الحب في الله تعالى
الحب في الله تعالى تعريفه، حكمه، فضله
كتب الدكتور غازي محمود الشمري حول هذا الموضوع في كتابه ( الحب في السنة وأثره في حياة الأمة) والصادر عن دار المقتبس سنة (1439هـ - 2018م)
فقال:
إنَّ الحبَّ في اللهِ هـو فـرعٌ عن حبِّ ا للهِ تعالى، وثمرةٌ من ثمراتهِ، يجمعُ بين خَيْرَي الدنيا والآخرة.
أولًا ـ تعريفُ الحبِّ في اللهِ تعالى:
قال الإمامُ النوويُّ: قال القاضي عياضٍ: والحبُّ فِي اللهِ مِنْ ثَمَرَاتِ حُبِّ اللهِ. قَالَ بَعْضهمْ: المحَبَّةُ مُوَاطَأَةُ الْقَلْبِ عَلَى مَا يُرْضِي الرَّبَّ سُبْحَانَهُ، فَيُحِبُّ مَا أَحَبَّ،وَيَكْرَهُ مَاكَرِهَ)[1](.
وعلى هذا يمكنُ القـولُ، بأنَّ الحبَّ في اللهِ تعالى: هـو كلُّ حـبٍّ يُبنى على ما يُحبُّه اللهُ تعالى ويرضاه.
يمكنُ أن يشملَ الحبُّ في اللهِِ تعالى جميعَ المحبوبات؛ إذا كان مِنْ أجْلهِ تعالى. فحبنا للأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، والملائكة والصحابة والتابعين بإحسان، هـو حب في الله تعالى، لأنـه كان مـن أجلـه تعالى، وهـو سبحانه يحبه ويرضاه، وهو فرع عن حب الله تعالى، وثمرة منه. قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾[الحشر: 10].
ثانيًا ـ حكم الحب في الله تعالى:
بما أن الحب في الله تعالى هـو من أجل الله؛ فهـو حبٌ لله تعالى في الحقيقة، وبالتالي فهو واجب.
قـال النـووي نـقلًا عـن القاضـي: قـال العلمـاء: الْـمَحَبَّة فِـي اللهِ مِـنْ وَاجِبَـات الْإِسْلَام([2]).
ثالثًا ـ فَضْل الحب في الله تعالى:
الحب في الله تعالى فضائله عظيمة، وحسبنا قوله تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْـمُتَّقِينَ ﴾[الزخرف: 67].
وقد ذكرت السنة الشريفة لهذا الحب فضائلَ جمَّةً، من أهمها:
1 ـ الحب في الله تعالى أفضل الأعمال:
عَـنْ أَبِي ذَرٍّ قَـالَ: قَـالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الأَعْمَالِ: الْـحُبُّ في الله وَالْبُغْضُ في الله»([3]).
2 ـ المتحابُّون في الله تعالى من الذين يُظِلُّهُمُ الله يوم القيامة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا في اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ»([4]).
كذلك يحظى المتحابُّـون في اللهِ تعالى يـوم القيامـة بنداءٍ خاص بهم، من صاحب العزة والجلال، يناديهم على رؤوس الناس: أَيْنَ الْـمُتَحَابُّونَ بِجَلاَلِي! وهذه منقبة عظيمة لهم.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللهِ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْـمُتَحَابُّونَ بِجَلاَلِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي»([5]).
3 ـ للمتحابّين في الله تعالى مجالسُ رفيعةٌ ولاَ يَخَافُونَ وَلاَيَحْزَنُونَ:
وذلك إظهارًا لشرف المحبة وعلوِّ مقامها، وزيادةً في تكريم المتحابِّين في اللهِ تعالى، لهم مَجَالِس رَفِيعَة تَتَلألأُ نُورًا، لاَيَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلاَ يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ يوم القيامة.
عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْـمُتَحَابُّونَ في جَلاَلي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، يَغْبِطُهُمُ([6]) النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ»([7]).
وعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ لأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ، وَلاَ شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ بِمَكَانِهِمْ مِنَ الله تَعَالَى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ الله عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلاَ أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا. فَوَالله إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ، لاَ يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلاَ يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ. وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾[يونس: 62]»)[8](.
ومَعْنَى الْحَدِيثِ: إنَّ المتحابين في الله تعالى يَسْتَحْسِنُ أَحْوَالَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يوم القيامة([9]).
4 ـ المتحابُّون في الله تعال ىحبهم اللهُ تعالى:
الْحُبُّ في الله تعالى مِنْ ثَمَرَات حُبّ الله، فيكافئهم سبحانه بحبه لهم.
عن أَبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ في قَريَة أُخْرَى، فَأرْصَدَ الله تَعَالَى عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أتَى عَلَيهِ قَالَ: أيْنَ تُريدُ؟ قَالَ: أُريدُ أخًا لي في هذِهِ القَريَةِ. قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيهِ مِنْ نِعْمَة تَرُبُّهَا عَلَيهِ؟ قَالَ: لا، غَيْرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في الله تَعَالَى، قَالَ: فإنِّي رَسُول الله إلَيْكَ، بَأنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أحْبَبْتَهُ فِيهِ»([10]).
قوله: «فأرْصَد اللهُ على مَدْرَجَتِه مَلَكًا». أي وكّله بِحِفْظ المدْرَجة، وهي الطريق. وجعله رَصَدًا: أي حافظًا مُعَدًّا([11]).
قَوْله: «لَك عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَة تَرُبُّهَا». أَي تَحْفَظُها وتُراعِيها([12]).
فزيارته لأخيهِ في اللهِ كانت سببَ حبِّ اللهِ تعالى له.
* * *
[2])) المرجع السابق نفسه والموضع نفسه.
([4]) متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد، ص107، ح660 واللفظ له. وصحيح مسلم: كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، ص(415 ـ 416)، ح2380.
[5])) صحيح مسلم: كتاب البر والصلة، باب فضل الحب في الله تعالى، ص1125، ح6548.
([6]) الْغِبْطَـةُ: بالكسر حُسْنُ الْحَالِ وَالمَسَرَّةِ. [الفيروزابادي، القامـوس المحيط: بـاب الطاء، فصل الغين، (ج2/ ص375)]. والغَبْط: حَسَدٌ خاصُ. يقال: غَبَطْتُ الرجُل أَغْبِطُه غَبْطًا؛ إذا اشْتَهَيْتَ أن يكون لك مِثْلُ مالَه، وأن يَدُوم عليه ما هو فيه. وحَسَدْتُه أحْسُدُه حَسَدًا؛ إذا اشْتَهَيْتَ أن يكون لك مالَه، وأنْ يَزُول عنه ما هو فيه. [ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر: (غبط)، (ج3/ ص633)].
[7])) جامع الترمـذي: أبـواب الزهد، بـاب ما جـاء في الحـب في الله، ص544، ح2390. وقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
[8])) سنن أبي داود: كتاب البيوع، باب في الرهن، ص508، ح3527.
[9])) انظـر: تحفـة الأحوذي بشرح جامـع الترمذي للمباركفوري: أبـواب الـزهد عـن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جاء في الحب في الله، (ج7/ ص56).
[11])) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر: حرف الراء، (رصد)، (ج2/ ص226).
[12])) ابن منظور، لسان العرب: (ج1/ ص401).