الحب بين نبينا محمد وأخوانه الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام
الحبُّ بين نبيِّنا محمدٍ وإخوانه الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام
كتب الدكتور غازي محمود الشمري حول هذا الموضوع في كتابه ( الحب في السنة وأثره في حياة الأمة) والصادر عن دار المقتبس سنة (1439هـ - 2018م)
فقال:
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: اعلم وفقنا الله وإيَّاك، أن صفات جميع الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم، من كمال الخلـق، وحسن الصـورة، وشرف النسب، وحسن الخلق، وجميع المحاسن، هي هذه الصفة، لأنها صفات الكمال. والكمال والتمام البشري، والفضل الجميع لهم صلوات الله عليهم، إذ رتبتهم أشرف الرتب، ودرجاتهم أرفع الدرجات، ولكن فضَّلَ اللهُ بعضَهم على بعض، قال الله تعالى: ﴿y الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ¢﴾[البقرة: 253]. وقال: ﴿Ï وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾[الدخان: 32]([1]).
فطبيعيٌّ أن تسود المحبة بين نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبين سائر الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام، فهم صفوة الله تعالى من خلقه، قال تعالى: ﴿ اللَّـهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾[الحج: 75].
وقد عصمهم الله تعالى من الذنوب والعيوب، وجمَّلهم بأعلى مكارم الأخلاق، والمحبة خصلة عظيمة منها.
وجميع الأنبياء إخوةٌ كما أخبر نبيُّنا عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ([2])، ..................................
أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ»([3]).
وكلهم يدعون إلى توحيد الله تعالى، فالدين واحد، قال سبحانه: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ ﴾[آل عمران: 19]، أما الشرائع فتختلف من أمة لأخرى، بحسب ما شرعه الله تعالى لها.
وهـم رسلٌ فـي علم الله القديـم قبـل أن يُبعثـوا، والله تعالى يُطلعهم على ما يشاء من العلم مالا يطلع غيرهم، فعندما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ الله، مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ؟ قَالَ: «وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ»([4]).
وإن لم تتحقق المحبة بين أصناف البشر، على النحو الذي ينبغي؛ فقد تحققت بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على الوجه الأتمّ، فقد جاءت بها شرائعهم، ودعت إليها كتبهم التي خرجت من مشكاة واحدة.
أولًا ـ حب الأنبياء لنبيِّنا محمدٍ عليه وعليهم الصلاة والسلام:
لقد عرف كلُّ نبيٍّ منهم قدْر الآخر ومقامه، وعرفوا جميعًا منزلة سيدنا محمدٍ عليه وعليهم الصلاة والسلام، فأحبُّوه وأحبَّهم.
فهـو دعـوة أبيـه إبراهيم، وبشارة أخيـه عيسى عليهـم الصلاة والسلام، ورؤيا أمِّهِ.
عن عرباض بن سارية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني عبد الله وخاتم النبيين وأبي منجدل في طينته، وسأخبركم عن ذلك: أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيـا أمي آمنـة التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يَرَيْن» وأنَّ أُمَّ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته لـه نورا أضاءت لها قصور الشام ثم تلا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴿٤٥﴾ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴾[الأحزاب: 45 ـ 46]([5]).
أما دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام، فقوله: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾[البقرة: 129].
﴿وَابْعَثْ فِيهِمْ﴾: المراد بذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد بعث فيهم([6]).
وأما بِشَارَةُ عِيسَى ابن مَرْيَمَ عليه الصلاة والسلام، فقوله: ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾[الصف: 6].
وليس جزاء الإحسان إلَّا الإحسان، «فإنَّ إبراهيم عليه السلام دعا لمحمدٍ عليه الصلاة والسلام حيث قال: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ﴾ [البقرة: 129]. فلما وجب للخليل على الحبيب حـق دعائـه لـه؛ قضى الله تعالى عنه حقَّه، بأن أجرى ذكره على ألسنة أمته إلى يوم القيامة»([7]).
فبعد التشهُّد الأخير من كلِّ صلاة يصليها المسلم، يُذكر اسمُ النبيِّ إبراهيمَ وآله؛ كلما ذُكر اسمُ نبيِّنا محمدٍ وآله، عليهما الصلاة والسلام.
عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلاَ أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَأَهْدِهَا لِي. فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ الصَّلاَةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَإِنَّ اللَهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ. قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»([8]).
والتقى أرواحَهم عليه وعليهم الصلاة والسلام، عندما أُسري به جسدًا وروحًا، من مكة إلى بيت المقدس، وصلى بهم إمامًا مع أنه كان صلى الله عليه وسلم آخرهم بعثةً وخاتمهم، فعلمـوا أنَّـهُ سيِّدُهم. قـال عليـه الصلاة والسلام: «ثُـمَّ دَخَلْـتُ بَيْتَ الْـمَقْدِسِ، فَجُمِعَ لِي الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ، فَقَدَّمَنِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَمَمْتُهُمْ»([9]).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْـمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا. فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ. قَالَ: فَرَفَعَهُ اللهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ([10]) جَعْدٌ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ. وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ ابْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِي. وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ ـ يَعْنِي نَفْسَهُ ـ فَحَانَتِ الصَّلاَةُ فَأَمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلاَةِ قَالَ قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلاَمِ»([11]).
ويصوِّر حاله والأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام في الحديث الآتي:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا، فَأَحْسَنَـهُ وَأَجْمَلَـهُ إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟! قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ»([12]).
قال الدكتور نور الدين عتر: فدلَّ الحديث أنَّه صلى الله عليه وسلم أفضلُ الأنبياءِ والمرسلين، لأنَّه به تمَّ البنيانُ وكَمَّلَ شرائعَهم، وصدَّقَهم فيما جاؤوا به، وأزاحَ عنه غُبارَ التغيير، وظهرَ به جمالُ البيتِ، وكمالُ صَرْحِ النبوةِ، وحُسْنُه([13]).
كما دلَّ على اكتمال مقوِّمات بناء الحضارة الإنسانية بالشريعة الإسلامية، لكمالها وديمومتها إلى يوم القيامة، وصلاحيتها لكل زمان ومكان لكل الناس.
ثم التقاهم عليهم الصلاة والسلام، عندما عُرج به إلى السموات السبع، برفقة جبريل عليه السلام، واسْتَبْشِرَ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ، ورحَّبَ به الأنبياءُ، ودعوا له بخير، يتبين ذلك في هذا الحديث الطويل:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ، فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ. قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْـمَقْدِسِ. قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْـمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ. فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ. فَقَالَ جِبْرِيلُ عليه السلام: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ، فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِابْنَيِ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمَا، فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ. فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم . قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ صلى الله عليه وسلم، إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِىيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾[مريم: 57]. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ صلى الله عليه وسلم، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. قِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى صلى الله عليه وسلم، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ.قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم قِيـلَ: وَقَـدْ بُعِـثَ إِلَيْـهِ؟ قَـالَ: قَـدْ بُعِـثَ إِلَيْـهِ. فَفُتِـحَ لَنَـا، فَـإِذَا أَنَـا بِإِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم، مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْـمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ. ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْـمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلاَلِ. قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ الله مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ الله يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا. فَأَوْحَى الله إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاَةً فِى كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى عليه السلام، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلاَةً. قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْـتُ: يَا رَبِّ خَفِّـفْ عَلَـى أُمَّتِـي فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلاَةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلاَةً. وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا. وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً. قَالَ: فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى عليه السلام، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ»([14]).
وما رأينا في الحديث، من ترحيب الأنبياء بنبينا عليه وعليهم الصلاة والسلام، هو دليلٌ على محبتهم له.
وقول سيدنا موسى في شأن عدد الصلوات: «ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ»، فهـو من محبتـه أيضًا لهذه الأمـة ونبيها عليهما الصلاة والسلام.
كذلك الحال بالنسبة لسيدنا إبرهيم، كما في الحديث الآتي:
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلاَمَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ، عَذْبَةُ الْـمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَـانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْـدُ لِله، وَلاَ إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ»([15]).
فإقراء السلام من سيدنا إبراهيم لهذه الأمـة، ووصفـه لتربة الجنـة ومائها وغراسها؛ لكي تستكثر منها، وتفوز في الآخرة، لهو دليل محبته لهذه الأمة، ولنبيِّها عليهما الصلاة والسلام.
ثانيًا ـ حب نبيِّنا لإخوانه الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام:
كان النبي صلى الله عليه وسلم وفيًا، فبادلهم حبًا بحب، فنراه يمدحهم، ويذكر مناقبهم لأصحابه، وسيشهد لهم يوم القيامة أنهم بلَّغوا رسالات ربهم جل وعلا:
1 ـ حبه ليوسف ويَعْقُوبَ وإِسْحَاقَ وإِبْرَاهِيمَ عليهم الصلاة والسلام:
فقد وصفهم صلى الله عليه وسلم بأنهم كرام، والمدح تعبير عن المحبة.
عن ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمِ السَّلاَمُ»([16]).
وسمَّى نبيُّنا صلى الله عليه وسلم ولَدَه إبراهيمَ باسم النبيِّ إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام، وهذا دليل محبة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ غُلاَمٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ»([17]).
2 ـ حبه لموسى ويونس بن متَّى عليهم الصلاة والسلام:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «بَيْنَمَا يَهُودِيٌّ يَعْرِضُ سِلْعَةً لَهُ أُعْطِيَ بِهَا شَيْئًا كَرِهَهُ، أَوْ لَمْ يَرْضَهُ ـ شَكَّ عَبْدُ الْعَزِيزِ ـ قَالَ: لا وَالَّذي اصْطَفَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى الْبَشَرِ. قَالَ: فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَطَمَ وَجْهَهُ. قَالَ: تَقُولُ وَالَّذي اصْطَفَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَـى الْبَشَرِ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُـرِنَا! قَـالَ: فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، إِنَّ لِي ذِمَّةً وَعَهْدًا. وَقَالَ: فُلاَنٌ لَطَمَ وَجْهِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ». قَالَ: قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ: وَالَّذي اصْطَفَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى الْبَشَرِ وَأَنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا! قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى عُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: «لاَ تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ، فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيَصْعَقُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللهُ. قَال: ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ ـ أَوْ فِي أَوَّلِ مَنْ بُعِثَ ـ فَإِذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ آخِذٌ بِالْعَـرْشِ، فَلاَ أَدْرِى أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَـوْمَ الطُّـورِ، أَوْ بُعِثَ قَبْلي؟ وَلاَ أَقُولُ: إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلاَمُ»([18]).
فقوله عليه الصلاة والسلام: «لاَ تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ» ـ مع أنَّه سيدُهم ـ انتصارٌ لهم ـ فقد غضب لهم ـ وإظهارٌ لفضائلهم، حتى لا يتجرَّأ عليهم أحد، ثم خصَّ من بينهم موسى، ويُونُسَ بْنَ مَتَّى، عليه وعَلَيْهِمِ الصلاة والسَّلاَمُ.
3 ـ حبه لداود عليهما الصلاة والسلام:
كان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم يحدِّث أصحابَه رضي الله تعالى عنهم، عن نبيِّ الله داود عليهما الصلاة والسلام، ومدحه غير مرَّة. فمدح فيه عبادته، وصومه، وأنه كان لا يأكل إلا من عمل يده.
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا ذُكِرَ داودُ يحدِّث عنه، يقول: «كان أَعْبَدَ البَشَرِ»)[19]. (
وعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا»([20]).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ لاَ يَأْكُلُ إِلاَّ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ»([21]).
4 ـ حبه لسليمان عليهما الصلاة والسلام:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عليَّ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلاَتي، فَأَمْكَنَني اللهُ مِنْهُ فَأَخَذْتُهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْـمَسْجِدِ؛ حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخي سُلَيْمَانَ: رَبِّ هَبْ لي مُلْكًا لاَ يَنْبَغي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي، فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا»([22]).
وذلك رعاية لدعوة سيدنا سليمان، ومحبته له عليه الصلاة والسلام، وهو إشارة لقوله تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴿٣٥﴾ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ﴿٣٦﴾ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ﴿٣٧﴾ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾[ص: 35 ـ 38].
5 ـ حبه لنوح عليهما الصلاة والسلام:
تُنْكِرُ أمَّةُ سيِّدنا نوحٍ عليه الصلاة والسلام يوم القيامة، أنه بلَّغها دينَ اللهِ عزَّ وجل، فينتدب هذا النبيُّ الذي جحده قومُه، نبيَّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم وأمَّتَه من بين الأنبياء والأمم؛ للشهادة له بين يدي رب العالمين جلَّ وعلا، أنَّه بلَّغ الرسالة، فيشهد نبيُّنا صلى الله عليه وسلم وأمَّتُه لنوح عليه الصلاة والسلام.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَجيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ. فَيَقُولُ لأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لاَ، مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ. فَيَقُولُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتُهُ، فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، وَهْوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّـهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾[البقرة: 143]، وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ»([23]).
واختيارُ نوحٍ عليه الصلاة والسلام، لسيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأمتِهِ للشهادة في هذا الموقف العظيم، دليلٌ على عدالة هذه الأمة، وخيريتها، وكمال شريعتها، وشرفها على باقي الأمم؛ لشرف نبيِّها صلى الله عليه وسلم .
6 ـ حُبُّه لعيسى عليهما الصلاة والسلام:
يخبر النبيُّ أنـه أَوْلى الناس بعيسى عليهما الصلاة والسلام، وأقرب الأنبياء إليه بِعْثَةً.
عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ، والأَنْبِيَاءُ أَوْلاَدُ عَلاَّتٍ، لَيْسَ بَيْني وَبَيْنَهُ نَبيٌّ»([24]).
كمـا برَّأَ نبيُّنـا صلى الله عليه وسلم عيسى وأمَّـه عليهما السلام، مـن نخسة الشيطان التـي لا يسلم منها مولود، وهو مدحٌ ودليل محبّة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَـالَ: «مَا مِـنْ مَـوْلُودٍ يُولَـدُ إِلَّا نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ، إِلاَّ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ». ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾[آل عمران: 36]([25]).
* * *
[1])) الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم: فصل في صفات الأنبياء والرسل... ص192.
[2])) عَلَّات: أبناء خالات، أو إخوة من أب واحد وأمهات شتى.
[3])) متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب احاديث الأنبياء، باب ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ﴾[مريم: 16]، ص580، ح3443 واللفظ له. وصحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب فَضَائِلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، ص1039، ح6130.
[4])) جامع الترمذي: أبواب المناقب، باب فِي فَضْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ص823، ح3609، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه. وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَفِي الْبَابِ عَنْ مَيْسَرَةَ الْفَجْرِ.
[5])) الحاكم، المستدرك على الصحيحين: تفسير سورة الأحزاب، (ج2/ ص453)، ح3566، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: باب قـدم نبوتـه صلى الله عليه وسلم، ح1384، ص409، وقال: رواه أحمد بأسانيد، والبزار، والطبراني بنحوه، وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح، غير سعيد بن سويد، وقد وثقه ابن حبان. وأخرجه ابن سعد، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في شعب الإيمان وفي الدلائل، وابن حبان في صحيحه.
[6])) الطبـري، جامـع البيان فـي تأويـل القـرآن (تفسيـر الطبـري): تفسيـر سورة البقـرة، (ج3/ ص74).
[7])) الرازي، مفاتيح الغيب (تفسير الرازي): سورة البقرة، (ج4/ ص72).
[8])) متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب.، ص564، ح3370 واللفظ له. وصحيح مسلم: كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، ص173، ح 908 .
[9])) سنن النسائي: كتاب الصلاة، باب فَرْضِ الصَّلاَةِ وذكـر اختلاف الناقليـن، ص(61 ـ 62)، ح451. عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
[10])) هو الخفيفُ اللَّحْمِ المَمْشُوقُ المُسْتَدِقُّ. [ابن منظور، لسان العرب، (ضرب)، (ج1/ ص549)].
[11])) صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب ذِكْرِ المسِيحِ ابْنِ مَرْيَمَ وَالمسِيحِ الدَّجَّالِ، ص89، ح430.
[12])) متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب المناقب، باب خَاتِمِ النَّبِيِّينَ صلى الله عليه وسلم، ص595، ح3535. واللفظ له. وصحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب ذكـر كونـه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ص1013، ح5959.
[13])) في ظلال الحديث النبوي: ص38.
[14])) متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الصلاة، باب كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلاَةُ فِى الإِسْرَاءِ، ص62، ح349. وصحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب الإِسْرَاءِ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاوَاتِ وَفَرْضِ الصَّلَوَاتِ، ص(82 ـ 83)، ح411. واللفظ له.
[15])) جامع التـرمذي: أبـواب الدعـوات، بـاب غرس الجنـة سُبْحَانَ الله وَالْحَمْدُ لله وَلاَ إِلَهَ إِلا الله وَالله أَكْبَرُ، ص791، ح3462. قَالَ: وَفِي الْبَـابِ عَـنْ أَبـِي أَيُّوبَ. وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
[16])) صحيح البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ﴾[البقرة: 133]، ص566، ح3382.
[17])) سنن أبي داود: كتاب الجنائز، باب فِي الْبُكَاءِ عَلَى الْـمَيِّتِ، ص458، ح3126.
[18])) متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قَوْلِ الله تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾[الصافات: 139]، ص، ح3414. وصحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى عليه الصلاة والسلام، ص1043، ح6151. واللفظ له
[19])) جامع الترمذي: كتاب الدعوات، باب دعاء داود: (اللهمَّ إِني أسألك حُبَّك، وحبَّ من يحبُّك)، ص796، ح3490. وقال: هذا حديث حسن غريب.
[20])) سنن النسائي، كتاب الصيام، باب صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ..، ص328، ح2390.
[21])) صحيح البخاري: كتاب البيوع، باب كَسْبِ الرَّجُلِ وَعَمَلِهِ بِيَدِهِ، ص333، ح2073.
([22]) متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قَوْلِ الله تَعَالَى: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾[ص: 30]، ص576، ح3423. واللفظ له. وصحيح مسلم: كتاب المساجد، باب جَوَازِ لَعْنِ الشَّيْطَانِ في أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ وَالتَّعَوُّذِ مِنْهُ وَجَوَازِ الْعَمَلِ الْقَلِيلِ في الصَّلاَةِ، ص220، ح1209.
[23])) صحيح البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قَوْلِ الله تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾[هود: 25]، ص555، ح3339.
[24])) متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب احاديث الأنبياء، باب ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾[مريم: 16]، ص580، ح3442 واللفظ له. وصحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب فَضَائِلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، ص1039، ح6130.
[25])) صحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب فَضَائِلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، ص1040، ح6133.