جاري التحميل

حب العوالم الأخرى للنبي

الموضوعات

حب العـوالم الأخرى للنبيصلى الله عليه وسلم عوالم الملائكة والحيوان والنبات والجماد

كتب الدكتور غازي محمود الشمري حول هذا الموضوع في كتابه ( الحب في السنة وأثره في حياة الأمة) والصادر عن دار المقتبس سنة (1439هـ - 2018م) 

    فقال:

لم يكن عالم الإنس هو العالم الوحيد الذي أحب المصطفى صلى الله عليه وسلم، بل شاركه في ذلك جميع العوالم التي نعرفها، كعالم الملائكة، والحيوان، والنبات، والجماد، ثبت ذلك في أحاديث صحيحة في السنة الشريفة.

أولًا ـ حب عالم الملائكة للنبي صلى الله عليه وسلم:

من ذلك ما كان من ترحيب الملائكة بالنبي صلى الله عليه وسلم في السماوات، في رحلة الإسراء والمعراج، يرافقه جبريل عليه السلام. ونزول الملائكة بأمر ربها تعالى للقتال معه صلى الله عليه وسلم في الغزوات، كما في غزوة بدر وغزوة أُحد.

1 ـ ترحيب الملائكة بالنبي صلى الله عليه وسلم في السماوات:

كان ذلك أثناء عروج النبي صلى الله عليه وسلم في السماوات في رحلة الإسراء والمعراج.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ ـ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ ـ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم: «... انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم . قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: فَفَتَحَ لَنَا وَقَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْـمَجِيءُ جَاءَ.. الحديث»([1]).

2 ـ قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوات:

وكانت الملائكة تنزل بأمـر الله تعالى، تقاتـل مـع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوات؛ نصرةً له صلى الله عليه وسلم، ودَحْرًا لأعدائه.

أ ـ في غزوة بدر:

عن عَبْد الله بن عَبَّاسٍ قَالَ: «حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْـمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِئَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللهمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي. اللهمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي. اللهمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ». فَمَازَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ: يَا نَبِيَّ الله، كَفاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ. فَأَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾[الأنفال: 9]. فَأَمَدَّهُ الله بالملائِكَةِ. قَالَ أَبو زُمَيْلٍ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْـمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْـمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ([2]). فَنَظَرَ إِلَى الْـمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ([3])، وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ، فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ([4])، فَجَاءَ الأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ». فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ... الحديث»([5]).

ب ـ في غزوةُ أُحُدٍ:

عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ، وَمَعَهُ رَجُلاَنِ يُقَاتِلاَنِ عَنْهُ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، كَأَشَدِّ الْقِتَالِ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ»([6]).

ثانيًا ـ حب عالم الحيـوان للنبي صلى الله عليه وسلم:

عبَّر هذا العالم عن حبه للنبي صلى الله عليه وسلم مرات عدّة، كإخبار الشاة المسمومة، وشكوى الجمل وبكائه، وقصة الأسد مع أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

1 ـ إخبار الشاة النبي صلى الله عليه وسلم أنها مسمومة:

عن جَابِر بْن عَبْدِ الله: «أَنَّ يَهُودِيَّةً مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ، سَمَّتْ شَاةً مَصْلِيَّةً([7])، ثُمَّ أَهْدَتْهَا لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم . فَأَخَذَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الذِّرَاعَ فَأَكَلَ مِنْهَا، وَأَكَلَ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَعَهُ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ». وَأَرْسَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، فَدَعَاهَا فَقَالَ لَهَا: «أَسَمَمْتِ هَذِهِ الشَّاةَ؟». قَالَتِ الْيَهُودِيَّةُ: مَنْ أَخْبَرَكَ؟ قَالَ: «أَخْبَرَتْنِي هَذِهِ فِي يَدِي»، لِلذِّرَاعِ. قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «فَمَا أَرَدْتِ إِلَى ذَلِكَ؟». قَالَتْ: قُلْتُ إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلَنْ يَضُرَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ اسْتَرَحْنَا مِنْهُ. فَعَفَا عَنْهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يُعَاقِبْهَا. وَتُوُفِّيَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ أَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ. وَاحْتَجَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى كَاهِلِهِ، مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَكَلَ مِنَ الشَّاةِ. حَجَمَهُ أَبُو هِنْدٍ بِالْقَرْنِ وَالشَّفْرَةِ، وَهُوَ مَوْلًى لِبَنِي بَيَاضَةَ مِنَ الأَنْصَارِ»([8])

2 ـ شكوى الجمل للنبي صلى الله عليه وسلم:

إنَّه الجمل الذي غفل عنه صاحبه في أحد بساتين المدينة، فجاع وتعب، وكيف يلحقه الضيم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيُّ الرحمة، الذي أرسله الله رحمة للعالمين على مقربة منه، أفلا تشملُه هذه الرحمة؟ ! بلى.

ها هو نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يدخل البستان لقضاء حاجته؛ فيراه الجمل المسكين، لقد وصلت الرحمة ! فيغتنم الجمل الفرصة؛ فيشتكي للنبي صلى الله عليه وسلم التعب، كما يشتكي الجوع ـ فإنه بئس الضجيع ـ ويبثُّه أحزانَه بلغة يفهمها نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، إنها لغة الحنين ! ولغة الدموع التي سالت على خدّيه !

روى ذلك عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ رضي الله عنهما، الذي كان حاضرًا القصَّة فقال:

«أَرْدَفَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لاَ أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ. وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ. قَالَ: فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؛ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ([9]) فَسَكَتَ. فَقَالَ: «مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟». فَجَاءَ فَتىً مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ الله. فَقَالَ: «أَفَلاَ تَتَّقِي الله في هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا؟ ! فَإِنَّهُ شَكَى إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ»([10]).

لها أحـاديثُ من ذكراكَ تَشْـغَلُها

عن الشرابِ وتُلْهيها عن الزادِ

لها بوجهكَ نورٌ يُسْـتضَـاءُ بـهِ

ومِنْ حديثِكَ في أعقابها حادي

إذا شَكَتْ من كَلَالِ السَّيْرِ واعَدَها

روحُ القُدومِ فتحيا عند ميعـادِ

3 ـ قِصَّةُ الأسَدِ مَعَ صَاحِبِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

عَنْ مُحَمَّدِ بن الْـمُنْكَدِرِ، أَنَّ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَكِبْتُ الْبَحْرَ، فَانْكَسَرَتْ سَفِينَتِي الَّتِي كُنْتُ فِيهَا، فَرَكِبْتُ لَوْحًا مِنْ أَلْوَاحِهَا، فَطَرَحَنِي اللَّوْحُ فِي أَجَمَـةٍ([11]) فِيهَـا الأَسَدُ، فَأَقْبَـلَ يُرِيدُنِي، فَقُلْتُ: يَـا أَبَا الْحَارِثِ ! أَنَا مَوْلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ، وَأَقْبَلَ إِلَيَّ فَدَفَعَنِي بِمَنْكِبِهِ حَتَّى أَخْرَجَنِي مِنَ الأَجَمَةِ، وَوَضَعَنِي عَلَى الطَّرِيـقِ، وَهَمْهَمَ، فَظَنَنْتُ أَنَّـهُ يُوَدِّعُنِي، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ عَهْدِي بِهِ»([12]).

فهذا الوحشُ الضَّاري المفترسُ، وَضَعَ نَفْسَهُ في خِدْمَةِ صَاحِبِ رسولِ اللِه صلى الله عليه وسلم؛ إكْرَامًا وحُبًّا لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم !

ثالثًا ـ حب عالم النبات للنبي صلى الله عليه وسلم:

إن عالم النبات لايقلُّ حُبَّا عن غيره، فقد جعل الله سبحانه فيه تمييزًا؛ فنطق وبكى.

فتارةً يُخْبِرُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بشيء، وتارةً يشهدُ له بنبوته، وأُخرى يحِنُّ لفراقه !

1 ـ إعلامُ الشجرة النبيَّ صلى الله عليه وسلم باستماع الجن له:

عَنْ مَعْنٍ بن عبد الرحمن بن مسعود قَالَ: «سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا: مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ ـ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ ـ أَنَّهُ آذَنَتْهُ([13]) بِهِمْ شَجَرَةٌ»([14]).

قال الإمام النووي: هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الله تَعَالَى يَجْعَل فِيمَا يَشَاء مِنَ الْجَمَاد تَمْيِيزًا، وَنَظِيره قَوْل الله تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ﴾[البقرة: 74]، وَقَوْله تَعَالَى: ﴿يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾[الإسراء: 44] ([15]).

2 ـ شهادة الشجرة للنبي صلى الله عليه وسلم:

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَأَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ، فَلَمَّا دَنَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَيْنَ تُرِيدُ؟» قَالَ: إِلَى أَهْلِي، قَالَ: «هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ؟»قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: «تَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ». قَالَ: مَنْ شَاهِدٌ عَلَى مَا تَقُولُ؟ قَالَ: «هَذِهِ الشَّجَرَةُ»، فَدَعَاهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ بِشَاطئِ الْوَادِي فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الأَرْضَ خَدًّا حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْـهِ، فَاسْتَشْهَدَهَـا ثَلاثًا، فَشَهِـدَتْ أَنَّـهُ كَمَا قَـالَ، ثُمَّ رَجَعَـتْ إِلَى مَنْبَتِهَـا. وَرَجَـعَ الأَعْـرَابِيُّ إِلَى قَوْمِـهِ فَقَـالَ: إِنْ يَتْبَعُونِي آتِكَ بِهِـمْ، وَإِلا رَجَعْـتُ إِلَيْكَ فَكُنْتُ مَعَكَ»([16]).

3 ـ شهادة غصن النخلة للنبي صلى الله عليه وسلم:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: بِمَ أَعْرِفُ أَنَّكَ نَبِيٌّ قَالَ: «إِنْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ الله؟». فَدَعَاهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ يَنْزِلُ مِنَ النَّخْلَةِ حَتَّى سَقَطَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ قَالَ: «ارْجِعْ». فَعَاد. فَأَسْلَمَ الأَعْرَابِيُّ»([17]).

4 ـ حنين الجذع للنبي صلى الله عليه وسلم:

عَـنْ جَابِـرِ بْـنِ عَبْـدِ الله رضي الله عنهما، «أَنَّ امْرَأَةً مِـنَ الأَنْصَـارِ قَالَـتْ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ الله، أَلاَ أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ لِي غُلاَمًا نَجَّارًا. قَالَ: «إِنْ شِئْتِ». فَعَمِلَتْ لَهُ الْمِنْبَرَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، قَعَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا، حَتَّى كَادَتْ أَنْ تَنْشَقَّ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَخَذَهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ. قَالَ: «بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ»([18]).

وفي روايـة النَّسائي: «اضْطَرَبَتْ تِلْكَ السَّارِيَـةُ كَحَنِيـنِ([19]) النَّاقَـةِ، حَتَّى سَمِعَهَا أَهْلُ الْـمَسْجِدِ، حَتَّى نَزَلَ إِلَيْهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَاعْتَنَقَهَا فَسَكَتَتْ»([20]).

وفي رواية ابن ماجه: فَأَتَاهُ فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ، فَقَالَ: «لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»([21]).

وكَانَ الْحَسَن إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيث يَقُول: «يَا مَعْشَر الْـمُسْلِمِينَ، الْخَشَبَة تَحِنّ إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم شَوْقًا إِلَى لِقَائِهِ! فَأَنْتُمْ أَحَقّ أَنْ تَشْتَاقُوا إِلَيْهِ»([22]).

وعَنْ عَمْرو بْنِ سَوَادٍ، عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: «مَا أَعْطَى اللهُ نَبِيًّا مَا أَعْطَى مُحَمَّدًا، فَقُلْت: أَعْطَـى عِيسَى إِحْيَاء الْـمَوْتَى. قَالَ: أَعْطَى مُحَمَّدًا حَنِيـن الْجِذْع حَتَّى سُمِعَ صَوتُه، فَهَذَا أَكْبَر مِنْ ذَلِكَ»([23]).

لأنَّ إيجادَ الحياة في غير قابلها (الجذع)، أعظمُ من إعادة الحياة لقابلها (الجسم الذي كان فيه حياة).

رابعًا ـ حب عالم الجماد للنبي صلى الله عليه وسلم:

وكما جعل الله تعالى تمييزًا في الأشجار فنطقتْ، جعله في الجمادات، فالحجارة سلَّمت عليه صلى الله عليه وسلم، والطعام والحصى سبَّحَ بين يديه، واهتزَّت الجبالُ تحت قدميه، والماء نبع من بين أصابعه؛ فرحًا به وحبًّا إليه.

1 ـ نبع الماء من بين يديه صلى الله عليه وسلم، وتسبيح الطعام والحصى:

عَنْ عَبْدِ الله بن مسعود قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الآيَاتِ بَرَكَةً، وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا، كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْـمَاءُ، فَقَالَ: «اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ». فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، ثُمَّ قَالَ: «حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ المبَارَكِ، وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ». فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْـمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهْوَ يُؤْكَلُ([24]).

وعَنْ سُوَيْدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: «رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ جَالِسًا وَحْدَهُ فِي الْـمَسْجِدِ، فَاغْتَنَمْتُ ذَلِكَ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ لَهُ عُثْمَانَ، فَقَالَ: لاَ أَقُولُ لِعُثْمَانَ أَبَدًا إِلَّا خَيْرًا؛ لِشَيْءٍ رَأَيْتُهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم . كُنْتُ أَتْبَعُ خَلَوَاتِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَأَتَعَلَّمُ مِنْهُ، فَذَهَبْتُ يَوْمًا، فَإِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَ فَاتَّبَعْتُهُ، فَجَلَسَ فِي مَوْضِعٍ، فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا جَاءَ بِكَ؟» قَالَ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ. قَالَ: فَجَاءَ أَبو بَكْرٍ، فَسَلَّمَ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ. فَقَالَ لَهُ: «مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟» قَالَ: اللهوَرَسُولُهُ. قَالَ: فَجَاءَ عُمَرُ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: «يَا عُمَرُ مَا جَاءَ بِكَ؟» قَالَ: الله وَرَسُولُهُ. ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ عُمَرَ، فَقَالَ: «يَا عُثْمَانُ مَا جَاءَ بِكَ؟» قَالَ: الله وَرَسُولُهُ. قَالَ: فَتَنَاوَلَ النَّبِيُّ سَبْعَ حَصَيَاتٍ أَوْ تِسْعَ حَصَيَاتٍ، فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ. ثُمَّ وُضِعْنَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ، حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، فَوَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ. ثُمَّ تَنَاوَلَهُنَّ فَوُضِعْنَ فِي يَدِ عُمَرَ، فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ، حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ وُضِعْنَ فَخَرِسْنَ. ثُمَّ تَنَاوَلَهُنَّ فَوُضِعْنَ فِي يَدِ عُثْمَانَ، فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ، حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ وُضِعْنَ فَخَرِسْنَ»([25]).

2 ـ حبُّ الحجارة للنبي صلى الله عليه وسلم:

عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ، كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ»([26]).

فسبحان من أنطق الحجرَ؛ للسلام على سيِّد البشر !

3 ـ حبّ الجبال للنبي صلى الله عليه وسلم:

لقد سَرَى الحبُّ في الجبال الراسية؛ فلم يشفع لها عِظَمُ جِرْمِها ولا شموخُ هاماتها، من أن تترنَّحَ وتضطرب، وهي الراسية منذ آلاف السنين! لقد فرحت برسول الله صلى الله عليه وسلم عندما صعد على ظهرها، فاهتزَّت سرورًا، ومادت به طَرَبًا، حتى تدحرجت حجارتها من على هاماتها، وسقطت على أقدامها!

وقد ذكرت السنة الشريفة ثلاثةً من الجبال: أُحُدًا، وحِراءً، وثَبيرًا، هذا حالها:

أ ـ حبُّ جبلِ أُحُدٍ للنبي صلى الله عليه وسلم:

أحُدٌ جبلٌ يُحيط المدينة بذراعيه، ويُطِلَّ عليها كحارس أمين، وقد احتضن أولئك النفر من الصحابة، الذين اسُتشْهِدوا في غزوةٍ دار رحاها أمامه ومن خلفـه، وباسمـه سُمّيَت، وهم شهداء أُحد، مـع سيدهـم حمـزة رضـي الله تعالى عنهم.

لقد رأى هذا الجبلُ الأنصاريُّ، القابع منذ آلاف السنين على أطراف المدينة يرقب التاريخ، رأى سيَّد البشر صلى الله عليه وسلم، ومعه صحبه الكرام يبارك الأرض بأقدامه، ينشر فيها العدل والسلام، ويَبُثُّ الحبَّ في ربوعها، فما كان من أُحُدٍ الَّا أنْ أحَبَّ المصطفى صلى الله عليه وسلم وأحب أصحابَه، فبادلوه حبًا بحب، ودخل أُحدٌ التاريخ من باب الحب.

وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يخبر أصحابه عن حبِّه لأحُد، وحب أُحُد لهم، كلما أطلَّوا عليه مرجعهم من الغزوات، كخيبر وتبوك.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قُال: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَرَ أَخْدُمُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رَاجِعًا، وَبَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ». ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْـمَدِينَةِ قَالَ: «اللهمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا، كَتَحْرِيمِ إِبْرَاهِيمَ مَكَّةَ، اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِى صَاعِنَا وَمُدِّنَا»([27]).

وعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى الْـمَدِينَةِ قَالَ: «هَذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ، جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»([28]).

وطالما أخبر صلى الله عليه وسلم عن حب هذا الجبل، فكيف يُعَبِّرُ أُحُدٌ عن حبه للنبي صلى الله عليه وسلم وصحبه؟ لقد سَنَحَتْ له الفرصةُ مرةً! ها هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصعد أُحُدًا ومعه أكابرُ أصحابه: الصدِّيقُ الأكبرُ أبو بكر، يليه الفاروقُ عمر، يتبعهم ذو النورين عثمانُ، فما هو فاعل يا تُرى؟ !

يخبر أَنَسُ بْـنُ مَالِكٍ رضي الله عنـه بذلك فيقول: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَعِدَ أُحُدًا، وَأَبـو بَكْرٍ، وَعُمَـرُ، وَعُثْمَانُ، فَـرَجَفَ بِهِـمْ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «اثْبُتْ أُحُدُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ»([29]).

أما النبيُّ والصِّدِّيقُ فمعلومان، وأما الشهيدان فَعُمَرُ وعثمانُ، فتحقق ما أخبر به المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد رُزِقا الشهادة رضي الله عنهما.

ب ـ حبُّ جَبَلِ حِراءٍ للنبي صلى الله عليه وسلم:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى جَبَلِ حِرَاءٍ، فَتَحَرَّكَ! فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اسْكُنْ حِرَاءُ، فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ». وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، رضي الله عنهم»([30]).

ج ـ حبُّ جبلِ ثَـبَـيْـرٍ([31]) للنبي صلى الله عليه وسلم:

عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ: «شَهِدْتُ الدَّارَ حِينَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ... فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِالله وَالإِسْلاَمِ! هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى ثَبِيرِ مَكَّةَ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَا، فَتَحَرَّكَ الْجَبَلُ حَتَّى تَسَاقَطَتْ حِجَارَتُهُ بِـالْحَضِيضِ، قَـالَ: فَرَكَضَـهُ بِرِجْلِـهِ فقَـالَ: «اسْكُـنْ ثَـبِـيْـرُ، فَإِنَّمَا عَلَيْـكَ نَبِـيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ؟»([32]).

وصدق ابن أبي عتيق حين قال:

سَقَوْني وقالوا لا تُغَنِّ ولو سَقَوا

جبالَ سُلَيْمى ما سُقِيتُ لغَنَّتِ !

p  p  p

الباب الثاني
أثر الحُبّ في حياة الأمة

* الفصل الأول: أثر الحب في تقديم التضحيات في سبيل الله تعالى.

* الفصل الثاني: أثر الحب في الاتِّباع عند الصحابة رضي الله عنهم.

* الفصل الثالث: موارد الحب.



الباب الثاني
أثر الحُبّ في حياة الأمة

الفصل الأول
أثر الحب في تقديم التضحيات
في سبيل الله تعالـى

* تمهيد: ما يُثْمِرُهُ الحُبُّ:

وكما أنَّ ثمار الأشجار تتنوع في أشكالها، وأحجامها، وألوانها، وطعومها، وروائحها ـ وكلها ثمار ـ كذلك الحب في ثماره أنواع: ففيه الرِّقة والشفقة، والرحمة والسلام، وفيـه الصدق والصفاء، والمـودة والوفـاء، وفيـه الإخاء والإخلاص، والبذل والعطاء، وفيه الاتباع والشجاعة، والصبر والفداء، كذلك النصيحة والتواضع للأنام.

والأشجار وإن تنوعت ـ حتى لو خلت من الثمار ـ فإنها تشترك في صفتين لا تخلو منهما: الخُضْرة والظِّل، قلَّ ذلك أو كثُر. خُضْرةٌ تبثُّ الجمال والسرور في ربوع الحياة، وتبعث الأمل في النفوس، وظلٌ يتفيَّأه الناسُ، يقيهم لَفْحَ الشمس. كذلك المحب لا يخلو من بعض صفاته، كالرِّقة والشفقة والرحمة، فإن في الحب خير.

قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: وبالجملة جميع محاسن الدين ومكارم الأخلاق ثمرة الحب، وما لا يثمره الحب فهو اتباع الهوى، وهو من رذائل الأخلاق([33]).

إن المحاسن والمكارم، هي ما أثمره الحب في حياة السلف الصالح لهذه الأمة، الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم.

وسيكون الحديث عن جملة من هذه المحاسن والمكارم، في الفصلين الأوليين من هذا الباب، كأثرٍ من آثار الحب أثْمَرَ في حياتهم رضي الله عنهم، مشفوعة بمحاسن النبيِّ صلى الله عليه وسلم الأسوةِ الحسنةِ. وربما ذكرت شيئًا منها للتابعين بإحسان.

*  *  *

 



[1]))   صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب الإِسْرَاءِ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَوَاتِ وَفَرْضِ الصَّلَوَاتِ، ص(82 ـ 83)، ح411.

[2]))   حَيْزُوم: اسم فرس من خيل الملائكة.[ابن منظور، لسان العرب، (حزم)، (ج12/ ص131)].

[3]))   خُطِمَ أَنْفُهُ: ظهر أثر الضربة فيه فكأنَّه مخطومٌ بحبل.[انظر: لسان العرب: (خطم)، (ج12/ ص186)].

[4]))   (اخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ): أي اسْوَدَّ لون أنفه ووجهه؛ لأن العرب تقول للأَسود أَخْضَـرُ.[انظر: لسان العرب لابن منظور: (خضر)، (ج4/ ص243)].

[5]))   صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب الإِمْدَادِ بِالْـمَلاَئِكَةِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَإِبَاحَةِ الْغَنَائِمِ، ص(781 ـ 782)، ح4588.

[6]))   متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب﴿ إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّـهُ وَلِيُّهُمَا ۗ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[آل عمران: 122]، ص686، ح4054 وصحيح مسلم: كتاب الفضائل، كتاب في قتال جبريل وميكائيل عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد ص (4/ 1802)  ح 2306 دار إحياء التراث العربي .

[7]))   (مَصْلِيَّة) أي مَشْوِيّة.[ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر: (صلا)، (ج3/ ص95)].

[8]))   سنن أبي داود: كتاب الديات، باب فيمن سقى رجلًا سُمًّا أو أطعمه فمات أيُقاد منه؟ ص637، ح4510. وأصلـه فـي الصحيحيـن: صحيـح الـبخـاري: كتـاب الجـزية والموادعة، باب إِذَا غَدَرَ الْـمُشْرِكُونَ بِالْـمُسْلِمِينَ هَلْ يُعْفَى عَنْهُمْ، ص527، ح3169. عن أبي هريرة. وصحيح مسلم: كتاب السلام، باب السُّمِّ، ص(971 ـ 972)، ح5705، عن أنس بن مالك.

[9]))   ذِفْرَى البَعير: أصْل أذنه وهما ذِفْرَيَان.والذّفْرَى مُؤنثة وألِفُها للتأنيث أو للإلحاق. [ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر: (ذفر) (ج2/ ص405)].

[10]))   سنن أبي داود: كتاب الجهاد، باب مايُؤمر به من القيام على الدواب والبهائم، ص370، ح2549.

[11]))   الأَجَمَة: مَنْبت الشجر كالغَيْضة. والأَجَمَة الشجر الكثير الملتفُّ، والجمع أُجْمٌ وأُجُمٌ وأُجَمٌ وآجامٌ وإِجامٌ. وتأَجّم الأَسدُ: دخَل في أَجَمَتِه.لسان العرب: (أجم)، (ج 1/ ص 23). والأَجَمَةُ: الغابة. [لسان العرب: (غيب)، (ج 1 / ص 654)]. وقال ابن الأثير: الزأرَة هي الأجمةَ. سميت بها لزَئِير الأسَدِ فيها. [النهاية في غريب الحديث والأثر: (زأر)، (ج 2 / ص 702)].

[12]))   الحاكم، المستدرك علـى الصحيحيـن: كتاب معرفـة الصحابـة، (ج3/ ص702)، ح6550، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

[13]))   (آذَنَتْهُ): أي أعلمته باستماعهم.[ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، سورة الأحقاف، قوله تعالى: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ[الأحقاف: 29]، (ج7/ ص291)].

[14]))   متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب مناقب الأنصار، باب ذِكْرُ الْجِنِّ، وَقَوْلُ الله تَعَالَى: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا[الجن: 1]، ص647، ح3859. وصحيح مسلم: كتاب الصلاة، باب الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَالْقِرَاءَةِ عَلَى الْجِنِّ، واللفظ له. ص190، ح1011.

[15]))   شرح صحيح مسلم: كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر، (ج 4/ ص171).

[16]))   الطبراني، المعجم الكبير: باب العين، عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ذِكْرُ سِنِّهِ ووفاته، عطاء ابن أبي رباح عن ابن عمر، (ج12/ ص431)، ح13582. عزاه له      الهيثمي في مجمع الزوائد: كتاب البر والصلة، شهادة الشجر بنبوته صلى الله عليه وسلم، (ج 8/ص292)، وقال: رجاله رجال الصحيح.

[17]))   جامع الترمذي: أبواب المناقب، باب في حنين الجذع، ص827، ح3628. وقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ. وأخرجه الحاكم، المستدرك على الصحيحين: كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، (ج2/ ص676 ـ 677)، ح4237، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

[18]))   صحيح البخاري: كتاب البيوع، باب النَّجَّار، ص336، ح2095.

[19]))   الحنين: الشَّوْقُ وشِدَّةُ البُكاءِ، وأَصلُ الحَنِينِ ترجيعُ الناقة صوْتَها إثْرَ ولدها. [الفيروزابادي،        القاموس المحيط: باب النـون، فصل الحـاء، (ج4/ ص216).

[20]))   سنن النسائي: كتاب الجمعة، باب مقام الإمام في الخُطبة، ص197، ح1397. عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله.

[21]))   ابن ماجه، السنن: كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء في بدء شأن المنبر، ص203، ح1415عَنْ أَنَسٍ.

[22]))   ابن حجر، فتـح البـاري، كِتَـاب الْـمَنَاقِـب، بَـاب عَلَامَـات النُّبُـوَّة فِـي الْإِسْلَام، (ج10/ ص388).

[23]))   المرجع نفسه، (ج6/ ص738).

[24]))   صحيح البخاري: كتاب المناقب، باب عَلاَمَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الإِسْلاَمِ، ص)600 ـ 601)، ح3579.

[25]))   البزار، المسند: مسند أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، (ج5/ ص377، 380). وعزاه له الهيثمي في مجمع الزوائد: تسبيح الحصى، (ج8/ ص299)، وقال: رواه البزار باسنادين ورجال أحدهما ثقات، وفي بعضهم ضعف.

[26]))   صحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب فَضْلِ نَسَبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَسْلِيمِ الْحَجَرِعَلَيْهِ قَبْلَ  النُّبُوَّةِ، ص1008، ح5939.

[27]))   متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب فَضْلِ الْخِدْمَةِ فِي الْغَزْوِ، ص477، ح2889. وصحيح مسلم: كتاب الحج، باب فَضْلِ الْـمَدِينَةِ وَدُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا بِالْبَرَكَةِ وَبَيَانِ تَحْرِيمِهَا وَتَحْرِيمِ صَيْدِهَا وَشَجَرِهَا وَبَيَانِ حُدُودِ حَرَمِهَا، ص574، ح3321.

[28]))   متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب المغازي، ص(725 ـ 753)، ح4422. واللفظ له. وصحيح مسلم: كتاب الحج، باب فضل أُحُد، ص582، ح3371.

[29]))   صحيح البخاري: كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ص617، ح3675.

[30]))   صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب مِنْ فَضَائِلِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ رضي الله عنهما، ص1066، ح6248.

[31]))   ثَبِيْر: بالفتح ثم الكسر وياء ساكنة وراء، من أعظم جبال مكة، بينها وبين عَرَفَة، وهو جبل شامخ يقابل حراء، سُمِّي ثَبِيْرًا برجلٍ من هُذَيْل مات في ذلك الجبل فعرف الجبل به واسم الرجل ثَبِيْر. [ياقوت الحموي، معجم البلدان: حرف الثاء، باب الثاء والباء وما يليهما، (ج2/ ص(72،73)].

[32]))   جامع الترمذي: أبواب المناقب، باب فِي مَنَاقِبِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه،  ص(842 ـ 843)، ح3703.وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وقد رويَ من غير وجه عن عثمان. واللفظ له. وسنن النسائي: كتاب الأحباس، باب وَقْفِ الْـمَسَاجِدِ، ص510، ح5638.

[33]))   إحياء علوم الدين: كتاب المحبة والشوق والأنس والرضا، القول في علامات محبة العبد لله تعالى (ج5/ ص53).

الموضوعات