جاري التحميل

معالجة مجلة المنار النضال السياسي والاقتصادي

معالجة مجلة المنار النضال السياسي والاقتصادي

كتبت الكاتبة الفلسطنية (أريج أحمد القططي حول هذا الموضوع في كتابها (فلسطين في مجلة المنار الصادرة في مصر (1898-1940)  ) الصادر عن دار المقتبس في بيروت  سنة (1439هـ - 2018م)

فقالت:

* النضال السياسي:

كانت فلسطين حتى نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918م وتطبيق اتفاقية سايكس ـ بيكو تعتبر جزءًا من الإمبراطوريـة العثمانيـة، وكانت تعرف «بسورية الجنوبية»([1]).

وانتهت الحرب العالمية الأولى باحتلال جنود الحلفاء لسورية وجعلها ثلاث مناطق: جنوبية: وهي متصرفية القدس الممتازة، ومتصرفيتي نابلس وعكا من ولاية بيروت (وأطلقوا عليها اسم فلسطين).

وشرقيـة: وهي ولايتـا الشام وحلب مـا عدا سواحلها، ثم أضيفت إليها متصرفية الزور.

وغربية: وهي بقية ولاية بيروت ومتصرفية لبنان وإسكندرونة، وأطنه([2]).

ولا عجـب إذن أن يعنـي الاستقلال الوطنـي لدى أكثريـة رجـال الفكر والسياسة استقلال سورية الطبيعية (سورية ولبنان وفلسطين وشرق الأردن)، وقد عبر المؤتمر العربي الفلسطيني الأول الذي عُقد في القدس بين 27 يناير و4 فبراير سنة 1919م عن هذا المعنى إذ طالب بأن: «تكون مقاطعتنا هذه جنوبي سورية، أي فلسطين، غير منفصلة عن الحكومة السورية العربية المستقلة المرتبطة بالوحدة العربيةخارجة عن كل نفوذ أو حماية أجنبية»([3]).

* مؤتمر السلم في باريس:

افتتح في مطلع يناير 1919م ليرسم خارطة جديدة للعالم بعد الحرب وسط جو من التفاؤل بقرب موعد تنفيذ مبدأ تقرير المصير للشعوب. وقد وعد المؤتمر أن ينظر في رغبة الشعوب بل حتم على نفسه بأن يقرر مستقبل كل أمة حسب إرادتهاتحقيقًا للمبادئ الساميـة التي خاض لأجلها الحلفـاء غمار الحرب العظـمى ـ كما يزعمون ـ ، فالرئيس ولسون ذكر في خطـابه في (مون فرنون)([4])  في 4 يوليو سنة 1918م المادة الآتية: «كل مسألة أرضيةً كانت أو سياسيةً أو اقتصاديةً أو دوليةً، يجب أن تحسم على موجب الأساسات المستندة إلى حرية قبول الشعب ذي العلاقة رأسًا بتلك المسألة لا إلى القواعد النفعية المادية»([5]).

إلا أنه سرعان ما تبددت الأوهام عندما كشفت الدول الاستعـمارية، عن أطماعها وخططها في ضم ممتلكات استعمارية جديدة التي كانت واقعة تحت سيطرةألمانيا وتركيا. وقد كان واضحًا أن الصهيونيين يتمتعون بمركز قوي جدًا في المؤتمر يؤهلهم لتحقيق مآربهم، خاصة لدى بريطانيا، ولدى الرئيس الأمريكي ولسون، ولم يكن من السهل أن يضم الحلفاء البلدان المرشحة للفوز بالاستقلال دون التقيد الشكلي بمبدأ تقرير المصير والاعتراف بحق الشعوب في الاستقلال، فكانت بدعة الاستقلال، ووجد الحلفاء أن تحقيق ذلك يتطلب تسليم وصاية هذه الشعوب إلى إحدى الدول الاستعمارية لتحكمها باسم عصبة الأمم بوصفها «منتدبة» عن هذه العصبـة، وقد قسمت الانتدابات إلى درجات مختلفة بحسب درجة رقي الشعب المحكوم([6])، أما بالنسبة لسورية الطبيعية فقد جاء في الفقرة الرابعة من المادة الثانية والعشـرين من عهـد عصبة الأمم مـا يلي: «إن بعض البـلاد التـي كانـت تابعـة للإمبراطورية العثمانية قد بلغت درجة الرقي يمكن معها الاعتراف مبدئيًا بكيانها كأمم مستقلة على أن تستمد الإرشاد والمساعدة من دولة أخرى حتى يأتي الزمن الذي تصبـح فيه قادرة على الوقوف بمفردهـا. إن اعتبـار رغبات البلاد يجب أن يكون في المقام الأول لدى انتقاء الدولة المنتدبة»([7]).

وبعد بروز النوايا الاستعمارية لكل من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا إثر رفض مندوبيهـا في مؤتمر السلم الموافقة على الاقتراح الذي تقدم به الرئيس الأمريـكي ولسون لتشكيل لجنة استفتاء لبحث مصير البلاد التي كانت تحت حكم السلطنة العثمانيـة، دعت الحكومة العربية التي كانت برئاسة الأمير فيصل إلى عقد المؤتمر السوري العام في دمشق، وضـم مندوبين عن جميع مناطق سورية الطبيعية وهي: (سورية الحالية، ولبنان، وفلسطين، وشرقي الأردن)([8]).

* اللجنة الأمريكية (كنغ كرين):

أقر الحلفاء في مؤتمر السلم تعيين لجنة دولية لدراسة قضية الولايات العربية ومعرفة رأي أهل البلاد في أمر مستقبلها وشكل حكومتها والدولة التي تفضل أن تندب لمساعدتها على الاستعداد للاستقلال المعترف لها به مؤقتًا إلى أن تصير قادرةً على النهوض به وحدها، ثم اكتفى بجعل اللجنة من الأمريكيين، وقد استحسن رشيد رضا أن تكون اللجنة من الأمريكيين لأن الأمريكيين حتى تلك اللحظة لم تظهر نواياهم الاستعمارية([9]).

وفي 19 يونيو 1919م وصـلت اللجنة([10])، وطـافت البـلاد في الولايات، وقابلت رجال الأديان والأحزاب والجماعات المنتخبة، وممثلي الأندية العلمية والأدبيةوالجمعيات، فظـهر لها أن السواد الأعظـم من الأهالي يطـلب الاسـتقلال التام، ولا يرضى أن يكون لدولة أجنبية حماية على بلاده ولا وصاية، ويزيد أهل فلسطين التصريح بمنع مهاجرة اليهود الصهيونيين إلى بلادهم، وصرح الوفد السوري أنه إذا أصر مؤتمر الصـلح على ندب دولة من الدول العظـمى لمسـاعدة الأهالي على النهوض بأمر الاستقلال، فيشترطون أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية؛ لأنها غير طامعة في البلاد، وأن تكون مساعدتها مؤقتةً لا تزيد على 15 سنةً، أو 20 ، وأن تكون في الأمور الفنية والاقتصادية التي لا تمس الاستقلال([11]).

وقد أُلِّف في سورية مؤتمر بأمر الأمير فيصل؛ لأجل مقابلة لجنة الاستفتاء واطلاعها على رأي أهل البلاد ووضع مشروع قانون أساسي لها، ولم يمكن إقناع أعضاء المؤتمر بالرضا بمساعدة الولايات المتحدة ثم إنجلترا إلا بعد أن بثت الدعوة فيهـم بأن موضوع الانتداب للوصـول إلى الاستقلال أمر مقرر في المؤتمر لا مرد له، وإن فرنسا تحاول أن تكون هي الدولة المنتدبة، بناءً على هذا وعلى العلم بأن رئيس الحكومة البريطانية صرح بأن دولته لا تقبل الانتداب لمساعدة سورية؛ لأن ما بينها وبين فرنسة عهد وميثاق يحول دون ذلك، وضع المؤتمر القرار الذي قدمه إلى لجنة الاستفتاء([12]).

لقد كان التغيير من الإصرار على الاسـتقلال إلى الرضا بإدارة منتدبة أمرًا يلفت الأنظار، وقد عُزي ذلك إلى رسالة بعث بها رستم حيدر([13]) المندوب العربي في باريس قائلًا أن المطالبة بالاستقلال التام ستكون مميتة لأن الدول قررت أنه لابد من إقامة انتداب([14]).

* المؤتمر السوري العام:

كان الحلفاء قد طلبوا الأمير فيصل إلى أوربا لأجل الاتفاق معه، فمكث بضعة أشهر في إنجلترا وفرنسا، ثم عاد إلى سورية ليوقف زعماء البلاد وممثليها على نتيجة مـا وقف عليه، ويستشيرهم في ما يجب أن يكون عليـه حكمـها؛ ليعود إلى أوربا ويقرره مع حلفائه، وبعد مباحثات طويلة سرية وجهرية استقر الرأي على إعلان استقلال القطرين السوري والعراقي([15]).

وكان أعضاء المؤتمر السوري المنتخبون من المناطق الثلاث قد تفرقوا في البلاد بعد اجتماعهم الأول لمقابلة اللجنة الأميركية وإعلامها برأي الأمة السورية في أمر حكمها، وهو الاستقلال التام الناجز، ورفض كل حماية ووصاية أجنبية، وترجيح طلب المساعدة الفنية التي لا تمس الاستقلال من الولايات الأميركية المتحدة، ثم اجتمع أكثرهم مرةً ثانيةً للحفاوة بالأمير فيصل عند عودته المرة الأولى من أوربا مبشرًا البلاد بأنه تقرر فيها مبدئيًّا أن تكون البلاد مستقلةً استقلالًا تامًّا، وطالبًا أن يوكلوه في تقرير مصيرها وكالةً مطلقةً، فتقرر جمع المؤتمر ليطلعه الأمير على كنه الحالة العامة، ويترك له حق تقرير ما يراه باسم الأمة السورية([16]).

ولما اجتمع أكثر أعضاء المؤتمر قرر أن يعقد جلساته في النادي العربي، وحضر الأمير فيصل جلستـه الأولى، ومعـه أركان حكومتـه، وألقى خطابًا على مندوبي الأمة([17]).

وقد شـارك وفد من فلسطـين([18]) في هـذا المؤتمر الذي عُقد في 2 يوليو سنة 1919م وكان من أهم قراراته التي قدمت للجنة الاستفتاء الدولية:

1 ـ طلب الاستقلال التام للبلاد السورية التي تمتد من جبال طوروس شمالًا حتى رفح جنوبًا بدون حماية ولا وصاية.

2 ـ طلب أن تكون حكومة سورية ملكيةً مدنيةً نيابيةً على أن يكون ملكها الأمير فيصل([19]).

3 ـ الاحتجاج على المادة (22) الواردة في عهد جمعية الأمم، القاضية بإدخال البلاد في عداد الأمم المتوسطة التي تحتاج إلى دولة منتدبة.

4 ـ طلب المساعدة الفنية والاقتصادية من الولايات المتحدة الأميركية على أن لا تمس هذه المساعدة باستقلال البلاد السياسي التام، وعلى أن لا يزيد أمد هذه المساعدة عن عشرين عامًا.

5 ـ إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من قبول طلبنا المساعدة منها، فإننا نطلب أن تكون هذه المساعدة من بريطانيا على أن لا تمس باستقلال بلادنا السياسي التام ووحدتها.

6 ـ عدم الاعتراف بأي حق تدعيه فرنسا في أي بقعة من سورية.

7 ـ رفض مطالب الصهيونيين بجعل القسم الجنوبي من البلاد السورية ـ أي فلسطين ـ وطنًا قوميًّا للإسرائيليين، ورفض هجرتهم؛ لأنه ليس لهم فيها أدنى حق. 

8 ـ طلب عدم فصل القسم الجنوبي من سورية المعروف بفلسطين، والمنطقة الغربية الساحلية التي من جملتها لبنان عن القطر السوري.

9 ـ طلب الاستقلال التام للقطر العراقي المحرر([20]).

وقد انتخب المؤتمر محمد عزة دروزة([21]) أحد القيادات الفلسطينية في منصب السكرتارية العامة. وكان ممثلو الجمعيات الوطنية العربية قد أرسلوا بيان احتجاج وُجِّه عبر التلغراف إلى كلٍ من: الأمير فيصل، والرئيس الأمريكـي ولسون، وإلى رئيس الوزراء البريطاني لويـد جورج، وإلى رئيس مؤتمـر السـلم، وإلى السـنيور أورلاندو([22])، وإلى ممثلي الحلفاء في دمشق، وإلى الحاكم العسكري العام، وإلى اللجنة الأمريكية، وإلى محمد رستم بك حيدر نائب الأمير فيصل في مؤتمر السلام، وإلى حبيب بك لطف الله مندوب الاتحاد السوري في باريس([23]).

وعبَّر موقعو البيان عن استنكارهم على ما صرحت به اللجنة الأميركية في جنوبي سورية باسم مؤتمر السلام من لزوم تسمية دولة تنتدب للوصاية على بلاد الشام. وورد في البيان: «إننا نرفع احتجاجنـا هذا إلى دول الحلفاء الذين ما زالوا يصرحون أنهم ما حاربوا إلا لتحرير الشعوب ونصرة المظلوم، ونطلب منهم أن يبروا بوعودهم من ترك تعيين مصير بلادنا لنا، ونصرح للملأ أجمع أننا لا نطلب سوى الاستقلال التام، بلا حماية ولا وصاية ولا إشراف، ولا أقل شيء يمس باستقلالنا الخارجي والداخلي، وبالختام نؤمل أننا لواثقون بعدالة دول الحلفـاء الكرام التي اعترفت بالاستقلال التام لكثير من الشعوب اليوم، وأيدت مبدأ القومية والمساواة بكل قواهـا، بأن تنصف شعبًا حارب مع الحلفاء جنبًا لجنب من أجل الاستقلال التام([24]).

ووقَّع هذا البيان عدد من ممثلي الجمعيات منها: جمعية الاتحاد السوري، وجمعية الاستقلال الوطني، وجمعية النهضة الأدبية، وجمعية العهد السوري، وجمعية العهد العراقي، والمؤتمر السوري ويمثـلها من فلسطين السيد معين الماضـي([25])، وجمعية النهضة الفلسطينية، وكان يمـثلها كل من: سليم عبد الرحمن، والحاج إبراهيـم، ومحمد صالح المعمادي([26]).

* المؤتمر السوري الفلسطيني:

عقد هذا المؤتمر في جنيف بتاريخ 25 أغسطس حتى 21 سبتمبر 1921م، وانتخب المؤتمر لرئاسته الأمير ميشيل لطف الله رئيس اللجنة المركزية لحزب الاتحادالسوري([27])، والشيخ رشيد رضـا نائبًا للرئيس، والأمير شكيـب أرسـلان([28]) سكرتيرًا عامًا([29])، وكان وفد فلسطين مؤلَّفًا من الحاج توفيق حماد وأمين التميمي وشبلي الجمـل([30])، وكانوا جزءًا من الوفد الفلسطـيني الذي انتدبـه المؤتمر العربي الفلسطينـي الرابع إلى لنـدن للمطالبـة بحـقـوق الفلسطـينيـين لدى السلطـات البريطانية([31]).

وكان الوفد الفلسطيني متفائلًا بأن تكون فلسطين أسبق البلاد العربية إلى نيل الاسـتقلال، وهذا خـلاف ما كان يعتقد رشـيد رضـا، الذي أوضـح للوفد الفلسطـيني بأن بريطـانيا الطامعـة في البلاد العربية تهتـم بأرض البلاد المقدسـة (فلسطين) ما لا تهتم ببقعة أخرى من البلاد العربية لأسباب دينية، وأدبية، وتاريخية، ومالية، وجغرافية وحربية؛ فإنها مهد المسيحية، وميدان الحروب الصليبية الإسلامية، ولأنها متصلة بمصر وبالبحر الأحمر، ولهذه المزايا، فإن بريطانيا ترى أنها قد فتحتهافتحًا، واستخدمت في فتحها من المسلمين المحاربين الهنود، ومن العمال المصريين في مد السكك الحديدية، وأنابيب المياه أضعاف مَن استخدمت من البريطانيين المسيحيين، وإذا كانت جميع الكنائس البريطانيـة قد احتفلت بهذا الفتح الديني، وافتخرت به، وإذا كان رئيس وزراء بريطانيا قد صرح في مجلس العموم بأن هذا الفتح خاتمة الحروب الصليبية، أبعد هذا كله تسمح بريطانيا مختارة بأن تكون هذه البلاد مستقلة تابعة لدولة عربية ذات أكثرية إسلامية ساحقة([32]).

ولذا فإن رشيـد رضـا حذَّر الوفد الفلسطـيني من الانخـداع بمـؤامرات الإنجليز، فهم أقدر مَن خلق الله من الإنس والجن على الخداع، خاصة وقد عززهم خـداع اليهـود وكيدهم، وقـد فضحـت عواقب الحرب العالميـة الأولى كيـدهم وخداعهم، ومع هذا فإن أجدر الناس بالحذر من هذا الخداع لا يزال الكثير منهم مخدوعين!

وأوضح رشيد رضا ومن أساليب الخداع الإنجليزي الخفية ما سبق (موقظ الشرق وحكيمـه) السيـد جمال الدين إلى بيانـه منذ عشرات من السنين، إذ قال: «لا يظلم الإنجليز قومًا إلا ويقوم أفراد منهم يرفعون أصواتهم في الصحف، وعلى مقاعد مجلسي النواب والأعيان باستنكـار ذلك الظـلم، وعذل حكومتهم عليه، ومطالبتهم إياها برفعه؛ لأجل أن تظـل آمال المظلوم معلقة بهم، لا يطلب العدل والرحمة إلا من قبلهم، ومن آفات هذه الخدعة أنها تصرف المظلومين عن مقاومة الظلم»([33]).

ورغم تحذير رشيـد رضـا للوفد إلا أنه وقع في نفس الخديعة، فقد اجتمع الوفد الفلسطـيني مع عدد من الزعماء البريطـانيين منهم تشرشل رئيس الوزراء، إلا أنهم لم يلاقوا استجابة لمطالبهم الوطنيـة، وقدَّم الوفد لمجلس النواب ومجلس اللوردات أكثر من مذكرة، كانت نتيجتها أن نجحت جهود الوفد في مجلس اللوردات الذي اتخذ قرارًا يوصي فيه حكومته بإعادة النظر في سياستها وذلك في يونيو سنة 1922م، إلا أن قرار مجلس اللوردات قد أذرتـه الرياح فيما بعد بقرار من مجلس العموم الذي أقر السياسة الاستعمارية([34]).

* تسمية المؤتمر:

دار جدال بين أعضاء المؤتمر وبين أعضاء الوفد الفلسطيني على تسمية المؤتمر، فكان رأي رشيد رضا وأعضاء الاتحاد السوري أن أهداف المؤتمر مبنية على قواعده الأساسية في استقلال البلاد السورية، ووحدتهـا وشكل حكومتهـا، لذا اقترحوا تسميته بالمؤتمر السوري الأول، أما الوفد الفلسطيني فكان رأيهم بتسميته بالمؤتمر السوري الفلسطيني؛ لأن الدول الكبرى قد فصلت بعض مناطق البلاد من بعض،ووضعت لكل منها اسمًا، فإذا أُطلق اسم سورية الآن لا تدخل فلسطين في مسماه، وتمت الموافقة على تسميته بالمؤتمر السوري الفلسطيني([35]).

واتفق المؤتمرون على رفض الانتداب على كل من سورية، وفلسطين، ولبنان، وما يلزمه من إخراج الجيوش المحتلة لها منها. ويقول رشيد رضا أنه كان يخشى أن يعارض الفلسطينيون في هذا، لا لأنهم يقبلون الانتداب، ويرضَوْنه ـ حاشاهم الله من ذلك بصدق وطنيتهم، وإخلاص عقيدتهم ـ وإنما قيل: إن من سياسة وفدهم في أوربا السكوت عن الانتداب، والحملة على وعد بلفور بالوطن القومي لليهود؛ عسى أن يستميلوا إليهم كثيرًا من البريطانيين الذين يكرهون أن يكون لليهود نفوذ ممتاز في مهد النصرانيـة، ولكن موضـع هذه السياسة لندن لا جنيف، وقد رضي أعضاء الوفد كلهم برفض الانتداب([36]).

وقد أطلق المؤتمر نداءً لجمعية عصبة الأمم كانت أبرز نقاطه:

ـ طلب المسـاعدة من عصبة الأمم للاعتراف ولتحقيـق مطـالب وحقوق الشعب العربي خاصة أن مبادئ الجمعية هي احترام القوميات، وحق الأمم في تقرير مصيرها، وإقامة العدل، ومراعاة الشرف في العلاقات الدولية، ونبْذ سياسة الفتح([37]). 

ـ إن سورية وفلسطين ولبنان تطلب الاعتراف بحقها في طلب الاستقلال التام المطلق بمقتضى القواعد العامة والطلب من الدول الكبرى تحقيق وعودها التي أطلقتهـا أثناء الحرب العالمية الأولى بأنهـا تسعى لاحترام حرية الشعوب وحقها بالاستقلال، بنـاء على مواد الرئيس ولسون الأربع عشـرة التي تضمن للشعوب الخاضعة للسلطة التركية السلامة لحياتها، وحرية الارتقاء بدون عائق([38]).

ـ إن الشعب السوري لديه مقومات تؤهله أن يطالب بالاعتراف بسيادته وفقًـا لهذه المبـادئ، فالأمـة السوريـة هي ذات شعـور قومـي توحدهـا السلالة واللغة والحضارة والتاريخ([39]).

ـ إن الأمة السورية أمة راشدة فالتعليم منتشر في البلاد بآلاف المدارس، وهناك مدرستان جامعتان، ونحو مائة جريدة، ويقدر عدد المتعلمين في أكثر المقاطعات بستين في المائة، منهم عدد عظيم من الطبقة المستنيرة ـ من أدباء وحقوقيين وأطباء ومهندسين ـ ، والضباط المتخرجين من مدارس الحربية قد أثبتوا كفاءتهم، ولما جلا الترك عن البلاد قام السوريون بتشكيل لجان إدارية وطدت أركان النظام([40]).

ـ عند نشوب الحرب أعلن الشريف حسين استقلال العرب بالاتفاق مع معظم الجمعيات السياسية في سورية، وقامت القوات العربية بمساعدة الإنجليز على هدم السلطنة التركية، بناء على وعود مكماهون بالاعتراف باستقلال بلادنا، فكل تلك الوعود والدماء التي أُهرقت كانت تعزز الآمال بإنشاء دولة سورية([41]). 

ـ ولم تمر بضعة شهور على اليوم الذي ضمن فيه السر هنري مكماهون للعرب استقلالهم السياسي، حتى عُقد اتفاق سايكس ـ بيكو السري الذي قضى على وحدة سورية وشطرها إلى منطقتي نفوذ، إحداهما فرنسية والأخرى إنجليزية، وهو يسلب الحكومة العربية حريتها الاقتصادية؛ بما أعطى للدولتين المتعاقدتين من حق الأولوية في المشـروعات، والقروض، والسكك الحديديـة، وشرع لأهـم مناطق الساحل إدارات فرنسية وإنكليزية، تتولى الأمور مباشرة، أو بشكل حماية حقيقية على الأقل.

ـ وفي 2 نوفمبر سنة 1917م صدر تصريح من الحكومـة البريطانية بوعد اليهود في فلسطين بامتيازات لا تتفق مع حقوق أصحاب البلاد([42]).

ـ ثم إنه بعد التوقيع على معاهدة فرساي وعهد جمعية الأمم في شهر سبتمبر سنة 1919موقع التواطؤ بين المستر لويد جورج والمسيو كليمانصو على ما يؤيد اتفاق سايكس ـ بيكو، وعلى قسمة سورية نهائيًّا إلى مناطق، غريب بعضها عن بعض([43]). 

ـ توجيه نظر جمعية عصبة الأمم إلى كوْن سورية التي هي أمة حقيقية، وقد وُعدت بالاستقلال تستحق بأن تطالبكم بالاعتراف بسلطانها القومي واستقلالها([44]). 

ـ إن المادة الثامنـة والعشرين من عهـد جمعيـة الأمم تنص على: (أن بعض الجماعات التي كانت من السلطنة العثمانية في ما سبق قد بلغت درجة من الارتقاء يمكن أن يعترف معهـا موقتًا بكونهـا أمة مستقلة، على شرط أن تسترشد إدارتها بنصائح ومساعدة تستمدها من دولة منتدبة، إلى أن تصير أهلًا للسير وحدها)! فبهذا النص قد وضع بعض الجماعات تحت الانتداب، وأما الجماعات الأخرى ـ كالحجاز وأرمينية مثلًا ـ فقد اعتُبرت بالغة درجة كافية من الارتقاء، تُغنيها عن دولة منتدبة([45]). 

ـ إن سوريـة تقيـم الدليل على رشـدها السياسي، وحقهـا في السيادة تجنُّبًا للانتداب كأرمينيـة والحجاز، فهي بما أهرقته من دماء أبنائها، وبمظاهر مدنيتها، وبارتقاء تنظيماتهـا السياسيـة، وبانتشـار تجارتهـا وصناعتهـا قد أثبتت أنهـا أمـة رشيـدة، أهلًا للحريـة، فنطالبكم أن تعلنوا في جمعيتـكم تحرير أمـة حقيقيـة من انتداب لا فائدة منه([46]).

ـ إن إعطاء الحكومة البريطانية عهدًا لليهود في 2 نوفمبر سنة 1917م بمنحهم وطنًا قوميًّا في فلسطين، وتكرر في المادة 95 من معاهدة سيفر المعقودة في 10 أغسطس سنة 1921م. إن هذا العهد مخالف لحقوق الأمم، ولا يتفق مع الوعود التي نالها الشعب العربي من مكماهون المندوب البريطاني باسم الحلفاء([47]). 

ويبدو أن زعماء الأمـة في ذلك الحين قـد أدخلوا الأمـة في مصير مظـلم، ووضعوها في قبضة أعدائها، حينما خدعوا بوعودهم الزائفة، فوقفوا في وجه دولة خلافتهم التي يستظلون بظلهـا، وهدموها بأيديهم، ثم بعد انتهاء الحرب أخذوا يستجدون الاستقلال بالوسائل السلمية التي فرضتها عليهم دول الحلفاء، وظلوا في سياسة الاستجداء سنوات طويلة، أسقطوا خلالها من حساباتهم أسلوب القوة والجهاد، وغفلوا أن الحقوق لا تؤخذ إلا بالقوة، وأن مجد الأمة لا يعود إلا بالجهاد.

* مطالب المؤتمر السوري الفلسطيني:

1 ـ الاعتراف بالاستقلال، والسلطان القومي لسورية وللبنان ولفلسطين.

2 ـ الاعتراف بحق هذه البلاد في أن تتَّحد معًا بحكومة مدنية مسئولة أمام مجلس نيابي ينتخبه الشعب، وأن تتحـد مع باقي البلاد العربيـة المستقلة في شكل ولايات متحدة.

3 ـ إعلان إلغاء الانتداب حالًا.

4 ـ جلاء الجنود الفرنسية والإنجليزية عن سورية ولبنان وفلسطين.

5 ـ إلغاء تصريح بلفور المتعلق بوطن قومي لليهود في فلسطين.

فإذا لم يكن لدى عصبة الأمم الاستنارة الكافية، وأرادت أن التيقن أن هذه هي رغبات الشعب الحقيقية، فنحن نرجوها أن ترسل إلى سورية، ولبنان، وفلسطين لجنة تحقيق ذات سلطة كافية؛ لتتمكن من إجراء تحقيق نزيه، وأن يُعطَى أهالي سورية من جمعية الأمم ضمانًا بأن يكونوا آمنين من انتقام المحتلين، واضطهادهم إذا أبدوا آراءهم بحرية، وذلك بأن تأمر بجلاء الجنود التي تضغط على الأهالي([48]).

* الوفد الفلسطيني في مؤتمر الصلح في لوزان([49]):

كان للجنة المؤتمر السوري الفلسطيني وفد في جنيف، عند اجتماع جمعية الأمم فيها، ثم انتقل إلى جنوى عند انعقاد المؤتمر الاقتصادي فيها، وكان شكيب أرسلان رئيس الوفد، ثم ذهب وفد من فلسطين واتحد بهذا الوفد، وذهب وفدان من مصرواتحدا هنالك أيضًا. واجتهد السوريون والمصريون في استمالة الترك ومطالبة وفدهم بالاعتراف باستقلال القطرين وسائر البلاد العربية، وكان الغرض أن يقترح جعلذلك في معاهدة الصلح، وبأن يتوسل إلى مؤتمر الصلح بقبول عرض مطالبهما له رسميًّا فلم ينجحا في هذا ولا ذاك. وكل ما كان أن عصمت باشا رئيس الوفد التركي صرَّح بالاعتراف بأن الترك قد تركوا لمصر والولايات العربيـة العثمانية أمر تقرير مصيرها واستقلالها، وبناءً على هذه المعاهدة حُددت حدود الدولة التركية بحيث تخرج منها مصر والشام والعراق، وكانت الفائدة لمصلحة الدول الاستعمارية([50]).

* معارضة الجمعيات الفلسطينية في أمريكا لقرار الانتداب والوصاية:

نشرت مجلة المنار بيانًا باسم الجمعيات الوطنية الفلسطينية في أمريكا والتي أطلقت على نفسها «النهضة الوطنية الفلسطينية في مدينة نيويورك»([51])، وجاء في هذا البيان أن النهضة الوطنية الفلسطينية في مدينة نيويورك قد عقدت اجتماعًا عامًّا بعد علمها بتصديق عصبة الأمم على الوصايات، وقررت بإجماع الأصوات إصدار نداء لكل الجمعيات والمؤتمرات السورية والفلسطينيـة ولجميع السلطات العربية لتقرر الجمعيات خطة دفاعية عامة تجاه ما لَحِق بالبلاد من الأذى والعبودية، على أن يحتوي على المواد الآتية:

أولًا: إن الحلفـاء قد خاضوا غمرات الحرب واتخذوا لأنفسهم مبدأ تحرير الشعوب المستضعفة، كما صرح ولسون في خطبه وفي مواده الأربع عشرة؛ فاستنادًا على هذا المبدأ ووفقًا لمعاهدة الملك حسين مع بريطانيا سنة 1915م، ووفقًا لرسائل حسين ـ مكماهون قد ساعد العربُ الحلفاءَ منـذ سنـة 1916م بدخولهم الحرب وإعلانهم الثورة ضد الحكومة العثمانية([52]).

وتابع البيـان أن للعرب السـوريين من تراث المجـد والوطنيـة والتقاليـد والكفاءة السياسية والإدارية مما يجعل للعرب حقًّا أكيدًا، غير أن الحلفاء قد ساروا على طريقة اضطهاد الشعوب ونفع الذات، بإصدارهم وعد بلفور، وتقسيم المنطقة العربية في اتفاق سايكس ـ بيكو، فهدمت بذلك جميع المبادئ التي افتخر بها الحلفاء، كما أن عصبة الأمم التي ولدتها المبادئ الديمقراطية الحديثة، قد صمَّتْ آذانها عن سماع صوتنا، فصدقت بلا تردد بعد جلسة سرية عهود الوصايات، وهذا يؤكد أن عصبة الأمم لم توجد إلا لتنفيذ السياسة الاستعمارية. ولما كان العرب قد فشلوا في جميع الأعمال السياسية الخارجية ولم يلاقوا من الأوربيين إلا تصلفًا، وجب عليهم أن يحصروا أعمالهم في بلادهم وفيما يهمهم من أمرها من حيث هي بلاد عربية أو بلاد دينية مقدسة مع المثابرة في الجهاد سياسيًّا واقتصاديًّا وعلميًّا([53]).

ثانيًا: إن القضية العربية كانت جامعة لكل الأقطار العربية، غير أن الدول الاستعمارية الأجنبية قد جَزَّأَتْ بلادنا وجعلت لكل قطر منها قضية مختلفة، تأييدًا لسياستهـم في تفريق كلمـة العرب، وفضلًا عن أن موقع بلاد العرب الجغـرافي والترابط الطبيعي بين العرب بالنظر لجامعة اللغة والعنصر يؤكد أن هذه القضية المتحدة سياسيًّا واقتصاديًّا يجب أن يشترك في حلها العرب كلهم، ولما كانت الأمة العربية قد امتشقت حسامها لتأييد استقلالها ـ فالنهضة ترى أن الوسيلة الأولى التي تجب أن يتخذها الفلسطينيون هي نشر الدعوة في بلاد العرب كلها لتتعاون على درءالعبوديـة عن طريق الجامعة العربية، وبذلك يجب على العرب مقاومة الصهيونية والأجانب المستعمرين على السواء كما يقاومهم الفلسطينيون([54]).

ثالثًا: مقاطعة اليهود، على أن يباح لهم ما عدا الأراضي (أي الأموال المنقولة فقط) ويحرم الشراء منهم، وتأييدًا لذلك فالنهضة تهتم الآن بمشروع تأسيس بنك في فلسطين لتكون المقاومـة على أساس اقتصادي علمـي عمـلي ليستـفيد المزارع والتاجر، وهذا يحتاج إلى نشاط وأموال المهاجرين الذين يعملون في سبيل القضية لشراء الأسهم([55]).

رابعًا: نشر الدعوة بين جميع العامة في المدن والقرى: إما بتأسيس النوادي، وإما بإلقاء الخطب والمواعظ لإضاءة الأقطار بنور المعرفة وبالقضية الوطنية وبأضرار بيع الأراضـي، وبتصوير العبودية التي تلحق بالأهالي، وللجوامع والكنائس في هذا العمل قسط وافر([56]).

خامسًا: من أهم الأسباب القويمة لحفظ كيان أمتنـا وحصولنا على أمانينا الوطنية، انتشار العلم، فعلى كل رجل أن يرسل ابنه إلى المدارس لطلب العلم، وعلى الأخص المدارس الوطنية([57]).

وفي الختـام دعا البيان العرب إلى الاتحـاد وانتهاج سبيـل القوة، لأن وقت الاحتجاج والصراخ قد مضى. وقال البيان: وكما أن الضعف فينا سبب في اضطهادناوامتهان كرامتنا العربيـة، فالقوة ستكون سببًا حقيقيًّا في إيصالنا إلى ما نبتغي من الحرية والاستقلال، فما مضى بنا من العبر السياسية والتجـارب الزمنية علَّمنا أن ضعف العرب في تفرقهم وتشتيت شملهم([58]).

* رد الفلسطينيين على معاهدة الشريف حسين مع بريطانيا:

أولًا ـ بيان المؤتمر الفلسطيني السادس عن المعاهدة:

هناك عوامل داخلية وخارجية كانت وراء انعقاد المؤتمر في يافا بتاريخ 16 يونيو 1923م، والذي حضره 72 عضوًا، منها: إعادة تنظيم الحركة الوطنية إثر مقاطعة الشعب الفلسطيني انتخابات المجلس التشريعي الذي فرضته بريطانيا في محاولة منها لإيجاد مؤسسة تشريعية تضم أعضاء عرب ويهود وبريطانيين، ولبحث الموقف والعلاقات مع حكومة الانتداب إزاء فشل مهمة الوفد الفلسطيني الثاني إلى لندن، وكذلك إزاء مشروع المعاهدة العربية الإنجليزية، فمن المستغرب والمؤلم أن الملك حسين قد بقي الرجل المخدوع حتى تلك السنة، فقد أبرق في الأول من مايو إلى رئيس الهيئة التنفيذية وعموم أهالي فلسطين يبشرهم بالمعاهدة([59]) «نصرح في هذا العيد المبارك بمآل المعاهدة العربية البريطانية المؤسسة على مقرراتنا السياسية والتي يعترف بها صاحب الجلالة البريطانية لنا باستقلال العرب بجزيرتهم وسائر بلادهم، ويتعهد لنا حشمته الملوكية بالمعاضدة الفعلية لتأسيس الوحدة العامة الشاملة لكل هذه البلاد بما فيها العراق وفلسطين وشرق الأردن وسائر البلاد العربية في جزيرة العرب ما خلا عدن... »([60]).

أعلن هذه البرقية في فلسطين موسى كاظم الحسيني بعد صلاة العيد، وصدقها الشعب فطغت موجة من الفرح أرجاء البلاد، إلا أن هذه الموجة انحسرت بسرعة إثر إعلان حكومة الانتداب بأن هذه المعاهدة لم تبرم. وحين نشر مشروع المعاهدة اتضح أن المادة الثانية منها حول فلسطين ما يلي([61]): «تعهد صاحب الجلالة البريطانية بأن لا يجري شيء في هذه البلاد مما يمكن أن يجحف بحقوق الأهالي العرب المدنية أو الدينية. وأما إذا أبدت إحدى هاتـه الحكومات أو كلها رغبـة في الاشتراك في الجمارك أو خلاف ذلك بقصد إيجاد حلف في ما بعد ـ فإن صاحب الجلالة البريطانيةيسعى لترويج رغبتهم إذا طلب إليه ذلك المتعاقدون ذوو الشأن. ويعترف صاحب الجلالة الهاشمية بالمركز الخاص الذي لجلالته البريطانية في العراق وشرقي الأردن وفلسطين ويتعهد بأن يبذل غاية جهده في التعاون مع جلالته البريطانية على القيام بتعهداته في المسائل التي تقع ضمن نفوذ جلالته الهاشمية بشأن هذه البلاد»([62]).

وعلى إثر ذلك أعلن المؤتمر العربي الفلسطيني السادس المنعقد في يافا رفْضَ مشروع المعاهدة التي نشرت حكومة فلسطين خلاصتها رسميًّا بتاريخ 5 حزيران سنة 1923م وفيها أن المعاهدة لم تبرم نهائيًّا، وأن المفاوضات بشأنها بين جلالة الملكحسين وحكومة بريطانيا جاريـة حول تعديلات طفيفة لا تزال مجهولة، وأن هذا المؤتمر الممثل للأمة العربية الفلسطينية يرفض كل مشروع لا يضمن لها في وطنها المقدس مطالبها العادلة المعلومة التي ذكرت تأييدها المؤتمرات السابقة، من استقلال البلاد وإلغاء السياسة الصهيونيـة الفاضحة، وقد أبرق المؤتمر بذلك إلى صاحب الجلالة الهاشمية([63]).

* البرقية التي اقترح هذا المؤتمر إرسالها إلى الملك حسين:

حاولت حكومة فلسطين محو السرور الذي أحدثته برقية جلالتكم التبشيرية بنشرها مشروع المعاهدة الإنجليزي (سيما ما يتعلق بفلسطين)، المناقض للبرقيـة فاغتم الأهالي ودعت الحالة لجمع مؤتمر عام بيافا، فقرر عرض الشكوى لأعتابكم التي لا يمكن أن تقبل مثل هذا المشروع، ولن يقبله فلسطيني ما دام فيه رمق حياة، واسترحام التفضل على أهل البلاد (والإسراع) بطلاع ممثليهـا على ما يتعلق بهم في المعاهدة قبل إبرامه نهائيًّا([64]).

وقـد أجاب الملك حسين عن هذه البرقيـة هـذا نصهـا (حَسِّنُـوا الظـن)، ويستغرب رشيد رضا من هذا الرد حيث يقول: «وكيف يحسن العاقل الظن بالأمرالمعلوم ضرره؟»([65]).

* البرقية التي أرسلها المؤتمر إلى لندن:

ووجهت الرسالة إلى: رئاسة الوزارة، ووزارة الخارجية، ووزارة المستعمرات، ورئاسة مجلس الأعيان، ورئاسة مجلس النواب والجمعية الوطنية السياسية بلندن([66]). وهذا نصها: «قرر المؤتمرُ العربي الفلسطيني السادس المنعقد في يافا والممثل للأمة رفضَ مشروع المعاهدة الإنجليزي المقدم لجلالة الملك حسين والذي نشرت حكومة فلسطين خلاصته؛ لأنه مخالف للعهود المقطوعة للعرب ولحقوق الشعب الفلسطيني ومطالبه بإلغاء السياسة الصهيونية وبتأسيس حكومة وطنية نيابية مستقلة. والأمة ترفض كل مشروع لا يضمن جميع مطالبها وقد أبرقنا بهذا لجلالة الملك حسين»([67]). 

ثانيًا ـ بيان اللجنة التنفيذية للمؤتمر السوري الفلسطيني بمصر:

عقدت اللجنة التنفيذية للمؤتمر السوري الفلسطيني بمصر جلسة فوق العادة في 20 يونيو 1923م للبحث في حظ الوطن السوري من المعاهدة البريطانية العربية التـي قُررت مبدئيًّا، ولا تزال موضوع المفاوضة النهائيـة بين مكة ولنـدن. وبعد البحث والمناقشـة في الخلاصة الرسميـة التي نشرتها حكومة فلسطين أخيرًا لهذه المعاهدة تقرر بالإجماع إصدار البيان الآتي: (إن المادة الثانية من هذه المعاهدة تنصعلى إصرار الحكومة البريطانية على موقفها الحاضر في فلسطين. ولم تعترف لأهلها العرب فيها بحق من الحقوق السياسية والقومية غير ما تضمنه صك الانتداب وعهد بلفور من الحق السلبي وهو أن لا يجري في البلاد ما يجحف بحقوقهم المدنية والدينية. وتنص (على اعتراف صاحب الجلالة الهاشمية بالمركز الخاص الذي لصاحب الجلالة البريطانية في العراق وشرق الأردن وفلسطين)([68]).

(ثم إن المادة التاسعة عشرة تنص على أن لا شيء في المعاهدة يبطل أي عهد تعهد أو قد يتعهد به في المستقبل أحد الفريقين المتعاقدين بمقتضى عهد جمعية الأمم).

(ولا يخفى أن المركز الخاص المشار إليه هو ما يسمونه الانتداب الذي كان صاحب الجلالة الهاشمية يأبى الاعتراف به قبل هذه المعاهدة، فنصت على اعترافه به فيها بأسلوب سياسي في كل من العراق وشرق الأردن وفلسطين كما انطوت على الاعتراف ضمنًا بتجزئة سورية وبوعد بلفور في الوطن القومي لليهود)([69]).

(ومن المعلوم أن مجلس جمعية الأمم قرر انتداب فرنسا على سورية الشمالية ـ سورية ولبنان ـ وانتداب إنجلترا على سورية الجنوبية ـ فلسطين وشرق الأردن ـ فالانتداب باقٍ إذن على حاله لا تنقض هذه المعاهدة شيئًا منه)([70]).

(فاللجنة التنفيذيـة للمؤتمر السوري الفلسطيني الأمينة على ما قرره مؤتمر جنيف من طلب الاعتراف باست

الموضوعات