جاري التحميل

التطبيب ودوره في التنصير

الموضوعات

التطبيب ودوره في التنصير

كتبت الكاتبة أمل عاطف محمد الخضري في كتاب ( التنصير في فلسطين في العصر الحديث ) في هذا الموضوع

الصادر عن دار المقتبس في بيروت سنة ( 1439هـ - 2018م)

فقالت:

لـم يتوان المنصرون عن استغلال أي شيء من أجل تنفيذ مخططاتهم، حتى آلام المرضى، والمشاعـر الإنسانيـة، فمنهجهم في ذلك هو كما يقولون: «حيث تجد بشراً تجد آلاماً، وحيث تكون الآلام تكون الحاجة إلى الطبيب، وحيث تكون الحاجة إلىالطبيب فهنالك فرصة مناسبة للتبشير»([1]) لذلك حرص المنصرون على تأسيس مستشفيات، ومستوصفات، وعيادات متنقلة، يبدو عليها سمات الإغاثة الطبية والصحية، وهي في الحقيقة تعمل على خدمة التنصير([2])، إذ يقول الطبيب المنصر «بول هاريسون» في كتابه التطبيـب فـي بـلاد العـرب: «لقد وجدنا فـي بـلاد العـرب لنجعـل رجالها ونساءها نصارى!»([3]).

واستغلال الطبيب من قِبل المنصرين ما هو إلا بسبب تمكن الطبيب من الاتصال بجميـع طبقات الناس، حتـى هؤلاء الانطوئيين الذين لا يخالطون أحداً بأي حال([4])، وسبب آخر هو أن المسلمين المرضى يرتادون تلك المؤسسات التنصيرية بأنفسهم دون أن يدعوهم أحد([5])، وفي هذا تقول الطبيبة المنصـرة «إيدهاريس»: «يجب على الطبيب أن ينتهـز الفرصة ليصل إلـى آذان المسلمين وقلوبهم»([6])، لما له من مكانة خاصة لدى مرضاه الذين يعالجهم، ويسهـل عليـه تنصيرهـم، أو أن يؤثر فيهم تأثيراً قوياً إن عجز عن تنصيرهم([7]).

ومن أجل ذلك حرص المنصرون في مجال التطبيب على الأمور الآتية:

أولاً ـ إنشاء المؤسسات الطبية التنصيرية:

كانـت بداية إنشاء المؤسسـات الطبية في فلسطين ـ والتي لا يزال بعضها يعمل حتى الآن ـ ما أقيم من مستشفيات تنصيرية في غزة، ونابلس عام 1875م، وكذلك في مدن أخرى بفلسطين ومنها([8]):

1 ـ                   المستشفى المعمداني في غزة، وقد سبق الحديث عنه([9]).

2 ـ                   مستشفـى العيـون وترعـاه راهبـات المحبة الفرنسية في القدس، ويوجد به مدرسـة للبنـات والأولاد، كما يوجـد مستشفىً آخـر يحمـل نفس الاسم ولكنـه تابع لإنجلترا.

3 ـ                   كما يوجد مستشفيات أخرى تحمل اسم البلد التي أقامته ومنها: المستشفى الإنجليزي، والمستشفى الفرنسي، والمستشفى الألماني، والمستشفى الإيطالي، الذي يوجد به أيضاً مدرسة للبنات، وذلك في القدس.

وكانت وسيلة التنصير في هذه المستشفيات عن طريق استخدام الصور والتماثيل التـي تجسد صوراً للمسيـح بأوضـاع مختلفة، تدور حول صلبه، وقيامته، وفدائه للعالم أجمع بتضحيته بنفسه، فالمستشفـى الإنجليزي كـان يقـوم بعملية التكريز ـ الدعوة إلى النصرانية ـ على المرضى مسلمين وغير مسلمين برضاهم، أو رغماً عنهم، أما المستشفى الفرنسي فيشتـرط رضا المرضـى مـن المسلمين لسماع الكرازة، وأما المستشفى الإيطالي فكان لا يتعرض للمسلمين([10]).

4 ـ                   كمـا أقيم مستشفىً إنجليزي، وآخر فرنسي بشارع العجمي في يافا، وهذان المستشفيان كان لا بد فيهما من أداء الصلاة النصرانية قبل العيادة الطبية، وكذلك تلقين المرضـى ـ الذيـن يحضـرون هنـاك للعـلاج ـ ما يريده المنصرون من صلوات، وأدعية نصرانية([11]).

ويلحق بذلك ما كان يقوم به أطباء جوالون، يقومون بزيارة القرى لملاحقة من يتم معالجته في مستشفياتهم، ومع ذلك فلم يفلح المنصرون في التأثير عليهم([12]).

ويهتم مجلس الكنائس العالمي بتقديم الخدمات الطبية والاجتماعية المختلفة بصورة عامة، فينشئ المستشفيات، والملاجئ، ودور الأيتام، ومعاهد، التمريض، والصيدليات ومـا إلـى ذلك في مختلف دول العالم الإسلامي([13])، كما تهتم منظمة «السفراء الطبيون» الدولية ـ المتخصصة بالتنصير الطبي ـ بتدريب الأطباء العاملين في المنظمات التنصيرية في مختلف دول العالم، وقد بلغ عدد المنظمات التنصيرية التي تم تدريب الأعضاء العاملين فيهـا أربعمائة منظمة عاملـة فـي ست وأربعين دولة، من بينها دول إسلامية منها مصر وأندونيسيا، ويتـم التخطيـط مستقبلاً للتوجه نحـو دول إسلاميـة أخرى منها الأردن ولبنان وفلسطين والسودان([14]).

ثانياً ـ تميز الخدمات الطبية التنصيرية:

تقـدم الخدمـات الطبية مـن قبـل الأطبـاء المنصرين بصورة مجانية للمرضى، أو بصورة شبه مجانية، وفـي الوقت نفسه تقـدم باسم المسيـح لِيَمُنّ علـى المرضى بالشفاء والخيـر والراحة كما يزعمون، كما تتميز تلك المستشفيات بأسلوب إدارتها، وبمواقعها المختارة بدقة، وبنظافتها، وما يقدم فيها من خدمات، وما يوجد فيها من كفاءات طبية حازت على ثقة الناس، لذلك فقد كانت المفضلة، حيث يلجأ إليها المرضى لعدم وجود البديـل، وإن وجـد فهـو يعاني من نقص في الخبرات، وسوء في المعاملة([15])، في الوقت الذي يقوم فيـه الأطبـاء والممرضون والممرضات في المراكز الطبية التنصيرية بالابتسام الدائم أمـام المرضـى، وتقديـم التحيـة لهـم، مما ينسيهم آلامهم، ويسهل عليهم مهمة توزيع الأناجيل الصغيرة والنشرات المبسطة([16])، وحتى المنصر العادي ـ أي الذي لا يعمل بمهنة الطب ـ فيفضل أن يكون ملماً بشيءٍ من المبادئ الأساسية للتطبيب والتمريض والإسعافات، ليتسنى للجميع اتخاذ الطب ستاراً ليمارسوا من خلفه عملية التنصير([17]). 

كما يولـي المنصرون اهتماماً خاصاً بأمراض النساء والولادة، ليتسنى لهم التأثير على المرأة المسلمة عن قربٍ، وبصورةٍ مباشرة([18]).

ومن الملاحظ أن الطبقة الفقيرة الجاهلة هي التي تُهرع عادة إلى عيادات الإرساليات الطبية المجانية، ظانة أنها تـؤدي عمـلاً إنسانياً، وهـي في الحقيقة تحاول تحقيق أهدافها التنصيرية بالمكر والكذب والرياء([19])، إذ يعتقد المنصرون أن المريض يتقبل سماع حديثهم عن الإنجيل، ويسوع الفادي رداً لجميلهم، وعطفهم المصطنع على المرضى، وبذلك يجنون فائدة كبرى في نظرهم ـ نتيجة احتكاك الأطباء، والممرضين بالمرضى([20]).

ثالثاً ـ تزايد انتشار المؤسسات الطبية التنصيرية في العالم الإسلامي:

قام المنصرون المجتمعون في مؤتمر أدنبرة عام 1910م باستعراض لأهم منجزات المنصرين الطبية، وبعض الإنجازات الاجتماعية في بلاد المسلمين، وكانت كالتالي:

500 مستشفى.

1024 صيدلية.

111 مجلس طبي.

98388 منصر.

92 جمعية للممرضات.

265 ملجأً للأيتام.

88 ملجأً للبرص.

25 مدرسة للمكفوفين.

21 معهد للإسعاف.

103 مستوصف لمدمني الأفيون.

15 ملجأ للأرامل.

وأما موسوعة العلوم الاجتماعية فقد عرضت عام 1927م ـ أي بعد سبعة عشر عاماً ـ إحصائية أخرى تبين مدى الانتشار المريع لتلك المؤسسات، وذلك كالتالي:

1550 مستشفى.

5343 مستوصف.

1889 ملجأ للأيتام.

185 مستشفى للجذام.

299 مستشفى للعجزة.

32 مستشفى للمكفوفين والصم([21]).

هذا عام 1927 فكيف الحال عام 2004؟!

وأخيراً فهذه بعض الأقوال التي تنم عن فساد نية المنصرين:

مـن هـذه الأقوال مـا ذكره د. «أراهارس» في مؤتمر «القاهرة 1906م»: «يجب على طبيب الإرساليات التبشيرية ألا ينسى ولا في لحظة واحدة أنه مبشر قبل كل شيء ثم هو طبيب بعد ذلك»([22]).

وأمـا د. «سمسون» فيقـول في المؤتمر نفسه: «ان المرضى الذين ينازعهم الموت بوجه خاص لا بد لهـم من مراجعة الطبيب وحسن أن يكون هذا الطبيب (المبشر) في جانب المريض عندما يكون في حالة الاحتضار»([23]).

وأما«بول هاريس» فقد قال في كتابه «الطبيب في بلاد العرب»: «ان المبشر لا يرضى عن انشاء مستشفى ولو بلغت منافع ذلك المستشفى عُمان بأسرها. لقد وجدنا نحن في بلاد العرب لنجعل رجالها ونساءها نصارى. ولا ريب في أن الطبيب يستطيع ان يصل إلى جميع طبقات الناس حتى اولئك الذين لا يختلطون بغيرهم»([24]).

كمـا تنصح المنصـرة «إيرا هاريس» أحـد الأطباء فتقول له: «يجب ان تنتهز كل فرصة للوصول إلى آذان المسلمين، وقلوبهم فتكرز لهم بالإنجيل. اياك ان تضيعالتطبيب في المستشفيات فانه أثمن تلك الفرص على الإطلاق. وحين يحاول الشيطان ان يفتنك ويقول لك، ان واجبك التطبيب فقط لا التبشير فلا تسمع منه»([25]).

هذا بعض من أقوالهم الحاقدة التي امتلأت بها كتبهم وتفضح أفكارهم وتكشف زيف طبهم.

ولا يـزال المنصرون يبذلـون الأمـوال الطائلـة، والجهد المستمر، ويجندون أكبر عدد ممكن من المنصرين من الأطباء، والممرضين، والصيادلة باسم الخدماتالإنسانية، ليتحقـق لهـم غـزو البـلاد الإسلامية تحت ستار الخدمات الطبية([26])، فهم يعتقدون أن الطب فـي تلك الدول الإسلاميـة ما هـو إلا مشروع تنصيري نصراني، ليس له هدف سوى تحويـل المسلمين إلى نصارى([27])، وبرغم كل ما يبذل من جهود تنصيرية إلا أنهم يعترفون بفشلهم، ويؤكد ذلك «سير ريدر بولارد» سفير بريطانيا في إيران عام 1939م ـ 1946م إذ يقول: «إن كثيراً من المسلمين، يقدرون أعمال الجمعيات التبشيرية في التعليم والتطبيب، ولكنهم يصمون آذانهم عن دعوتها الدينية»([28]).

 

*  *  *

 

 


 



([1])   التبشير والاستعمار: د. خالدي، د. فروخ ـ ص: 58.

([2])   انظر: أجنحة المكر الثلاثة: الميداني ـ ص: 103، والتنصير: د. النملة ـ ص: 46.

([3])   التبشير والاستعمار: د. خالدي، د. فروخ ـ ص: 59.

([4])   انظـر: جـذور البـلاء: التـل ـ ص: 225 ـ نقلاً عن: الطبيب في بلاد العرب: بول هاريسون ـ ص: 277.

([5])   انظر: أجنحة المكر الثلاثة: الميداني ـ ص: 69.

([6])   الموسوعة الميسرة: دار الندوة ـ 2/ 683.

([7])   انظر: التبشير والاستعمار: د. خالدي، د. فروخ ـ ص: 59.

([8])   انظر: المرجع السابق ـ ص: 61.

([9])   انظر: ص: 80، 81 من هذا الكتاب.

([10])   انظـر: تقريـر بشأن دور التبشيـر المسيحي في القدس مقدم من مراد الأصفهاني لمفتش المعاهد الدينيـة بالمجلـس الإسلامي الأعلـى بالقـدس بتاريـخ 5/ 1/ 1347 (23/ 6/ 1928) ـ القدس.

([11])   انظر: تقرير مرفوع لرئيس المجلس الأعلى بالقدس الشريف مقدم من: محمد فهمي غريب مكلف مـن قبـل رئيس المجلس باستكشاف دسائس المبشرين ـ بتاريخ ـ 8 رمضان ـ 1346ﻫ/ 29 ـ شباط ـ 1928م ـ يافا.

([12])   انظر: التبشير والاستعمار: د. خالدي، د. فروخ ـ ص: 61.

([13])   انظر: التبشير والطب: عبد الله العقيل ـ الكويت ـ من الأبحاث وأعمال المؤتمر العالمي الأول عن الطب الإسلامي: إشراف وتقديم ـ د. عبد الرحمن عبد الله العَوَضِي ـ نشرة الطب الإسلامي ـ     العـدد الأول ـ وزارة الصحـة العامة ـ الكويت ـ الطبعة الثانية ـ ربيع أول ـ 1401ﻫ ـ يناير ـ 1981م ـ ص: 507.

([14])   انظر: السفراء الطبيون سراً في دول إسلامية ـ

From: http:// www. islamonline. net/ Arabic/ news/ 2001 ـ 05 ـ 11

([15])   انظر: إذاعات تنصيرية: د. كرم شلبي ـ ص: 50.

([16])   انظر: جذور البلاء: التل ـ ص: 225.

([17])   انظر: التبشير والاستشراق أحقاد وحملات: طهطاوي ـ ص: 18.

([18])   انظر: التبشير والطب: العقيل ـ ص: 507.

([19])   انظر: جذور البلاء: التل ـ ص: 224.

([20])   انظـر: المرجـع السابـق ـ ص: 224 ـ نقلاً عـن: نظرات في الشريعة: زيد الفياض ـ الرياض ـ 1381ﻫ 1961م ـ ص: 169.

([21])   انظر: التبشير والطب: العقيل ـ ص: 506.

([22])   المرجع السابق ـ ص: 505.

([23])   التبشير والطب: العقيل ـ ص: 505.

([24])   جذور البلاء: التل ـ ص: 225.

([25])   المرجع السابق ـ ص: 225.

([26])   انظر: التبشير والطب: العقيل ـ ص: 505.

([27])   انظر: خطر التنصير: د. الفقي ـ ص: 62 ـ نقلاً عن: المستشرقون والمبشرون في العالم العربي الإسلامي: إبراهيم خليل أحمد ـ مكتبة الوعد العربي ـ القاهرة ـ 1964م ـ ص: 52 وما بعدها.

([28])   التبشير والاستعمار أحقاد وحملات: طهطاوي ـ ص: 21.

الموضوعات