جاري التحميل

الإرساليات الألمانية إلى فلسطين

الموضوعات

الإرساليات الألمانية إلى فلسطين

كتبت الكاتبة أمل عاطف محمد الخضري في كتاب ( التنصير في فلسطين في العصر الحديث ) في هذا الموضوع

الصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة ( 1439هـ - 2018م)

فقالت:

ظهرت أعمال التنصير الألمانية في القدس بالدعوة إلى الكتاب المقدس، على يد ملك ألمانيا (بروسيا) «فريديرك ويلهام الرابع»، والذي اتفق مع رئيس أساقفة «كنتربري»([1]) في عام 1841م على وضع الطوائف الإنجيلية الإنجليزية، والألمانية في فلسطين تحت رئاسة مطران([2]) واحد.

ويعتبر «سبتلر» Spittler من واضعي أسس التنصير في القدس، وكان يلقب بشيخ المنصرين، وقد فتح معهداً لإعداد المنصرين ومن ثَم إرسالهم إلى فلسطين، وأول المرسلين منهم إلى القدس كان «شيك» Schich، وذلك عام 1846م، ثم «بالمر» Palmer، ثم لحقهما المطران «جوبات» Gobat، و«مولر» Muller، و «بلدنسبركر» Baldensperger وغيرهم.

وتوسعت أعمال الإرساليات الألمانية عام 1853م بفضل «أدولف شتراوس» Fredreich Adolf Straus الذي أسس جمعية بيت المقدس Jerusalem Vericn، والتي زودتها الكنيسة الألمانية بالأموال اللازمة لفتح مراكز تنصيرية عديدة في فلسطين، ومن أهمها مركز القدس.

ثم انفصلت أعمال الأسقفية الإنجليزية الألمانية المشتركة عام 1886م، وأصبح لكل منهما أسقفية منفصلة في القدس([3]).

وفي أثناء أسقفية المطران «صمويل جوبات» عام 1846م، عين ثلاثة قراء للكتاب المقدس، واحد لليهود، وآخر للنصارى في القدس، والثالث بين العرب في القدس، وكان بحاجة إلى قارئ رابع ليباشر عمله متجولاً في باقي المدن([4])، كما أسس العديد من المدارس التنصيرية، وعلى الرغم من شهرة هذه المدارس التي أنشأها «جوبات» في فلسطين، إلا أنه لم يكن الرائد في ذلك، إذ كانت هناك مدارس قبل وجوده، ولكنه تسبـب فـي التنافس بيـن الطوائف المختلفة علـى فتح وتطوير المدارس التنصيرية في فلسطين([5]).

وفـي عام 1886م قدمت إلـى فلسطين جماعة مـن الألمان من مدينة «وتمبرغ»، عرفت هذه الجماعة باسم «التمبلز» أي الهيكليين([6])، نسبة إلى هيكل المسيح الروحي في الكنيسة، وهم يعتقدون بقرب مجيء المسيح، وقد جاءوا إلى فلسطين لاستقباله، ولديهم قناعـة بأنه قد جاء الوقت للاستعداد لبناء هيكل روحي في القدس كما جاء في نصوصهم في كتابهم المقدس([7]):

«ووقف الملاك قائلاً لي قم وقس هيكل الله والمذبح والساجدين فيه، وأما الدار التي هي خارج الهيكل فاطرحها خارجاً ولا تقسها لأنها قد أعطيت للأمم وسيدوسون المدينة المقدسة اثنين وأربعين شهراً. وسأعطي لشاهديَّ فيتنبآن ألفاً ومئتين وستين يوماً لابسين مسوحاً… وفي تلك الساعة حدثت زلزلة عظيمة… ثم بَوَّقَ الملاك السابع فحدثـت أصـوات عظيمة فـي السماء قائلـة قـد صـارت ممالك العالـم لربنا ومسيحه فسيملك إلى أبد الآبدين … وانفتح هيكل الله في السماء وظهر تابوت عهده في هيكله»([8]).

ومن المؤسسات الألمانية:

دار الأيتام السورية وأسسها القس «يوحنا لودفيغ شنللر» Johann Ludwig Schneller أحد المنصرين الإنجيليين الأوائل، وكان ذلك في شهر نوفمبر عام 1860م، وتقع دار الأيتام شمال غرب القدس، وفي أحد تقارير المدرسة التي أذيعت، نص واضح على هدف المدرسة وهو: «إن غاية هذه المؤسسة الخيرية هي نشر العقيدة الإنجيلية بين سكان الأرض المقدسة»([9])؛ لذلك كان يوجد فيها فرعٌ خاص للتنصير، وقد كانت المدرسة تعلم الذكور فقط، حتى أضيف إليها فرعٌ لتعليم الإناث بعد عام 1897م، وفرع لإيواء المكفوفين والمكفوفات عام 1903م، وفرع زراعي عام 1906م، وقسم ثانوي وآخر لتدريب المعلمين عام 1910م، كما يوجد فيها فرع لتعليم الصناعة، ومن الصناعـات التـي تعلم فيها؛ الحـدادة والخياطة والطباعة والخزف والأحذية وغيرها، وفـي أثناء قيام الحرب العالمية الثانية، احتلـت بريطانيا جميـع مبانيها لأن ألمانيا في حالة حرب مع بريطانيا، فنقلت مجموعة من الأيتام إلى بيت لحم، وأخرى إلى الناصرة، وأما اليتيمات فقد نقلن إلى مدرسة «طاليثا قومي»، ثم توقفت المصانع بسبب الحرب ثم استأنفت عملها عام 1941م([10]).

مدرسة طاليثا قومي([11]):

فتحت هذه المدرسة عام 1851م، وهي تابعة للاتحاد اللوثري، وتقع المدرسة غرب القدس الجديدة إلـى الجنوب مـن طريـق يافا، وقد هدمت حالياً وأقيمت محلها بنايات جديدة منها بناية السوق المركزي الشامل المعروف «هامشبير».

واشتهـرت المدرسة باسـم«شارلوتـة» أول رئيسة لها، وهي الراهبة «شارلوت بِلس» Charlott Pilz، وواضـع فكـرة تأسيس هـذه المدرسة هـو القـس «ثيـودور فليندر» Theodor Fliender مؤسس الرهبنة الإنجيلية المعروفة باسم «قيصر زفرت» Kaiser ـ Sverth الذي أقام في القدس، وكان معه أربع راهبات، اثنتان اشتغلتا بخدمة المرضى، والأخريتان بالتعليم، وفي سنة 1855م تسلمت إدارة المدرسة الراهبة «شارلوت بِلس».

وأصبـح فيهـا بعـد الحـرب العالمية الأولى صفوف ثانوية، وبعد الحرب العالمية الثانية احتل الإنجليز بناءها، فانتقلت إلى «عين كارم» عام 1940م ثم إلى «الطنطور» بالقرب من «بيت لحم»، ثم عـادت إلى بنائها القديم، وفي العام 1948م صادر اليهود مباني هذه المدرسة، ثم جدد بناؤها عام 1960م بهبات من جمعيات ألمانية، وأعيد بناؤها خارج «بيت جالا» على الطريق المؤدية إلى قرية «الخضر»، ثم تطورت المدرسة حتى اشتهـرت بقسميها الداخلـي والخارجـي وصارت تعرف باسم ثانويـة «طاليثا قومي» ولا تزال تعمل حتى الآن([12]).

حركة المورافيان:

من الجدير بالذكر أن حركة «المورافيان» أو «المورفينز» Moravians الألمانية كانت هي المبادرة في بعث الإرساليات البروتستانتية إلى أقطار الأرض لنشر ملكوت الله وحمل الإنجيل إلى العالم([13])، وقد تأسست في ألمانيا عام 1727م، واليوم توجد كنيسة «المورافيان» في نحو عشرين بلداً، ويبلغ أعضاؤها ثمانمائة ألف عضو، وهي مشهورة بعملها التنصيري الذي بدأته عام 1732م، وقد تمكنت جماعة «المورافيان» من افتتاح مركز إعادة التأهيل في فلسطين عام 1981م، وذلك باستخدام مباني مستشفى الجذام الذي تملكه الكنيسة نفسها، ويقوم بدعم هذا المركز جماعات «المورافيان» في العالم، كما يصله هبات من أشخاصٍ ألمان، وتشرف مؤسسة التنصير التابعة لكنيسة «المورافيان» في ألمانيا على إدارة المركز والإشراف عليه، وذلك بتخويل من كنيسة «المورافيان»([14]).

 



([1])   كنتربـري: مدينـة بريطانية جنوب شرقي لندن، وهي مقر رئيس أساقفة الطائفة الإنجليكانية ـ انظر: المنجد ـ ص: 469.

([2])   المطران: هو كبير الأساقفة لمنطقة دينية في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والكنائس الأخرى، وتشتمل المنطقة على عدة أسقفيات، والمطران عادة يحكم الأسقفية الرئيسية وله سلطة محدودة على الأسقفيات الأخرى، والبابا نفسه هو مطران منطقة روما للكنيسة الرومانية الكاثوليكية ـ انظر: الموسوعة العربية الميسرة ـ 23/ 420.

([3])   انظر: المسيحية في القدس: العارف ـ ص 174 ـ 180.

([4])   انظر: تاريخ الكنيسة: فرح ـ 1/ 112، 115، وجولة في تاريخ الأرض المقدسة: جقمان ـ  المجلد الثاني ـ الباب الأول ـ ص: 189.

([5])   انظر: جولة في تاريخ الأرض المقدسة: جقمان ـ المجلد الثاني ـ الباب الأول ـ ص: 188، 189، والمسيحية في القدس: العارف ـ ص: 176، 177، وتاريخ الكنيسة: فرح ـ 1/ 124.

([6])   الهيكليون: وتسمى جماعة الفرسان الهيكليين وهي جمعية عسكرية رهبانية، تأسست في القدس للدفاع عن الأراضي المقدسة ـ انظر: المنجد ـ ص: 411.

([7])   انظر: تاريخ الكنيسة: فرح ـ 1/ 403.

([8])   انظر: جولة في تاريخ الأرض المقدسة: جقمان ـ المجلد الثاني ـ الباب الأول ـ ص: 188،   189، والمسيحية في القدس: العارف ـ ص: 176، 177، وتاريخ الكنيسة: فرح ـ 1/ 124.

([9])   انظر: المسيحية في القدس: العارف ـ ص: 177.

([10])   انظر: الكتاب المقدس ـ رؤيا يوحنا: (11/ 1 ـ 19).

([11])   طاليثا قومي: تتكون من كلمتين سريانيتين وردتا في الإنجيل: « وبينما هو يتكلم جاءوا من دار رئيس المجمع قائلين ابنتك ماتت... فسمع يسوع لوقته الكلمة التي قيلت... فدخل وقال لهم... لم تمت الصبية... لكنها نائمة، فضحكوا عليه أما هو فأخرج الجميع... وأخذ بيد الصبية وقال لها طاليثا قومي. الـذي تفسيـره يا صبية لك أقول قومي، وللوقت قامت الصبية ومشت». ـ الكتاب المقدس ـ مرقص: (5/ 35 ـ 42).

([12])   انظر: تاريخ الكنيسة: فرح 2/ 139، 140، وجولة في تاريخ الأرض المقدسة: جقمان ـ المجلد الثاني ـ الباب الأول ـ ص: 189.

([13])   انظر: تاريخ الكنيسة: رفيق فرح ـ 1/ 58، 59.

([14])   انظر: دليل المنظمات في الدول المانحة التي تقدم مساعدات للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ـ مطابع رشاد الشوا ـ بلدية غزة ـ د. ط ـ 2000 ـ ص: 6.

الموضوعات