رأي رشيد رضا في معاهدة الشريف حسين مع بريطانيا
رأي رشيد رضا في معاهدة الشريف حسين مع بريطانيا
كتبت الكاتبة الفلسطنية (أريج أحمد القططي حول هذا الموضوع في كتابها (فلسطين في مجلة المنار الصادرة في مصر (1898-1940) ) الصادر عن دار المقتبس في بيروت – سنة (1439هـ - 2018م)
فقالت:
يقول رشيد رضا: «صبرت إلى أن انكشف الستر... وتركت السبق لغيري في إنكار ذلك فكان أول المنكرين له من كانوا أول المحسنين للظن بالملك حسين والأمير عبد الله وهم أهل فلسطين. ولما زالت ثقتهم بالثاني ظلوا واثقين بالأول، حتى كانوا يكابرون أنفسهم، ويكذبون الأخبار الرسمية البريطانية الجلية، اغترارًاببرقيات الحجاز المبهمة الموهمة»([1]).
ورأى أن هذه المعاهدة مجرد خداع، وذلك أن الذي أحضر وثيقة المعاهدة من بريطانيا هو ناجي الأصيل، فقد عاد من لندن إلى مصر، وهناك استقبله عبد القادر المظفر وأمين بك التميمي من دعاة ملك الحجاز في فلسطين، وحاولا استنطاقه عنالوثيقة ليبشرا أهل فلسطين بما فيها، فلم يفهما منه شيئًا، وقد أساء الشريف حسين وحاشيته فهم هذه الوثيقة وظنَّا أنها تحتوي على إلغاء وعد بلفور، بناء على هذا الفهمالملكي أعلن المعاهدة بمكة يوم عيد الفطر باحتفال رسمي حافل، وتضمن الإعلان الملكي الأمر بجعل هذا اليوم عيدًا([2]).
وقد نقلت المنار نص إعلان الاستقلال منقولًا عن العدد 688 من جريدة القبلة وفيها تصريح للشريف حسين يقول فيه: «نصرح في هذا العيد المبارك بمآل المعاهدة العربية البريطانية المؤسسة على مقرراتنا السياسية والتي يعترف بها صاحب الجلالة البريطانية لنا باستقلال العرب بجزيرتهم وسائر بلادهم، ويتعهد لنا حشمته الملوكية بالمعاضدة الفعلية لتأسيس الوحدة العامة الشاملة لكل هذه البلاد بما فيها العراق وفلسطين وشرق الأردن وسائر البلاد العربيـة في جزيرة العرب (ما خلا عدن) فنأمر أن يعتبر هذا اليوم المبارك عيد الاعتراف باستقلال الأمة العربية. وقد جاء في رسالة أرسلت من جدة إلى الأهرام نبأ الاحتفال بالمعاهدة فيها بالنص الذي أرسله الملك إلى حاكمها الإداري (قائمقام جدة) وأن هذا قال بعد تلاوة أمر الملك في الحفلة: (وقريبًا سنتفق مع فرنسة على سورية اتفاقًا مرضيًا). ولقب ملك الحجاز بملك البلاد العربية ومؤسسها([3]).
مضمون إعلان الشريف حسين وما ترتب عليه:
قام رشيد رضا بالتعليق على هذا الإعلان بما يلي:
1 ـ أن المعاهدة التي حملها ناجي الأصيل من لندن قد اشتملت على اعتراف صاحب الجلالة البريطانية باستقلال العرب في جزيرتهم وجميع بلادهم([4]).
2 ـ أنها مبنيـة على المـقررات التي عرضـها أمير مكة على بريطانيـا في بيان شروط قيامه بالثورة، فقبلتها مع تحفظات مبينة في كتب مكماهون له. وكانت المادة الأولى من المقررات: أن بريطانيا تتعهد بتشكيل حكومة عربية مستقلة ...إلخ، والمادةالثانية: صيانة بريطانيا لهذه الحكومة في داخليتها وسلامة حدودها البرية والبحرية من أي تعدٍّ، حتى الفتن الداخلية، وأن المادة الثالثة تصرح بأن هذه الحكومة العربيةحكمها حكم القاصر في حضن بريطانيا([5]).
ويصـف رشـيد رضـا هذا الاستقلال بأنه نوع من أنواع استـقلال بعض المستعمرات البريطانية لا الاستقلال المطلق من كل قيد([6]).
3 ـ أن الملك (الشريف حسين قد فهم أن فلسطين داخلة في مملكته الجديدة ومن لوازمه أن عهد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود قد ألغي، وكان من لوازم هذا الفهم أن (ملك البلاد العربية ومؤسسها) أرسل برقية إلى كاظم باشا الحسيني([7]) رئيس الوفد الفلسطيني ـ وهو في القدس ـ بلغه فيهـا خبر المعاهدة وأمره لرعيته أهل فلسطين بالتزام الهدوء والسكينة، أي إلى أن تتسلم جلالته إدارة البلاد بالفعل، حتى إنه قال له في البرقية: (وأنتم المسئولون عن كل ما يحدث) وظاهر هذا أنه يرى أن حكومة فلسطين البريطانية الصهيونية تلغى بمجرد وصول برقيته([8]).
ويستمر الشريف حسين في ارتكاب الأخطاء بطلبه من أهل فلسطين التزام الهدوء وعدم الثورة على الاحتلال الإنجليزي مع أن الثورة كان من الممكن أن تشكل ورقة ضغط على بريطانيا لتنفيذ وعودها له بالاستقلال، ولكنه بقي متأملًا بتنصيبه ملكًا على العرب.
ومن المحزن أن زعماء فلسطـين والأحزاب والتيارات العربيـة الفلسطينية ظلت فترة طويلة من سنة 1918 ـ 1929م تركز على المقاومة السلمية للمشروع الصهيوني، محاولة إقناع بريطانيا بالعدول عن وعد بلفور، وقد كان لا يزال لديها بقايا أمل في ذلك، خصوصـًا أن البريطانيين كانوا حلفـاء الشريف حسين خلال الحرب العالمية الأولى، ولهذا يعلق الحاج أمين الحسيني على تلك المرحلة قائلًا: «كنا ما نزال حتى سنة 1932م على شيء من الأمل، ولكنه زال مع الزمن، كل عذابنا... كل آلامنا كانت تُعدُ بعناية، لم يكن أمامنا إلا الشهادة»([9]).
([7]) موسى كاظم (باشا) ابن سليم الحسيني (1853 ـ 1934م): ولد في القدس، وتعلم بها وبالآستانة. وولي أعمالا كثيرة في العهد العثماني، فكان (قائم مقام) في يافا، وفي صفد وعكار وإربد، ثم (متصرفًا) في عسير (باليمن) ونقل إلى الأناضول ثم إلى حوران (بسورية) فالمنتفق (بالعراق) وأحيل إلى التقاعد سنة 1914م، ولما احتل الإنجليز القدس عين رئيسًا لبلديتها سنة 1917م، وبدأ يقود الحركة الوطنية سنة 1920م. واستقال من البلدية انقطاعًا للعمل السياسي، فترأس جميع المؤتمرات العربية في فلسطين، وانتخب لرئاسة اللجنة التنفيذية العربية، وكان رئيسًا للوفود التي قصدت أوربا في أعوام 1921 و1925 و1930م، توفيبالقدس. الزركلي: الأعلام، ج7، ص326 ـ 327.