جاري التحميل

الشفقة والرحمة عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم

الموضوعات

الشفقة والرحمة عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم

كتب الدكتور غازي محمود الشمري حول هذا الموضوع في كتابه ( الحب في السنة وأثره في حياة الأمة) والصادر عن دار المقتبس سنة (1439هـ - 2018م) 

    فقال:

قال تعالى: ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ([الفتح: 29].

قولـه: ﴿ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾ هـم الصحابـة الكرام، وصفهم سبحانـه بأنهم: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾.

أولًا ـ الشفقة والرحمة عند النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة:

1 ـ رحمته صلى الله عليه وسلم لجميع الخلائق:

قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107].

فهو صلى الله عليه وسلم سبب لرحمة جميع العوالم، من الإنس والجن، المؤمن منهم والكافر، كما عمَّت رحمتُه العوالم الأخرى كالطير والحيوان.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ الله، ادْعُ عَلَى الْـمُشْرِكِينَ قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً»([1]).

ولما كذَّبه قومه صلى الله عليه وسلم؛ أرسل اللهُ جلَّ جلالُه جبريل ومعه ملك الجبال عليهما السلام؛ ليُطْبـِقَ عليهم جبالَ مكـةَ إنْ شاءَ النبـيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك! لكنـه صلى الله عليه وسلم قال: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبدُ اللهَ وحده ولا يشركُ به شيئًا.

عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: يَارَسُولَ الله، هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَـوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَـوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: «لَقَـدْ لَقِيتُ مِـنْ قَوْمِـكِ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ. فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ؛ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ. ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ الله قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ؛ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ؟ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ!»، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الله وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»([2]).

2 ـ شفقته ورحمته صلى الله عليه وسلم بأمته:

أما رحمته لأمته فقد قال الله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ[الأحزاب: 6]. وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

قال بعضهم: من فضله صلى الله عليه وسلم، أن الله تعالى أعطاه اسمين من أسمائه فقال: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾[التوبة: 128])([3]).

ومن شفقته على أمته صلى الله عليه وسلم، تخفيفه أشياء مخافة أن تفرض عليهم، كالسواك مع كل وضوء، وتأخير صلاة العشاء، وقعوده أحيانًا خلف السرايا.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي ـ أَوْ لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى النَّاسِ ـ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ»([4]).

وعنه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ؛ مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّـةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ الله، وَلَكِنْ لاَ أَجِدُ سَعَـةً فَأَحْمِلَهُـمْ وَلاَ يَجِـدُونَ سَعَـةً فَيَتَّبِعُـونِي، وَلاَ تَطِيـبُ أَنْفُسُهُـمْ أَنْ يَقْعُـدُوا بَعْدِي»([5]).

وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَعْتَـمَ النَّبِـيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَـةٍ، حَتَّى ذَهَبَ عَامَّـةُ اللَّيْلِ، وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ الْـمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي»([6]).

وفي رواية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي؛ لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ»([7]).

وكان صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي فيتجوَّز في صلاته.

عَنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاَةً وَلاَ أَتَمَّ  مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ»([8]).

ومن شفقته صلى الله عليه وسلم؛ دعا ربه وعاهده أيّما المؤمنين شتمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أو لعنه في حالة غضبه، أن يجعلها زكاة ورحمة وقرْبة لهم.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللهمَّ إِنِّي أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْـمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ، شَتَمْتُهُ، لَعَنْتُهُ، جَلَدْتُهُ؛ فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلاَةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً، تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([9]).

قال صاحب عـون المعبـود: وَالْـمَعْنَى إِنَّمَا وَقَعَ مِنْ سَبّـه وَدُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَحَد وَنَحْـوه لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِـهِ الْعَادَة، فَخَافَ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَادِف شَيْء مِنْ ذَلِكَ إِجَابَـة، فَسَأَلَ رَبّـه سُبْحَانـه وَرَغِبَ إِلَيْـهِ فِي أَنْ يَجْعَل ذَلِكَ رَحْمَـة وَكَفَّارَة وَقُرْبَة وَطَهُورًا وَأَجْرًا. وَإِنَّمَا كَانَ يَقَع هَذَا مِنْـهُ صلى الله عليه وسلم نَادِرًا، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا لَعَّانًا، وَاَلله أَعْلَم([10]).

ولقد ذكرَ الصحابةُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ بهم رَفِيقًا رَحِيمًا:

عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، وَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِنَا فَأَخْبَرْنَاهُ. وَكَانَ رَفِيقًـا رَحِيمًا فَقَالَ: «ارْجِعُـوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَعَلِّمُـوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ»([11]).

قوله: «فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، وَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِنَا فَأَخْبَرْنَاهُ»: التفاتةٌ جميلةٌ وشعورٌ نبيلٌ ورِفْقٌ ورحمةٌ من النبيَّ صلى الله عليه وسلم بهؤلاء الشُّبَّان، وقد فارقوا أهلَهم، لذا قالَ مالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ: وَكَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا فَقَالَ: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ...».

ومن رحمته بأمته صلى الله عليه وسلم بكى، فأرضاه الله سبحانه في أمته:

عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَلاَ قَوْلَ الله تعالى فِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي([إبراهيم: 36] الآيَةَ. وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ: ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[المائدة: 118]. فَرَفَـعَ يَدَيْـهِ وَقَـالَ: «اللهمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي»، وَبَكَى. فَقَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيـلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّـدٍ ـ وَرَبُّـكَ أَعْلَـمُ ـ فَاسَألْـهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ. فَقَالَ الله تعالى: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوءُكَ([12]).

ثانيًا ـ الشفقة والرحمة عند الصحابة رضي الله عنهم:

قال القاضي عياض: ومن علامة حبِّه [أي المرء المسلم] للنبي صلى الله عليه وسلم: شفقتُه على أمته، ونصحُـه لهم، وسعيُـه في مصالحهم، ورفعُ المضارِّ عنهم، كما كان عليه الصلاة والسلام بالمؤمنين رؤوفًا رحيمًا([13]).

وأكتفي هنا بعرض صور من الشفقة والرحمة بالأمة لسيدنا عمر رضي الله عنه، كواحد من الصحابة وليَ أمور المسلمين، وأختم بسيدنا عثمان رضي الله عنه.

1 ـ رحمة سيدنا عمر رضي الله عنه بأولاد المسلمين:

عن ابـن عمرَ قال: قـدمـتْ رِفْقَـةٌ من التجارِ فنزلـوا المُصَّلى، فقـال عمرُ لعبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ: هل لكَ أن نحرسَهم الليلةَ من السَّرَق؟ فباتا يحرُسَانِهم، ويُصليانِ ما كتبَ اللهُ لهما، فسمعَ عمرُ بكاءَ صبيٍ، فتوجَّه نحوه فقال لأمِّه: اتقي اللهَ وأحسني إلى صَبيِّكِ، ثم عاد إلى مكانه. فسمعَ بكاءَه، فعادَ إلى أمِّهِ فقال لها مثلَ ذلك، ثم عادَ إلى مكانه. فلما كان في آخرِ الليلِ سمعَ بكاءَه، فأتى أمَّه فقال: ويحك ! إني لأراك أمَّ سُوءٍ، ما لي أرى ابنَكِ لا يَقِرُّ منذ الليلة([14])؟ قالت: يا عبدَ اللهِ قد أبرمْتني([15]) منذ الليلةَ، إني أُريغُهُ([16]) عن الفِطَامِ فيأبى، قال: ولمَ؟ قالت: لأنَّ عمرَ لا يفرِضُ إلا للفُطَّم. قال: وكم لـه؟ قالت: كذا وكذا شهـرًا. قـال: ويحكِ لا تعجليه. فَصَلَّى الفَجْرَ وما يستبينُ الناسُ قراءَتَهُ من غلبةِ البكاءِ، فلما سلَّم قال: يا بؤسًا لِعُمَرَ كَمْ قَتَلَ من أولادِ المسلمين! ثم أَمَرَ مناديًا فنادى: ألا لا تعجلوا صبيانَكم عن الفِطام، فإنَّا نفرضُ لكلِّ مولودٍ في الإسلام. وكتب بذلك إلى الآفاق: إنَّا نفرضُ لكلِّ مولودٍ في الإسلام([17]).

2 ـ إدخاله رضي الله عنه فقراء المسلمين إلى الحِمَى:

وَكَانَ عُمَرُ قَدْ حَمَى مَرْعَى، لا يُرْعَى فيهَا إِلاَّ خَيْلُ الْجِهادِ، ثم أَمَرَ بإِدْخَالِ الضُّعَفاءِ من المسلمين دون أغنيائهم، يرعون فيها مواشيهم، وذلك في عامِ قَحْطٍ أصابَ المسلمين.

عن زيدِ بنِ أسْلمَ عن أبيه: أنَّ عمرَ استعملَ مولىً له ـ يقال له: هُنَيٌ ـ على الحمى، فقال له: يا هُنيُّ، ضُمَّ جناحَكَ للناس، واتقِ دعوةَ المظلومِ، فإنَّ دعوةَ المظلومِ مُجَابةٌ، وأَدخِلْ ربَّ الصُّرَيْمَةِ([18])وربَّ الغُنَيْمَةِ، وإياي ونَعَمَ ابنِ عفانَ، ونَعَمَ ابنِ عوفٍ، فإنهما إنْ تهلك ماشيتُهما؛ يرجعان إلى نخل وزرع. وإنَّ رَبَّ الغُنيمة والصُّرَيْمة يأتي بعياله فيقول: يا أمير المؤمنين. أفتاركهم أنا لا أبالك؟! فالماء والكلأ أهون عليَّ من الدراهم والدنانير. وايمُ الله، لعلى ذلك إنهم ليرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم، قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام، ولولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله؛ ما حميت على المسلمين من بلادهم شبرا([19]).

قولـه رضي الله عنـه: «أَدْخِل رَبَّ الصُّرَيْمَـةِ والغُنَيْمَـةِ»: يَعني أدخِل في الحِمى والمَرْعَى صاحبَ الإبل القليلةِ، والغَنم القَليلةِ([20])، فهم لا يملكون غيرها إنْ هلكتْ.

3 ـ خدمته رضي الله عنه ضعفاء المسلمين:

وخدمة الضعفاء هي صورة من صُوَرِ الرحمة بهم.

قال طلحة بن عبد الله: خرج عمر ليلةً في سواد الليل، فدخل بيتًا، فلما أصبحتُ ذهبت إلى ذلك البيت، فإذا عجوز عمياء مقعدة، فقلت لها: ما بال هذا الرجل يأتيكِ؟ فقالت: إنه يتعاهدني مدة كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى. فقلت لنفسي: ثكلتك أمك يا طلحة، أعَثَرَاتِ عُمَرَ تَتَبَّعُ! ([21]).

وعن أنس بن مالك، بينما أميـرُ المؤمنين عمـر يَعُسُّ([22]) ذاتَ ليلـةٍ، إذ مرَّ بأعرابي جالس بفناء خيمة، فجلس إليه يحدثه ويسأله ويقول له: ما أقدمك هذه البلاد؟ فبينما هو كذلك، إذ سمع أنينًا من الخيمة فقال: من هذا الذي أسمع أنينه؟ فقال: أمر ليس من شأنك، امرأة تمخض. فرجع عمر إلى منزله وقال: يا أمَّ كلثوم (زوجته، وهي بنت سيدنا علي رضي الله عنه)، شدِّي عليك ثيابك واتبعيني، قال: ثم انطلق حتى انتهى إلى الرجل فقال له: هل لك أن تأذن لهذه المرأة أن تدخل عليها فتؤنسها، فأذن لها فدخلت. فلم يلبث أن قالت: يا أمير المؤمنين، بشر صاحبك بغلام. فلما سَمِـعَ قـولَها: (أميـرَ المؤمنين!)؛ وثـب من حينـه فجلس بين يديه، وجعل يعتذر إليه. فقال: لاعليك، إذا أصبحت فائتنا. فلما أصبح أتاه، ففرض لابنه في الذرية وأعطاه([23]).

وقال أسلم: خرجتُ ليلةً مع عمرَ إلى حَرَّةِ واقمٍ، حتى إذا كنا بصِرَار إذا بنارٍ، فقال: يا أسلم، ههنا ركبٌ قد قصَّر بهم الليل، انطلق بنا إليهم. فأتيناهم فإذا امرأة معها صبيان لها، وقدر منصوبة على النار، وصبيانها يَتَضَاغَوْن([24]). فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء. قالت: وعليك السلام. قال: أَدنو؟ قالت: أُدنُ، أو دع. فدنا فقال: ما بالكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد. قال: فما بالُ هؤلاءِ الصبيةِ يَتَضَاغَوْنَ؟ قالت: من الجوع. فقال: وأيُّ شيءٍ على النار؟ قالت: ماءٌ أُعَلِّلُهمْ([25]) به حتى يناموا، اللهُ بيننا وبين عمر. فبكى عمر، ورجع يهرول إلى دار الدقيق، فأخرج عِدْلًا([26]) من دقيقٍ، وجرابَ شَحْمٍ، وقال: يا أَسْلَمَ، احملْهُ على ظهري. فقلت: أنا احمله عنك. فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة؟ ! فحمله على ظهره وانطلقنا إلى المرأة، فألقى عن ظهره وأخرج من الدقيق في القدر، وألقى عليه من الشحم، وجعل ينفخ تحت القدر، والدخان يتخلل لحيته ساعة، ثم أنزلها عن النار وقال: إيتني بصحفة. فأتيَ بها، فغرفها ثم تركها بين يدي الصبيان وقال: كلوا. فأكلوا حتى شبعوا والمرأة تدعو له، وهي لا تعرفه. فلم يزل عندهم حتى نام الصغار، ثم وصلهم بنفقة وانصرف. ثم أقبل عليَّ فقال: يا أسلم، الجوع الذي أسهرهم وأبكاهم([27]).

4 ـ مساواة نفسه رضي الله عنه بالناس:

كان سيدنا عمر رضي الله عنه يساوي نفسَه بالناس، فلا يأكل حتى يشبعوا.

عن محمد بن يحيى بن حبان قال: أُتي عمرُ بنُ الخطاب بخبزٍ مفتوتٍ بسمنٍ عام الرمادة، فدعا رجلًا بدويًا فجعل يأكل معه، فجعل البدوي يتبع باللقمة الودك([28]) في جانب الصحفة، فقال له عمر: كأنك مقفر من الودك، فقال: أجل. ما أكلت سمنًا ولا زيتًا، ولا رأيتُ آكلًا له منذ كذا وكذا إلى اليوم. فحلف عمرُ لا يذوق لحمًا ولا سمنًا حتى يحيا الناس أول ما أحيوا.

وعـن طاوس قـال: لم يأكلْ عمـرُ بـنُ الخطاب سمنًا ولا سمينًا حتى أحيا الناسُ([29]).

وعن أنس بن مالك قال: تَقَرْقَرَ (صَوَّتَ) بطنُ عمرَ بنِ الخطاب، وكان يأكل الزيت عام الرمادة، وكان حرم عليه السمن، فنقر بطنه بإصبعه، قال: تَقَرْقَرْ تَقَرْقُرَكَ، إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس([30]).

عن السائب بن يزيد قال: ركبَ عمرُ بنُ الخطابِ عامَ الرَّمادةِ دابَّةً فراثتْ شعيرًا، فرآها عمر فقال: المسلمون يموتون هَزَلًا وهذه الدابَّةُ تأكلُ الشعيرَ ! لا واللهِ لا أركبها حتى يحيا الناسُ([31]).

وكان في عام الرَّمادة لا يأكل إلَّا الخبزَ والزيتَ حتى اسودَّ جلدُه، ويقول: «بئس الوالي إن شبعتُ والناسُ جياعٌ» ([32]).

وعُوتِبَ عمرُ فقيل له: لـو أكلت طعامًا طيبًا كان أقوى لك على الحـق. فقال: «إنـي تركتُ صاحبيَّ علـى جادَّةٍ، فـإن أدركتُ جادتَهما فلـم أدركْهما فـي المنزل»([33]).

يريد بصاحبيه النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ رضي اللهُ عنه.

5 ـ حفظ أموال المسلمين ورعايتها:

من رحمة سيدنا عمر بالمسلمين حفظه لأموالهم، ومباشرة ذلك بنفسه.

عـن مَـوْلَى لِعُثْمان بـن عَفّان رَضِيَ الله عَنْـهُ قَالَ: بَيْنَـا أَنَا مَـعَ عُثْمان في مَاله بِالْعالِية([34]) في يَوْمٍ صَائِفٍ إذْ رَأَى رَجُلًا يَسُوق بكْرَيْن، وَعَلَى الأرْض مثل الفرَاش مِنَ الحَرّ، فَقَالَ: مَا عَلَى هذَا لَوْ أقَامَ بالْـمَدِينَةِ حَتَّى يَبْرُد، ثُمَّ يَرُح ثُمَّ دَنَا الرَّجُل فَقَالَ: انظُرْ مَنْ هذَا؟ فَنَظَرْتُ فَقُلْتُ: أرَى رَجُلًا مُعَمَّمًا بِردائه يَسُوق بَكْرَيْنِ([35])، ثُمَّ دَنَا الرَّجُل فَقَالَ: انظُرْ؟ فَنَظَرْتُ فإِذَا عُمَرَ بنَ الخَطَّاب رَضِيَ الله عَنْهُ، فَقُلْتُ: هذَا أَمِير المُؤمنينَ. فَقَامَ عُثْمان فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنَ البَابِ، فَآذَآهُ نَفْح السَّمُوم (الريح الحارَّة)، فَأَعَادَ رَأسَهُ حَتَّى حَاّذاهُ فَقَالَ: مَا أَخْرَجَكَ هذِهِ السَّاعَة؟ فَقَال بَكْرانِ مِنْ إِبْل الصَّدَقة تَخَلَّفَا، وَقَدْ مَضي بِإِبْلِ الصَّدَقَة، فَأرَدْتُ أنْ أُلْحِقْهُماَ بالحمى، وخَشِيتُ أنْ يَضِيعا؛ فَيَسْألني الله تَعَالَى عَنْهُمَا. فَقَالَ عُثْمانُ: هَلُمّ يَا أَمِيرَ المؤْمِنينَ إلَى الْـمَاءِ والظّل ونَكْفِيك. فَقَالَ: عُدْ إلَى ظِلِّك. فَقُلْتُ: عِنْدَنَا مَنْ يَكْفِيك. فَقَالَ: عُدْ إِلَى ظِلِّك. فمضى، فَقَالَ عُثْمانُ رَضِيَ الله عَنْه: مَنْ أحَبَّ أَنْ يَنظُرَ إلَى القَوي الأَمينَ؛ فَلْيَنْظُر إِلَى هذَا، فَعَادَ إليْناَ فألقَى نَفْسَهُ([36]).

وكان رضي الله عنه يلبس وهو خليفة جُبَّةُ صوف، مرقوعة بعضها بأَدَمٍ (جِلْد)، ويطوف بالأسواق على عاتقـه الدِّرة، يـؤدِّب بها الناس. وإذا مر بالنَّوى وغيره؛ يلتقطه ويرمي به في منازل الناس؛ ينتفعون به([37]).

وكما وصفه عثمان بالقوي الأمين، فقد وصفة عليٌّ كذلك، رضي الله عنهم.

عن أبي بكر العبسي قال: دخلتُ حيـن الصدقـةِ مـع عُمَـرَ بنِ الخطابِ وعثمانَ بنِ عفانَ وعليِّ بنِ أبي طالب. فجلس عثمان في الظِّلِّ، وقام علي على رأسه، يُمْلي عليه ما يقولُ عُمَرُ، وعُمَرُ قائمٌ في الشمس، في يوم شديد الحرِّ، عليه بردتان سوداوان، مُتَّزِرٌ بواحدة، وقد وضع الأخرى على رأسه، وهو يتفقد إبل الصدقة، فيكتب ألوانَها وأسنانَها. فقال عليٌّ لعثمانَ: أما سمعتَ قولَ ابنةِ شُعيبٍ في كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾[القصص: 26]؟ وأشارَ عليٌ بيده إلى عُمَرَ. فقال: هذا هو القويُّ الأمينُ([38]).

6 ـ الخوف على جيوش المسلمين من الهلاك:

ولما أمَّر عمرُ رضيَ اللهُ عنه، النُّعمانَ بنَ مُقرِّنَ المُزَنيَّ في نهاوند([39]) ـ وقعة بين المسلمين والفرس ـ كتب إليه كتابًا يقول فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبدِ اللهِ عمرَ أميرِ المؤمنين، إلى النعمان بن مقرن:

سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أمَّا بعد:

فإنه قد بلغني أن جموعًا من الأعاجم كثيرة، قد جمعوا لكم بمدينة نهاوند، فإذا أتاك كتابي هذا؛ فَسِرْ بأمرِ اللهِ وبعونِ اللهِ وبنصرِ اللهِ بمن معك من المسلمين، ولا توطئْهم وَعْرًا فتؤذيهم، ولا تمنعْهم حقهم فتكفرهم، ولا تدخلْهم غيضة، فإنَّ رجلًا من المسلمين أحبُّ إليَّ من مئةِ ألفِ دينارٍ، والسلام عليك([40]).

7 ـ أَمْرُ الأمَّةِ كان هو الهمُّ الأعظم:

كان أمرُ المسلمين الهمَّ الأعظمَ عند الصحابة، لاسيَّما الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، فقد كان كلُّ واحدٍ منهم أبًا عطوفًا رحيمًا لهذه الأمة.

عن ابن عمـر قال: كانَ عمـرُ بـنُ الخطاب أحدثَ في زمـانِ الرمادةِ أمرًا ما كان يفعله، لقد كان يصلي بالناس بالعشاء ثم يخرج. متى يدخل بيته؛ فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل. ثم يخرج فيأتي الأنقاب([41]) فيطوف عليه، وإني لأسمعه ليلةً في السَّحَر وهو يقول: اللهمَّ لا تجعلْ هلاكَ أمَّةِ محمدٍ على يدي([42]).

وعن أسلم قال: كنا نقول: لو لم يرفعِ اللهُ المَحْلَ عامَ الرَّمَادة؛ لظننا أن عمر يموت همًا بأمر المسلمين! ([43]).

وعن صفية بنت أبي عبيد قالت: حدثني بعضُ نساءِ عمـرَ قالت: ما قَرُبَ عمرُ امرأةً زمن الرمادة حتى أحيا الناس؛ همًا ! ([44]).

8 ـ الحرص على حقن دماء المسلمين:

واختم بسيدنـا عثمان رضي الله عنـه، الذي ضحَّى بنفسه، لئلَّا يُراقَ من أجلـه دم امـرءٍ مسلـم؛ وذلك عندمـا حـاصره الخـوارج في داره، حيـث قـال: لا أخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بإراقة مِحْجَمَةِ دَمٍ حتى ألقاهُ يا معشر أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم ([45]).

وقُتِل سيدنا عثمان مظلومًا:

عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، أَنَّ خُطَبَاءَ قَامَتْ بِالشَّامِ، وَفِيهِمْ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ آخِرُهُمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ، فَقَالَ: لَوْلاَ حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا قُمْتُ، وَذَكَرَ الْفِتَنَ فَقَرَّبَهَا، فَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ فِي ثَوْبٍ فَقَالَ: «هَذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى»، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. قَالَ: فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ([46]).

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِتْنَةً، فَمَرَّ رَجُلٌ، فَقَالَ: «يُقْتَلُ فِيهَا هَذَا الْـمُقَنَّعُ يَوْمَئِذٍ مَظْلُومًا». قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ([47]).

وامتثل عثمانُ ما أمره به النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حياته:

فعَـنْ عَائِشَةَ رضـي الله عنهـا، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَا عُثْمَـانُ، إِنَّـهُ لَعَلَّ اللهَ يُقَمِّصُكَ قَمِيصًا، فَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ فَلاَ تَخْلَعْهُ لَهُمْ»([48]).

فكان القميص هو الخلافة، وهذه من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.

فلما اشتدَّ بعثمانَ الأمرُ أصبحَ صائمًا يوم الجمعة؛ لرؤيا رآها:

عَنْ مُسْلِمٍ ـ أَبِى سَعِيـدٍ مَـوْلَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّـانَ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَعْتَقَ عِشْرِينَ مَمْلُوكًا، وَدَعَا بِسَرَاوِيلَ فَشَدَّهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَلْبَسْهَا فِى جَاهِلِيَّةٍ وَلاَ إِسْلاَمٍ، وَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُو لَ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْبَارِحَةَ فِي الْـمَنَامِ، وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِنَّهُمْ قَالُوا لِي: «اصْبِرْ، فَإِنَّكَ تُفْطِرُ عِنْدَنَا الْقَابِلَةَ». ثُمَّ دَعَا بِمُصْحَفٍ فَنَشَرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُتِلَ وَهُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ([49]).

ودخلـوا عليـه في ذلك اليـوم، بعد أن تـمَّ حصاره خمسة وأربعيـن يومًا، وكانت امرأته تقول: إن شئتم قتلتموه، وإن شئتم تركتموه، فإنه كان يختم القرآن كل ليلة في ركعة، إلَّا أنهم ضربوه بالسيف على عاتقه وهو يقرأ القرآن، ثم طعنوه، فنَدَرَ الدمُ منه على القرآن([50])، واستُشهِد رضي الله تعالى عنه يوم الجمعة، لثماني عشرةَ ليلة مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وعمره بضعٌوثمانون([51]).

قال حسان بن ثابت يرثيه رضي الله عنهما:

ضحَّوا بأشمطَ عنوانُ السجودِ به

يُقَـطِّعُ الليلَ تسبيحًا وقرآنًا

 

*  *  *

 



[1]))   صحيح مسلم: كتاب البر والصلة، باب النَّهْىي عَنْ لَعْنِ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا، ص1134، ح6613.

[2]))   متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق، باب إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ وَالْـمَلاَئِكَةُ فِى السَّمَاءِ فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، ص539، ح3231. وصحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب مَا لَقِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَذَى الْـمُشْرِكِينَ وَالْـمُنَافِقِينَ، ص(800 ـ 801)، ح4653، واللفظ له.

[3]))   الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم: فصل في شفقته ورحمته صلى الله عليه وسلم، ص166.

[4]))   متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الجمعة، باب السِّوَاكِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ص143، ح887. واللفظ له. وصحيح مسلم: كتاب الطهارة، باب السواك ص123، ح589.

[5]))   متفق عليه: صحيح البخاري: كتـاب الجهـاد، بـاب الْجَعَائِـلِ وَالْحُمْلاَنِ فِي السَّبِيلِ،  ص491، ح2972. وصحيح مسلم: كتاب الإمارة، باب فَضْلِ الْجِهَادِ وَالْخُرُوجِ فِي سَبِيلِ الله، ص(841 ـ 842)، ح4863. واللفظ له.

[6]))   متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الْعِشَاءِ، ص95، ح566. ومسلم الصحيح، كتاب المساجد، باب وَقْتِ الْعِشَاءِ وَتَأْخِيرِهَا، ص257، ح1445. واللفظ له.

[7]))   سنن الترمذي، كتاب الصلاة، باب مَا جَاءَ فِى تَأْخِيرِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ، ص46، ح167. قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

[8]))   متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الأذان، باب مَنْ أَخَفَّ الصَّلاَةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ، ص116، ح708. واللفظ له. وصحيح مسلم: كتاب الصلاة، باب أَمْرِ الأَئِمَّةِ بِتَخْفِيفِ الصَّلاَةِ فِي تَمَامٍ، ص196، ح1054.

[9]))   متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الدعوات، باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ آذَيْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً». ص1105، ح6361. وصحيح مسلم: كتاب البر والصلة والأدب، باب مَنْ لَعَنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْ سَبَّهُ أَوْ دَعَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ أَهْلًا لِذَلِكَ، كَانَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا وَرَحْمَةً، ص1135، ح6619واللفظ له.

[10]))   محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب، عون المعبود شرح سنن أبي داود: كتاب السنة، باب في النهي عن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، (ج12/ ص271).

[11]))   متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الأذان، باب الأَذَانِ لِلْمُسَافِرِ إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً،  َالإِقَامَةِ، وَكَذَلِكَ بِعَرَفَةَ وَجَمْعٍ. وَقَوْلِ الْـمُؤَذِّنِ الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوِ الْـمَطِيرَةِ. ص104، ح631واللفظ له. وصحيح مسلم: كتاب المساجد، باب مَنْ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ، ص272، ح1535.

[12]))   صحيح مسلم: كتاب الإيمان، بـاب دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمَّتِهِ وَبُكَائِـهِ شَفَقَـةً عَلَيْهِمْ، ص107، ح499.

[13]))   الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم: الباب الثاني في لزوم محبته عليه الصلاة والسلام، فصل في علامة محبته صلى الله عليه وسلم، ص504.

[14]))   لا يَقِرُّ: لايسكن. [ لسان العرب لابن منظور: (قرر)، ص (ج 5 / ص 82)].

[15]))   والبَرَمُ بالتحريك مصدر بَرِمَ بالأَمْرِ بالكسر بَرَمًا إذا سَئِمَهُ فهو بَرِمٌ ضَجِر، وقد أَبْرَمَهُ فلان إبْرامًا: أي أَمَلَّه وأَضْجَره فَبَرِمَ وتَبَرَّم به تَبَرُّمًا. ويقال: لا تُبْرِمْني بكَثرة فُضولك. [لسان العرب: (برم)، (ج12/ ص43)].

[16]))   أَي أُدِيرُه عليه وأَُرِيده منه، ويقال: فلان يُرِيغُني على أَمرٍ وعن أَمرٍ، أَي يُراوِدُني ويطلبه مني. [لسان العرب: (راغ)، (ج 8/ ص430)].

[17]))   ابن سعد، الطبقات الكبرى: (ج3/ ص301)، وابن كثير، البداية والنهاية: (ج7/ ص153).

[18]))   الصُّرَيْمَـةُ: تصْغيرُ الَصَّرْمـةِ، وهي القَطعـة الصغيـرة من الإبـل والغنَـم. [ابن الجوزي، غريب الحديث: كتاب الصاد، باب الصاد مع الراء، (ج1/ ص587)].

[19]))   صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسَّير: باب: إذا أسلم قومٌ في دار الحرب ولهم مالٌ وأَرَضُونَ فهي لهم، ص(4/ 71)، ح 3059 ، طبعة دار طوق النجاة. والأم للإمام الشافعي: إحياء الموات، (ج4/ ص49) واللفظ له.

[20]))   ابن الأثير، النهايـة في غريب الحديث والأثـر: حرف الصاد، باب الصاد مـع الراء، (صَرَمَ)، (ج3/ ص48).

[21]))   ابن كثير، البدايـة والنهايـة: (ج7/ ص135). وأبـو نعيم، حليـة الأولياء: عمر بن الخطاب، (ج1/ ص48)، عن الأوزاعي.

[22]))   عسَّ يَعُسُّ عَسَسًا وعَسًّا: أَي طاف بالليل. ومنـه حديث عمر رضي الله عنه أَنه كان يَعُسُّ بالمدينة. أَي يطوف بالليل يحرس الناسَ، ويكشف أَهل الرِّيبَـة، والعَسَسُ اسم منـه كالطَّلَب. وقـد يكون جمعًا لعاسٍّ كحارِسٍ وحَرَسٍ. [لسان العرب: (عسس)، (ج6/ ص139)].

[23]))   المحب الطبري، الرياض النضرة في مناقب العشرة: (ج1/ ص184). وابن كثير، =

 =      البداية والنهاية: (ج7/ ص136)، عن أسلم، باختلاف يسير.

[24]))   يَتَضَاغَـوْن: يَتَبَاكَـوْن. وضَغا يَضْغُـو ضَغْـوًا إذا صاحَ وضَجَّ. [لسان العـرب: (ضغا) (ج14/ ص485)].

[25]))   (أُعَلِّلُهمْ): تَعَلَّلَ بالأَمر واعْتَلَّ تَشاغَل وعَلَّلَه بطعام وحديث ونحوهما شَغَلهُ بهما يقال فلان يُعَلِّل نفسَه بتَعِلَّـةٍ وتَعَلَّل به أَي تَلَهَّى به. [ لسان العرب: (علل)، (ج11/ ص467)]. أي أن المرأة كانت تُشْغِل أولادها وتُلْهيهم بهذا الماء على أنه طعام؛ حتى يناموا.

[26]))   العِدْل: كيس يوضع فيه الدقيق وغيره. [انظر: مختار الصحاح: (ع د ل)، ص(314 ـ 315)].

[27]))   ابن كثير، البداية والنهاية: (ج7/ ص136).

[28]))   الوَدَك: دَسَم اللحم. [مختار الصحاح: (و د ك)، ص520].

[29]))   ابن سعد، الطبقات الكبرى: ذكراستخلاف عمر رحمه الله تعالى، (ج3/ ص313).

[30]))   المرجع السابق والموضع نفسه.

[31]))   الطبقات الكبرى لابن سعد: ذكر استخلاف عمر رحمه الله تعالى، (ج 3 / ص 312).

[32]))   ابن كثير، البداية والنهاية: (ج7/ ص135). وأبو نعيم في حلية الأولياء: عمر بن الخطاب، (ج1/ ص48)، عن الأوزاعي.

[33]))   ابن كثير، البداية والنهاية: (ج7/ ص134 ـ 135).

الموضوعات