جاري التحميل

الإرساليات الأمريكية للتنصير

الإرساليات الأمريكية للتنصير

كتبت الكاتبة أمل عاطف محمد الخضري في كتاب ( التنصير في فلسطين في العصر الحديث ) في هذا الموضوع

الصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة ( 1439هـ - 2018م)

فقالت:

 

أ ـ الإرسالية البروتستانتية الأمريكية:

تأسست في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1810م أقدم جمعية إرسالية أمريكية، وهـي «جمعيـة المجلـس الأمريكـي للإرساليـة الخـارجيـة» American Bord of Commissioners For Foreign Mission، وقد عرفت باسم «الأمريكان بورد»، وانخرطـت فيهـا عـدة كنائس بروتستانتيـة أمريكيـة، وتوجه مرسلو الجمعية الأوائل للعمل فـي الهند عام 1812م، ولكن مـا لبثت فلسطين أن لفتت انتباه مرسلي الجمعية، فأوفـدت مرسَلَين للعمـل فـي فلسطين عام 1819م، وهما «بليني فيسك»، و«ليفي بارسونس»، وكانت مهمتهما الإقامة في القدس، والعمل على هداية اليهود إلى النصرانية، وذلك بسبب منع القوانين والأنظمة العثمانية، للتنصير بين رعاياها في تلك الفترة، ثم غادر كل من «فيسك» و «بارسونس» فلسطين إلى اليونان، وفي العام 1820م وصل إلى القدس المنصر «جويت»، وكان التنصير البروتستانتي قد بدأ في فلسطين بِمَقْدِمِه، إذ عمل مرسلاً من قبل المجموعة اللندنية لنشر الكتاب المقدس بين سكان القدس من المسلمين واليهود، وبقـي فـي القدس قرابـة عامين إلى أن هبط المدينة في سنة 1823م المستـر «ليوئـي» الإيرلنـدي الجنسيـة، الـذي عمـل مـع المنـصـر «دالتـون» والمنصـر «نيكولايسون»، وقد جاء إلى القدس في الوقت نفسه الكثير من المنصرين الأمريكيين، ومنهم «بلينسوس فيسك»، و«كنج»، و«طومسون»، ولكن الأهالي في فلسطين لم يتجاوبوا مع تعاليمهم فباءت محاولاتهم بالفشل، ثم قَدِم إلى القدس المنصران «دودج» و«بيتنك» الأمريكيـان، ثـم ما لبـث أن غادر «دودج» المدينة، وبقي «بيتنك» وحده يوزع الكتب الدينيـة والخبـز علـى الفقراء مـن طـلاب المدارس، وقـد قـام «بيتنـك» بالاتفاق مع «نيكولايسون» بوضع نظام موحد للدعوة للمذهب البروتستانتي([1]).

كما تمكن بعض المرسلين البروتستانت من القيام بجولات استطلاعية في البلاد بين السكان، وقاموا من خلالها بتوزيع الكتاب المقدس باللغة العربية([2]).

وفـي عام 1866م قامـت الإرساليـة الأمريكيـة البروتستانتيـة بإنشاء «الكلية الإنجيلية السورية اليسوعية» في بيروت The American Bord، والتي وفد إليها الطلاب المتفوقون ليعتادوا على النقد دون أي قيد ديني أو تقليدي، وهذه الكلية عرفت فيما بعد باسم «الجامعة الأمريكية» وذلك في العام 1920م([3]).

وقـد تمكن خمسة شبان مـن النصـارى العرب مـن خريجي الكلية الإنجيلية من تكوين جمعية سرية نادت ـ كما نادى أمثالهـم مـن الخريجين ـ بتحريـر الوطـن العربـي من الأتراك، وتمكنوا من ضم مسلمين ودروز إلى عضوية الجمعية، وأصبحت تلك الجمعية جمعية قومية عربية، وبدأ بذلك أول مجهود للدعوة للحركة القومية عام 1875م([4]).

ب ـ الإرسالية الكاثوليكية:

قامت الإرسالية الكاثوليكية الأمريكية بإنشاء كلية «القديس يوسف»، والتي عرفت بعد الحرب العالمية الأولى باسم «الجامعة اليسوعية» نسبة إلى الآباء اليسوعيين([5]).

ج ـ الجمعية المعمدانية:

قدمـت مـن الولايات المتحدة الأميركية إلى غزة عام 1954م، واستلمت إدارة مستشفى غزة (الأهلي حالياً) بعـد أن تركتهـا الكنيسة الإنجليزية، ومن الأنشطة التي كانت تقوم بها في غزة، تدريب الممرضات وفنيـي الأشعة والمختبرات، وذلك منذ عام 1954م وحتى عام 1993([6]).

وتـروي أ. م([7]) قصتها مـع مدرسة التمريـض فـي ذلـك المستشفى في أواخر السبعينيات، إذ كـان يفرض علـى جميـع الطلبة دراسة الإنجيل (البايبل)، ولا بـد من توفره مع كل طالب وطالبة، كما كانت مديرة التمريض تعمل على تشجيع الطلاب والطالبات على الصداقة وتجمعهم في بيتها إن لزم الأمر، وكانت هذه الطالبة متميزة في دراستها، محبوبة من مديرتها، أمورها ميسرة حتى لو تأخرت، فحسبها أن تقول كنت عنـد المديرة، حتـى لو لـم تكـن عندها، فإن ذلك كافٍ لدخولها المحاضرة بالرغم من تأخرهـا، وبعد أن ارتـدت تلك الطالبة الحجـاب، بدأت الحـرب عليها، ووقع عليها ضغط شديد وإغراء أشد لتركه. و كان هناك إلزام لجميع الطلاب لدخول الكنيسة يومياً، وذلك في الساعة السابعة صباحاً، وبعد التزام الطالبة بالحجاب رفضت الدخول، وأجبرت على ذلك، وتم تقديم عرض مسرحي بالدمى المتحركة يحمل اسم الطالبة صريحاً وكانت بعنوان «أ. م ترفض الدخول في المسيحية»، وتدور المسرحية حولها، وأنها ترفض الإيمان بالمسيح، وكانت الخاتمة التي وضعت لهذه المسرحية هي إيمان الطالبة واقتناعها بالنصرانية، فلم تتأثر بما ذكر في هذه المسرحية، وقابلتها بالاستخفاف والضحك.

ومما رأته هذه الطالبة من أعمال المنصرين، رفضهم معالجة شاب مدمن لرفضه التنصر، وذلك عندما كانت تتدرب في مركز الصحة النفسية، كما شهدت إعلانالمجموعة التي تتعلم معها دخولها في النصرانية داخل الكنيسة، وكانت إحدى الطالبات تراقبها عندما تصلي وتذكر ذلك للمدرسين مع أنها لم تكن ممن أعلن تنصره في الكنيسة. وعندما واجهت المجموعة المتنصرة بما فعلوا قالوا لها هذا مجرد وسيلة للنجاح وتحصيل العلامات، وقد نجحوا، كما أنهم أخذوا يدّعون أمام مرؤوسيهم أن الشيخ الفلاني قد قارب على أن يتنصر نتيجة نشاطهم، وهكذا كانوا أداة في يد المنصرين للاستهزاء، والاستهانة بالدين الإسلامي سواء بقصد، أو بغير قصد.

كمـا كانـت هناك في المستشفى مريضة مصابة بحروق، وتمكنوا من تنصيرها، وأهلها عن طريق المال، وكانوا يقولون لها إن المسيح سيتزوج يوم القيامة منها، أو من إحدى أخواتها بسبب إيمانهم.

وكانـت تعمل فـي المستشفى المنصـرة «مارشال»، حيـث كانـت ترسل الطلبة المتنصرين إلى أمريكا ليعيشوا هناك، وما من اثنين تزوجوا عن طريق تلك المدرسة من الطلبة إلا وكان للتنصير دوره معهـم، وذلك بمباركـة الكنيسة، وأمـا في أعياد الميلاد فكلٌ كان يجد هديته علـى بـاب غرفتـه، وهي عبارة عن مجسمات أو هدايا ذات علاقة بالدين النصراني، وأثناء زيارتها للقدس مـع طـلاب مدرسـة التمريـض، اطلعت على المكتبة المعمدانية فـي القدس الغربية، وكانت مليئة بالكتب الكثيرة لمساعدة الطلاب، ورأت استغـلال التنصير فـي مساعـدة الطلاب مالياً، أو مساعدتهم في حصولهم على النجاح، حتـى لو عبـر الطالب عـن تنصره بالقـول فقـط، وكل من ينصر أفراداً جدداً تصرف له زيادة، والأفضـل هـو مـن ينصر العدد الأكبر، كما كان يباع في المكتبة حمامة علـى شكـل صليب المسيح، ومـن أسوأ مـا تعرضت له تلك الطالبة منعها من تقديم الامتحان النهائـي فـي السنة الرابعة، وترسيبهـا وعـدم منحهـا شهادة، وحرمانها من التقدم إلى الامتحان مرة ثانية إلا إذا تنصرت، أو رفعت الحجاب فقط دون إعلانالتنصير، ولكنها رفضت وظلت بلا شهادة تمريض مع أنها كانت من أكفأ المتدربين والمتدربات.

كـما روت ابنة المريضـة. أ أن أمهـا عندمـا نامت في المستشفى في السبعينيات لإجراء عملية جراحية، قامت الممرضة برسم الصليب على موضع العملية، وقامت بقراءة فقرات من الإنجيل قبل بداية العملية طلباً للشفاء من المسيح.

ومع ذلك فقد وجد بعض المرضى الذين لم يأبهوا لأعمالهم فيروي أ. أ أن إحدى قريباته عندما كانت مقيمة في المستشفى، ورأت حسن معاملة الممرضة لها، فقالت لها: «يا ليتك كنت مسلمة»، وأما قريبه فقد تعجب من قراءة الممرضة للإنجيل بإخلاص لفترة طويلة قبل العملية فقال لها: «كيف لو كنت تقرئين القرآن؟»

كما تدير الجمعية المعمدانية مركز «الثقافة والنور» ومكتبته، والذي أسسته عام 1969م، ليمارس النشاط التنصيري من خلال تقديم خدمات تعليمية، وثقافية، للمجتمع، كما يوجد في المركز نادٍ لعرض المواد التسجيلية المصورة، ومركز لتعليم اللغة الإنجليزية، ويمد المركز المؤسسات بخبراء في مجالي التعليم الديني ولغة الإشارة([8]).

وتعقـد فـي هذا المركز دورات لتعلـم اللغة الإنجليزية ويتم من خلاها توجيه الطلبة لحفظ بعض الفقرات من الإنجيل عن طريق إكمال الناقص منه وترجمته، وذلك بتقديم الحوافز المالية لهـم، كما يجتمـع الطلاب في الكنيسة أحياناً ويطلب منهم الصلاة كما تصلى الراهبة أمامهم، وفي ختام الدورة توزع على المشتركين فيها هدايا فيها صلبان خفية أو ظاهرة، كما توزع مطبوعات وأشرطة على الطلاب والطالبات، تشتمل على النشيد الديني الكنيسي المأخوذ من كتابهم المقدس، إضافة إلى أنه في بعض الأحيان، يجد الباحث بين الكتب المتواجدة في المكتبة نشرات تنصيرية([9]).

د ـ الكويكرز([10]):

بـدأ نشاط هـذه الطائفة فـي فلسطين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر عندما قدم بروتستانت أمريكيون إلى فلسطين، وقاموا بعملهم التبشيري هناك، وقد نجحوا في إقامة مدرستين حديثتين داخليتين في رام الله، واحدة للبنين، وأخرىللبنات، وفي عام 1889م تمكن «عالي جونس» Ali Jones من إقامة مدرسة «الفرندز» الداخلية للبنات في رام الله، وشيدت مدرسة الذكور عام 1900م، وكان يُدَرَّس في هذه المدارس اللغات العربية، والإنجليزية، وعلوم الرياضيات، والتاريخ، والجغرافيا، والطبيعيات، والكتاب المقدس، والرسم، والأشغال اليدوية([11]).

 



([1])   انظر: جولة في تاريخ الأرض المقدسة: جقمان ـ المجلد الثاني ـ الباب الأول ـ ص: 156.

([2])   انظر: المرجع السابق ـ ص: 143.

([3])   انظر: المرجع السابق ـ ص: 146، 220.

([4])   انظر: جولة في تاريخ الأرض المقدسة: جقمان ـ المجلد الثاني ـ الباب الأول ـ ص: 147.

([5])   انظر: جولة في تاريخ الأرض المقدسة: جقمان ـ المجلد الثاني ـ الباب الأول ـ ص: 146.

([6])   انظر: دليل المنظمات غير الحكومية العاملة في قطاع غزة 2001م ـ مطابع مركز رشاد الشوا ـ بلدية غزة ـ بدون رقم طبعة ـ 2001 ـ ص: 12.

([7])   لما كان المنصرون يمارسون أنشطتهم بصورة سرية، ويفتخرون بوجود شبكة تنصيرية ضخمة، لا تعتمد على الرسائل المكتوبة أو المكالمات الهاتفية، بل تعتمد بشكل أساس على الكلمات الشفهية ـ انظر: 700 خطة لتنصير العالم ـ ص: 5، لذلك كان من العسير إثبات وجود العمل التنصيري الفعلي في المؤسسات التابعة للإرساليات التنصيرية، ومن هنا فإن توثيق المعلومات الخاصة بهذا المبحث اعتمدت بصورة أساسية على المؤلفات النصرانية التي تتناول تاريخ الكنائس والنصرانية في فلسطين بالدراسة، وبعض الوثائق الرسمية التي ذكرت فيها أعمال تلك المؤسسات، كما تطلب البحث في بعض الأحيان إثبات بعض الحالات التي تمت فيها ممارسة العمل التنصيري مع أفراد لا يمكن ذكر أسمائهم، وذلك لدواعٍ أمنية. وبعض الكتب التي وثقت أسماء المؤسسات العاملة في فلسطين بصورة عامة.

([8])   انظر: دليل المنظمات غير الحكومية ـ ص: 12.

([9])   حصلت الباحثة على تلك المعلومات في مقابلات خاصة مع عدة طالبات تعلمن في هذا المركز، وحصل معهن ذلك.

([10])   الكويكرز: هو الاسم الشائع الذي يطلق على ـ الأخوة ـ أتباع جورج فوكس، مؤسس جمعية الأصدقاء الدينية في الغرب في القرن السابع عشر الميلادي، ويقطن معظم أفرادها في الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا، وقد قاموا بالتنصير في آسيا وأفريقيا وأمريكا ـ انظر: الموسوعة العربية العالمية ـ 2/ 349، والموسوعة العربية الميسرة: إشراف محمد شفيق غربال ـ دار نهضة لبنان ـ بيروت ـ د. ط ـ 1980 ـ 1/ 66، 67.

([11])   انظر: الهجرة الفلسطينية الى امريكا من نهاية القرن التاسع عشر حتى عام 1945: جمال نايف =

 =      عدوي ـ المطبعة الشعبية ـ بيت الصداقة ـ الناصرة ـ الطبعة الأولى ـ 1993 ـ ص: 16، 17.

الموضوعات