مصير فلسطين في معاهدة الصلح مع تركيا
مصير فلسطين في معاهدة الصلح مع تركيا
كتبت الكاتبة الفلسطنية (أريج أحمد القططي حول هذا الموضوع في كتابها (فلسطين في مجلة المنار الصادرة في مصر (1898-1940) ) الصادر عن دار المقتبس في بيروت – سنة (1439هـ - 2018م)
فقالت:
كانت خطة الاستعمار العالمي بعد هزيمة تركيا هي فصل فلسطين العربية عن الإمبراطورية التركية دوليًا، لتعطي مؤامراتها صفة شرعية، ولو من وجهة النظر الاستعمارية، فوقَّع مجلس الحلفاء الأعلى بتاريخ 10 أغسطس عام 1920م «معاهدة سيفر» مع تركيا، تحت شعار فصل الولايات العربية عن تركيا المهزومة، ومن الغريب أن تُوقع هذه المعاهدة قبل بحث صك الانتداب على فلسطين، وحتى قبل اقتراح مبادئه، فتأتي مؤكدة لوعد بلفور ولإنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين([1]).
وقد نشرت المنار تفاصيل قرارات هذا المؤتمر، والذي سُبق بجلسة في يوم 12 مايو سنة 1920م في (قاعة الساعة) بوزارة الخارجية الفرنسية حضرها سفراء ومندوبي الدول في تركيا وهم سفراء: إنجلترا، وإيطاليا، واليونان، ومندوبي: بلجيكا، واليابان، والحجاز، والصين، والبرتغال، ورومانيا، وتشيكوسلوفاكيا، والصرب، وأرمينيا([2]).
وبعد التئام المجلس أُدخل الوفد التركي وضـم: رئيس الوفد توفيق باشا، وزير الداخلية رشيد باشا، وفخر الدين بك وزير المعارف، وجمال باشا وزير النافعة والأشغال، قال الموسيو ميللران رئيس وزراء فرنسا: حضـرات مندوبي السلطنة العثمانية: «إن الدول الحليفات نِطْنَ بي أن أقدم لكم هذا المشروع للمعاهدة، وهن يطلبن منكم قبوله، وقررن أن تكون المناقشة كتابةً، فتفضلوا بتقديم ملاحظاتكم مكتوبةً لتجابوا عليها كتابةً، ولكم مدة شهر لتبلغوا ملاحظاتكم، وإننا مستعدون منذ الآن بأن نتلقى كل مستند ترون إبلاغه لنا». وبعد أن أتم خطابه مبينًا بأن تركية هي التي أطالت زمن الحرب على الحلفاء، قدم الموسيو فوكير نسخـةً من مشروع معاهدة الصلح لرئيس الوفد، فرد الرئيس بهذه الكلمة: (الوفد يحفظ لنفسه الحق بأن يرد على الدول الحليفات في الموعد المضـروب بعد أن يدرس شروط الصلح التي قدمت إليه درسًا دقيقًا)([3]).
وهذه الخلاصـة التي نشرتهـا صـحف باريس ولندن من المعاهدة: يعترف المتعاقدون بسورية والعراق كدولتين مستقلتين بمقتضى المادة 22 من عهدة عصبة الأمم، أما من الوجهة الإدارية فتكون تلك البلاد خاضـعةً لآراء ومساعدة دولة منتدبة إلى أن تصبح قادرةً على حكم نفسها بنفسها، وستعين الدول المتحالفة الكبرى الحدود، وتختار المنتدبين، ويعهد أيضًا بإدارة فلسطين إلى دولة منتدبة طبقًا لأحكامالمادة 22 من عهدة عصـبة الأمم، وتعين الدول المتحالفة الكبرى الدولة المنتدبة، وتحدد التخوم، وقد أثبت التصريح الأصلي الذي صرحته الحكومة البريطانية في نوفمبر سنة 1917م، ووافقت عليه الحكومات المتحالفة بشأن إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وستكلف لجنة خاصة تختار رئيسها عصبة الأمم بدرس وتسوية جميع المسائل الخاصة بالطوائف الدينية المختلفة في فلسطين. أما حدود الانتداب فستعينها الدول المتحالفة الكبرى، وتعرضها على موافقة مجلس عصبة الأمم([4]).
يتضح مما سبق أن المنار كانت ترصد جميع الأحداث السياسية المتسارعة التي لها تأثير مباشر على الأمة العربية والإسلامية، فتتناولها بالبحث والتحليل، وتقدم للقارئ العربي تحليلها للمعاهدات والتحـالفات، ومآلاتها وأثرها على الشعوب والبلاد الإسلامية، وتتحدى المجلة في كثير من الأحيان خصومها السياسيين بصدق تحليلاتها، وتظهر تحليلها للمستقبل من خلال استشراف الواقع، وفي بعض الأحيان حين تقع الأحداث التي تنبأت بها، تعود وتنشر أنها أول من توقع حدوثها، فعلى سبيل المثـال تقول عن الشريف حسين: «كنا نقول منذ بضـع سنين: إن مراده من الوحدة أن تكره الدولة البريطانية جميع قوى العرب له تحت حمايتها، وكان الأغبياء في السياسة والمأجورون ينكرون ذلك علينا فماذا يقولون اليوم؟»([5]).
* * *