حب الصحابة للشهادة في سبيل الله تعالى
حب الصحابة للشهادة في سبيل الله تعالى
كتب الدكتور غازي محمود الشمري حول هذا الموضوع في كتابه ( الحب في السنة وأثره في حياة الأمة) والصادر عن دار المقتبس سنة (1439هـ - 2018م)
فقال:
أمَّا الشهادة فكانت مطلبهم في الجهاد، وأن يختم الله تعالى حياتهم بها، بعد أن سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمنَّاها.
عـن أَبـي هُرَيْـرَة، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَـالَ: «انْتَـدَبَ اللهُ لِمَـنْ خَـرَجَ فِى سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي، أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ. وَلَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي؛ مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ. وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ الله ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ»([1]).
وهذا ذكرٌ من أحوال بعض الصحابة على سبيل المثال:
1 ـ أميرالمؤمنين عُمَر رضي الله عنه:
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنـه قَالَ: اللهمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ صلى الله عليه وسلم ([2]).
فاستجاب الله له، وجمع له ذلك.
2 ـ خالد بن الْوَلِيدِ رضي الله تعالى عنه:
ولطالما طلب الشهادة في مظانها، ورَجا أن ينالها في الغزوات على أرض المعارك:
فعَنْ أَبِي وَائِلٍ قَـالَ: لَمَّا حَضَرَتْ خَالِدَ بـنَ الْـوَلِيدِ الْوَفَـاةُ قَالَ: لَقَدْ طَلَبْتُ الْقَتْلَ فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي إِلا أَنْ أَمُوتَ عَلَى فِرَاشِي، وَمَا مِنْ عَمَلٍ أَرْجَى مِنْ لا إِلَه إِلا الله وَأَنَا مُتَتَرِّسٌ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَانْظُرُوا سِلاحِي وفَرَسِي، فَاجْعَلُوهُ عُدَّةً فِي سَبِيلِ الله([3]).
3 ـ عُمَيْرُ بْنُ الحُمامِ رضي الله تعالى عنه:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أنَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ في غزوة بدر: «قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ». قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ الله،جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: بَخٍ بَخٍ([4]). فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ». قَالَ: لاَ وَالله يَا رَسُولَ الله، إِلَّا رَجَاءَةُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ: «فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا». قال: فَأَخْرَجَ تُـمَيرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ([5])، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ؛ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ. قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ([6]).
4 ـ حَرَامٌ خَالُ أَنَسٍ رضي الله عنهما:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: أَنِ ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالًا يُعَلِّمُونَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ. فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ، فِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ، يَقْرَؤونَ الْقُرْآنَ وَيَتَدَارَسُونَ بِاللَّيْلِ يَتَعَلَّمُونَ، وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالْـمَاءِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْـمَسْجِدِ، وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ، وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لأَهْلِ الصُّفَّةِ وَلِلْفُقَرَاءِ. فَبَعَثَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ، فَعَرَضُوا لَهُمْ، فَقَتَلُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْـمَكَانَ. فَقَالُوا: اللهمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا. قَالَ: وَأَتَى رَجُلٌ حَـرَامًا خَالَ أَنَسٍ مِنْ خَلْفِـهِ فَطَعَنَـهُ بِرُمْحٍ حَتَّى أَنْفَذَهُ. فَقَالَ حَرَامٌ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: «إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ قُتِلُوا، وَإِنَّهُمْ قَالُوا: اللهمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ، فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا» ([7]).
قوله: (فزتُ وربِّ الكَعْبَة)، أي فاز بالشهادة.
5 ـ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ رضي الله تعالى عنه:
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنـه قَالَ: غَـابَ عَمِّـي أَنَسُ بْنُ النَّضْـرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ الْـمُشْرِكِينَ، لَئِنِ الله أَشْهَدَنِي قِتَالَ الْـمُشْرِكِينَ؛ لَيَرَيَنَّ اللهُ مَا أَصْنَعُ! فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَشَفَ الْـمُسْلِمُونَ قَالَ: اللهمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ ـ يَعْنِي أَصْحَابَهُ ـ وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ ـ يَعْنِي الْـمُشْرِكِينَ ـ ثُمَّ تَقَدَّمَ، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا سَعْدُ بْنَ مُعَـاذٍ، الْجَنَّـةَ وَرَبِّ النَّضْرِ، إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ! قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ الله مَا صَنَـعَ. قَالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَـا بِـهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ، أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ، وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ، وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْـمُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلاَّ أُخْتُـهُ بِبَنَانِـهِ. قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نَـرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الآيَـةَ نَزَلَتْ فِيـهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾[الأحزاب: 23]([8]).
6 ـ عَمْرَو بْنُ الْجَمُوحِ رضي الله تعالى عنه:
وعَمْرَو بْنُ الْجَمُوحِ كَانَ رَجُلًا أَعْرَجَ شَدِيدَ الْعَرَجِ، وَكَانَ لَهُ بَنُونَ أَرْبَعَةٌ مِثْلَ الْأُسْدِ، يَشْهَدُونَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الْـمَشَاهِدَ. فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ؛ أَرَادُوا حَبْسَهُ، وَقَالُوا لَهُ: إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ عَذَرَك. فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنّ بَنِيّ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْبِسُونِي عَنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْخُروجِ مَعَك فِيهِ، فَوَاَلله إنّي لَأَرْجُو أَنْ أَطَأَ بِعَرْجَتِي هَذِهِ فِي الْجَنّةِ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ عَذَرَك اللهُ فَلَا جِهَادَ عَلَيْك». وَقَالَ لِبَنِيهِ: «مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَمْنَعُوهُ، لَعَلّ اللهَ أَنْ يَرْزُقَهُ الشّهَادَةَ». فَخَرَجَ مَعَهُ، فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ([9]).
7 ـ عُمَيرَ بنُ أبي وقَّاصٍ رضي الله تعالى عنه:
حتى إنَّ ناشئة الصحابة يبكون حُبًا في الشهادة !
قال سعد بن أبي وقاص:رأيت أخي عُمَيرَ بنَ أبي وقَّاصٍ ـ قبل أن يعرضَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للخروج إلى بدر ـ يتوارى، فقلت: مالك يا أخي؟ فقال: إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني. وأنا أحب الخروج لعل الله يرزقني الشهادة. قال: فَعُرِض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصغره فقال: «ارجع» . فبكى عمير، فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال سعد: فكنت أعقد له حمائل سيفه من صغره، فقتل ببدر وهو ابن ست عشرة سنة([10]).
8 ـ الْيَمَانُ أَبو حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ رضي الله تعالى عنهما:
عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ هُزِمَ الْـمُشْرِكُونَ، فَصَرَخَ إِبْلِيسُ لَعْنَةُ الله عَلَيْـهِ: أَيْ عِبَادَ الله أُخْرَاكُمْ([11]). فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ([12])، فَبَصُرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ ! فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ الله أَبِي أَبِي! قَالَ: قَالَتْ: فَوَالله مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ الله لَكُمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَوَالله مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَحِقَ بِالله عز وجل([13]).
وتفصيل القصة: إنَّه لَمّا خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلَى أُحُـدٍ، رَفَـعَ حُسَيْلُ بْنُ جَابِـرٍ ـ وَهُـوَ الْيَمَانُ أَبـو حُذَيْفَـةَ بْنِ الْيَمَانِ ـ وَثَابِـتُ بْـنُ وَقْشٍ فِـي الْآطَامِ([14]) مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَـانِ. فَقَـالَ أَحَدُهُمَـا لِصَاحِبِهِ وَهُمَـا شَيْخَانِ كَبِيـرَانِ: مَـا أَبَـا لَك مَا تَنْتَظِرُ؟! فَوَاَلله ما بَقِيَ لِوَاحِدِ مِنّا مِنْ عُمْرِهِ إلّا ظِمْءُ حِمَارٍ([15])، إنّمَا نَحْنُ هَامَةُ الْيَوْمِ أَوْ غَدٍ، أَفَلَا نَأْخُذُ أَسْيَافَنَا، ثُمّ نَلْحَقُ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، لَعَلّ اللهَ يَرْزُقُنَا شَهَادَةً مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ؟! فَأَخَذَا أَسْيَافَهُمَا ثُمّ خَرَجَا حَتّى دَخَلَا فِي النّاسِ، وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِمَا. فَأَمّـا ثَابِـتُ بْـنُ وَقْشٍ فَقَتَلَـهُ الْـمُشْرِكُونَ. وَأَمّا حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ، فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْـهِ أَسْيَافُ الْـمُسْلِمِينَ، فَقَتَلُـوهُ وَلَا يَعْرِفُونَـهُ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَبِي! فَقَالُـوا: وَالله ما عَرَفْنَاهُ! وَصَدَقُوا. قَالَ حُذَيْفَـةُ: يَغْفِـرُ اللهُ لَكُمْ وَهُـوَ أَرْحَـمُ الرّاحِمِينَ. فَأَرَادَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدِيَهُ، فَتَصَدّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْـمُسْلِمِينَ، فَزَادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم خَيْرًا([16]).
فقد رأى حذيفة بأمِّ عَيْنَيْهِ، كيف قَتَلَ المسلمون أباه اليمانَ؛ ظنُّوه من المشركين، ومع ذلك جعل يدعوا لهم بقوله: غَفَرَ الله لَكُمْ. ومن يُطيق هذا إلَّا الصحابة؟ ! وتصدَّق بِدِيَةِ أبيه على المسلمينِ!.
9 ـ رجلٌ من الأعراب:
عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ ثُمَّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ. فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْضَ أَصْحَابِهِ. فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبْيًا، فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ. وَكَانَ يَرْعَـى ظَهْرَهُـمْ، فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُـوهُ إِلَيْـهِ فَقَالَ: مَا هَـذَا؟ قَالُـوا: قِسْمٌ قَسَمَـهُ لَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِـهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ مَا هَذَا؟ قَالَ: «قَسَمْتُهُ لَكَ». قَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ! وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا ـ وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ ـ بِسَهْمٍ، فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ. فَقَالَ: «إِنْ تَصْدُقِ اللهَ يَصْدُقْكَ». فَلَبِثُوا قَلِيلًا، ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَهُوَ هُوَ؟» قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ». ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ. فَكَانَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ: «اللهمَّ هَذَا عَبْدُكَ، خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ، فَقُتِلَ شَهِيداً، أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ»([17]).
10 ـ رَجُلٌ رَثُّ الْهَيْئَةِ:
وعلى دَرْبِ الصحابة مشى التابعون.
فعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيـهِ (أبي موسى الأشعري) قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي وَهُـوَ بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ يَقُـولُ: قَـالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَبْـوَابَ الْجَنَّـةِ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ». فَقَامَ رَجُلٌ رَثُّ الْهَيْئَةِ فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، آنتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلاَمَ، ثُمَّ كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ فَأَلْقَاهُ، ثُمَّ مَشَى بِسَيْفِهِ إِلَى الْعَدُوِّ، فَضَرَبَ بِهِ حَتَّى قُتِلَ([18]).
وكَسْرُ جَفْنِ السَيْفِ (غِمْدَه)، كنايـة عن الاستمرار في القتال حتى النصر، أو الشهادة.
* * *
[1])) متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الإيمان، باب الْجِهَادُ مِنَ الإِيمَانِ، ص9، ح36 واللفظ له. وصحيح مسلم: كتاب الإمارة، بَابُ فَضْلِ الْجِهَادِ وَالخُرُوجِ فِي سَبِيلِ اللهِ، (3/ 1497)، ح1876 ط. دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
[2])) صحيح البخاري: كتاب فضائل المدينة، باب.، ص304، ح 1890.
[3])) الطبراني، المعجم الكبير: (ج4/ ص106)، ح3812.
[4])) (بَخٍ بَخٍ): قال النووي: (فيه لغتان: اسكان الخاء وكسرها منونا، كَلِمَة تُطْلَق لِتَفْخِيمِ الْأَمْر وَتَعْظِيمه فِي الْخَيْر). [شرح صحيح مسلم، (ج13/ ص45)].
[5])) (قَرَنِهِ): هو بقاف وراء مفتوحتين ثم نون: أي جَعْبَة النُّشَّاب. [شرح صحيح مسلم، (ج13/ ص46)].والجَعْبَة: من جُلود تُشَقّ ويَجْعل فيها النُّشَّاب. [النهاية في غريب الحديث والأثـر: (قـرن)، (ج4/ ص81)]. والنُّشَّابُ النَّبْلُ، واحدتُـه نُشَّابـة. [لسان العرب: (نشب)، (ج1/ ص755)]. والنَّبْلُ: السِّهام العربية، وهي مُؤنثة لا واحد لها من لفظها، وقد جَمعُوها على نِبَالٍ و أَنْبَالٍ. [مختار الصحاح: (نبل)، ص47].
[6])) صحيح مسلم: كتاب الإمارة، باب ثُبُوتِ الْجَنَّةِ لِلشَّهِيدِ، ص850، ح4915.
[7])) متفق عليه: صحيح البخاري: كتـاب الجهـاد والسيـر، بـاب مَـنْ يُنْكَبُ أو يُطعـن فِي سَبِيلِ الله، ص464، ح2801. وصحيح مسلم: كتاب الإمـارة، بـاب ثُبُـوتِ الْجَنَّةِ لِلشَّهِيدِ، ص851، ح4917. واللفظ له.
[8])) متفـق عليـه: صحيح البخـاري: كتاب الجهاد، بـاب قَـوْلِ الله تَعَالَـى: ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾[الأحزاب: 23]، ح2805، ص464 واللفظ له.وصحيح مسلم: كتاب الإمارة، باب ثُبُوتِ الْجَنَّةِ لِلشَّهِيدِ، ص851، ح4918.
[9])) ابن هشام، السيرة النبوية: غزوة أحد، (مَقْتَلُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ)، ص674.
[10])) ابن سعد، الطبقات الكبرى: عمير بن أبي وقاص، (ج3/ ص149 ـ 150). والواقدي: المغازي: بَدْرُ القتال، (1/ 21).
[11])) أَيْ اِحْتَرِزُوا مِنْ جِهَـةِ أُخْرَاكُمْ، وَهِيَ كَلِمَـةٌ تُقَالُ لِمَنْ يَخْشَى أَنْ يُـؤْتَى عِنْـدَ الْقِتَالِ مِنْ وَرَائِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ لَمَّا تَرَكَ الرُّمَـاةُ مَكَانَهُمْ، وَدَخَلُـوا يَنْتَهِبُونَ عَسْكَرَ الْـمُشْرِكِينَ. [ابن حجر، فتح الباري: كتاب المغازي، باب غزوة أُحد، (ج7/ ص362 ـ 363)].
([12]) أَيْ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مِـنْ الْعَـدُوِّ... وَأَنَّهُمْ لَمَّا رَجَعُـوا اخْتَلَطُـوا بِالْـمُشْرِكِينَ وَالْتَبَسَ الْعَسْكَرَانِ فَلَمْ يَتَمَيَّزُوا، فَوَقَعَ الْقَتْلُ عَلَى الْـمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ مِنْ بَعْضٍ. [ابن حجر، فتح الباري: كتاب المغازي، باب غزوة أُحد، (ج7/ ص363)].
[13])) صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب﴿ إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّـهُ وَلِيُّهُمَا ۗ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾[آل عمران: 122]، ص687، ح4065.
[14])) (الْآطَام): جمع أُطُم، حِصْنٌ مَبْنِيٌّ بحجارة. والجمع القليلُ آطامٌ، والكثير أُطُـومٌ، وهي حُصون لأَهل المدينة. [ابن منظور، لسان العرب: (أطم)، (ج12/ ص19)].
[15])) (ظِمْءُ حِمَارٍ) الظِّمْءُ بالكسر ما بين الشُّرْبَيْنِ والوِرْدَيْن في وِرْد الإِبل، وهو حَبْسُ الإِبل عن الماءِ إِلى غاية الوِرْد، والجمع أَظْماءٌ. وظِمْءُ الحَياةِ: ما بين سُقُوط الولد إِلى وقت مَوْتِه. وقولهم ما بَقِيَ منه إلاَّ قَدْرُ ظِمْءِ الحِمار: أَي لم يبق من عُمُره إِلاَّ اليسيرُ يقال: إِنه ليس شيءٌ من الدوابِّ أَقْصَرَ ظِمْأً من الحِمار، وهو أَقل الدوابّ صَبْرًا عن العَطَش، يَرِدُ الماءَ كل يوم في الصيف مرتين. [ابن منظور، لسان العرب: (ظمأ)، (ج1/ ص116)].
[16])) ابن هشام، السيرة النبوية: [مَقْتَلُ الْيَمَانِ وَابْنِ وَقْشٍ]، ص(671 ـ 672). عَنْ مَحْمُودِ ابْنِ لَبِيدٍ.
[17])) سنن النسائي: كتـاب الجنائـز، بـاب الصَّلاَةِ عَلَـى الشُّهَـدَاءِ، ص(274 ـ 275)، ح1955.
[18])) صحيح مسلم: كتاب الإمارة، باب ثُبُوتِ الْجَنَّةِ لِلشَّهِيدِ، ص(850 ـ 851)، ح4916.