جاري التحميل

المؤامرة البريطانية الفرنسية (اتفاقية سايكس ـ بيكو)

المؤامرة البريطانية الفرنسية (اتفاقية سايكس ـ بيكو)

كتبت الكاتبة الفلسطنية (أريج أحمد القططي حول هذا الموضوع في كتابها (فلسطين في مجلة المنار الصادرة في مصر (1898-1940)  ) الصادر عن دار المقتبس في بيروت  سنة (1439هـ - 2018م)

فقالت:

وضع هذا الاتفاق كل من مارك سايكس أحد أعضاء مجلس النواب البريطاني وجورج بيكو الذي كان قنصـل فرنسا في بيروت، وبعد أن أقنعا دولتيهـما به ألَّفا وفدًا وحضرا إلى مصر، ثم سافرا إلى جدة لأجل التمهيد لقبوله عند السوريين وملك الحجاز. وقد ألفا في أواخر أبريل سنة 1917م جمعية من السوريين فيهـا ثلاثة أو أربعة من المسلمين وواحد من وجهاء الدروز، وباقي أعضائها من المسيحيين لأجلالاتفاق بين أبناء ملل البلاد على هذا الاتفاق قبل إعلانه([1]).

ويقول رشيد رضا أن مارك سايكس لم يطلب في هذه المرة مقابلته؛ لأنه يئس من استجابته لمطالبـهم. وقد تألف بمصـر في سنة 1917م جمعيات ولجان بإيعاز الإنجليز والفرنسيين بعضها لوضع أساس الاتفاق بين الطوائف على ما سيكون عليه نظام البلاد بعد تنفيذ ما اتفقت عليه الدولتان الحليفتان، ومنه جعل فلسطين وطنًاقوميًّا لليهود، وبعضها لوضع أساس الاتفاق بين العرب واليهود([2]).

وحاول رشيد رضا أن يثني بعض أعضاء هذه الجمعيات عن الانضمام لها لعلمه بمراد هذه الجمعيات الخبيث، فيقول رضا: «وقد كنت كلما سمعت من أحد خبرًا من الأخبار في هذا الشأن أجادله بالتي هي أحسن إلا أن يكون مسلمًا فإنني أنذره سوء عاقبة السعي مع الساعين في هذه السبيل، وما يعقبه من لعنة الملايين له إلى يوم الدين»([3]).

وفي أول سنة 1918م ظهر الاتفاق بين الدولتين بمظـهره الرسمـي، وقد وصل إلى مصر في منتصف شهر فبراير منها بريد أوربا شارحًا ذلك، فأمرت الرقابةبمنع الخوض فيـه في الجرائد إلى أن تمهـد له السياسـة لتجعله مقبولًا عند جماهير السوريين المختلفي الأحزاب والآراء، وعلم رشيد رضا بتفاصيل هذا الاتفاق من جريدة المستقبل العربية التي تصدرها في باريس جمعية شكري غانم السورية([4]) بنفقة الحكومة الفرنسية مفصلة لإعلان هذا الاتفاق([5]).

وقد جاءت دعوة للسيد رشيد رضا من أهل الوجهاء السوريين المشتغلين بالسياسة مع الإنجليز يدعوه فيها لحضور حفل شاي في مساء 2 فبراير سنة 1918م ويقول رشيد رضا: «وأنا متوقع أن تكون لتأييد الاتفاق الإنجليزي الفرنسي على قسمة البلاد العربية بين الدولتين، وعازم على مقاومة ذلك موطنًا نفسي على النفي من مصر بهذه المقاومة، وقد رأيت في المكان ما قوى حدسـي: رأيت أشهر رجال الحزب الإنجليزي والحزب الفرنسـي والحزب الحجازي وحزب الاتحاد اللبناني وأفرادًا من المستقلين طلاب الاستقلال، وبعض المراقبين من الضباط وغيرهم، وفي مقدمتهم طالب النقيب([6]) والكاظمي([7]) ونوري السعيد([8])([9]).

وألقى فارس نمر([10]) أحد أصحاب جريدة المقطم خطابًا على الحاضرين كان مجمله أن مصـلحة العرب هي في الثـورة على الحكم التركي، ثم بعد ذلك فالأمر سهل في تحـديد مستقبـل البلاد معتمـدين على إنجـلترا وفرنسـا اللتين وصـفهما بـ (حلفائنا الكرام)، مطالبًا الحضور بأن يحسنا الظن والثقة فيهما([11]).

وقد رد عليه بعض الحضور بأنهم لا يثقوا بهاتين الدولتين الاستعماريتين، وهنا قام رشيد رضا طالبًا الكلمة في هذا الاجتماع الذي وصفه بأنه مدبر، وأن المراد منه أن يؤخذ من جمهور زعماء الشام والعراق الإقرار على ما تم الاتفاق عليه بين إنجلترا وفرنسا([12]).

وقال: فنهضت في إثره متصديًا للرد عليه فصفق الأكثرون، وألقيت خطابًا حماسيًّا تدفق من قلب يقطر دمًا، افتتحته بقولي: إنني اضطررت الآن إلى مواجهة صديق بالرد عليـه في وجهه لمصلحـة الوطن. ثم قال: إن الدولتين الحليفتـين قد اتفقتـا على قسمـة بلادكم بينهـما لاستعبـادكم باستعمارهـا، فقد جاءتني جريدة المستقبل الباريسية، فاطـلعت فيها على تفصـيل هذا الاتفاق. وقام رشيـد رضـا بتلخيص نصوص الاتفاق([13]).

ثم أكمل: إن الترك ضعفاء وجاهلون مثلنا، فلا يستطيعون أن يستعبدونا إذا نحن تنبهنا لحقوقنا، وأما إنجلترا وفرنسا فهما أقوى منا في كل شيء، فلا نستطيع أن نستقل عنهما إذا هما استولتا علينا. نعم قد قالوا: إنهم لا يريدون أن يثقلوا علينا بالسيطرة الاستعمارية، وإنما يهونون علينا الخطب بأنه استعمار هين لين، ونحن نريد أن نكون أحرارًا مستقلين، لا عبيدًا مسودين، سواء علينا أكان السيد رحيمًا بعبيدهأم لا. على أن هذه الطريقـة اللينة في الاستعمار هي أمثل الطرق التي اهتدوا إليها بالتجربة، ولكنها أمثل وخير لهم لا للشعوب التي يسودونها، فإنها تخدر أعصاب الجماهير، ليكونوا خاضعين لها راضين بأحكامها([14]).

وأورد للحضـور شواهد وأحداثًا لإثبات نظريتـه، ولما أنهـى كلمته صفق الحضور له تصفيقًا شديدًا، وقال له بعض أعضاء حزب الاتحاد اللبناني: إنك قد أرحتنا بكشف المخبأ([15]).

وقد توقَّع بعد هذا الاجتـماع أن يتم اعتقـاله، وبعد مرور أسـبوع على هذا الاجتماع، طلبت السلطات منه الحضور إلى فندق سافواي مقر السلطة العسكريةالبريطانية لمساءلته عن مقالة نشرت في المنار، ودار بيني وبين ضابط بريطاني في هذا المكتب محاورة حاول فيها الضابط إقناعه بأن اتفاقية سايكس بيكو إنما هي قسمة مالية وليست استعمارية، ولكن رشيد رضا أصر على فهمه للاتفاقية بأنها احتلال واستعمار لنهب خيرات الأمة([16]).

 



([1])    مجلة المنار، مج22، ص452.

([2])    مجلة المنار، مج22، ص453.

([3])    مجلة المنار، مج22، ص452.

([4])   شكري بن إبراهيم غانم (1861 ـ 1932م): متفرنس لبناني ولد في بيروت. وأقام في القاهرة ثلاث سنوات وعمل ترجمانا بتونس. واستقر في باريس واشتهر بتمثيليته (عنترة) وبديوانه (أشواك وأزهار) وبرواياتـه (زهرة الحب) و(ربع ساعة في ألف ليلة وليلة)، وكلها مطبوعة بالفرنسية. توفي في فرنسا. الزركلي: الأعلام، ج3، ص171.

([5])    مجلة المنار، مج22، ص453.

([6])   طالب بن رجب الرفاعيّ النقيب (1862 ـ 1929م): زعيم سياسي عراقي، كان يدعو إلى استقلال العراق، فأرسل إليه السلطان عبد الحميد جيشًا، ثم أنعم عليه وعين حاكمًا على (الأحساء) بنجد، فقاتل (بني مرّة) في معركة الزرنوقة، وأصلح بين ابن سعود والحكومة العثمانيـة، انتخب مبعوثًا في مجلس النواب العثماني، ولما احتل البريطانيون العراق، نفوه إلى الهند، وعاد إلى العراق، فولي وزارة الداخلية. ولما أقامت بريطانيا فيصلابن الحسين ملكًا على العراق قاموا بنفي النقيب، ومات في ميونخ. الزركلي: الأعلام، ج3، ص218.

([7])   عبد المحسن الكاظمي (1865 ـ 1935م): كان يلقب بشاعر العرب. ولد ببغداد، اتصل السيد جمال الدين الأفغاني بالعراق، وهاجر إلى مصر فاشتهر، واتصل بالشيخ محمد عبده، ذهب بصره إلا قليلًا. عاش في فقر إلى أن توفي في القاهرة. ملأ الصحف شعرا، وجمع شعره في «ديوان الكاظمي». الزركلي: الأعلام، ج4، ص152 ـ 154.

([8])   نوري السَّعِيد (1888 ـ 1958م) من عشيرة القره غولي البغدادية: سياسـي، عسكري ولد ببغداد، وتخرج بالمدارس الحربية في الأستانة، وحضر حرب البلقان في 1912م كان من أعضاء «جمعية العهد» السرية. ولحق بالشريف حسين في الحجاز في 1916م، فكان من قادة جيش فيصل في زحفه إلى سورية كان مجاهرًا بتأييد سياسة الإنجليز في البلاط الفيصـلي بسورية ثم بالعراق إلى آخر حياته. وتولى رئاسة الوزارة العراقية مرات كثيرة في أيام فيصـل وابنه غازي. وقامت الثورة في بغداد في 1958م فقتله الثوار. الزركلي: الأعلام، ج8، ص57 ـ 58.

([9])    مجلة المنار، مج22، ص453.

([10])   فارس نمر: ولد في حاصبيا بلبنان سنة 1856م، والتحق بالمدرسة الإنجليزية بالقدس، نال شهادة البكالوريوس سنة 1874م، اختـاره الدكتور فانديك ليكون معاونًا له في المرصد الفلكي ببيروت، وفي 1876م أنشأ مع زميله يعقوب صروف مجلة المقتطف، وفي 1882م أنشأ مع عدد من أقطاب العلم المجمع العلمي الشرقي في بيروت، وفي 1883م عين مديرًا للمرصد الفلكي، وفي 1885م هاجر إلى مصر، وأنشأ فيها جمعية الاعتدال، انتخب عضوًا في مجمع بريطانيا الفلسفي عام 1889م، وأنشأ مع زملائه يعقوب صروف وشاهين مكاريوس جريدة المقطم، ولُقب فارس نمر بشيخ الاحتلاليين لأنه كان يدافع عن السياسة البريطانية في مصر. تيسير أبو عرجة: المقطم جريدة الاحتلال البريطاني فيمصر، مرجع سابق، ص26 ـ 29.

([11])    مجلة المنار، مج22، ص454.

([12])    مجلة المنار، مج22، ص455.

([13])    مجلة المنار، مج22، ص455.

([14])    مجلة المنار، مج22، ص456.

([15])    مجلة المنار، مج22، ص458.

([16])    مجلة المنار، مج22، ص458 ـ 459.

الموضوعات