جاري التحميل

معالجة مجلة المنار للمقاومة الشعبية للمشروع الصهيوني

معالجة مجلة المنار للمقاومة  الشعبية للمشروع الصهيوني

كتبت الكاتبة الفلسطنية (أريج أحمد القططي حول هذا الموضوع في كتابها (فلسطين في مجلة المنار الصادرة في مصر (1898-1940)  ) الصادر عن دار المقتبس في بيروت  سنة (1439هـ - 2018م)

فقالت:

* معالجة المنار لثورة البراق في سنة 1929م:

كتبت المنار مقدمـة عن مسألة البراق، فذكرت: أنـه كان يقال: «إن اليهود يعتقدون أن كسارة ألواح موسى عليه السلام مدفونة تحت الجدار الغربي من سور الحرم الشريف ببيت المقدس فهم يجتمعون هنالك يبكون ويحيون ذكر مجدهم الديني في هيكلهم، والمسلمون يروون أن البراق الذي ركبه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء قد ربط بهذا الجدار فله مزية عندهم على سائر جدران المسجد ويسمونه (البراق)([1]).

وقد كان من تسامح المسلمين وتساهلهم أن سمحوا لليهود بما ذكر في أيام ضعف اليهود وسلطان المسلمين فطمع هؤلاء بعد الاحتلال البريطاني ومشروع الدولة في تنفيذ عهد بلفور لهم حتى حاولوا في هذا العام الاستيلاء على هذا الجداروما حوله من بناء على أنه معبد لهم، وصاروا يضعون هنالك الكراسي والمناضد والأضواء في وقت اجتماعهم حتى كان من عدوانهم في عيد الغفران لهم ما يأتي بيانه، وهم يعلمون كما تعلم الحكومة البريطانية في لندن وفلسطين أن هذا من الأوقاف الإسلامية الثابتة بالتواتر([2]).

وكان من قواعد ما يسمونه الانتداب في فلسطين أن المعاهد الدينية لجميع الملل تبقى على حالها لا يسمح لأحد بالاعتداء عليها، ولكن عامة اليهود الصهيونيين يعتقدون أنهم ما جلبوا إلى فلسطين إلا لإقامة ملك سليمان فيها وجعلها وطنًا لهم دون غيرهم، فاستعجلوا في هذا العام بالتمهيد لإعادة هيكل سليمان الذي حل محله مسجـد الصخـرة بامتلاك الجدار الغربي من الحرم وهو أقرب الجدران إلى جامع الصخرة»([3]).

وبدأت المنار في بيان الإجراءات التي افتعلها اليهود عند حائط البراق وذلك من خلال البيان الذي نشرته حكومة الانتداب، والذي بيَّن أن اليهود قد قاموا في مساء يوم 23 سبتمبر سنة 1928م والتي كانت ليلة عيد الغفران عند اليهود بوضعحاجزًا على الرصيف الملاصق لحائط البراق، وأدخل إليه أشياء أخرى تخالف العادة المتبعة كقناديل كاز وعدد من الحصر وهيكل أكبر من الحجم الاعتيادي، وقام حاكم مقاطعة القدس بزيارة المنطقة وأعطى تعليماته بإزالة الحاجز قبل إجراء الصلاة في اليوم التالي([4]).

وفي اليوم التالي جاء البوليس للمنطقة فوجد أن الحاجز لم يزل، فأمر بإزالته، فحدثت بعض المشادات بين اليهود ورجال البوليس الإنجليزي، واعتبرت الحكومة في نهاية بلاغها أن «جلب الحاجز ونصبه على الرصيف تعديًا على الحالة الراهنة مما لا يمكن الحكومة السماح به، غير أن الحكومة تأسف لما حصل من الخوف والانزعاج لجماعة كبيرة من المصلين في يوم مقدس كهذا لليهود»([5]).

وقد علقت جريدة الجامعة العربية التي تصدر في القدس الشريف على بلاغ الحكومة بأن القارئ لهذا البلاغ يشعر أن الحكومة قد وقفت موقف الضعف محاولة ستر اعتذارها لليهود بأنها تمسكت بوجهة نظرها في ما اتخذته من الإجراءات ضدهم في البراق، وقد كنا نحب أن تظل الحكومة واقفة موقف الحزم، سالكة السبيل الذي يقضي به الحق والعدل والتعامل القديم في مسألة البراق، وأن لا يؤثر عليهـا هذه المناورات التي يقوم بها اليهود من أجل أمر لا حق لهم فيه على الإطلاق([6]).

وكتبت المنار أنها علمت من مصدر موثوق أن اليهود قد طلبوا من الحكومة الإذن للقيام بمظاهرة عامة واسعة النطاق يحضرها أفراد عديدون من اليهود من سائر جهات فلسطين، وذلك في يوم الاثنين حيث تذهب جموعهم إلى البراق بالأناشيدبقصد التمويه والتأثير على الحكومة([7]).

* هياج الرأي العام الإسلامي والدعوة إلى عقد اجتماع:

ولما اتصل بالمسلمين في القدس خبر عزم اليهود على القيـام بهذه المظـاهرة هاجوا هياجًا عظيمًا وفكروا في ضرورة اتخاذ التدابيـر اللازمـة لرد عاديـة اليهود فتأسست لجنة من أهل الحمية والغيرة طبعت منشورًا دعت فيه المسلمين إلى حضوراجتماع عام في المسجد الأقصى بعد صلاة العصر، في يوم (الأحد) الواقع في 16 ربيع الثاني سنة 1347ﻫ الموافق 30 أيلول [سبتمبر] سنة 1928م([8]).

وعند صلاة العصر اجتمـع ألوف من المسلمـين في المسجـد الأقصى فبعد الصلاة خطب كل من الشيخ عبـد الغني كامله، وعزة دروزة والشيخ حسن أبو السعود في الحاضرين وأوضحوا لهم مقاصد اليهود في محاولاتهم الموجهة إلى البراق الذي هو السور الغربي للحـرم الشريف، وبعد ذلك أعد الحاضرون مضبطة إلى المندوب السامي يحتجون فيها على أعمال اليهود العدائية، وما أدت إليه من هيجان في الرأي العام كما أعدوا مضبطة أخرى طالبين فيهـا أن تسمح الحكومـة بإقامـة المظاهرات السلميـة في القـدس وسـائر أنحـاء فلسـطين والاحتجـاج إلى وزارة المستعمرات وملوك المسلمين وأمرائهم والشعوب والصحف الإسلامية وإلى عُصْبَة الأمم وقد انتخبوا لجنة تنفيذية لتنفيذ هذه المقررات([9]).

وقد بلغ هياج الرأي العام بين المسلمين مبلغه في السخط على هذه الأعمال التي يقوم بها اليهود، وهذه الدعاية التي يبثونها في فلسطين أو في الخارج ويعجبون من الوقاحة التي دعت اليهود لأن يفكروا في الاعتداء على حق مقدس للمسلمين لا يتصور أحد من المسلمين أن يفرط في ذرة منـه مـا دام فيـه عرق ينبض، وقرر المجلس الإسلامي الأعلى إثر ذلك أن يرسل تقريرًا شديد اللهجـة إلى الحكومـة موضحًا فيه خطورة الحالة، مطالبًا منهـا تدارك الأمر بما يطمئن خواطر المسلمين ويهدئ من ثوران نفوسهم المهتاجة.

ووجه المتحدثون كلمة إلى الحكومة وإلى إدارة الأمن العام طالبين منها أن تضرب على أيدي اليهود الطامعـين فيما ليس لهم حق فيـه، والعاملين على العبث بالأمن العام، وموجهين نظرها إلى أن التساهل في مسألة حساسة خطيرة كهذه قد يؤدي إلى ما لا تُحْمَد عُقْبَاه؛ لأن المسلمين في فلسطين لا يمكن أن يفرطوا قط في ذرة من حقوقهم في هذا المكان الذي يشكل الجدار الغربي للمسجد الأقصى الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، محذرين أن يتعدى الهياج القدس إلى سائربلدان فلسطـين، ثم إلى العالم الإسلامي كافة إذا لم تتدارك الحكومـة الأمر بالحزم والشدة([10]).

* بيان جمعية حراسة المسجد الأقصى:

وأصدرت جمعية حراسة المسجد الأقصى والأماكن الإسلاميـة المقدسة في القدس بيانًا إلى العالم الإسلامي بتاريخ 31 أغسطس 1929م، عن أحداث البراق حذرت فيه من أن اليهود يثيرون الفتنة الدموية في فلسطين طمعًا في البراق الشريف والمسجد الأقصى المبارك([11]).

وأكدت الجمعية أنها ستقوم بواجبها إزاء الفتنة الحالية التي سبَّبها اليهود بتوالي اعتداءاتهم على البراق الشريف ـ فَجَرُّوا البلاد إلى البلاء الشامل والخسارة العظيمة في النفوس والثمرات ـ وأنها تثابر على خطتها من الأخذ بكل الوسائل المشروعة الجـائزة للدفـاع عن البراق الشريف والمسجـد الأقصى المبارك وسـائر الأمـاكنالإسلامية المقدسة لصد كل طمع عنها يحاوله الطامعون، والجمعية تقوم بهذا من حيث تظل على صلة بالعالم الإسلامي وملوكه وأمرائه وأممه وصحفه وزعمائه وأهل الغيرة والحمية من المسلمين بمواصلة إرسال الأنباء عن الحالة، وعما يجدُّ من الأمور المهمة والحوادث الخطيرة؛ ليقف العالم الإسلامي على ذلك ويعمل وسعه لصيانة مقدسات المسلمين ودرء الأخطار عنها([12]).

* وقدمت الجمعية موجزًا عما حصل في ثورة البراق هذا بيانه:

ضاعف اليهود في فلسطين جهودهم في الأسابيع الستـة الأخيرة لامتلاك البراق، ثم ليتدرجوا منه إلى امتلاك المسجد الأقصى بحجة أن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين هو هيكل سليمان، وبحجة أن الوطن القومي اليهودي يظل ناقصًا حتى يملك اليهود مكان الهيكل، وبهذا يصرح كبار زعمائهم([13]).

عقد يهود العالم (المؤتمر الصهيوني العالمي السادس عشر) في زوريخ في أواخر شهر تموز (يوليو) وأوائل آب (أغسطس) من هذه السنة [1929م]، وقد كان من محور المناقشات والمقررات في هذا المؤتمر استئناف العمل وتحريض يهود العالم على بذل جهودهم لاستعادة الهيكل([14]).

أعلن اليهود بلسان مؤتمر زوريخ وبلسان زعمائهم وصحفهم وجمعياتهم أنهم لا يرضون بما حدده لهم (الكتاب الأبيض) الذي أصدرته الحكومة البريطانية من أن يظل القديم على قدمـه بحيث لا يجـاوز اليهود زيارة الحائط الزيارة المعتـادة، والبراق واقع في ملك الوقف الإسلامـي البحت، ثم أعلن اليهود سخطهم على (الكتاب الأبيض) وأخذوا يجاهدون بكل قواهم لحمل الحكومة البريطانية للعدول عن العمل بمقتضاه([15]).

أثناء انعقاد مؤتمر زوريخ وبعده ظهر اليهود في فلسطين بمظهر المتعنت الطامع المحاول الباطل، مما دل دلالة قاطعة وأيدته الوقائع أن هناك خطة مدبرة وصلة وثيقة محكمة بين مقررات مؤتمر زوريخ والحوادث التي اقتحمها اليهود على أثره([16]).

في 15 أغسطس 1929م سمحت الحكومـة لليهود بأن يقوموا بمظاهرة، فقاموا بها وكانت مظـاهرة ظاهرهـا زيارة البراق ومرماهـا محـاولة إظهـار القوة لامتلاكه فمشوا من الحي اليهودي الذي يبعد من الحرم عدة كيلو مترات إلى البراقالشريف فاحتشدت المئات منهـم عنـده، ورفعوا العلم الصهيوني، وخطب فيهم خطباؤهم خطبًا هائجة عنيفة شتموا فيها المسلمين كثيرًا، وحرَّضوا جماهيرهم على امتلاك البراق تدريجيًّا لاستعادة الهيكل([17]).

وصدرت الصحف اليهودية ومناشير الجمعيات الصهيونية وكلها تحريض ونداء نحو هذه الغاية، وأصدرت حكومة فلسطين بعدئذ بلاغًا رسميًّا بينت فيه أن القصد من مظاهرة اليهود المذكورة لم يكن كله لزيارة (المبكى) أي البراق زيارة دينية مجردة([18]).

في 16 أغسطس قام المسلمون بمظاهرة كبيرة مقابلة لمظاهرة اليهود في اليوم السابق، فمشـوا من المسجـد الأقصى إلى البراق الشريف إعلانًا لتصميمهم أنهم متمسكون بملكهم، مدافعون عن حقهم، وطيرت البرقيات إلى الحكومة البريطانية، وقدَّمت الاحتجاجـات إلى حكومـة فلسطين شجبًـا لأعمال اليهود ومحـاولاتهم المتكررة التي لا تنتهي إلا بسوء العاقبة إذا سُمح لهم بالمثابرة عليها([19]).

في 12 ربيع الأول ـ 17 أغسطس يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم اعتدى اليهود على العرب المسلمين بالقرب من الحي اليهودي، فجرحوا 13 عربيًّا ودافع العرب عن أنفسهم، ثم انقلب اليهود يغدرون بالمارة من العرب في حيهم ليل نهار([20]).

في 21 أغسطس كان اليهود ذاهبين بموكب كبير لدفن أحد موتاهم الذي مات في مستشفى الحكومة متأثرًا من جراحه التي أصيب بها في حادثة اعتداء اليهود السابقة، فاجتمعوا مئات عديدة وخطبوا خطبًا مهيجة وشتموا المسلمين، ولما وصلوا بالميت إلى قرب دائرة البريد خارج المدينة القديمة عدلوا عن السير في الطريق العام،فأرادوا أن يدخلوا بالميت الأحياء الإسلامية كلها ويأتوا إلى البراق قبل أن يدفنوه تحويلًا لجنازة الدفن إلى مظاهرة لم يسبق لها مثيل نوعًا وشكلًا، فصدَّهم البوليس البريطاني بالقوة، وجرح منهم (23) شخصًا كما أفاد بلاغ الحكومة الرسمي. وكان اليهود بعملهم هذا يرمون إلى الفتنة صراحة([21]).

فهال أهالي فلسطين المسلمين مـا أخذوا يرون في اليهود من التحكك بنار الفتنة، ومن الجرأة الغريبة في محاولتهم اقتحام البراق وامتلاكه والتصرف به تصرف المالك فاحتجت (جمعية حراسة المسجد الأقصى) و(جمعية فرسان البراق) و(جمعيات الشبان المسلمين) في فلسطين والهيئات الدينية على أعمال اليهود ومصارحتهم العرب العدوان مصارحة منافية للحق والقانون، ومعرضة الأمن العام في البلاد إلى خطر كبير([22]).

في 23 أغسطس خرج المسلمون من صلاة الجمعة من المسجد الأقصى، فلما وصلت زرافاتهم إلى باب الخليل ذاهبين إلى منازلهم وجدوا اليهود هناك على حالة مريبة، وكانت جماهير المسلمين التي خرجت إلى جهـة باب العامود قد رأت مثل ذلك من اليهود الساكنين في حي ميشوريم القريب، فسبق أحد اليهود في باب الخليل إلى الاعتداء بإلقاء قنبلة، ثم أطلق اليهود الطلقات النارية على المسلمين، وحصل اصطدام قرب باب العامود في الوقت عينـه، ولم يكن بأيدي المسلمـين إلا بعض العصي يحملها الواحد منهم على عادته، فأخذ الرصاص يدوي ولم تكن قوة البوليس كافية فقامت بإطلاق النار على المسلمين فقتلت وجرحت منهم، واحتشد اليهود في مبانيهم الكبيرة في حي ميشوريم، وأخـذوا يطلقون النار من النوافذ على العرب واستمرت الفتنة على أشدها عدة ساعات، وأقفلت المدينة وتوالى إطلاق الرصاص في أماكن عديدة، وفي العصر حلَّقت الطيارات وجيء بقوات البوليس، وفي الساعة السادسة أعلنت الحكومـة منع التجوال من السادسة ونصف مسـاء إلى السادسة صباحًا، وانقضى الليل والرصاص لم يهدأ حتى الصباح([23]).

وبقت الحالة في القدس غير اعتياديـة رغم تكاثر القوة العسكريـة وتحليق الطيارات يوميًّا، فاستمر اليهود بممارسة حوادث القتل والاعتداء في أطراف الأحياء التي يسكنونها، ولم تنقض ليلة منذ 18 ربيع الأول دون أن يثابر على إطلاق النار الليل كله أو معظمـه في ضواحي المدينـة. وبلغ عدد شهداء المسلمـين في القدس العشرات، ولم يمكن إحصاء الإصابات إحصاء مضبوطًا إلى الآن وبلغ عدد الجرحى في القدس مبلغًا كبيرًا([24]).

* امتداد الثورة إلى أنحاء فلسطين:

في الخليل: امتدت الثورة إلى الخليـل يوم السبـت 25 أغسطس، فقُتل من المسلمين ثمانية، وجُرح عدد.

في يافا: حصل اصطدام عنيف في يافا يوم الأحد 25 أغسطس، فقتل وجرح من المسلمين برصاص الجنود البريطانية عدد لم يُعرف بعد.

في حيفـا: قام اليهود وباشروا مهاجمـة العرب بالسلاح، فدافع العرب عن أنفسهم وعائلاتهم، وفي اليوم التالي وصلت البارجة البحرية (برهم) تحمل الجنود والطيارات والأعتاد الحربية، فكان العرب بقرب الرصيف يشاهدونها، وبينما هم على هذه الحال إذا بجنود الدراعة يطلقون عليهـم النار بغتـة بلا سبب ولا إنذار فقُتل 27 عربيًّا وجُرح 59.

في بيسان وضواحيها: وقع قتال في بيسـان والأماكن المجـاورة، ولم تُعرف تفاصيل الحوادث وعدد الإصابات بعد([25]).

في صفد: حصل اصطدام شديد في صفد بين المسلمـين واليهود مساء 29 أغسطس لم تُعرف تفاصيله بعد.

في غزة والرملة: اشتد الاضطراب في غزة وقامت المظاهرات، فنقلت الحكومة اليهود من هناك إلى تل أبيب المستعمرة اليهودية الكبيرة قرب يافا، وهاج مسلمو الرملة واللد والسبع هياجًا كبيرًا.

في نابلس: وقع اصطدام كبير في نابلس بين الأهالي والبوليس فجُرح 9 من المسلمين. في سائر أنحاء البلاد:

وعم الاضطراب جميع أنحاء البلاد من بئر السبع جنوبًا إلى الحولة شمالًا([26]).

الشهداء والجرحى: أخذت حكومة فلسطين تصدر نشرات رسمية منذ نحو أسبوع في بيان الحالة العامة في البلاد، وجاء في النشرة المؤرخة في 29 أغسطس أن عدد الإصابات لغايـة الساعة الثامنة من صباح 28 آب [أغسطس] حسب أنباء المستشفيات ما يلي:

 

مسلمون

مسيحيون

يهود

المجموع

القتلى

63

4

97

164

جرحى في المستشفيات

113

9

150

272

جرحى خارج المستشفيات

لم يرد نبأ عن عددهم بالضبط

غير أن شهداء المسلمين وجرحاهم يفوق العدد الذي جاء في النشرة الرسمية المؤرخة في 29 أغسطس؛ لأنه لم يمكن إلى الآن القيـام بإحصاء دقيـق لإصابات المسلمين، وقد قالت النشرة المذكورة إن هذه الأرقام التي ذكرتها لا تشمل الإصابات التي أوقعتها القوات المسلحة في إخماد الاضطراب والتي لم تصل إلى المستشفيات([27]).

13 ـ ومع أن القوات العسكريـة قد ازدادت بوصول النجـدات من مصر ونزول قوات عسكرية من البارجتين اللتين رستا في يافا وفي حيفا، فالحالة العامة في البلاد تسير باضطراب([28]).

الفظائع تنزل بالمسلمين: ثبت أن كثيرًا من اليهود مسلحون، وأن كثيرًا منهم في القدس كانوا يرتدون الألبسة العسكرية، ويتقلدون البنادق، ويتصيدون العرب في الطرق والأماكن المنعزلة، وقد راع العرب تسلح اليهود وتخطفهم للعرب تحتهذا الزي وبعد الاحتجاج للحكومة عثرت الحكومة على بعض المسلحين منهم([29]). 

وتوزع الحكومة القوات العسكرية في البلاد بنشاط كبير، وقد كانت هائلة جدًّا الخطة التي باشرت القوات العسكرية العمل عليها من رمي المسلمين بالنار رميًا بلغ حد الفظائع بلا سبب وبلا إنذار، بل بحجة التفتيش دون أن يعثروا على أي شيء مما تفتش القوات عليه، وقد سقط أكثر شهداء المسلمين وجرحاهم برصاص الجيش البريطاني والبوليس البريطاني ففي قرية (صور باهر) الواقعة في الضاحية الجنوبية في القدس ذهبت حملـة عسكريـة باكرًا صباح 28 أغسطس مجـهزة بالرشاشـات والدبابات والطيارات فأحاطت بالقريـة، وأخذت تطلق النار من جميـع الجهات فقتلت ثمانية منهم النساء والأطفال وجرحت تسعة وحصل شبه هذا في قرية قالونيا في الضاحية الشمالية([30]).

ويجري من قبل المسلمين إحصاء مدقق للشهداء والجرحى الذين يذهبون ضحية رصاص الجند البريطاني، ويجري أيضًا إحصاء لإصابات العرب على العموم.

14 ـ وقد حلقت في 30 أغسطس وقت صلاة الجمعة حين خروج المسلمين من المسجـد الأقصى (13) طيارة، وقامت بحـركات مختلفة فوق الحـرم القدسي الشريف أكثر من ساعة.

15 ـ وشكرت جمعية حراسة المسجـد الأقصى الإخـوة المسيـحين العرب وقوفهم وإخوانهم المسلمين موقف المؤازرة والاتحاد الوطني في هذه الفتنة([31]).

ودعت جمعية حراسة المسجد الأقصى المسلمين عامة، وأرباب الحمية خاصة، والعرب في ديار المهجر إلى أن يسعفوا عائلات الشهداء والجرحى الذين ذهبوا في سبيل أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، واستنجدت الجمعية العرب والمسلمين ليسارعوا إلى الاحتجاج المتوالي على جناية اليهود في هذه الفتنة على ما تنزله القوات العسكرية البريطانية بالمسلمين الأبرياء من الضربات العظيمة الذاهبة بالأرواح([32]). 

وفي ختام بيانها أكدت الجمعية أن المسلمين في فلسطين سيظلون معتصمين بشرف السدانـة الصادقـة والحراسـة الأمينـة للمسجـد الأقصى المبارك والبراق الشريف([33]).

* منشور المندوب السامي عن أحداث البراق:

حدثت أحداث البراق في فلسطين والمندوب السامي البريطاني تشانسلور مصطافًا في بلاده بالإجازة، وقد تعجل العودة، ولم يلبث بعد وصوله إلى القدس أن نشر في البـلاد بلاغًا في الأول من سبتمـبر سنـة 1929م دل على تحيزه إلى اليهود والصهيونية هذا نصه:

«عدت من الممـلكة المتحـدة فوجـدت بمزيـد الأسـى أن البلاد في حـالة اضطراب، فأصبحت فريسة لأعمال العنف غير المشروعة. وقد راعني ما علمته منالأعمال الفظيعة التي اقترفتها جماعات من الأشرار، سفاكي الدماء، عديمي الرأفة، وأعمال القتل الوحشية التي ارتكبت في أفراد من الشعب اليهودي خلوًا من وسائل الدفاع بقطع النظر عن عمرهم، وعما إذا كانوا ذكورًا أو إناثًا، والتي صحبتها ـ كما وقع في الخليل ـ أعمال همجية لا توصف، وحرق المزارع والمنازل في المدن وفي القرى ونهب وتدمير الأملاك. إن هذه الجرائم قد أنزلت على فاعليها لعنات جميع الشعوب المتمدنة في أنحاء العالم قاطبة([34]).

فواجبي الأول أن أعيد النظام إلى نصابه في البلاد، وأن أوقع القصاص الصارم بأولئك الذين سوف يثبت عليهـم أنهم ارتكبـوا أعمال العنف، وستُتخذ التدابير الضرورية لإنجاز هاتين الغايتين، وبناء عليه أطلب من جميـع سكان فلسطين أن يساعدوني على القيام بهذا الواجب، ووفاقًا لتعهد أعطيته للجنة التنفيذية العربية قبل مغادرتي فلسطين، في شهر حزيران [يونيو] المنصرم تباحثت في أثناء وجودي بإنجلترا مع وزير المستعمرات بشأن إجراء تغييرات دستورية في فلسطين، غير أني سأؤجل هذه المباحثات مع حكومـة جلالتـه بسبب الحوادث الأخـيرة. ولكي أضع حدًّا للأخبار الملفقة التي ذاعت أخيرًا حول موضع حائط المبكى (البراق) أعلن لعموم الأهالي بأنني عازم ـ وحكومة جلالته موافقة ـ على تطبيق المبادئ التي ينطوي عليها الكتاب الأبيض الصادر في 19 تشرين [أكتوبر] سنـة 1929م بعد تقرير الطرق لتطبيقها([35]).

* احتجاج اللجنة التنفيذية للمؤتمر الفلسطيني على منشور المندوب السامي:

على إثر المنشور الذي أصدره المندوب السامي أبرقت اللجنة التنفيذية العربية في فلسطين البيان التالي:

«اطّلع عرب فلسطين بدهشة عظيمة على منشور (فخامتكم) الصادر في 1 سبتمبر 1929م، ولم يكن أحد منهم يتوقع أن يرى (إغفال) الحقائق التي عرفها القاصي والداني، والتي اعترفت بها الحكومة وهي:

1 ـ أن أكثر اليهود كانوا مسلحين من أنفسهم.

2 ـ أن الحكومة قد سلَّحت عددًا منهم.

3 ـ أنه لا يوجد في قتلى اليهود تمثيل أو تشويه حتى في الخليل كما يؤيد هذا تصريح إدارة الصحة العامة البريطانية في فلسطين.

4 ـ أن بعض قتلى العرب قد مثَّل اليهود بهم.

5 ـ أن جموع اليهود قد قتلت نساء وأطفالًا من العرب على الانفراد.

6 ـ أن اليهود هم الذين بدأوا في قتل النساء والأطفال من العرب.

7 ـ أن الجنود البريطانية النظامية قتلت النساء والأطفال والرجال من العرب في بيوتهم وعلى فرشهم في قرية صور باهر وغيرها.

8 ـ أن اضطرابات فلسطين السابقة والحالية إنما هي ناشئة مباشرة عن السياسة البريطانية الصهيونية التي ترمي إلى إفناء القومية العربيـة في وطنها الطبيعي لكي تحل محلها قومية يهودية لا وجود لها([36]).

كل هذه الحقائق لم يكن أحد من العرب يتوقع إغفالها في منشور صادر على عجل وسابق لأوانه، وتعلمون فخامتكم أن عرب فلسطين قد خسروا كل شيء من جراء هذه السياسة الصهيونية فلا يهمهم أي زيادة في الخسارة، وعليه فإن الجنود البريطانية ستجدهم عُزَّلًا من السلاح عند إنزال أي ضربة بهم، فإن كان لم يزل ثمة عدالة يحق للعرب أن يطلبوا نصيبهم منها، فهم يلحون بطلب إجراء تحقيق نزيه من قبل أشخاص من خارج فلسطين، لا يتأثرون أثناء قيامهم بواجبهم نحو العدالة بالنفوذ الصهيوني([37]).

* احتجاج جمعية حراسة المسجد الأقصى على منشور المندوب السامي:

جمعية حراسة المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة بالقدس تتلقى بمزيد الدهشة والأسف استعجال (فخامتكم) في إصدار منشور 1 أيلول [سبتمبر] سنة 1929م، الذي يحمل على العرب حملة غير عادلة مغفلًا ما اقترفه اليهود في يافا والقدس وغيرهمـا، وقام به الجنود البريطانيون في صور باهر وقالونية وحيفا من الفظائع والقتل في الأطفال والنساء والشيوخ من العرب، وهم عُزَّل من السلاح بعضهم عابر سبيل وبعضهم في بيته أو في صلاته، وهي تلفت نظر (فخامتكم) إلىما يأتي:

1 ـ إن إصدار الحكم في المنشور بناء على دعايـة اليهـود فقط، ومن غير أن تسمعوا الطرف الآخر، أو قبل أن يجري التحقيق من قِبَل هيئة عادلة غير متحيزة ولا متأثرة من النفوذ الصهيوني، هو ليس من العدل([38]).

2 ـ إن تغاضيـكم في المنشور عما اقترفـه اليهود والجنـود البريطـانيون منالفظائع في هذه الفتنة، وعدم تحميلكم المسئولية عن المسببين والبادئين سيتلقاه العرب خاصة، والعالم الإسلامي عامة بمزيد الدهشة والاستياء([39]).

3 ـ يخشى أن تكون لهجة المنشور قد فهم منها اليهود تحريضهم وإغراءهم لأنهم لم يكادوا يتلقون هذا المنشور حتى قاموا في ذات الساعة بالتعدي على أحمد محمد عوض من لفتا أثناء مروره في الطريق وتهجمـوا عليه مئات يتناولونه بما في نفوسهم من غل لكمًا وضربًا حتى قضى نحبه في ذات الليلة متأثرًا من تلك الضربات الهمجية([40]).

4 ـ إن التسرع في الحكم القاسي يخشى أن يكون له أثره في الهيئات القضائية والهيئات التحكيمية مما يتنافى مع الرغبة في أن يأخذ العدل مجراه([41]).

5 ـ إن تهمة التمثيل في قتلى اليهود في الخليل ثبت لدى موظفي دائرة الصحة العامة من الإنجليز بطلانهـا وفسادهـا، وهي بلا ريب من أنواع دعايات اليهود الباطلة([42]).

6 ـ إن العرب عاشوا هم واليهود الوطنيين في هذه البلاد قرونًا طويلة من غير أن يتعدى بعضهم على بعض، أو يسعى فريق منهم لأن يجعل البلاد المقدسة التي هي مقر الأديان ومهبط الأنبياء ميدانًا لإثارة الفتن وإراقة الدماء، فلا يصح أن يوصمفريق العرب الذي اعتدي عليه جهارًا وتحرش به علنًا كما تعترف الحكومة، فقام يدافع عن نفسه وعن نسائه وأطفاله الذين قُتلوا ومُثِّل بهم وهم عُزَّل من السلاح، فلا يصح أن يوصم هذا الفريق المدافع المعتدى عليـه بالهمجية والتوحش وحب سفك الدماء، وهذه القرون الماضية الطويلة شاهدة([43]).

فكان من واجب العالم المتمدن الذي صببتم لعناته على غير مستحقيهـا أن يفتش عن السبب الذي جعل مهبط الأنبيـاء ومقر الأديان ميـدانًا واسعًا للفتن، فيسـعى في إزالة هذا السبب باسم المدنيـة والإنسانيـة، وبذلك تعود فلسطين إلى ما كانت عليه من الهدوء والسكينة والاطمئنان.

7 ـ نستغرب جدًّا أن يحمل المنشور في أمر التخريب والإحراق على العرب فقط، ويغفل ما قام به اليهود من هذا القبيل وحرقهم ونهبهم بيوتًا كثيرة وتعديهم على مقام الصحـابي المشهور (سيدنا عكاشـة) وهدم قبره وقبر المجـاهدين حوله وإحراقها بعد تمزيق الستائر([44]).

8 ـ إن اليهود الذين أثار حماستهم وهاج هائجهم مقررات المؤتمر الصهيوني الذي عقد مؤخرًا في زوريخ، هم البادئون في الاعتداء والمثيرون لهذه الفتنة بالمظاهرة العنيفة التي قاموا بهـا في مكان البراق الشريف يوم 14 آب [أغسطس] لأسباب لا تنحصر بالصلاة العادية وهم يحملون العلم الصهيوني ويخطبون الخطب كما جاء في بلاغ الحكومة الرسمي، وكانت خطبهم تحمل أنواع السباب والشتائم للمسلمين، ومن جهة أخرى ابتداؤهم في الاعتداء يوم 16 و17 و18 منه على العرب المنفردين في الأحياء اليهودية من رجال ونساء وأطفال، وإن حوادث قتل النساء والأطفال بدأت منهم([45]).

9 ـ إن العرب الذين لم تُبق لهم السياسة الحاضرة ما يأسفون عليه من حق سيتلقون مسلِّمين بصدرهم وهم عُزَّل من السلاح رصاص الجنود البريطانيين فيما إذا رأت الحكومة أن سياسة الوطن القومي تقضي بالبطش بهم، وإزهاق نفوسهم وإزالتهم من الوجود([46]).

فالعرب مع احتجاجهم الشديد على هذا المنشور يطلبون أن تقوم هيئة عادلة من الخارج لا يجد النفوذ الصهيوني إلى وجدانها إزاء واجب العدل سبيلًا بتحقيق دقيق في هذا الأمر، وحينئذ سترون فخامتكم أن لعنات العالم المتمدن ستنصب على المسببين وحدهم، كما أنهـم يأملون إصدار منشور آخر بعد اطلاعكم على فظائع اليهود في يافا والقدس وغيرهما.

ونحن واثقون بأن كل تحقيق عادل يجري بهذا الصدد سيكون حتمًا لصالح العرب، وسيظهر أن المسئول عن هذه الفتنة اثنان لا ثالث لهما:

الأول: اليهود الذين تجاوزوا بمطامعهم واعتداءاتهم كل حد حتى المقدسات والحقوق الدينية.

الثاني: السياسة غير العادلة وغير الطبيعيـة التي تعضد اليهود في مطامعهم واعتداءاتهم، والتي قضت بتأخير تنفيذ الكتاب الأبيض الصادر منذ عشرة أشهر([47]). 

وقد علَّقت المنار على هذه الأحداث بتفاؤلها بأن مخططات بريطانيا والصهيونية لن تنجح بجعل فلسطين ملكًا لليهود، نظرًا لظلم بريطانيا المفضوح في فلسطين، والعدوان الأحمق من اليهود الذي جعلهم ينصرفون عن التخطيط والكيد والخديعة بالصبر والرفق، وهذا ما أيقظ العرب ونبههم لمؤامراتهم([48]).

ولكننا نرى أن مخططاتهم نجحت على الرغم من تنبه الفلسطينيين للمؤامرات، وسعيـهم بشتـى الطرق لمقاومتهـا، ولكـن المؤامـرة كانـت أكبـر من إمكانيـات الفلسطينيين، فقد شاركت فيها عدة دول أوربية مع الصهيونية العالمية، بمساعدة بعض الزعماء العرب الذين ساهموا إما جهلًا وإما تواطؤًا مع أعداء الأمة طمعًا في الرئاسة والملك.

ويستنتج مما سبق:

1 ـ أن سرعة انتشار ثورة البراق في أنحاء مدن فلسطين، يؤكد أن للمسجد الأقصى المبارك مكانـة عظيمـة في نفوس الفلسطينيين تصل إلى درجـة أن يفدوه بأرواحهم ودمائهم.

2 ـ أن تسرع المندوب السامي في إصداره منشوره الذي اتهم الفلسطينيين بإشعال الفتنة، ووصفهم بأوصاف سيئة قبل تحريه عن الأحداث، يدل على تواطؤ سلطات الانتداب البريطاني مع اليهود، واعتبار روايتهم هي المُصدَّقة.

3 ـ لو أحسن زعمـاء فلسطين استغـلال هذه الثـورة، وقاموا بتأجيجهـا، وتنظيمها، وتحويلها إلى ثورة مسلحة، لربما تمكنوا من تحرير فلسطين من الاحتلال، ولكنهم صدَّقوا بريطانيا التي حاولت امتصاص النقمة الشعبية المتزايدة في البلاد، فقامت بتأليف لجنة «شو» للتحقيق في الأحداث([49])، ووعدتهم بتنفيذ بعض مطالبهم، مقابل تهدئـة الجماهير، وبهذا انطفأت شعلة ثورة كان من الممـكن أن تكون بداية لثورة تحرير.

* وقوف الفلسطينيين ضد مؤامرة بيع الأراضي لليهود:

عمل الفلسطينيون على محاربـة ظاهرة بيـع الأراضـي لليهـود، وكان أحد وسائلهم نشر الوعي بخطـورة بيع الأراضي لليهود، من خلال إصدار البيانات، وكتابة المقالات في الصحف والخطب، والدروس، ونشر الفتاوى الشرعيـة التي يفتيها كبار علماء الأمة الإسلامية، بتحريم بيع الأراضي لليهود.

وقد نشرت صحيفـة المنار بيانًا لحزب الاستقلال([50]) في مؤرخ في 28 يناير 1933م، أطلق فيه نداءً للأمة العربية للنظر في الخطر الذي يهدد فلسطين، وأوضح البيان أن حـالة العرب في فلسطين قد انتهت إلى مـا تهلع له القلوب، وتضطرب النفوس، إذ أخذ المستقبل يبدو مظلمًا، ويحدق بهم خطر منبعث من ناحيتين: هما ناحية بيع الأراضي خاصة، وناحية الحكم الاستعماري المباشر في فلسطين عامـة، وكلتا الناحيتين تؤديان إلى تلاشي العرب وانهيار بنيانهم القومي، وانسلاخهم عن أرض آبائهم وأجدادهم بفعل السياسة البريطانية الصهيونية([51]).

وقال البيان أن مشكلة الأرض فقد بلغت حدها الأكبر من الخطر، إذ نشط اليهود في المدة الأخيرة لابتياع الأراضي، وهي الأراضي العربية القليلة التي بقيت بأيدي العرب، والتي إذا تسنى لليهود ابتياعها ـ وأكثرها واقع في السهول الساحلية ذات القيمة الزراعية الجيدة ـ أصبـح اليهود يمـلكون معظـم الجهات الساحليـة الخصبة في البلاد، سلسلة متصلة الحلقات، وظاهر ما في هذا من خطر ينذر البلاد بسوء المصير، يضاف إلى هذا الخطر، خطر آخر مُمَاشٍ له، وهو الهجرة الصهيونيـة وإغراق فلسطين بسيل عرم من المهاجرين اليهود يدخلون البلاد بجوازات سفر وبطرق غير مشروعة، كل هذا نتيجـة استقتـال اليهود لبناء المملكة اليهوديـة في فلسطين، على أنقاض الكيان العربي المتداعي إلى السقوط والانهدام([52]).

وحذَّر البيان من أن أكثر من ستة وثمانين ألف عائلة عربية أصبحت لا أرض لها ومن دون مأوى ولا كسب، وثبت هذا بشهادة التقارير الرسمية التي وضعها الخبراء الإنجليز الذي كلفوا درس الحالة درسًا دقيقًا، وكانت النتيجة الواقعة حتى اليـوم أن انتقلت أجـود الأراضي إلى اليـهود، وانزوى العرب في المناطق الجبليـة القاحلة. ولذلك باتت فلسطين تشهد كل يوم مآسي انهدام مكانها، بذهاب قرية بعد أخرى، والأراضي قطعة بعد قطعة، وتشرد المزارعين وهيامهم على وجوههم إلى حيث الفناء والدمار، هم وعيالهم وأولادهم!([53]).

يجري هذا كله جريًا مُطَّرِدًا سنة فسنة، والسلطة الإنجليزية في فلسطين مُمْعِنَة في حكم البلاد حكمًا استعماريًّا مباشرًا ثقيل الوطأة، مسلحًا بأقسى ما عرفه البشر من ضروب التقنين والتشريع والأنظمة، مما تدأب السلطات البريطانية في وضعه وتكبيل البلاد به، وتمهيدًا لإنشاء الوطن القومي اليهودي، وقد بلغت الحال خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة من الويل والإرهاق مبلغًا يعز وصفه ويصعب تصويره، فأصبـح العرب وليس لهـم من أمر بلادهـم ووسائل حمايتـهم شيء، ولم تلتفت السلطات البريطانية إلى شيء من أنين الشعب العربي وتظلمه وشكاته، طالبًا وضع حد لهذه الغزوة الصهيونية المجتاحة، وسن قانون عاجل يمنع بيع الأرض من العرب إلى اليهود منعًا باتًّا، ويغلق باب الهجرة الصهيونية، وطالبًا أن يتسلم مقاليد حكم نفسه بنفسه، حفظًا لكيانه، وهو العلاج الطبيعي الوحيد الذي بغيره تظل فلسطين تتردى في الهوة السحيقة حيث الفناء المنتظر، فتمثل فاجعة الأندلس ثانية دون أن يغني فيها ندب ولا عويل!([54]).

كما حذَر البيـان من أن (الوطن القومـي اليهودي) يُجهَّـز له في قلب البلاد العربية وعلى كتف الجزء الشمالي من جزيرة العرب، والأقطار العربية المجاورة لم تقم بعمل بعد تشعر منه السياسة البريطانية بتضافر العرب على دفع الكارثة، ودرء هذا الخطـر الذي إذا استفحـلت غزوتـه، فسيشمل غير فلسطين لا محالة، كما أخذت الدلائل في شرق الأردن تدل عليه في هذه الفترة الأخيرة([55]).

وناشد حزب الاستقلال العربي في فلسطين كل عربي كريم وكل هيئة عربية، في أنحاء الأرض، وأهل البلاد العربية الشقيقة، إلى التضافر والتآزر مع إخوانهم عرب فلسطين في رد هذه النكبـة التي كادت تأتي عليـهم، وإلى الوقوف في وجـه السياسة الإنجليزية موقف المدافع عن حياته وبقائه وكيانه، ابتغاء وضع حد لهذه الحالة المروعة التي كادت تفتك بقطر عربي وتذهب به فريسة المطامع الاستعمارية والصهيونية([56]).

وفي ذات الإطار وصل سؤال لصحيفـة المنـار من السيـد محمـد يعقـوب الغصين([57])، رئيس اللجنة التنفيذية لمؤتمر الشبان العربي بفلسطين، طلب فيه حكم الشرع فيمـن يسـاعد اليهود على امتلاك فلسطين ببيع أرضهـا. وقد قدَّم السائل مقدمة لسؤاله بيَّن فيهـا ما وصلت إليه حالة البلاد الفلسطينية من السوء، وخطر الاضمحـلال والزوال بسبب مـا تسرب إلى أيدي أعـداء البـلاد مـن الأراضـي المقدسة([58]).

الموضوعات