (هامش) ص12. شيخو ـ ميخائيل البحري الرومي، المشرق، مجلد 3، عدد1، بيروت، 1900، ص9 ـ 22.

([8])   معمر ـ ظاهر العمر، ص107 ـ 108. جودة ـ حركة الشيخ ظاهر العمر، ص147.

Mariti ـ Travels , II, P. 102 

([9])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ إبراهيم الصباغ، ص11ب. ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص90 ـ 91. Philip ـ Jews , P. 163.

([10])   Philip ـ Jews , P. 153.

([11])   مسعود ظاهر ـ الجذور التاريخية، ص209.

([12])   الشهابي ـ لبنان، ج1، ص112 ـ 113.

([13])   عبد الغني ـ السلطة، ص240.

([14])   فؤاد افرام البستاني ـ الأدب في بلاط ظاهر، المشرق، مجلد 45، 1951، ص234.

([15])   مسعود ظاهر ـ الجذور الطائفية، ص182.

([16])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ إبراهيم الصباغ، ص11ب، 13ظ.

([17])   منصور ـ تاريخ الناصرة، ص63.

([18])   Volney ـ Travels , II ,P. 134.

([19])   لوكروا ـ الجزار، ص43. المعلوف ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر الزيداني، المشرق، مجلد 24، 1926، ص544. كرد علي ـ خطط، ج2، ص289. منصور ـ تاريخ الناصرة، ص53. البستاني ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، دائرة المعارف العربية، ج11، ص405. بريك ـ تاريخ الشام، ص113.

([20])   اسماعيل ـ الصراع الدولي: الوثائق الدبلوماسية، ق1، ج1، ص120.

([21])   عبود الصباغ ـ الروض الزاهر، 14ظ.

([22])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص153. ميخائيل الصباغ ـ تاريخ إبراهيم الصباغ، ص16ظ.

([23])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ ابراهيم الصباغ، ص12ظ.

([24])   ميخائيل الصباغ ـ تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص137. شيخو ـ ميخائيل الصباغ وأسرته، المشرق، مجلد8، عدد1، 1905، ص27. عبود الصباغ ـ الروض الزاهر، ص24ب.

الموضوعات